array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 187

استمرار جهود السعودية في متابعة تنفيذ القرارات إلى عقد القمة القادمة في البحرين

الخميس، 22 حزيران/يونيو 2023

انعقدت قمة الدول العربية الثانية والثلاثون في جدة بالمملكة العربية السعودية في دورتها العادية تحت شعار "التغيير والتطوير" ووسط تطورات إقليمية ودولية استثنائية بما في ذلك بروز توجهات جديدة لأغلب دول المنطقة نحو سياسة تصفير المشاكل وتطبيع العلاقات فيما بينها للتركيز على التنمية.

ويمثل توقيت ومكان عقد القمة العربية عاملين مهمين أثرا على مخرجاتها بالنظر إلى مكانة المملكة العربية السعودية في العمل الدبلوماسي العربي، فضلاً عن طبيعة الملفات المطروحة التي تتطلب تنسيقًا عربيًا على مستوى عال، وتبذل لأجله الرياض جهودًا معتبرة.

وسخرت المملكة العربية السعودية إمكانيات كبيرة تحضيرًا للقمة العربية خلال الستة أشهر الفاصلة بين قمة جامعة الدول العربية في الجزائر في نوفمبر 2022م، وقمة جدة في مايو 2023م. وعرفت الرياض حركية دبلوماسية غير مسبوقة كمًا ونوعًا؛ ففي ديسمبر 2022م، انعقدت القمة العربية الصينية لأول مرة في التاريخ في العاصمة الرياض بالمملكة العربية السعودية. وفي 12 مارس 2022م، تفاجأ العالم بإعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بوساطة صينية بعد سنوات من التوتر وهو حدث كبير قد يحقق الأمن والاستقرار للمنطقة وأخلط الكثير من الحسابات. وبعد ذلك، كثفت الدبلوماسية السعودية الجهود بالتعاون مع سلطنة عمان لإحداث انفراجة في الأزمة اليمنية. كما سابقت الزمن في الملف السوري بعقد لقاءات ثنائية ومتعددة الأطراف تمخض عنها مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد لأول مرة منذ 12 سنة في القمة العربية في جدة. وقطعت طائرة الوزير الأمير فيصل بن فرحان أميالًا كثيرة إلى الكثير من عواصم العالم.

ونجحت الجهود السابقة لانعقاد القمة، إذ رسخت قرارات قمة جامعة الدول العربية في جدة برئاسة المملكة العربية السعودية بتاريخ 19 مايو 2023م، مفاهيم "التطوير والتغيير". وشكلت محطة متميزة ونقلة نوعية وضعت اللبنة الأولى لنهج سياسي وأمني واقتصادي عربي مستقل وموسع وإيجابي ضمن مسيرة العمل العربي المشترك يقوم على أسس واضحة وهي السلام والتعاون والبناء ورفض استمرار بؤر التوتر في المنطقة العربية (الكلمات الأولى لمداخلة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان). ويوضح مضمون القرارات الصادرة عن قمة جدة كيف أثرت وتؤثر إيجابًا التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية السعودية ورؤية 2030م، لولي العهد السعودي ورئيس الوزراء الأمير محمد بن سلمان على العمل العربي المشترك.

وخلال قمة جدة، استمر نهج توسيع مجال العمل العربي المشترك على مستوى القمة ليشمل موضوعات جديدة لم يسبق طرحها في القمم العربية السابقة منها تعزيز التعاون العربي في مجال الأمن السيبراني وأمن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إطار الأمن الدولي، والتعاون العربي في قضايا تغير المناخ، وتخصيص قرار كامل لـ "السد الإثيوبي".

كما عكست التحديثات المهمة التي أدخلت على القرارات العربية خلال قمة جدة التطورات السياسية والاقتصادية في المنطقة نحو التوجه إلى الاستقرار والازدهار وإنهاء التوتر بعيدًا عن توجهات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة والتجاهل الغربي المستمر لقضايا المنطقة.

وفي هذا الصدد، جدد القادة العرب في قمة جدة التمسك بالخيار الاستراتيجى، بتحقيق السلام الشامل والعادل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي من خلال مبادرة السلام العربية، وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية، ومطالبة إسرائيل بإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967م، وعاصمتها "القدس الشرقية".

وأضافت قرارات قمة جامعة الدول العربية في جدة مكاسب وبعدًا آخر للقضية الفلسطينية؛ إذ اعتمد القادة العرب تعريفًا قانونيًا عربيًا للنكبة لأول مرة في تاريخ العمل العربي المشترك "كمأساة وكارثة إنسانية تاريخية ولدت في سياق مخطط استعماري..." (الفقرة 7 من القرار ق. ق 816 د. ع (32) 19 /5/2023م).

