array(1) { [0]=> object(stdClass)#13180 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 187

استقرار المنطقة يتطلب تفعيل مجلس السلم والأمن العربي ومحكمة العدل العربية

الخميس، 22 حزيران/يونيو 2023

انعقدت القمة العربية الثانية والثلاثون في جدة في مايو 2023م، في ظروف تتسم بالتعقيدات والتوترات على المستويات الإقليمية والدولية. فالحرب الروسية ــ الأوكرانية شغلت الدول الأوروبية والولايات المتحدة ودول آسيوية في أبعادها العسكرية والأمنية، كما أن تأثيراتها في مجالي الأمن الغذائي وأمن الطاقة طالت مناطق مختلفة من العالم. يضاف إلى ذلك أن التنافس الأمريكي ـ الصيني يزداد حدة وتتجاوز تأثيراته آسيا والمحيط الهادئ. إقليميًا ما يزال الملف النووي الإيراني معلقًا دون حسم. كما أن بروز حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة نجم عنها سياسات زادت من التوترات في الأراضي المحتلة وفي القدس. في العالم العربي لم تستقر الأوضاع بعد انتفاضات ما سمّي "الربيع العربي". فما يزال عدم الاستقرار هو السمة الأغلب للأوضاع في اليمن وسوريا وليبيا والسودان. وتردت الأوضاع الاقتصادية لدول عربية مثل لبنان التي لم تتمكن من انتخاب رئيس لها بسبب الخلافات الداخلية. تتشابك هذه الأوضاع العربية مع مصالح دول إقليمية مثل إيران وتركيا. وكانت الجامعة العربية قد علقت عضوية سوريا في المنظمة بعد اندلاع الانتفاضة السورية واحتدام القتال هناك. فمنذ عام 2011م، لم تشارك سوريا في اجتماعات جامعة الدول العربية.

الحراك السياسي والدبلوماسي قبل انعقاد القمة

من أجل نجاح أي قمة عربية تنعقد في ظل هذه الظروف، كان لابد أن يتعامل البلد المضيف للقمة، خاصة إذا كان البلد في ثقل المملكة العربية السعودية، مع هذه الملفات الشائكة بهدف عقد القمة في بيئة مؤاتية وإيجابية. لهذا السبب بدأت المملكة العربية السعودية منذ فترة ليست قصيرة قبل انعقاد القمة في الاضطلاع بدور أكبر على الصعيد العالمي. وكانت الخطوة الأولى ما يمكن تسميته "تصفير المشاكل" أي إنهاء أي خلافات عالقة مع دول أخرى مثل قطر وإيران واليمن. كما سعت المملكة لتوسيع علاقاتها الخارجية. فمع احتفاظها بشراكاتها السابقة قوّت المملكة علاقاتها مع الصين وروسيا. فقد انضمت في مارس 2023م، لمنتدى شنغهاي للتعاون.

من المساعي التي قامت بها المملكة العربية السعودية تجاه تصفير التوترات الخارجية، تطبيع علاقتها مع إيران. ففي 10 مارس 2023م، اتفق الطرفان في بكين على تطبيع العلاقة بين البلدين. وكانت المملكة قد قطعت علاقتها مع إيران في عام 2016م، بعد أن قام متظاهرون إيرانيون بمهاجمة السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد. وسيمهّد هذا التطبيع الطريق إمام تسوية أزمات ضربت المنطقة العربية وظلت عالقة دون حسم في اليمن وسوريا ولبنان. وقد التقى وزيرا خارجية السعودية وإيران في بكين في 6 أبريل 2023م، لمتابعة ما اتفق عليه الطرفان، وقررا فتح البعثات الدبلوماسية في غضون شهرين. وأعلنت إيران عن فتح سفارتها في الرياض وقنصليتها في جدة ومندوبيتها لمنظمة التعاون الإسلامي في يومي 6 و7 يونيو 2023م، وقد كان لهذا التطبيع بين البلدين نتائج إيجابية مباشرة. ففي الشأن السوري أعلنت الجامعة العربية في مايو 2023م، إنهاء تعليق عضوية سوريا في الجامعة وأن الدعوة ستوجه لها لحضور القمة العربية.

