array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 187

3 ركائز لقمة جدة: التوازن الدولي وتعزيز الجبهة العربية بتوحيد الرؤى وآليات للتنفيذ

الخميس، 22 حزيران/يونيو 2023

في 19 مايو 2023م، احتضنت مدينة جدة القمة العربية 32 والتي تأتي ضمن مسيرة العمل العربي المشترك الرامي إلى الاستفادة من المقومات البشرية الطبيعية التي تحظى بها المنطقة العربية لتحقيق أهداف واعدة لأجيال المستقبل من أبناء المنطقة. و احتضان المملكة العربية السعودية تلك القمة يضعها ضمن محطات هامة في رصيد الدبلوماسية السعودية التي انطلقت خلال السنوات الأخيرة بخطوات ثابته نحو تعزيز العمل الإقليمي مما سيكون له تأثير مباشر للمنطقة العربية على المسرح الدولي كغيرها من التكتلات الإقليمية الصاعدة. وتبرز أهمية التكتلات الإقليمية في ظل المرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام الدولي وإعادة التموضع لكثير من القوى الدولية والصاعدة على إثر الكثير من المستجدات سواء كانت المواجهة المفتوحة الروسية-الغربية في أوكرانيا والتنافس الصيني-الأمريكي والتغيرات المناخية وتحولات الطاقة، وإدارة الأزمات والكوارث والأمن المائي والغذائي والدوائي، جميعها تدفعنا لأهمية إعادة النظر ما لدينا من مؤسسات إقليمية وإعادة هيكلتها حتى تتناسب والتحديات القادمة. لذلك جاءت تلك القمة العربية ضمن جهود دبلوماسية سعودية رائدة كثفت خلالها العديد من اللقاءات والقمم والمبادرات الإقليمية والدولية بما فيها مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وقمة جدة للأمن والتنمية، والقمم الخليجية مع الصين والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها. وهاهي القمة العربية 32 انطلقت حتى تساهم في إكمال تلك الجهود و التي جاءت على ركائز ثلاث تمثلت في التوازن الدولي، تعزيز الجبهة العربية وتوحيد الرؤى إزاء القضايا العربية، آليات التنفيذ و المبادرات.

التوازن الدولي: نجح العرب في تفادي التمحور حول الخلاف الروسي-الغربي في أوكرانيا عبر دعوة كل من الرئيسين الروسي والأوكراني لإلقاء كلمتيهما في القمة العربية مفسحين المجال للمساهمة العربية في جهود الوساطة. لذلك ألقيت كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال القمة، بينما آثر الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي المشاركة الفعلية مطالبًا التكتل العربي بالقيام بدوره ضمن الأسرة الدولية للمساهمة لإيقاف تلك الحرب، وهو قرار لن يتمكن أخذه كلا الطرفان دون أن تكون هناك وساطة حقيقية تمارس من كافة الأطراف المعنية بوضع حد لتلك الأزمة والمأساة الإنسانية والأمنية والاقتصادية. وهذا الموقف المتوازن جاء محل ترحيب لكلا الطرفين المتنازعين، فالروس يرون أن جل طموحهم أن يسعى العرب لأخذ هذا الموقف بعيدًا عن الإملاءات الغربية، في الوقت نفسه، يتخلص الروس من تملق بعض الأطراف التي تسعى لكسب الود الروسي على حسابات المنطقة الإقليمية. كذلك الأوكرانيين يعلمون أهمية أن تضطلع دول الخليج لاسيما الأعضاء في أوبك وأوبك بلس بمسؤولياتها تجاه أسعار الطاقة التي لا يتضرر من تأرجحها إلا الدول النامية. كما يتطلعون لمزيد من جهود التعاون على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية، بالإضافة إلى جهود الإغاثة وإعادة الإعمار.

