array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 186

ثلاثة مسارات وخمسة معوَّقات للتحرك الأوروبي لحل الصراع السوداني

الإثنين، 29 أيار 2023

منذ اندلاع الصراع في السودان في 15 أبريل 2023م، بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وبين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي)، سارع الاتحاد الأوروبي بإدانة الأعمال العدائية والدعوة لوقف القتال واللجوء للحوار لحل الأزمة سياسياً، بما عَكَس طبيعة النهج الحيادي الذي تبنَّاه الاتحاد تجاه طرفي الأزمة، بهدف الحفاظ على المصالح الأوروبية في السودان، ودعم الاستقرار داخلها وفي محيطها الإقليمي، إلى جانب إجلاء الرعايا الأوروبيين في السودان وتأمين دخول المساعدات الإنسانية.

ونظراً لاقتصار الموقف الأوروبي حتى الآن على التصريحات المُدينة للصراع، أُثيرت تساؤلات جادة حول حدود الدور الأوروبي في الأزمة، ومرتكزات الموقف السياسي للاتحاد من الصراع، وكذلك معوِّقات فعالية هذا الدور في إنهاء الصراع، والمسارات المحتملة التي قد يلجأ إليها الاتحاد في التعاطي مع الأزمة، وهو ما تحاول هذه الورقة استكشاف سُبُل الإجابة عنها.

مرتكزات الموقف الأوروبي وأهدافه

كان الاتحاد الأوروبي من أوائل القوى الدولية التي نددت باندلاع الصراع في السودان، وحثت أطرافه على العودة للحوار وإيجاد حل سياسي للأزمة. وقد ارتكز الموقف الأوروبي من الصراع على ثلاثة مرتكزات أساسية؛ هي كالتالي:

أولاً-التنديد بالأعمال العدائية والدعوة لوقف القتال لحماية المدنيين: ففي 16 أبريل، أي بعد اندلاع النزاع بيوم واحد، دعا الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلى "وقف القتال بينهما وحل الخلافات من خلال الحوار"، محذراً من عواقب أعمال العنف في السودان وتقويض جهود تشكيل حكومة مدنية مستقبلاً.

وفي هذا السياق، اعتمد الاتحاد على التنسيق مع الأطراف الإقليمية المؤثرة في السودان لوقف القتال؛ لذلك تواصل بوريل مع وزراء خارجية مصر والمملكة السعودية والإمارات واتفقوا على الحاجة الملحة لوقف القتال، والعودة إلى التحول السلمي المدني للسلطة. وفي 24 أبريل، جدَّد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع في لوكسمبورغ الدعوات إلى وقف إطلاق النار في السودان والتوجه نحو تسوية سياسية سلمية مستدامة، وهو ما عكس إصرار الاتحاد الأوروبي على موقفه بضرورة وقف القتال والعودة لطاولة الحوار والحل السياسي للأزمة.

ثانياً-تهيئة الظروف لإجلاء المواطنين الأوروبيين في السودان: على الرغم من أن مسألة إجلاء المواطنين الأوروبيين كانت حاضرة في ذهن قادة أوروبا منذ بدء النزاع، إلا إن وتيرتها تسارعت بشكل كبير في أعقاب الاعتداء على سفير الاتحاد الأوروبي في الخرطوم وعلى مدير المكتب المسؤول عن المساعدات الإنسانية، في 18 أبريل، الذي اعتبره بوريل "انتهاكاً جسيماً لاتفاقية فيينا". فمنذ ذلك الحين، أعلن الاتحاد الأوروبي إغلاق بعثته في الخرطوم وكذلك أغلقت الدول الأوروبية سفاراتها، كما بدأت عمليات إجلاء مواطني الاتحاد الأوروبي من السودان؛ فتم إجلاء ما يقرب من 1700 مواطن من مختلف الجنسيات الأوروبية عبر أكثر من 30 رحلة جوية من الدول الأعضاء، وكان الدعم الفرنسي والألماني أساسياً في ذلك، كما اضطلعت جيبوتي أيضاً بدور مركزي في جهود الإجلاء كمحطة ترانزيت للمواطنين الأوروبيين.