وفي الشأن اليمني زار صنعاء وفدان عماني وسعودي وعقدا اجتماعًا مع جماعة الحوثي في إشارة لإنهاء التوتر والاستعداد لفتح صفحة جديدة في العلاقات. واتفق الطرفان على عقد لقاء بعد عيد الفطر. وتشير تقارير صحفية إلى أن السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر قد عرض التوسط بين مجلس القيادة الرئاسي اليمني والحوثيين. قد يحتاج التحرّك السعودي لإنهاء الحرب في اليمن إلى عقد اجتماعات مشتركة مع الأطراف اليمنية لوضع خارطة طريق تنتهي بالاتفاق لحل الأزمة اليمنية.

إن أهم تحوّل في السياسة العربية مفض لتحقيق توفيق للأوضاع الداخلية للمنطقة العربية هو عودة سوريا للجامعة العربية وحضور رئيسها بشار الأسد القمة في جدة. ومن نتائج إنهاء تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية في 2011م، إضعاف لجوئها للتقارب والتنسيق العسكري والأمني والسياسي مع دول غير عربية مثل روسيا وإيران. كما أن سوريا أضحت أرضًا للعديد من الميليشيات التي أتت من خارج سوريا مثل أفغانستان وإيران والعراق، بل وبمشاركة أفراد من دول أوروبية. وقد شكل وجود وتنامي الميليشيات تحديًا رئيسًا لاستقرار عددًا من الدول العربية، وقد برز هذا التحدي في إعلان جدة الذي رفض وجود الميليشيات. وستسهم عودة سوريا للجامعة العربية في خفض التوتر الداخلي، ومن ثم في الحد من وجود الميليشيات على أراضيها. بعد آخر إيجابي لعودة سوريا للجامعة العربية هو الدفع لإيجاد حل داخلي للأوضاع السياسية السورية الأمر الذي سيكون دافعًا لعودة ملايين السوريين اللاجئين. ففي لبنان يوجد نحو 2 مليون لاجئ سوري في بلد عدد سكانه نحو 5 مليون نسمة. وستسهم عودة اللاجئين في الدفع بالاستقرار الداخلي في سوريا وتخفيف العبء الاقتصادي على لبنان.

شكّل تدهور الأوضاع في السودان واندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تحديًا كبيرًا أمام ترتيب الأوضاع الداخلية للبيت العربي. وقد سعت كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة لتحقيق هدنة تمكّن من معالجة الأوضاع الإنسانية المتفاقمة في البلاد. وقد وقّع الطرفان على إعلان جدة: الالتزام بحماية المدنيين في السودان في 11 مايو 2023م، ويتركّز جل اهتمام الإعلان على تحقيق هدنة مدتها أسبوع يلتزم خلالها الطرفان بحماية المدنيين وعدم عرقلة الأعمال الإنسانية المقدمة للمدنيين. ورغم تعثر الهدنة وعدم الالتزام بها واستمرار حالة الحرب في البلاد، ووقف السعودية والولايات المتحدة وساطتهما وجعل الاستمرار فيها مشروطًا بجدية الطرفين بمتطلبات أي اتفاق، إلا أن استمرار وجود وفدي التفاوض في جدة يشير إلى أن الأمل في استمرار التفاوض ما يزال واردًا، خاصة وأن هناك تقارير غير مؤكدة تشير إلى بدء تفاوض غير معلن بين الجانبين وفي حالة نجاحه سيتحوّل إلى تفاوض رسمي معلن. وما يقوي من هذا الأمل موافقة الطرفين في جدة في 9 يونيو 2023م، على تجديد الهدنة ليوم واحد لأسباب إنسانية.

مخرجات القمة

برز في القمة اتجاه لتعزيز روح العمل العربي المشترك. وقد وضح ذلك في تصريحات عدد من المسؤولين العرب. فبعد غياب دام 12 عامًا قال الرئيس السوري بشّار الأسد إن العرب أمام فرصة تاريخية لإعادة ترتيب أوضاعهم بعيدًا عن التدخلات الخارجية، وأن "العمل العربي المشترك بحاجة لرؤى واستراتيجيات وأهداف مشتركة.... وبحاجة لسياسة موحّدة ومبادئ ثابته وآليات وضوابط واضحة". أما وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود فقد قال: "عالمنا اليوم يواجه العديد من التحديات والصعوبات التي تضعنا عند مفترق طرق...من الضروري أن نقف معًا ونحاول جاهدين تعزيز العمل العربي المشترك لمواجهتها." وصرح وزير الخارجية القطري أن بلاده تخلت عن معارضتها لعودة سوريا للجامعة العربية لأنها لا تريد "الخروج عن الإجماع العربي".