وبهدف المضي قدمًا تجاه تجريم إنكار النكبة، اتفق القادة العرب في قمة جدة لأول مرة في التاريخ على تقنين تجريم إنكار النكبة بالصيغة التالية: "إدانة إنكار النكبة بالأشكال كافة، بما فيها التشكيك في وجود وتاريخ الشعب العربي الفلسطيني على أرضه؛ والتقليل من الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحقه، وأدت إلى تهجيره قسراً من وطنه؛ وتبرئة العصابات الصهيونية والمتواطئين معها من مسؤولياتها عن تلك الجرائم".

واعتمدت قمة جدة يوم 15 مايو من كل عام يومًا عربيًا ودوليًا لاستحضار واستذكار هذه الذكرى المؤلمة ودعت إلى اتخاذ تدابير على مستوى الدول والمنظمات الدولية لإحياء هذه الذكرى الأليمة كأساس يمهد الطريق لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني وممارسة لاجئيه لحقهم في العودة والتعويض وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948م.

وعكس اعتماد القادة العرب في قمة جدة قرارًا بشأن تشكيل لجنة وزارية عربية مفتوحة العضوية بشأن فلسطين التوجه العام نحو بذل العرب الجهد لحلحلة أزمات المنطقة وعدم انتظار جهود دول من خارج المنطقة التي تركز على أولويات أخرى، إذ يأتي إنشاء هذه اللجنة في ظل تجميد الولايات المتحدة الأمريكية لنشاط اللجنة الرباعية الدولية وتراجع زخم القضية الفلسطينية على الساحة الدولية. ومن مهام اللجنة، التحرك على المستوى الدولي لمساندة جهود دولة فلسطين في نيل المزيد من الاعترافات والحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة وعقد مؤتمر دولي للسلام وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني. وترأس المملكة العربية السعودية حاليًا هذه اللجنة بصفتها رئيسة القمة العربية وبعضوية الجزائر والأردن وفلسطين وقطر ولبنان ومصر والمغرب وموريتانيا.

كما تميزت قمة جامعة الدول العربية في جدة باتباع مسار جديد بشأن الأزمة السورية وإطلاق دور عربي قيادي في جهود حل الأزمة السورية بكل أبعادها بعيدًا عن نهج المقاطعة والعقوبات العربية والذي استمر لسنوات وأثبت فشله. وورد في كلمة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال القمة:"...نأمل أن يسهم ذلك في دعم استقرار سوريا، وعودة الأمور إلى طبيعتها، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، بما يحقق الخير لشعبها، وبما يدعم تطلعنا جميعاً نحو مستقبل أفضل لمنطقتنا".

وشارك الرئيس السوري بشار الأسد في قمة جامعة الدول العربية لأول مرة منذ 12 سنة بعد قرار مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري الاستثنائي الذي انعقد في القاهرة بتاريخ 7 مايو 2023م برئاسة جمهورية مصر العربية بالسماح باستئناف مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في أنشطة جامعة الدول العربية رغم المعارضة الغربية مما يعكس التطور الإيجابي الحاصل في استقلالية القرار العربي وأخذ زمام المبادرة في ظل تراجع الأزمة السورية في الأجندة الدولية وتحول سوريا إلى بؤرة توتر ومصدر تهديد لأمن دول المنطقة وورقة ضغط لدى الغرب.

ويشكل هذا التطور الإيجابي خطوة أخرى ضمن عدة خطوات لتعزيز اللحمة العربية بعد المصالحة الخليجية / المصرية مع دولة قطر ومع استمرار مسار المصالحة مع الدول الإقليمية المجاورة للدول العربية. وبذلك يكون العالم العربي تجاوز مرحلة كانت في غاية التعقيد مع سوريا، والاتجاه نحو تشكيل نظام عربي جديد قائم على التعاون الإقليمي الأوسع إذا تفاعلت القيادة السورية إيجابًا مع مسائل المصالحة الداخلية والإفراج عن الأسرى والمعتقلين، ووافقت على عودة اللاجئين وتصدت للجريمة العابرة للحدود بكل أنواعها.

وأبدت بعض الحكومات الغربية معارضتها لقرار القمة الذي رحب باستئناف مشاركة وفود الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية على كل المستويات وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها. ويظهر أن عودة مشاركة الرئيس السوري في قمم جامعة الدول العربية عبر قمة جدة (عبر البوابة السعودية) في التوقيت الحالي خفف نوعًا ما من رد الفعل الغربي تحسبًا من رد الفعل السعودي.