تصفير الأزمات ما بين التوازن الدولي والآليات التنموية: تعتبر عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد غياب 12 عامًا، أحد أهم الإنجازات على صعيد العمل العربي المشترك وذلك لما لسوريا من موقع محوري عروبي سواء على صعيد العمل السياسي أو الجغرافي والثقافي والتاريخي. وقد صاحبت تلك العودة تعليقات متباينة، الأولى كانت حول جدوى المقاطعة والدخول في الثورات وما لحقه من دمار هائل في البنية التحتية السورية، والثانية اتجهت نحو التأكيد على أن المنطقة مقبلة على تصفير الأزمات. أما الرد على مقولة جدوى الثورات هي بالفعل مقولة هامة وهي تعكس خطورة العملية الانتقالية السياسية التي من الممكن أن تخوضها كافة الأنظمة العربية والتي تتطلب أن يكون كافة الفرقاء السياسيين على قدر المسؤولية السياسية، فأي لجوء للتطرف سوف يدفع ثمنه الجميع وذلك ما حدث في المشهد السوري، بحيث تحولت سوريا إلى أرض خصبة للتدخلات الخارجية لاسيما روسيا وإيران. وهذا ما دفع دول الخليج بقيادة السعودية لأن ترحب مجددًا بالعودة السورية لانتشالها من التأثير الإيراني و لتحقيق توازن القوى الإقليمي. أما الحديث عن تصفير الأزمات، فهو سابق لأوانه، كما أنه يعتبر من المصطلحات التي أطلقتها الإدارات التركية السابقة وانتهت بالتدخل التركي في العديد من الملفات وما نتج عن ذلك التدخل من الكثير من الأزمات الإقليمية التي عانى منها الطرفان سواء كان التركي أو العربي. إلا أن ما يميز السياسة التركية هي البراغماتية وسرعة تقدير الموقف وتغييره والدخول في مساحات وخيارات واتجاهات جديدة تفرضها الجيوبوليتيكية التركية. أما التجربة العربية في البراغماتية فهي لا تزال بعيدة نوعًا ما. لذلك فإن حماية مفهوم تصفير الأزمات العربية سيكون عبر التوازن و إطلاق خطط التنمية و الربط الاقتصادي وهي جل ما يتطلع إليه المواطن العربي.

تعزيز الجبهة العربية: وذلك عبر جرأة الطرح في جذور وأزمات المنطقة العربية والتي تناولها إعلان جدة بدءًا بالقضية الفلسطينية وأزمة السودان، والعودة السورية والملف اليمني واللبناني. فالقضية الفلسطينية لا تزال تتصدر الأولويات العربية لاسيما على صعيد ارتفاع التوترات الأخيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وقد عبر إعلان جدة عن الثوابت الأساسية العربية في القضية الفلسطينية. وقد شكلت السودان مصدر قلق أمني جديد لاسيما أنها شهدت خلال السنوات القليلة الماضية حالة من الأمن والاستقرار، كما اتسمت عملية الانتقال السياسي بحالة من السلمية على خلاف بؤر الربيع العربي الأخرى. ومصدر القلق يعود إلى الخوف من انهيار مؤسسات الدولة الوطنية بفعل حالة الانقسام في الجيش السوداني والذي يعتبر صمام أمان الدولة السودانية باعتباره المؤسسة السياسية القادرة على لعب دور المرجعية في تصويب العملية السياسية برمتها. تشكل اليمن كذلك ركيزة أساسية في الأمن الإقليمي والتي تتحقق عبر دعم الجهود الأممية والإقليمية الرامية للتوصل إلى حل سياسي شامل للازمة اليمنية استنادًا إلى المرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني اليمني وقرار مجلس الأمن رقم 2216. أما الملف اللبناني الذي لايزال يتسم بالجمود، حيث يأمل من تفعيل العمل العربي المشترك على التأثير على حالة الجمود والدفع بكافة الفرقاء اللبنانيين للمضي قدمًا في العملية السياسية لاسيما عبر انتخاب الرئيس بشكل يرضي طموحات المواطنين وانتظام عمل المؤسسات الدستورية وإقرار الإصلاحات المطلوبة لاسيما التشريعات المتعلقة بإصلاح القطاع المالي والمصرفي.

