استضافت مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية في التاسع عشر من مايو الماضي القمة العادية الـ 32 لمجلس جامعة الدول العربية والتي عُقدّت تحت عنوان "التجديد والتغيير"، بمشاركة كافة الدول العربية، إضافة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. بحيث شكّلت قمة خاصة من أكثر من زاوية وذلك في ظل الظروف الاستثنائية التي سبقت وصاحبت انعقاد القمة والتي ارتبطت بالتوقيت إضافة إلى السياقين الإقليمي والدولي، وكذلك ما أكدت عليه القمة من رسائل؛ بحيث طرحت القمة فرصًا مهمةً يواجه تحقيقها العديد من التحديات التي من المهم التحرك نحو مواجهتها للخروج من الحالة التي تعانيها الدول العربية على مستويات عدة.
إذا ما تطرقنا إلى السياق الذي عُقدت في إطاره "قمة جدة"، وفيما يخص التوقيت؛ فقد عُقدّت القمة في توقيت شديد الخصوصية للمنطقة العربية وأزماتها الممتدة والمعقدة. حيث عُقدت بعد شهرين ونصف الشهر تقريبًا من حدوث الزلزال المدمر في كل من سوريا وتركيا في السادس من فبراير الماضي مخلفًا أكثر من خمسين ألف قتيل وحالة من التدمير العنيف للعديد من المدن التركية والروسية. بحيث شكلت الأزمة محورًا مفصليًا في علاقات العرب مع سوريا تحديدًا، وذلك عبر مدخل "دبلوماسية الأزمات والكوارث". إذ بدأت الدول من داخل المنطقة وخارجها تتسارع في تقديم العون والمساعدة لكل من سوريا وتركيا مع تخطي العديد من الحواجز التي كانت قائمة مثل الحصار في الحالة السورية بكل ما طرحته من أبعاد أخلاقية وإنسانية، أو الخلافات الجيو سياسية في الحالة التركية. بحيث فرضت التداعيات الإنسانية الضخمة للأزمة على العديد من الدول تجاوز خلافاتها التي عجزت الأطر الدبلوماسية المعتادة عن تجاوزها في السابق. و"دبلوماسية الكوارث" أو "دبلوماسية الأزمات" أحد أشكال الدبلوماسية بشكل عام. من خلال التركيز على تقديم المساعدات للدول الأخرى أوقات الأزمات والكوارث خاصة ذات الطبيعة الحادة بعيدًا عن أية اعتبارات سياسية، أو اقتصادية مثل الحظر، أو العقوبات، أو القطيعة والخلافات السياسية وغير ذلك؛ لتعلو الاعتبارات الإنسانية على ما عداها من اعتبارات سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو غيرها، والهدف الرئيس هو التخفيف من وطأة الأزمة وتقديم المساعدات العاجلة للأفراد. وقد تمتد لتشمل جهود إعادة الإعمار عقب الانتهاء من الأزمة. مع ملاحظة أن الأدوار قد تتبدل وفقًا للقدرات القومية للدول. وخلال الأسبوع الأول للكارثة زاد عدد الدول التي شاركت في الاستجابة وتقديم المساعدة لكل من سوريا وتركيا على 60 دولة ومنظمة إقليمية ودولية. وهو ما يرجع بصورة رئيسة للحجم الكبير للكارثة رغم الأزمات الاقتصادية التي تشهدها العديد من دول العالم. وبدأت المطالبات بتخطي الحواجز القائمة. ومن ذلك فقد دعت الجمعية الدولية لحقوق الإنسان في 9 فبراير الماضي إلى أن كارثة الزلزال ليست شأنًا سياسيًا، وهناك ضرورة لتقديم مساعدة عاجلة وفورية لشمال سوريا مع القفز على العقوبات السياسية المفروضة على البلاد. وهو الأمر الذي من شأنه تسهيل وصول المساعدات.
كما عُقدت القمة بعد شهر وأيام من اندلاع الأزمة السودانية؛ وذلك على خلفية الصراع السوداني بين الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول حمدان دقلو "حميدتي"، في الخامس عشر من إبريل المنصرم، وإضافة إلى تداعياتها السياسية والاقتصادية والأمنية الحادة، فقد أدت الأزمة إلى تشريد أكثر من 700 ألف داخل البلاد وإجبار نحو 200 ألف على الفرار إلى بلدان مجاورة. ووفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن نحو 25 مليون شخص أي نصف سكان البلاد بحاجة للمساعدة والحماية. هذا بالإضافة إلى مقتل 850 شخصًا حتى الآن وإصابة نحو3394 وذلك وفقًا للتقديرات الرسمية.