وهنا يمكن الربط بين المظاهر العديدة للتطور الحاصل في استقلالية القرار السعودي مثل استقلالية النظرة السعودية للحل في سوريا ولدور الصين المتزايد في المنطقة وللمواقف المستقلة في سوق الطاقة...مقارنة بالموقف الغربي والتي برزت بوضوح في الفترة الأخيرة وهو ما انعكس إيجابًا على استقلالية القرار العربي.

ومع ذلك، ثمة تحسب من بعض التأثيرات السلبية لعودة سوريا إلى الجامعة العربية على العمل العربي المشترك باعتبار أن بعض الدول العربية لم تستأنف علاقاتها مع دمشق بعد فضلاً عن التحسب من التأثير السلبي لعلاقات هذه المنظمة العربية العريقة مع الأطراف الدولية الغربية في ظل تلميحات بعض الدول (الغربية بشكل أساسي) بعدم المشاركة في الأنشطة المشتركة والتي تكون فيها سوريا الرسمية حاضرة. وهنا يطرح التساؤل عن رد فعل الدول العربية أو جامعة الدول العربية في حال رفض تقديم دعوة لدولة عضو في الجامعة العربية لنشاط عربي ـ أوروبي مشترك مثلاً، أو رفض مشاركة أي طرف في نشاط عربي بمبرر تواجد الوفد السوري. وقد يكون أولى التداعيات (في حدود معرفتنا) تأجيل عقد الاجتماع الوزاري العربي الأوروبي الذي كان من المقرر عقده في القاهرة قريبًا جدًا. ونجد مثل هذه الحالات في منظمات دولية عدة مثل الاتحاد الإفريقي الذي يرفض المشاركة في أنشطة مع الأطراف الدولية إذا تم استثناء وعدم دعوة أحد الأعضاء في الاتحاد الإفريقي للنشاط المعني. واستقطبت قمة جدة الأنظار الإقليمية والعالمية بعدما استضافت المملكة العربية السعودية الرئيس الأوكراني زيلينسكي كضيف شرف في القمة العربية. وألقى كلمة في الجلسة الافتتاحية في عز الحرب الروسية-الأوكرانية مما شكّل حدثًا لافتًا أعطى للقمة العربية بعدًا عالميًا. وأكد حضور "زيلينسكي" التوجه السعودي للعب دور يتجاوز مجال منطقة الشرق الأوسط وخلق مكانة دبلوماسية في نظام عالمي جديد قيد التبلور من خلال دعم السلام والبحث عن مخارج سلمية للحرب في أوكرانيا.

ويمثل الجمع بين الرئيس السوري بشار الأسد (حليف بوتين) والرئيس زيلينسكي (حليف الغرب) في قاعة واحدة بحضور القادة العرب دلالة ملموسة على التغيرات التي تحصل في العالم العربي نحو مزيد من التوازن في العلاقات مع كل القوى الدولية وبالتالي مزيد من استقلالية القرار العربي لإخراج منطقة الشرق الأوسط من التوتر الذي استمر لعقود.

وأيضًا، ثمة مثال آخر، إذ تزامنت زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى السعودية خلال الفترة 7-9 يونيو 2023م، مع اعادة افتتاح سفارة إيران في الرياض وزيارة رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو إلى السعودية. وهي مؤشرات إضافية مستمرة تعزز الرؤية السعودية الجديدة للعالم بعيدًا عن النهج التقليدي وتجدد التأكيد على أن القرار السعودي مستقل.

وعكست التحديثات التي أدخلت على القرار الصادر عن قمة جدة بشأن الأزمة اليمنية التوجه نحو السلام والرغبة العربية الأكيدة في إنهاء الحرب؛ إذ تم إلغاء كل العبارات التي تصف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية وتم إلغاء عبارة تدعو الدول إلى تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية فضلًا عن إلغاء فقرة كاملة تشير إلى التدخلات الإيرانية في الأزمة اليمنية. وهي مواقف تهدف إلى تعزيز مسار بناء الثقة لإنهاء الأزمة اليمنية وإعادة الأمن والاستقرار والتنمية للمنطقة.

وكان الوضع في السودان من أهم المواضيع الساخنة على جدول أعمال قمة القادة العرب في جدة. وأكد القادة العرب بأن الأزمة السودانية شأن داخلي سوداني متضامنين مع السودان الرافض لتدويل الأزمة. وتعمل المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية وباقي الدول العربية على توفير المساعدات الإنسانية للسودان لغلق الطريق أمام مجلس الأمن ومنعه من التدخل في السودان بمبرر إنساني.      