آليات التنفيذ والمبادرات: يتطلع القائمون على إعلان جدة أن التوازن الدولي والإقليمي كفلسفة سياسية، وتصفير أزمات الملفات العربية المشتعلة، يحتاج إلى آليات ومبادرات تضمن تحقيق تلك الغايات الإقليمية التي تبنى عليها العديد من الطموحات في الانتقال بالمنطقة العربية إلى كتلة إقليمية تمارس ثقلها في الأسرة الدولية. ويعتبر العنصر البشري أساس تلك الآليات ومحورها وركيزتها الأساسية، فحينما يؤمن العرب بتلك المنظومة ويستشعرون انعكاساتها الاقتصادية والتنموية والتي تلعب دورًا أساسيًا في الحفاظ على الكرامة الإنسانية والاحتياجات ومتطلبات النجاح، سيكونون رقمًا هامًا في الدفع بتلك المنظومة قدمًا. لذلك شملت تلك الآليات العديد من المرتكزات وأهمها:

-الحفاظ على الهوية العربية للمنطقة عبر منع كافة دول الجوار غير العربي من التدخل في شؤون المنطقة لاسيما على الصعيد الثقافي.

-شجب الخيار العسكري كوسيلة لحل الصراعات.

-التأكيد على أهمية التنمية المستدامة والأمن والاستقرار والعيش بسلام كحقوق أصيلة للمواطن العربي، ومفهوم الحقوق الأصيلة يشكل إضافة مهمة في الأدبيات العربية.

-تساهم الجهود الرامية إلى تعزيز التنمية المستدامة إلى إطلاق الطاقات العربية المبدعة والخلاقة لاسيما في فضاء العلم والتقنية والتكنولوجيا، وهي طاقات بحاجة إلى بيئة إيجابية حاضنة وليست بؤر مشتعلة طاردة لتلك الطاقات التي سرعان ما تستقطبها المجتمعات الغربية. وتلك الطاقات هي الرهان الحقيقي للمنطقة العربية في بناء القدرات العربية في الصناعة و الابتكار و الإبداع.

-تعزيز التشريعات والأمن والحقوق ومكافحة الجريمة والفساد، وهي متطلبات أساسية لدعم بيئة جاذبة للإبداع والاستثمار الداخلي والخارجي.

-تعزيز مفهوم توطين التنمية و الصناعة و التي تعزز عبر استثمار الموارد و الفرص و معالجة التحديات و استثمار التقنية لتحقيق نهضة عربية صناعية وزراعية شاملة.

-الالتزام بالقيم والثقافة القائمة على الحوار والتسامح والانفتاح وهي قيم نحن في أمس الحاجة إليها في المنطقة العربية التي عصفت بها الحروب الأهلية والطائفية ومزقتها الولاءات الصغيرة والتي كانت بمثابة الخاصرة الرخوة التي استغلتها القوى الخارجية لإضعاف المجتمعات العربية من الداخل والتي ثبت سهولة اختراقها بهذه الهويات ما دون الدولة. و الحفاظ على الجبهة الداخلية كذلك يتطلب الحفاظ على السيادة و استقلال الدول و اعتبار التنوع الثقافي إثراءً لقيم التفاهم و العيش المشترك.

-إن احترام الرأي والرأي الآخر والحفاظ على التسامح والانفتاح الثقافي سوف يمكننا في الوقت نفسه من الحفاظ على ثقافتنا وهويتنا العربية، وتكريس الاعتزاز بالقيم والعادات والتقاليد الراسخة وبذل كل جهد ممكن في سبيل إبراز الموروث الحضاري والفكري حتى تكون الثقافة العربية جسرًا ثقافيًا للتواصل مع الآخر.

-أشاد الإعلان بدور المملكة العربية السعودية في رئاستها للقمة العربية 32 عبر إطلاقها العديد من المبادرات الهامة التي من شأنها أن تسهم في الدفع بالعمل العربي المشترك في كافة المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والتي شملت:

– مبادرة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها والتي تستهدف أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين العرب بما يسهم في تعزيز التواصل الحضاري بين الدول العربية والعالم، ويبرز الحضارة والثقافة العربية العريقة والمحافظة عليها.