أصدرت القمة العربية بيانها الختامي "إعلان جدة" الذي غطى عددا من الموضوعات التي تهم المنطقة العربية وأبرزها القضية الفلسطينية والعلاقة مع إيران والأوضاع في عدد من الدول مثل السودان وسوريا وليبيا ولبنان واليمن. ولعل أهم ما جاء في البيان الختامي بشأن هذه الدول هو رفض وجود ميليشيات وكيانات مسلحة خارج سيطرة الدولة. والمحافظة على سلامة هذه الدول وسيادتها ووحدة أراضيها، ورفض التدخل الخارجي في شؤونها. وفي شأن العلاقة مع إيران، التي ترتبط بعدد من الملفات الساخنة في اليمن وسوريا ولبنان، رحب إعلان جدة بالاتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران الذي توصّل له الطرفان في مارس 2023م، في بكين وتضمّن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتفعيل اتفاقيات للتعاون الأمني والاقتصادي.

عكس إعلان جدة موقف القمة من أهم القضايا التي تجابه الدول العربية. وجاء على رأس هذه القضايا الموقف من القضية الفلسطينية والتأكيد على أنها القضية المركزية للبلدان العربية وأهمية التوصّل لتسوية لها على أساس مبادرة السلام العربية. أتت الأوضاع في السودان في الأهمية مباشرة بعد القضية الفلسطينية. الأمر الذي يعكس القلق من تبعات استمرار القتال داخليًا وإقليميًا، حيث شددت القمة على أهمية الحوار لحل الأزمة والمحافظة على مؤسسات الدولة. ولعل من أبرز ما ورد في الإعلان التأكيد على أن التنمية المستدامة والأمن والاستقرار والعيش بسلام حقوق أصيلة للمواطن العربي. وبذا تعكس القمة العربية أهمية تحقيق التنمية بحسبانها حقًا وليس هبة تمنحها الحكومات. في هذا الصدد قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان "يكفينا مع طي صفحة الماضي تذكّر سنوات مؤلمة من الصراعات عاشتها المنطقة... تكفينا الصراعات التي عانت منها شعوب المنطقة وتعثّرت بسببها التنمية".  أولت القمة، كذلك، أهمية لقضايا القيم والثقافة وتعزيز الهوية العربية وإثراء قيم التفاهم والعيش المشترك. وفي هذا البعد إشارة إلى النظام الثقافي الذي يربط العالم العربي دون أن يشكل ذلك حاجزًا يحول دون التفاعل مع الآخرين.

التطلّع للمستقبل: تطوير مؤسسات العمل العربي المشترك

في عام 2020م، أكملت الجامعة العربية 75 عامًا وتعد بذلك من أقدم المنظمات الإقليمية في العالم وسبقت بذلك اللبنات الأولى للاتحاد الأوروبي، بل وسبقت تأسيس الأمم المتحدة. وأشارت دراسات وتقارير مختلفة إلى أن ما تحقق من إنجاز للجامعة في غضون هذه الفترة الطويلة يعد محدودًا. وكانت الجامعة العربية قد طلبت من الدول الأعضاء تقديم مقترحات لإصلاح عمل الجامعة وتطويرها. وقد قُدّمت عدد من المبادرات من بينها المبادرة المصرية والمبادرة السعودية والمبادرة اليمينة. ومن أبرز نقاط الإصلاح التي وردت في هذه المبادرات وأرى أنها مهمة في عملية إصلاح عمل الجامعة الآتي: تعديل نظام التصويت في الجامعة من تحقيق الإجماع إلى نظام أغلبية الأصوات. الإسراع في تنفيذ القرارات والاتفاقيات المتعلقة بإنشاء السوق العربية المشتركة. تطوير جهاز الأمانة العامة. تنسيق السياسات الخارجية الأمنية من خلال رفض أي عدوان خارجي غير مشروع على أية دولة عربية، والوقوف ضد أية دولة عربية تعتدي على دولة عربية أخري تحت أي ذريعة. عدم الاعتراف بالوصول للسلطة بطرق غير شرعية. تشجيع الممارسات الديموقراطية والمؤسسية واحترام حقوق الإنسان. ويبقى التحدي ماثلا أمام الجامعة العربية في كيفية التوفيق بين هذه المقترحات التي قد لا توافق عليها بعض الدول. ولتجاوز القضايا الخلافية يفضّل أن ترّكز الجامعة على القضايا المهمة وتلك التي لا تثير حساسية سياسية. لذا فإن هذا المقال يرى أهمية التركيز على قضية سياسية واحدة، وجملة من القضايا الاقتصادية والمعيشية التي تلبي الحاجات الأساسية لمواطني العالم العربي التي إذا ما تحقق فيها بنجاح العمل العربي المشترك، فإنها قد تفتح المجال أمام التعاون في قضايا أخرى كما سأشير لذلك لاحقا.