ثالثاً-العمل على توفير المساعدات الإنسانية: تعد المساعدات الإنسانية بمثابة مدخلاً من مداخل العلاقات الأوروبية السودانية. ففي بداية عام 2023م، خصص الاتحاد الأوروبي 73 مليون يورو كمساعدات إنسانية للسودان بهدف توفير الخدمات الأساسية المنقذة للحياة في حالات الطوارئ. ومنذ عام 2013م، حشد الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 600 مليون يورو كمساعدات منقذة لحياة الأشخاص المتضررين من النزاعات ونقص الغذاء وسوء التغذية والأخطار الطبيعية أو تفشي الأمراض. ويسعى الاتحاد الأوروبي بشكل مستمر إلى تعزيز الوصول الآمن للمساعدات الإنسانية وحماية المدنيين في السودان.

وقد كان اندلاع الأعمال العدائية الأخيرة بين البرهان وحميدتي بمثابة تعميقاً للمخاطر الإنسانية التي يواجهها السودانيون أساساً. لذلك دعا الاتحاد طرفي النزاع إلى ضمان تأمين وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين، وعدم إعاقتها بأي طريقة. وفي هذا الصدد، خصصت المفوضية الأوروبية في بداية النزاع 200 ألف يورو للإغاثة الفورية، ومساعدات الإسعافات الأولية للمصابين أو المعرضين لمخاطر في العاصمة الخرطوم وغيرها من الولايات المتضررة. كما أنشأ الاتحاد في 11 مايو جسراً جوياً لنقل المواد الحيوية للشركاء في المجال الإنساني بالسودان، شملت 30 طناً من المواد الأساسية، لدعم جهود الإغاثة الإنسانية.

ولا شك أن هذه المرتكزات الثلاثة للموقف الأوروبي في الأزمة، عَكست طبيعة الأهداف الأوروبية في السودان، والتي يمكن حصرها في ثلاث نقاط أساسية على النحو التالي:

أولاً-التركيز على دعم الانتقال والتحول الديمقراطي المدني للسلطة في السودان بما يساهم في تحقيق السلام والاستقرار الداخلي، ويساهم في دفع جهود التنمية المستدامة التي يعد الاتحاد الأوروبي شريك رئيسي بها. فمنذ عام 2021م، يمتلك الاتحاد الأوروبي 85 مشروعاً وبرنامجاً جارياً في الدولة ممولة من ميزانية الاتحاد الأوروبي وصندوق التنمية الأوروبي (EDF) والصندوق الائتماني للاتحاد الأوروبي (EUTF) لإفريقيا بقيمة تقرب من 480 مليون يورو.

ثانياً-ضمان عدم انتقال الصراع للمحيط الإقليمي؛ إذ تخشى أوروبا – في إطار الحرب الروسية ـ الأوكرانية من انتقال عدوى الصراع السوداني إلى محيطه الإقليمي خاصةً دولتي إثيوبيا وإريتريا، بما سينتج عنه حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، ستهدد أوروبا بلا شك خاصةً في حال استغلال المنظمات الإرهابية هذه الفوضى لتهديد الدول الأوروبية.

ثالثاً-إبقاء الهجرة في أدنى صورها؛ نظراً لارتباط الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط بالأمن الأوروبي بشكل عام، تخشى أوروبا من أن يفرز هذا الصراع موجات جديدة من اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا المثقلة أساساً باللاجئين السوريين والعراقيين، كما إن انتقال الصراع لدول إقليمية أخرى يزيد من هذا الخطر، وهو ما يدفع الاتحاد لدعم جهود القوى الإقليمية مثل المملكة السعودية ومصر والإمارات في وقف القتال ودفع الاستقرار في السودان.