– مبادرة الثقافة والمستقبل الأخضر والتي تهدف إلى رفع مستوى التزام القطاع الثقافي في الدول العربية تجاه أهداف التنمية المستدامة، وتطوير السياسات الثقافية المرتبطة بالاستدامة، بالإضافة إلى المساهمة في دعم الممارسات الثقافية الصديقة للبيئة وتوظيفها في دعم الاقتصاد الإبداعي في الدول العربية.

– مبادرة استدامة سلاسل إمداد السلع الغذائية الأساسية للدول العربية، والتي تعتمد بشكل أساسي على مجموعة من الأنشطة وتوفير فرص استثمارية ذات جدوى اقتصادية ومالية تساهم في تحقيق الأمن الغذائي لدول الوطن العربي، والمساهمة الفاعلة في تلبية احتياجات الدول العربية من السلع الغذائية.

– مبادرة البحث والتميز في صناعة تحلية المياه وحلولها بغرض تحفيز البحث العلمي والتطبيقي والابتكار في صناعة إنتاج المياه المحلاة وحلول المياه للدول المهتمة والمحتاجة، والتركيز على نشر ومشاركة المعرفة والتجارب والمساهمة في تحسين اقتصادات هذه الصناعة لخفض التكلفة ورفع كفاءة العمليات واستدامتها بيئيا، والمساهمة في إصدار المواصفات والمقاييس المعيارية والهيكلة المؤسسية لقطاعات المياه لتكون صناعة استراتيجية للدول العربية.

– مبادرة إنشاء حاوية فكرية للبحوث والدراسات في الاستدامة والتنمية الاقتصادية والتي من شأنها احتضان التوجهات والأفكار الجديدة في مجال التنمية المستدامة وتسليط الضوء على أهمية مبادرات التنمية المستدامة في المنطقة العربية لتعزيز الاهتمام المشترك ومتعدد الأطراف بالتعاون البحثي وإبرام شراكات استراتيجية.

 

خاتمة: شكلت القمة العربية 32 نقلة هامة على الصعيدين، الأول العربي والثاني السعودي-الخليجي. فالعمل العربي عادة ما ينتعش مع كل رئاسة خليجية وذلك بفعل الديناميكية التي تعمل بها دول الخليج، والتي تجلت بوضوح مع قيادة المملكة العربية السعودية لهذه القمة حيث أضافت الكثير سواء على صعيد العمل الدولي والإقليمي الذي اتسم بالاتزان والحياد ورسائل واضحة للشرق والغرب بمحورية الكتلة العربية ودورها كخيار استراتيجي من الممكن أن يلعب دورًا هامًا كوسيط للسلام لاسيما أن الدول العربية وبالأخص دول الخليج تحظى بعلاقات ممتازة مع طرفي النزاع الروسي-الأوكراني. كما شكلت العودة السورية تتويج لدبلوماسية هذه القمة بالقيادة السعودية. سعت هذه القمة كذلك لتبني بحذر مفهوم تصفير الأزمات عبر طرح كافة القضايا العربية المشتعلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية و السودانية و اليمنية و اللبنانية وهي ملفات سوف تشهد انفراجة لاسيما تلك التي على اتصال و تأثير مباشر من الاتفاق السعودي-الإيراني، كما اتسمت تلك القمة بجرعات كبيرة من الأمل والتطلع لبناء المستقبل عبر التشديد على أهمية التنمية وتوطين التنمية والصناعة و تبني الكفاءات العربية الخلاقة و المبدعة القادرة على صناعة مستقبل عربي يساهم في رفع مكانة هذه المنطقة إلى مكانتها الطبيعية كأمة لها سبق و إسهام حضاري بناء، و الذي سوف ينعكس بوضوح في إسهاماتها على المسرح الإقليمي و الدولي.

مقالات لنفس الكاتب