وقد سبق القمة العربية وصاحبها سلسلة متواصلة من التصعيد الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، مع الانتهاك المستمر لحرمة الأماكن المقدسة، مما جعل القضية الفلسطينية تعود للواجهة.
لا تقتصر أزمات المنطقة على الأزمات الأمنية والكوارث فحسب، بل تُعاني العديد من دول المنطقة من أوضاع اقتصادية ضاغطة على خلفية الحرب الروسية ـ الأوكرانية والتي انعكست على ارتفاع معدلات التضخم وتراجع معدلات النمو الاقتصادي وتأثر سلاسل الإمداد في وقت لم يكن تم التعافي بشكل كامل من تداعيات كوفيد -19. حيث أثرت الحرب الروسية ـ الأوكرانية على إمدادات الحبوب والقمح وارتفاع أسعار الطاقة مما قاد لموجة من التضخم الحاد في المنطقة. هذا التزايد في معدلات التضخم يعود في جزء منه إلى الارتفاع الكبير في معدلات تضخم الغذاء Food Inflation. ووفقًا للبنك الدولي في مايو 2023م، فمن بين أكثر عشر دول تضررًا من تضخم الغذاء كانت لبنان في الصدارة عالميًا بمعدل تضخم غذاء بلغ 261%. كل هذه الأزمات والقضايا المعقدة جعلت أجندة القمة شديدة الازدحام بالملفات الشائكة والمهمة.
كما يمكن الإشارة إلى مكان انعقاد القمة في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، فقد استضافت المدينة العديد من الفاعليات العربية المهمة ولعل أحدثها والذي ما زال مستمرًا استضافة مدينة جدة وبمبادرة سعودية ـ أمريكية طرفي النزاع في السودان وبعد مفاوضات تم التوصل لاتفاق جدة الذي أكد على حماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية في السودان دون وقف لإطلاق النار مع استمرار المفاوضات بين الجانبين والتي مازالت مستمرة في مدينة جدة ـ حتى كتابة هذا المقال ـ أملا في الوصول إلى هدنة إنسانية يعقبها بعد ذلك التوصل لحل للأزمة. وفي إبريل الماضي استضافت مدينة جدة الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق لبحث مسألة عودة سوريا إلى الحاضنة العربية. وفي يوليو 2022م، كانت قد استضافت مدينة جدة "قمة جدة للأمن والتنمية"، بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة العربية السعودية في أول زيارة خارجية له في المنطقة منذ توليه الرئاسة.
كما عُقدّت القمة العربية الأخيرة في سياق إقليمي مختلف ويمكن الإشارة إلى الاتفاق الذي تم توقيعه بين المملكة العربية السعودية وإيران برعاية الصين وذلك لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وإعادة فتح بعثاتهما الدبلوماسية وكذلك تفعيل اتفاقية التعاون الأمني والاقتصادي بين الدولتين. وفي هذا السياق فقد رحب البيان الختامي للقمة بهذا الاتفاق. وهو ما يضع أمالًا بالنسبة للملف اليمني، وذلك في ضوء الدعم الإيراني لجماعة الحوثي. كما يطرح تساؤلات بشأن مستقبل الدور الصيني في المنطقة. خاصة أن الدور الصيني في المنطقة يلقى ترحيبًا عربيًا لموازنة الدور الأمريكي لا سيما في ظل المصالح الاقتصادية المهمة بين الصين ودول المنطقة. بحيث شكل التدخل الصيني تطورًا مهمًا يعكس تحولًا جوهريًا في سياسة الصين الخارجية التي ركزت على الصعود السلمي وحسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول والتركيز على المصالح الاقتصادية. حتى بالنسبة للمبادرة الصينية الأهم "الحزام والطريق" فهي تُعدُّ مبادرة تنموية بالأساس. في ظل التحولات التي شهدتها المنطقة حيث أصبحت الولايات المتحدة أقل اهتمامًا بالترتيبات الأمنية في المنطقة مع حدوث تغيير في الدور الروسي.