ويمثل اعتماد القادة العرب في قمة جدة قرارًا مستقلًا بعنوان "السد الإثيوبي" داعمًا لوجهة النظر المصرية / السودانية بشأن التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل السد الإثيوبي حدثًا مهمًا أثار غضب ورد فعل إثيوبيا التي حاولت دق إسفين بين مصر والسودان لكن جاء الرد المصري فوريًا، إذ اعتبرت القاهرة بيان إثيوبيا حول قرار القمة العربية مُضلل ومحاولة يائسة للوقيعة بين الدول العربية والإفريقية. وتضمن القرار 10 فقرات كاملة تعكس الموقف العربي الموحد بشأن كل عناصر الأزمة. وتم إقرار ملف "السد الإثيوبي" بندًا دائمًا في القمم العربية القادمة إلى حين تسوية الأزمة مما يعكس مدى الأهمية التي توليها القيادة العربية لانشغالات مصر والسودان للموضوع.

وكان لافتًا إصدار القادة العرب قرارًا في قمة جدة بشأن التفاعلات العربية مع قضايا تغير المناخ العالمية لأول مرة في تاريخ العمل العربي المشترك والتوافق على إدراجه كبند دائم في أجندة القمم العربية القادمة. وجاء القرار ليعكس الدور المتميز للدول العربية على الساحة الدولية بشأن تغير المناخ منها استضافة مصر الناجحة لفعالية الدورة 27 من مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغــير المنـــاخ وأعمال قمة رؤساء الدول والحكومات في نوفمبر 2022م. ومن المرتقب أن تؤدي الإمارات العربية المتحدة الجهد ذاته أو أكثر أواخر العام الحالي.

وتميزت قمة جدة بالاهتمام اللافت بالملفات الاقتصادية على خلاف القمم السابقة. واتخذت قرارات بشأن تفعيل اتفاقية النقل العربية، والاستراتيجية العربية للسياحة، والاستراتيجية العربية للمعلومات والاتصالات والتقدم المحرز في استكمال متطلبات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وإقامة الاتحاد الجمركي العربي. وعكس دعم القادة العرب في قمة جدة لعدد معتبر من المبادرات والأنشطة العربية التنموية والتكنولوجية الرائدة والدعوة إلى الاستفادة من التجارب الناجحة للدول الأعضاء التضامن العربي والرغبة في تعميم الفائدة على كل الدول العربية.

وعمليًا، عكس التوافق العربي والسلاسة في اتخاذ القرارات خلال قمة جدة مقارنة بالقمم السابقة العلاقات المتميزة للرياض مع كل العواصم العربية فضلًا عن الجهد المعتبر الذي بذلته الدبلوماسية السعودية قبل انعقاد القمة وخلالها بالتعاون مع الدول الأعضاء ومع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.

وتأتي مرحلة تنفيذ وتفعيل القرارات الصادرة عن قمة جدة؛ ولدى الدبلوماسة السعودية خبرة طويلة في هذا المجال. لكن بشكل عام تحتاج مرحلة تنفيذ قرارات القمة فهم المسؤوليات التي تترتب على رئاسة دولة عربية محددة لقمة جامعة الدول العربية لمدة سنة أو أقل من ذلك أو أكثر؛ فبذل الجهود خلال مرحلة التحضير للقمة العربية وكذلك في مرحلة انعقادها واتخاذ قرارات تاريخية مراحل مهمة للغاية لا تكتمل إلا بنجاح مرحلة تنفيذ وتفعيل القرارات عمليًا. ومن المنظور القانوني، يقع على المملكة العربية السعودية كرئيسة لمجلس الجامعة العربية على مستوى القمة مسؤولية الاستمرار في متابعة تنفيذ القرارات بالتنسيق مع مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري ومع الأمين العام لجامعة الدول العربية.

ونتوقع أن تستمر دينامية جهود المملكة العربية السعودية في متابعة تنفيذ القرارات خلال الفترة من مايو 2023م، إلى غاية عقد القمة القادمة في البحرين العام القادم. وهو ما سيستدعي دبلوماسية سعودية كثيفة ونشيطة على الساحة العربية والدولية فضلًا عن تكثيف التفاعل مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.

والتقدير هو أنه في ظل الرئاسة السعودية للعمل العربي المشترك على مستوى القمة؛ من المتوقع الاستمرار في مسار تعزيز الاعتماد على الجهود العربية المشتركة، والقدرات العربية الذاتية، والتكامل العربي، لصياغة حلول حاسمة للقضايا العربية. وفي هذا الصدد، قد يتعين الحفاظ على جامعة الدول العربية وتطويرها كمنظمة دولية إقليمية عريقة ورمز الوحدة العربية.

