أدخل إسقاط نظام عمر البشير في السودان بعد الانتفاضة التي بدأت في ديسمبر 2018م، وانتهت باستلام اللجنة الأمنية للسلطة في 11 أبريل 2019م، البلاد في مرحلة غلب عليها الاستقطاب وعدم الاستقرار، وانتهت بقتال عنيف بين طرفي المكون العسكري: القوات المسلحة والدعم السريع. ولمعرفة كيف أفضت تطورات الأحداث في السودان إلى نشوب القتال ، سيقوم هذا المقال بتحليل الخلفيات التي أفضت للنزاع المسلح ومواقف الفاعلين الرئيسيين داخليًا وخارجيًا.
شكّل تحالف قوى الحرية والتغيير، الذي يتكون مما يزيد على مائة حزب وتنظيم واتحاد ومجموعة سياسية، المكون المدني في تحالف رتّب للفترة الانتقالية، إلى جانب المكون العسكري الذي يضم القوات المسلحة والدعم السريع. انضم إلى هذا التحالف، لاحقًا، حركات مسلحة من دارفور والنيل الأزرق، بعد التوقيع على اتفاق سلام جوبا. التقى هذا التحالف على توافق الحد الأدنى وهو إسقاط نظام البشير والتوقيع على وثيقة دستورية تحكم البلاد خلال 39 شهرًا هي مدة الفترة الانتقالية تنتهي بإقامة انتخابات عامة. اختارت الوثيقة الدستورية نظامًا برلمانيًا على رأسه مجلس للسيادة مكون من أحد عشر عضوًا، خمسة من المدنيين وخمسة من العسكريين من بينهم قائد الدعم السريع وتوافقت الأطراف على العضو الحادي عشر. تكوّن مجلس الوزراء برئاسة عبد الله حمدوك وأنيطت به مهام العمل التنفيذي خلال فترة الانتقال.
اتسمت العلاقة بين المكونين المدني والعسكري بالتوجس. برز ذلك في طلب رئيس الوزراء حمدوك من الأمم المتحدة التدخل تحت البند السادس دون علم المكون العسكري في مجلس السيادة. نادى حمدوك بإرسال بعثة سياسية خاصة تضم عنصرًا قويًا لبناء السلام، وينبغي أن تشمل ولاية البعثة المرتقبة كامل أراضي السودان. اعترض العسكريون على الطلب وانعقد اجتماع لمجلس الأمن والدفاع خلص إلى إدخال تعديلات على خطاب رئيس الوزراء إلى الأمين العام للأمم المتحدة شملت تركيز البعثة المرتقبة على تحقيق السلام ودعم الاقتصاد وترتيبات التعداد السكاني بعد شهور قليلة من تكوين الحكومة الانتقالية بدأت الخلافات تظهر بين مكونات تحالف الحرية والتغيير. أعلن حزب الأمة القومي في بيان له أن تكوين المجلس المركزي للحرية والتغيير لا يعكس حجم القوى السياسية المكونة للتحالف. نتيجة لذلك أعلن الحزب تجميد عضويته في التحالف في 22 أبريل 2020م، انتقد الحزب أداء التحالف وطرح عقدًا اجتماعيًا يهدف لتجاوز الخلل وإصلاح أجهزة الفترة الانتقالية. وطالب بحل المجلس المركزي وإعادة تكوينه بزيادة تمثيل كتلة "نداء السودان" التي يعد حزب الأمة القومي مكونًا أساسيًا فيها. وفي غضون شهر من موقف حزب الأمة انقسم تجمع المهنيين الذي اضطلع بدور مهم في انتفاضة ديسمبر 2018م، سياسيًا إلى جناحين بعد انتخابات السكرتارية الجديدة للتجمع في 10 مايو 2020م، وفي 7 نوفمبر 2020م، أعلن الحزب الشيوعي في بيان له انسحابه من التحالف. وفي أواخر نوفمبر 2020م، تبعت ثمانية تنظيمات سياسية الحزب الشيوعي وانسحبت من تحالف الحرية والتغيير.