أما بالنسبة لتركيا، دولة الجوار الإقليمي، والتي ترافقت القمة مع انتخابات رئاسية بالبلاد، فقد كان لأزمة الزلزال أيضًا تأثيرها على حدوث انفراجه في علاقات تركيا مع العديد من دول المنطقة وفي مقدمتها مصر. حيث أعقب الأزمة زيارات متبادلة لوزراء خارجية الدولتين مما يفتح آفاقًا لتجاوز الخلاف والتنسيق بشأن العديد من الملفات وفي مقدمتها الملف الليبي. وبذلك فمن شأن الحوار المستمر مع كل من تركيا وإيران المساهمة في حلحلة الأزمات في اليمن وليبيا.
وبذلك فقد جاء انعقاد القمة وسط أزمات متعددة معقدة ومع بوادر آمال بحدوث انفراجات في العديد من الملفات، مما انعكس على سيادة أجواء تفاؤلية على مستوى النخبة والشارع العربي، في قدرتها على مواجهة التحديات بشكل أكبر.
وبالتركيز على نتائج القمة، فقد صدر عن القمة "إعلان جدة" والذي اشتمل على 12 بندًا. والتي تطرقت إلى مواقف الدول العربية من أزمات المنطقة. حيث انطوت على عدد مهم من الرسائل. والتي عكست درجة كبيرة من التوافق بين القادة العرب. ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك الرسائل على النحو التالي:
التأكيد على وحدة الدولة القومية ورفض أدوار الميليشيات والكيانات الدخيلة للدول العربية. حيث أكد البيان على الرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق الدول. كما اتضح ذلك أيضًا في أزمتي اليمن والسودان؛ حيث أكد البيان على أهمية المحافظة على مؤسسات الدولة الوطنية ومنع انهيارها في حالة السودان. وفي حالة اليمن تم تجديد الدعم لمجلس القيادة الرئاسي لإحلال الأمن والاستقرار وإنهاء الأزمة اليمنية.
يرتبط بذلك رسالة أخرى تتمثل في التأكيد على محورية الدور العربي في حل المشكلات العربية مع بذل الجهود لتسوية الصراعات العربي في سياقها العربي مع رفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول العربية. مع التأكيد على التبادلية في هذا الشأن حيث رفض البيان أيضًا التدخل في شؤون الآخرين تحت أي ذريعة، واحترام قيم وثقافات الآخرين. مع تبني مفهوم أوسع للتدخل لا يقتصر على البعد العسكري، ولكن يشمل حتى الهيمنة الثقافية والفكرية.
وكذلك فقد تم التأكيد خلال القمة على صعوبة وجود منتصر وحيد في الصراعات العسكرية الداخلية في الدول العربية “المجموع الصفري" Zero Sum Game. حيث أكد البيان على أن الصراعات العسكرية الداخلية لن تقود لطرف منتصر وآخر خاسر، وإنما ستفاقم المعاناة الإنسانية لشعوب تلك الدول وتدمر مقدراتها. وبذلك يُشكل الحوار المدخل الأساسي لتسوية الخلافات الداخلية للحيلولة دون تفاقمها لصراعات لن ينتصر فيها طرف على الآخر وهو الحال في العديد من أزمات المنطقة.
رسالة بالغة الأهمية أكدت عليها القمة تمثلت في إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية والتي شهدت تراجعًا نسبيًا في الأجندة العربية في ظل العديد من الأزمات التي مرت بها المنطقة خلال السنوات الأخيرة، حيث أكد البيان الختامي على مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للدول العربية باعتبارها محورًا رئيسًا للاستقرار في المنطقة. كما سيطرت القضية الفلسطينية على كلمات أغلب القادة العرب من خلال إدانة الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق الفلسطينيين والأماكن المقدسة. مع دعوة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته في إنهاء العنف ووقف تلك الانتهاكات المتكررة.