تحقيق الاستقرار السياسي

على الرغم من أن موضوع تحقيق الاستقرار السياسي لبعض الدول العربية يعد أمر مثيرا للجدل السياسي لتضارب مصالح بعض الدول العربية ولتأثير دول إقليمية غير عربية، إلا أن عدم الاستقرار السياسي قد شل شريحة واسعة من سكان الدول العربية، وله تأثيرات تتعدي تلك الدول. لذا فإن تعزيز أعمال الوساطة والتوفيق بين الأطراف المتنازعة في البلدان العربية التي تعاني من النزاعات والحروب الداخلية وعدم الاستقرار يجب أن تأخذ الأولوية. وقد ورد في المادة الخامسة من ميثاق الجامعة العربية أن من مهام الجامعة تسوية النزاعات بين الدول عبر الوساطة والتحكيم. لكن دور الجامعة في فض النزاعات كان محدودا. إذ بلغت نسبة مشاركة الجامعة في فض النزاعات بين أعضائها نحو 8,9%، فقط من جملة النزاعات التي وقعت في الفترة بين 1945 و2011م، ورغم هذا الدور المحدود يمكن للجامعة الاستفادة من التجارب القطرية لبعض الدول العربية في الوساطة في لبنان ودارفور وليبيا. والمطلوب في هذا الصدد تفعيل مجلس السلم والأمن العربي الذي تكوّن بموجب قرار من مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة بتاريخ 29 مارس 2006م، لكن لم تصادق على نظامه الأساسي إلا عدد محدود من الدول العربية. ويشير عدم المصادقة هذا إلى تشكيك عدد من الدول في فعالية المجلس. ويهدف المجلس إلى الوقاية من النزاعات وأن يكون آلية للإنذار المبكر بوقوعها وتكوين مجلس حكماء. ويُنتقد المجلس لعدم وجود جهاز مساعد يقوم بأعمال الدراسة والتحليل التي تعين المجلس على أداء أعماله. وعدم توفير التمويل اللازم. ومن أجل تفعيل دور المجلس يمكن الاستفادة من تجربة مجلس السلم والأمن الأفريقي التابع للاتحاد الأفريقي، خاصة وأن عشرة دول عربية هي أعضاء في الإتحاد الأفريقي. وتكوين جهاز مساعد للمجلس واعتماد تمويل مستقل له.  

المؤسسة الثانية التي قد تسهم في فض النزاعات وتحقيق الاستقرار السياسي هي الإسراع في إجازة النظام الأساسي لمحكمة العدل العربية. وكانت لجنة من الجامعة العربية قد أعدت مشروع النظام الأساسي للمحكمة، باعتبارها الجهاز القضائي للجامعة العربية. وقد تحددت ولاية المحكمة بالفصل في المنازعات التي تتفق الدول الأطراف في هذا النظام على إحالتها للمحكمة، والمنازعات التي تنص اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف على إحالتها للمحكمة وتفسير ميثاق الجامعة والبروتوكولات الملحقة به أو الاتفاقيات المعقودة في إطار الجامعة وذلك بمناسبة عرض النزاع على المحكمة أو إذا طلب منها ذلك. وقد طالب مجلس الجامعة إجراء بعرض الأمر على مجلس الوزراء العرب.

تطوير العمل الاقتصادي العربي المشترك

ظل تحقق الوحدة الاقتصادية العربية هدفا سعت لتحقيقه الجامعة العربية منذ سنواتها الأولى. وقد بدأت في تنفيذ هذا المشروع بصورة متدرجة بإقامة مؤسسات ومشاريع لتقوية التكامل الاقتصادي العربي. ففي عام 1957م، ابرمت اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية. وفي عام 1964م، صدر قرار إنشاء السوق العربية المشتركة. وكانت القمة العربية التي انعقدت في القاهرة في عام 1996م، قد كلّفت المجلس الاقتصادي والاجتماعي بتسريع خطى إنشاء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. وقد وضعت خطة مدتها عشر سنوات لتحقيق ذلك الهدف. وقد أنشأت الجامعة العربية عددا من المنظمات والمجالس المعنية بتطوير العمل الاقتصادي العربي المشترك. وللتأكيد على اهتمامها بموضوع التكامل الاقتصادي أطلق على قمة عمان التي انعقدت في عام 2001م، "القمة الاقتصادية". وفي عام 2004م، قرر مجلس الجامعة على مستوى القمة تكليف المنظمات العربية المتخصصة إجراء دراسات تقييمية ووضع خطط تطويرية لعملها تقدم للجنة التنسيق العليا قبل نهاية عام 2004م، كما أصدر الاجتماع السابع عشر للقمة العربية في الجزائر في 23 مارس 2005م، عددا من القرارات التي هدفت لتطوير الجامعة العربية كان من بينها إنشاء البرلمان العربي. وإنشاء هيئة متابعة تنفيذ القرارات والالتزامات، والطلب من المجلس الاقتصادي والاجتماعي تقديم خطة لتطوير عمله.