توسّع الدعم السريع
لعل أكبر تطوّر حدث في الفترة الانتقالية هو التوسّع الكبير الذي طرأ على قوات الدعم السريع. فقد تطوّرت هذه القوات عبر أربعة مراحل. بدأت المرحلة الأولى عندما كانت هذه القوات مليشيا داعمة للحكومة السودانية في قتال الحركات المسلحة في دارفور عندما بدأت الحرب في عام 2002م، واشتهرت باسم الجنجويد. وكانت تتألف من مقاتلين غلب عليهم الانتماء الإثني المشترك ذو الجذور العربية. كانت الميليشيا أقرب إلى كيان فضفاض غير منضبط، وظل تنسيقها وارتباطها بالحكومة غير رسمي. تشكّلت المرحلة الثانية بتكوين حرس الحدود وإدماج جزء كبير من الميليشيا فيه، وعلى الرغم من أن تكوين حرس الحدود يعود إلى بداية السبعينات، إلا أن نشاط القوة فتر بعد اتفاقية أديس أبابا للسلام التي وقّعت في عام 1972م، بين الحكومة السودانية وحركة أنانيا في جنوب السودان. والغرض من تنشيط حرس الحدود قدرته على الحركة السريعة في مناطق النزاعات وجمع المعلومات. وعلى الرغم من أن حرس الحدود أنشئ تحت إشراف القوات المسلحة، إلا أنه ليس جزءًا رسميًا منها. وكانت عضويته تعاني من عدم الانضباط إذ هاجمت مجموعة منه الفرقة الخامس عشرة التابعة للقوات المسلحة في مدينة نيالا في دارفور في 7 سبتمبر 2012م، ووجهت للقوة اتهامات بتجاوزات كبيرة لحقوق الإنسان.
في المرحلة الثالثة أصبحت القوة أكثر انضباطًا، وأكثر ارتباطًا بالحكومة السودانية، وأطلق عليها اسم "قوات الدعم السريع" في عام 2013م، وصارت تنظيمًا شبه عسكري. وفي عام 2017م، أجاز المجلس الوطني -الجهاز التشريعي في السودان في ذلك الوقت-قانون الدعم السريع وجعل القوة جزءًا من القوات المسلحة. انحصرت مهام الدعم السريع في تلك الفترة في قتال الحركات المسلحة التي تحارب الحكومة السودانية وخاصة في دارفور. لذا انحصر وجودها الأساس في منطقة دارفور. حدث التحوّل الأكبر لقوات الدعم السريع بعد انتفاضة ديسمبر 2018م، إذ انحازت القوات للشارع ضد النظام الذي أنشأها ورعاها. وهي المرحلة الرابعة لتطوّرها. فقد وظّفت القوات موقفها من الثورة في مأسسة وجودها وتعزيز مكانتها بالتوسّع والانتشار. وما ساعد في التوسّع مشاركتها في عاصفة الحزم إذ كانت جزءًا من القوات التي أرسلتها الحكومة السودانية المشاركة في التحالف. وعلى الرغم من أن القانون قد جعل الدعم السريع جزءًا من القوات المسلحة، إلا أنها احتفظت بزي خاص ولوحات سيارات مختلفة ومقار خاصة بها. لم تكن للدعم السريع مقار خارج إقليم دارفور، لكن بعد الانتفاضة، عززت وجودها في ولاية الخرطوم، إذ وضعت يدها على مقار لمنظمات ومؤسسات كانت تابعة للنظام السابق مثل دور حزب المؤتمر الوطني وهيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات بعد حلها. وأصبح للقوات معسكرات في معظم ولايات السودان، ولديها قوات مطافئ وخدمات طبية.