وفيما يخص الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل، فقد أعادت القمة التأكيد على الأمن القومي العربي في ظل مشاركة الرئيس السوري "بشار الأسد" بعد غياب دام 12 عامًا. وذلك تنفيذًا للقرار الصادر عن مجلس الجامعة على المستوى الوزاري والمتعلق بمشاركة الوفود الحكومية السورية في اجتماعات مجلس الجامعة. بما يُسهم في استقرار الدولة السورية ووحدة أراضيها. مع دعم عربي أكبر للدولة السورية في مواجهة التحديات الداخلية. في ظل وجود مصلحة عربية في سوريا قوية ومستقرة وآمنة. وأهمية هذا الأمر تتمثل في حالة الضعف الذي أصاب النظام العربي مما يمكن أن يُشكل بداية لتخلص النظام العربي مما يعانيه. وبذلك تمثل أهمية مشاركة الرئيس السوري في كونها تُمثل بداية لفتح قنوات الحوار بين الأطراف العربية بما يعيد التوازن للنظام العربي: إذ أثبتت التجربة أن سياسة المقاطعة لم تقد إلا للتأثير سلبًا على التوازن الإقليمي العربي بما يتطلب مراجعة هذه السياسة والإبقاء الدائم على قنوات الحوار مفتوحة. وبذلك فإذا كانت القمة العربية أكدت على عدم وجود منتصر وحيد في الصراعات الداخلية العربية، بما يعلي من أهمية الحوار داخليًا، فقد أكدت الأمر ذاته فيما يخص الخلافات البينية العربية.
الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل لا يقتصر على الأبعاد العسكرية والسياسية فحسب، بل يمتد ليشمل الأبعاد الإنسانية والاقتصادية، مع صعوبة الفصل فيما بينها. وهو ما شكل أحد الرسائل المهمة للقمة. حيث حظي البعد الخاص بالتنمية المستدامة كمدخل لحل أزمات شعوب المنطقة باهتمام في القمة من خلال التأكيد على عدد من المبادرات ذات الصلة بالتنمية المستدامة.
وفي ظل ما خلفته الأزمة الروسية ـ الأوكرانية من تداعيات على الأمن الغذائي في مناطق عدة، فقد أكد البيان الختامي للقمة على مبادرة تتعلق باستدامة سلاسل إمداد الغذاء العربية، بما يقود عبر العديد من التحركات إلى توفير الاحتياجات الغذائية الأساسية للدول العربية، وفي السياق ذاته أعلن الرئيس الأوكراني في كلمته على محورية الدول الخليجية في إدارة سوق الطاقة والغذاء العالمي. حيث طرح الرئيس الأوكراني مبادرة للسلام تأخذ الأمن الغذائي في الحسبان.
يأتي تركيز القمة على الأبعاد الاقتصادية للأمن القومي العربي في وقت تُعاني فيه العديد من دول المنطقة من أزمات اقتصادية مع توقعات أكثر تشاؤمًا. فقد توقع صندوق النقد الدولي حدوث تباطؤ في معدلات النمو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال عام 2023و 2024م، وذلك في أحدث تقاريره. متوقعًا أن يصل معدل النمو عامي 2023 و2024م، إلى 3.1% و3.4% تباعًا. مقارنة بـ 5.3% عام 2022م. في ظل السياسات المتبعة لكبح جماح التضخم. ومن بين تلك الدول مصر التي توقع الصندوق أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي بها 3.7% عام 2023م، مقارنة بـ 6.6% عام 2022م، كما حذر الصندوق من تفاقم انعدام الأمن الغذائي وزيادة معدلات الفقر في البلدان الهشة منخفضة الدخل في ظل موجات الجفاف الحادة. وفيما يتعلق بوضع التضخم فقد توقع صندوق النقد الدولي أن يظل مستوى التضخم عند مستوى 14.8% عام 2023م، كما كان الوضع عام 2022م، قبل أن يتراجع لمستوى 11% عام 2024م.
وإجمالًا، فقد حظيت الموضوعات الاقتصادية بأهمية في مخرجات القمة وهو ما أكده البيان الختامي للقمة من حيث التأكيد على عدد من المبادرات التي من شأنها تحسين الأوضاع الاقتصادية للدول العربية ومن بينها مبادرة الثقافة والمستقبل الأخضر ومن بين أهدافها دعم الاقتصاد الإبداعي في الدول العربية. ومبادرة البحث والتميز في صناعة تحلية المياه، ومبادرة إنشاء حاضنة فكرية للبحوث والدراسات في الاستدامة والتنمية المستدامة.
كما عكست القمة أن حدود تأثير المملكة تجاوز التأثير العربي إلى التأثير الدولي وذلك في ظل وجود الرئيس الأوكراني، مما يعكس القدرة على إحداث توازن أبعد من السياق الإقليمي. وهو ما اتضح أيضًا في كلمة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والتي أكد فيها على استعداد المملكة للتوسط بين روسيا وأوكرانيا.