ولدى دبلوماسية المملكة العربية السعودية تجربة طويلة في الوساطة بين الدول العربية. ونرى أنه يمكن تحقيق المزيد من النجاحات في تحسين العلاقات بين الدول العربية وحلحلة وتسوية الأزمات العربية.

ومن المرجح أن الدبلوماسية السعودية ستبذل كل الجهد لإنجاح عمل اللجنة الوزارية العربية مفتوحة العضوية بشأن فلسطين والتي تم إنشاؤها في قمة جدة في ظل الرئاسة السعودية للجنة. وفي هذا الصدد، يمكن التفكير في تعزيز التفاعل بين اللجنة الوزارية العربية مع أعضاء اللجنة الرباعية الدولية فرادى، وكذلك مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن... والدفع قدمًا نحو حلحلة القضية الفلسطينية.

ومن المتوقع استمرار التعاون العربي بقيادة المملكة العربية السعودية بصفتها رئيسة القمة العربية لإعادة إدماج سوريا في المتجمع الدولي والعمل على إلغاء العقوبات كمرحلة تالية بعد النجاح في عودتها إلى الحضن العربي. وسيكون اتخاذ خطوات عربية مشتركة أو انفرادية ملموسة لإعادة إعمار سوريا خطوة مهمة نحو تعزيز استقرار كل المنطقة. والتقدير هو أنه سيكون حدثًا إيجابيًا كبيرًا لو تقرر المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة أو غيرهما عقد مؤتمر عربي دولي لإعادة إعمار سوريا في الرياض أو في أبو ظبي أو غيرهما من العواصم العربية. وسيرسل ذلك رسالة واضحة إلى العالم بأن العرب أسياد في أوطانهم. والتعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار في سوريا سيساهم في حلحلة الكثير من التحديات المتعلقة بسوريا داخليًا وخارجيًا. وثقل ومكانة الدول العربية الكبيرة سيساعد في هذا الشأن.

من جانب آخر، من الواضح أن القيادة السورية تستطيع فعل الكثير لتعزيز استقرار المنطقة والمساهمة في تعزيز مسار المصالحات وإنهاء الأزمة اليمنية من خلال تحريك علاقاتها مع حزب الله اللبناني وإيران بالنظر إلى العلاقات المترابطة مع جماعة الحوثي.

ويمتلك العالم العربي أوراقًا مهمة للضغط على إثيوبيا لاحترام الموقف العربي الموحد الصادر عن قمة جدة بشأن السد الإثيوبي منها ورقة الضغط الاقتصادي. ومن المتوقع تفعيل عمل لجنة متابعة تطورات الملف والتنسيق مع مجلس الأمن بالأمم المتحدة حول كافة تطورات الموضوع. نذكر أن المملكة العربية السعودية عضو في اللجنة مع الأردن والمغرب والعراق والأمانة العامة لجامعة الدول العربية. كما ستستضيف السعودية القمة العربية الإفريقية الخامسة خلال العام الحالي ويمكن للرياض بما تتمتع به من ثقل دبلوماسي طرح تسوية عربية إفريقية لأزمة السد الإثيوبي.

ومن الأهمية تفعيل ما ورد في مداخلة بعض القادة العرب خلال قمة جدة من مقترحات بشأن توسيع تطبيق مجال العمل العربي المشترك ليشمل التعامل مع الأزمات العالمية. وهنا من المهم الإشارة إلى أنه رغم إنشاء لجنة وزارية عربية للوساطة في الأزمة الأوكرانية، الملاجظ تجاهل بعض الدول العربية للجنة والتحرك انفراديًا في الأزمة الأوكرانية وهو ما أثر على فعالية اللجنة العربية المشتركة. 

وأيضًا سيكون من الملائم تفعيل مقترح أحد القادة العرب في قمة جدة بشأن توسيع العمل العربي المشترك ليشمل تنسيق العمل لإصلاح منظومة الحوكمة الاقتصادية العالمية، وفى القلب منها؛ مؤسسات التمويل، وبنــــوك التنميــة الدوليـة التى ينبغي أن تكون أكثر استجابة، لتحديات العالم النامي. والمبادرة إلى خلق آليات دولية جديدة تراعي المصالح العربية وليس الاكتفاء بطلب العضوية في آليات دولية من إنشاء غير العرب.

مجلة آراء حول الخليج