لم يقف توسّع الدعم السريع على الجانب العسكري، بل عزّز هذا التمدد العسكري بتكوين شبكة اقتصادية ضخمة يعد التنقيب عن الذهب والتجارة فيه من أهم مشروعات هذه الشبكة. ووفقًا لتقرير فريق الخبراء المعني بالسودان الذي أنشأه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والمقدم إلى المجلس في 22 سبتمبر 2016م، فإن الميليشيات التي تسيطر على جبل عامر تكسب نحو 54 مليون دولار سنويًا من الرسوم المفروضة على المنقبين والشركات العاملة. وقدرت اللجنة أن حوالي 48 ألف كيلوغرام من الذهب قد هرّبت من دارفور إلى الإمارات العربية المتحدة في الفترة من 2010 إلى 2014م، بقيمة تعادل دخلًا إضافيًا قدره 123 مليون دولار. وهناك أعمالًا تجارية أخرى تقوم بها الشبكة تتمثّل في ثلاث شركات رئيسة مرتبطة بقوات الدعم السريع. أشهرها شركة الجنيد، التي تركّز على التعدين والبناء والتجارة ويديرها عبد الرحيم حمدان دقلو، شقيق حميدتي، ونائب قائد قوات الدعم السريع، ونجليه. كان حميدتي عضوًا في مجلس إدارتها، لكنه استقال في عام 2009م، وفقًا لمتحدث باسم الشركة. الشركتان الأخريان هما GSK وهي شركة تكنولوجيا وأمن مقرها السودان، وشركة تراديف للتجارة العامة ومقرها في الإمارات العربية المتحدة. يدير الشركتان الأخ الأصغر لـحميدتي، القوني حمدان دقلو.
اتفاق جوبا للسلام
نجم عن اتفاق السلام في جوبا بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية، الذي وقّع عليه رسميا في 2 أكتوبر 2020م، حدوث تغييرات مهمة في مؤسسات الحكومة الانتقالية حيث توسّع مجلس السيادة لتصبح عضويته 14 عضوًا بزيادة ثلاثة أعضاء يمثلون الجبهة الثورية. كما صدر قرار من رئيس مجلس السيادة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2020م، بتكوين مجلس شركاء الفترة الانتقالية. لم يرد ذكر المجلس في الوثيقة الدستورية الأولى. وقد تكوّن المجلس من 29 عضوًا يمثلون مجلس السيادة والحرية والتغيير ومجلس الوزراء والجبهة الثورية الموقعة على اتفاق جوبا للسلام. ويعد تكوين المجلس تحوّلا مهما في توازنات المصالح بين مكونات الفترة الانتقالية أحدثه دخول الجبهة الثورية شريكًا في الحكم.
التوتر بين المدنيين والعسكريين
بعد أن كان التوتر كامنًا بين المكونين المدني والعسكري منذ تكوين حكومة حمدوك الأولى، بدأ يطفو على السطح. فبعد الإعلان عن محاولة تمرد في الجيش سميت محاولة انقلابية فاشلة في 21 سبتمبر 2021م، قادها العميد بكراوي. عد المدنيون هذا التحرّك العسكري محاولة لاستلام السلطة بواسطة العسكريين. وكرد فعل على هذا الإعلان، دعا عضو مجلس السيادة الانتقالي محمد الفكي سليمان لخروج المواطنين ليدافعوا عن الثورة. رأى الفريق البرهان في هذا الطلب تحريضًا على القوات المسلحة. وصل التصعيد بين المكونين العسكري والمدني ذروته عندما أعلن الفريق أول البرهان في بيان له في 25 أكتوبر 2021م، عن إعلان حالة الطوارئ وحل مجلسي الوزراء والسيادة، وتشكيل مجلس وزراء من كفاءات، وتعطيل العمل بمواد من الوثيقة الدستورية. وعد المكون المدني المشارك في الحكم ذلك انقلابًا قاده الجيش. وبذلك يكون الجيش قد انفرد بالسلطة.