 ومع التسليم بالمشاريع والبرامج التي أشرف على تنفيذها مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، إلا أن هناك حاجة لمتابعة الخطط والاستراتيجيات المختلفة التي تصدرها القمم العربية. وقد وضع إعلان جدة التنمية الاقتصادية على رأس أولوياته. يتطلب نقل هذا القرار على أرض الواقع تفعيل آليات المتابعة وتطوير برامج التكامل الاقتصادي التي ستنعكس إيجابا على المجالات التي تثير جدلا مثل القضايا السياسية. وقد أشارت دراسات التكامل إلى أهمية البدء بقطاعات غير سياسية ثم التوسّع تدريجيا لتغطي الأعمال في نهاية المطاف الجوانب السياسية. وتتخذ هذه الدراسات من تجربة الوحدة الأوربية نموذجا إذ بدأت بالتكامل في مجالي الحديد والفحم الحجري وتوسع ذلك لاحقا بإقامة السوق الأوربية المشتركة ثم تلاه قيام الإتحاد الأوربي.

الأمن الغذائي العربي

كشفت الحرب الروسية ـ الأوكرانية اعتماد الدول العربية في أمنها الغذائي وخاصة في مجال توفير الحبوب على الخارج. وظل تأمين الأمن الغذائي العربي هدفًا سعت لتحقيقه الدول العربية. فقد طلبت القمة العربية المنعقدة في الجزائر من الجمعية العمومية للمنظمة العربية للتنمية الزراعية-وزراء الزراعة العرب-استكمال إعداد استراتيجية التنمية الزراعية العربية المستدامة للعقدين القادمين 2005م، بما يعزز القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية وبما يحقق التكامل الزراعي العربي. وعلى الرغم من أن قمة عام 2007 م، التي عقدت في الرياض قد أجازت استراتيجية التنمية الزراعية، إلا أن هذه الخطط التطويرية لم تنعكس على أرض الواقع. فوفقًا لإحصائيات حديثة من المنظمة العربية للتنمية الزراعية في تقريرها عن أوضاع الأمن الغذائي العربي لعام 2020م، ورد أن الاكتفاء الذاتي العربي من السلع الغذائية الرئيسة بلغ نحو 32.8% في الحبوب و31.4% في السكر على سبيل المثال. وبلغت الفجوة الغذائية العربية في عام 2020م، نحو 35.3 مليار دولار تأتي على رأسها الحبوب التي تشكّل نحو 47.8% من هذه الفجوة. وأشار تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة صدر في عام 2021م، بعنوان: "نظرة إقليمية عامة حول الأمن الغذائي والتغذية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2021م" إلى أن عدد الذين يعانون من الجوع في المنطقة بلغ نحو 69 مليون شخص في عام 2020م، ويمكن من خلال زيادة فعالية مؤسسات العمل الاقتصادي العربي المشترك مثل المنظمة العربية للتنمية الزراعية وغيرها العمل على استغلال الأراضي الصالحة للزراعة في الدول العربية. وقد أورد التقرير الاقتصادي العربي الموحّد في عام 2021م، أن المساحة المزروعة بلغت نحو 75 مليون هكتار في عام 1919م، بنسبة 39%. وتشير تقارير مختلفة إلى أن عددًا من الدول الخليجية قد اتجهت نحو الاستثمار الزراعي في دول إفريقية غير عربية. وتشير احصائيات إلى أن جملة استثمارات دول الخليج العربي -في المجالات المختلفة-في منطقة القرن الإفريقي، وتشمل السودان، قد بلغت في الفترة من عام 2000 إلى عام 2017م، نحو 12,5 مليار دولار منها نحو 3,253 مليار في السودان. وينبغي أن يعزز هذا التوجه بمزيد من الاستثمار الزراعي في دول عربية بما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي العربي.  

 

مقالات لنفس الكاتب