ومع التفاؤل الذي سبق القمة والبيان المهم الصادر عنها، فمازالت التحديات عدة والتي تتطلب خطوات جدية في التحرك لمواجهتها والتخفيف من تداعياتها. فمازالت القضية الفلسطينية هي الألم الأكبر في النظام الإقليمي العربي ولن تُسهم خطابات الشجب والإدانة في إيجاد حلول، بل هناك حاجة لأشكال أكبر من الضغط على النظام الإسرائيلي.
كما أن هناك تحديات اجتماعية في المنطقة العربية تتطلب تكاتف الجهود لمواجهتها، وفي مقدمتها ملف "اللاجئين". وهي من القضايا المهمة التي لم يتطرق إليها البيان بشكل مباشر. وهي مشكلة قديمة ازدادت تعقيدًا في ظل العديد من المشكلات الأمنية التي تشهدها بعض الدول العربية، مع توقعات بتفاقمها في ظل التغيرات المناخية واضطرار مجموعات من الفرار هروبًا من الأوضاع المناخية السيئة. وتجدر الإشارة إلى أنه خلال الشهر الأخير تقريبًا فقد اضطر أكثر من 200 ألف سوداني إلى الفرار لدول الجوار، ومن بينها مصر والتي وصل إليها في أول أسبوعين للأزمة أكثر من أربعين ألف شخص في ظل التجاور الجغرافي ووجود جالية سودانية كبيرة مقيمة بالفعل في مصر. وهو ما يتطلب التفكير في إنشاء مفوضية عربية للاجئين وذلك لإيجاد آلية عربية مستدامة لدعم الدول العربية المستضيفة للاجئين لتعزيز قدرتها في هذا الشأن، مع وجود حصر دقيق للاجئين العرب، بما يضمن أن يكون الملف مطروحًا في التسويات السياسية للأزمات.
تحدٍ آخر يتمثل في أن الأوضاع الاقتصادية الراهنة تتطلب درجة أكبر من التكامل الإقليمي وإحياء المشاريع التكاملية العربية. وهو ما يتطلب مشروعات للتكامل تتناسب مع طبيعة المرحلة الراهنة وتحدياتها. ومن شأن التحرك في مشاريع التكامل الاقتصادي العربي حل العديد من المشكلات العربية. وهي التحركات الأكثر إلحاحًا في الوقت الراهن. فالظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة دولًا وشعوبًا تتطلب آليات للتنسيق أكثر شمولية في إطار الجامعة العربية مع تعميق التعاون الاقتصادي والتنسيق في الملفات الإنسانية. ومن ذلك فخلال مشاركته في اجتماعات المجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيرية للقمة العربية دعا محمد الخليل وزير الاقتصاد السوري إلى وجود فرص واعدة للاستثمار في سوريا خاصة في ظل وجود قوانين جاذبة للاستثمار.
وختامًا، عكست القمة درجة مهمة من التوافق العربي، كما عكست مشاركة سوريا والقرار الخاص بعودة سوريا للجامعة العربية رغبة عربية في عدم ترك الأزمات العربية تدار من دول من خارج المنطقة بحيث يكون هناك دورًا عربيًا أكبر في حل المشكلات داخل البيت العربي. وحتى فيما يخص الصراعات الداخلية من خلال تأكيد الحوار كمدخل لحل الصراعات الداخلية وعدم التدخل في شؤون الدول، وكذلك الحوار المستمر مع دول الجوار في ضوء تشابك المشكلات. مع الشمولية وعدم الاقتصار على المشكلات السياسية والأمنية فحسب لتتطرق القمة لجوانب اقتصادية وتنموية. وبذلك يمكن البناء على ما أكدت عليه القمة لتُعدّ بمثابة خارطة طريق لمواجهة التحديات المعقدة التي تُعانيها المنطقة العربية، وكمدخل لتعزيز آليات العمل العربي المشترك على المستويات كافة. خاصة في ظل شمولية ومحورية الموضوعات التي تطرقت لها القمة. وهو ما يتطلب التحرك على العديد من المستويات حتى لا تخسر القمة العربية حالة التفاؤل في الشارع العربي.