التوترات داخل المكون العسكري
لم يقف التوتر عند العلاقة بين المدنيين والعسكريين لكنه امتد إلى داخل المكون العسكري نفسه. فقد أعلن حميدتي، أن ما حدث في 25 أكتوبر ليس عملاً إصلاحيًا، لكنه كان انقلابًا فاشلاً. تطوّر الخلاف عقب الاتفاق بين العسكريين وقوى مدنية أطلق عليه "الاتفاق الإطاري" والقاضي بتسليم السلطة لحكومة مدنية، ووقّع عليه في 5 ديسمبر 2022م، وشمل الاتفاق طرفي المكون العسكري: القوات المسلحة والدعم السريع، ومن القوى المدنية: الحرية والتغيير مجموعة المجلس المركزي، والمؤتمر الشعبي وأحد فرعي الاتحادي الديموقراطي الأصل وتنظيمات سياسية صغيرة أخرى. وقد عارض الاتفاق الحرية والتغيير مجموعة التغيير الديموقراطي والحزب الشيوعي والتيار الإسلامي، وحزب البعث. وعلى الرغم من أن الفريق البرهان قد وقّع على الاتفاق إلا أن موضوع دمج الدعم السريع في القوات المسلحة شكل العقبة الرئيسة في تنفيذ الاتفاق. لم يحدد الاتفاق الإطاري فترة زمنية محددة لإكمال عملية الدمج، لكن ما رشح من أخبار يشير إلى أن قائد قوات الدعم السريع قد طالب بعشر سنوات لإتمام الدمج بينما ترى القوات المسلحة أن يكتمل ذلك في غضون عامين.
يواجه البرهان ضغوطًا داخلية من ضباط القوات المسلحة بالإسراع في دمج تلك القوات. وتعد المحاولة الانقلابية التي تزعمها العميد بكراوي من سلاح المدرعات، كما أشارت لذلك التحقيقات ومداولات المحكمة، رد فعل على تمدد قوات الدعم السريع وانتشارها. وتقرأ هذه المحاولة الانقلابية مع وقائع أخرى مثل إعفاء ضباط كبارًا كانوا على خلاف مع حميدتي، وأرجعوا للخدمة بعد نشوب القتال في 15 أبريل على أهمية تحليل دور المصلحة المؤسسية للقوات المسلحة في الصراع مع قوات الدعم السريع. وقد كانت هذه المصلحة السبب الأكبر في استمرار القتال لأسابيع ورفض الوساطات المختلفة لإنهاء القتال. وتشير تصريحات ضباط كبار في القوات المسلحة، مثل الفريقين شمس الدين كباشي وياسر العطا على استسلام قوات الدعم السريع وتقديم قادتها للمحاكمة مستقبلًا قبل إعلان إنهاء الحرب.
اندلاع القتال
رغم محاولات مختلفة بذلت للتوفيق بين البرهان وحميدتي لتخفيف التوتر، إلا أنها لم تكلل بالنجاح. وفي صباح 15 أبريل 2023م، فوجئ السودانيون باشتعال القتال في العاصمة السودانية وخاصة في محيط القيادة العامة والمطار والقصر الجمهوري، وقد انتشر القتال لاحقًا في مناطق مختلفة من العاصمة السودانية وبعض مدن البلاد خاصة في إقليم دارفور مثل مدن الفاشر ونيالا والجنينة. اتهمت القوات المسلحة قوات الدعم السريع بأنها قد شرعت في محاولة انقلابية للسيطرة على الحكم في البلاد. غير أن قوات الدعم السريع نفت ذلك واتهمت القوات المسلحة بالهجوم عليها. غير أن قوات الدعم السريع كانت تستعد منذ فترة. فقد أوردت وسائل إعلام مختلفة قبل أيام من حدوث القتال أن هناك حشدًا تقوم به قوات الدعم السريع لمجندين من إقليم دارفور. وعكست صورًا لشاحنات تقل عشرات من هؤلاء الأشخاص بملابس مدنية في طريقهم للخرطوم.
داخليًا انقسمت مواقف القوى السياسية حيال الحرب إلى مجموعتين: تطالب الأولي بوقف الحرب وتضم القوى المساندة للاتفاق الإطاري وآخرين، وتركز الثانية على دعم القوات المسلحة في قتال مجموعة متمردة، وتشمل الحزب الاتحادي الأصل بقيادة الميرغني الأب، وحزب الأمة بقيادة مبارك المهدي والتيار الإسلامي، وآخرين. مع صدور بيانات من الإدارات الأهلية (التكوينات القبلية) مؤيدة للجيش.
مواقف القوى الإقليمية من النزاع المسلح
اتهمت القوات المسلحة السودانية قوى خارجية بأنها تدعم قوات الدعم السريع، كما أشار لذلك الفريق شمس الدين كباشي، لكنه لم يسم دولة بعينها. وسنتناول في هذا المقال دور مصر والسعودية بصورة أساسية لتأثيرهما على الشأن السوداني. على الرغم من أن مصر لم تعلن رسميًا دعمها لطرف من أطراف النزاع دون طرف آخر، إلا أن شواهد مختلفة تشير إلى مساندة مصر للقوات المسلحة. فقد صرح الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي أن مصر تقف ضد انتشار الميليشيات في المنطقة العربية. كما أن قوات الدعم السريع عندما احتلت مطار مروي في شمال السودان احتجزت مجموعة من الضباط المصريين الموجودين في القاعدة الجوية بناء على اتفاقية مع الحكومة السودانية. وقد اتهم قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو في لقاء تلفزيوني (حميدتي) الطيران المصري بتوجيه ضربة لمعسكر قواته في منطقة كرري على أطراف مدينة أمدرمان. وكان وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قد ذكر أن الحكومة المصرية تطالب بوقف لإطلاق النار، وأنه أجرى اتصالين مع الفريقين البرهان وحميدتي بهذا الخصوص. وترى الحكومة المصرية أن ما يجري في السودان يؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي المصري. منها، على أقل تقدير، تدفق أعداد كبيرة من السودانيين على مصر، وهذا ما حدث فعلًا نتيجة للحرب الأخيرة. وتشير تقارير صحفية إلى أعداد السودانيين الذين دخلوا مصر عبر معبري أرقين والقسطل على الحدود السودانية المصرية نحو أربعين ألفا خلال الأسبوعين الأولين بعد اندلاع القتال.
فيما يلي دور المملكة العربية السعودية، فإن ما يدور في السودان له أثر مهم على الأمن القومي السعودي، وخاصة على سواحل البحر الأحمر. والمملكة جزء من مجموعة الرباعية التي تضم إلى جانبها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا ودولة الإمارات العربية. وقد رعت الرباعية الاتفاق الإطاري بين العسكريين – بشقيهم القوات المسلحة والدعم السريع-وقوى مدنية كما جرت الإشارة. بعد انطلاق القتال، طالبت المملكة عبر سفيرها في الخرطوم بوقف إطلاق النار، وتواصلت مع أطراف القتال بهذا الصدد. وقد اضطلعت المملكة بدور في عملية إجلاء دبلوماسيين وأجانب من ميناء بورتسودان. وسيتناول المقال لاحقًا الدور السعودي الأمريكي في اتفاق جدة الذي جمع طرفا القتال.
دور القوى الدولية
سيتناول المقال دور الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا -عبر فاغنر-بحسبانها الأبرز أثرًا على الساحة السودانية. للولايات المتحدة حضور مهم في الشأن السوداني، وخاصة منذ إطاحة نظام البشير. وبرز هذا الدور مؤخرًا في ترتيب "الاتفاق الإطاري". أما ما يخص دورها بعد اندلاع القتال، فقد أصدر الرئيس بايدن قرارًا تنفيذيًا بتوقيع عقوبات على الشخصيات التي ستستخدم أشكالًا مختلفة من العنف وتعمل على إعاقة الانتقال الديموقراطي في السودان. وعد بايدن ما يحدث في السودان يشكل تهديدًا استثنائيًا وفوق العادة للأمن القومي الأمريكي. وقد ضغطت الحكومة الأمريكية على الطرفين لإبرام هدنة في أيام عيد الفطر. وسيأتي المقال لدورها في اتفاق جدة لاحقًا.
لا يغيب على ذهن المتابع للشأن السوداني أن بريطانيا، وبحكم أنها كانت الدولة المستعمرة للسودان، ظلت الأكثر إدراكًا بالشأن السوداني بين الدول الغربية. ونسبة لهذه المعرفة صارت مرجعية لتلك الدول عندما تريد وضع سياسات عامة تجاه السودان. لذا فإن مشاركتها في مجموعة الرباعية المهتمة بالشأن السوداني يجئ تأكيدًا لهذا الإدراك. ويبرز الدور البريطاني قبل وبعد النزاع المسلح في تواصلها مع قطاعات مؤثرة من المجتمع السوداني، وفي تنظيمها للقاءات نوعية متعلقة بقضايا مرتبطة بالواقع السوداني. كما أن بريطانيا تولت إثارة النزاع المسلح في السودان في المحافل الدولية مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
روسيا وفاغنر والنزاع في السودان
على الرغم من أن روسيا أعلنت رسميًا موقفًا محايدًا في النزاع السوداني، إلا أن تقارير صحفية وجّهت اتهامات لشركة فاغنر-المرتبطة بالحكومة الروسية باضطلاعها بدور في القتال. وكان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد قال في مؤتمر صحفي بعد نشوب القتال «يحق للسودان الاستفادة من الخدمات الأمنية لمجموعة (فاغنر)». وتعمل شركات روسية في مجال استخراج الذهب مثل شركة «مروي قولد» المرتبطة برجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين، رئيس مجموعة «فاغنر». وذكرت موقع السي إن إن أن الأقمار الصناعية رصدت حركة لطائرات روسية من اللاذقية في سوريا إلى مطارين في ليبيا يسيطر عليهما اللواء خليفة حفتر حليف حميدتي قبيل اندلاع القتال، وربط ذلك بمحاولة الدعم السريع المتكررة احتلال مطار مروي في شمال السودان. وأضاف الموقع أن فاغنر زودت الدعم السريع بصواريخ أرض جو لمجابهة سلاح الطيران السوداني. وهناك تخوّف من امتداد النزاع إلى الجوار الإقليمي، خاصة أن فاغنر لديها وجود في جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي.
اتفاق جدة
تحركت كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة لإقناع الطرفين بإعلان وقف لإطلاق النار. وقد أفلحت الجهود في جمع الطرفين في مدينة جدة في 6 مايو 2023م. وبعد محادثات غير مباشرة مضنية لمدة ستة أيام، وقع الطرفان على ما سمّي: "الالتزام بحماية المدنيين في السودان". والاتفاق ليس وقفًا لإطلاق النار، لكن أهم بنوده إلزام الطرفين بوصول المساعدات الإنسانية، وعدم استخدام المستشفيات لأغراض عسكرية، والسماح بمرور آمن للمدنيين، والتمييز بين المدنيين والمقاتلين، وحماية العاملين في المجال الطبي. وفترة تنفيذ هذا الالتزام عشرة أيام تكون تمهيدية لعقد جلسات أخرى تفضي لوقف لإطلاق النار، ثم البدء في عملية سياسية بإشراك مدنيين وأطراف إقليمية ودولية. وبما أن هذا الاتفاق ليس وقفاً لإطلاق النار، فقد استمر القتال بين الجانبين حتى إعداد هذا المقال. وسيكون الاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار أمرًا شاقًا في ظل إصرار طرفي النزاع على الانتصار العسكري، وما يراه كل طرف بإمكانية تحقيق ذلك. لكن الأمل الوحيد أن تتضافر الجهود المحلية والإقليمية في جمع القوى الرئيسة في البلاد، دون استثناء، للخروج من هذه الأزمة الطاحنة والترتيب لسودان ما بعد النزاع.