ويُشار في هذا الإطار إلى أن الاتحاد الأوروبي تعرَّض لانتقادات حادة سابقاً فيما يتعلق بسياسته تجاه السودان بسبب تمويله للمشاريع الخاصة بوقف الهجرة غير الشرعية من السودان، مثل "عملية الخرطوم" المشتركة بين الاتحاد الأوروبي ودول القرن الإفريقي لمكافحة أسباب وتبعات الهجرة غير القانونية والتي بدأت في عهد عمر البشير، لذلك اعتبر المعارضون أن الاتحاد الأوروبي يمول مشروعات قمعية بداعي وقف الهجرة. وقد أشار حميدتي سابقاً أن قوات الدعم السريع منخرطة في جهود الاتحاد الأوروبي لوقف الهجرة غير الشرعية.

معوَّقات فعالية الدور الأوروبي

لم يخرج الدور الأوروبي منذ اندلاع الأزمة عن مجرد حث طرفي الأزمة على وقف القتال وتشجيع الحوار لحل الأزمة سلمياً، مع تقديم المساعدات الإنسانية، لكن لم يتدخل الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر على خط الأزمة سواء عبر الوساطة أو إرسال قوة عسكرية لحفظ السلام على سبيل المثال، وهو ما يعكس محدودية الدور الأوروبي في الصراع، والذي يرجع إلى بعض المعوِّقات التي يمكن تسليط الضوء عليها في النقاط التالية:

أولاً-الانشغال بالحرب الروسية / الأوكرانية: إذ تعد الأخيرة بمثابة الحدث الأكثر أهمية بالنسبة لأوروبا لكونها ترتبط بشكل مباشر ووثيق بالأمن القومي الأوروبي، كما إن تداعيتها السياسية والاقتصادية والعسكرية سيكون لها مردود سريع ومباشر على كافة الدول الأوروبية والعالم، وهو ما يُفسِّر رغبة الاتحاد الأوروبي أو الدول الأوروبية بشكل عام في عدم الانخراط المباشر في الأزمة السودانية، على الرغم من تداعياتها غير المباشرة التي قد تظهر في حال طال أمد الحرب واتسع نطاقه إلى المحيط الإقليمي.

ثانياً-تواضع الأهمية الاستراتيجية للسودان بالنسبة لأوروبا: إذ يتعاطى الاتحاد الأوروبي مع السودان بصفته مانحاً للمساعدات التنموية والإنسانية، وينظر إليها بصفتها مُستقبِلاً للمساعدات، وليس شريكاً اقتصادياً بالمعنى التقليدي، وهو ما يعكسه ضعف الاستثمارات الأوروبية في السودان وكذلك ضعف حجم التبادل التجاري بين الطرفين. فعلى سبيل المثال، في عام 2019م، استوردت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي جميعها ما قيمته 284 مليون يورو فقط من السلع من السودان، بما يُبيِّن مستوى العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين الطرفين، والذي انعكس بدوره على موقف الاتحاد من الأزمة.

ثالثاً-عدم امتلاك الاتحاد الأوروبي أدوات للضغط السياسي على طرفي الأزمة: تتمثل أدوات الضغط في العقوبات الاقتصادية؛ كالحرمان من مزايا وتمويلات اقتصادية معينة، أو إيقاف الدعم والتسهيلات المقدَّمة من المانحين الدوليين أو فرض شروط عليها. ونظراً لكون طرفي الصراع عسكريين بالأساس، فلا يجد الاتحاد في جعبته الأدوات التي تمكنه الضغط بها عليهما؛ خاصةً أن فكرة العقوبات لن تُجدِ معهما لكونه صراعاً على السلطة بالأساس، وكذلك المنح والمزايا لن تغريهم لأن الصراع لم يُحسَم بعد.

رابعاً-قوة ونفوذ القوى الكبرى الأخرى مقارنةً بنفوذ الاتحاد الأوروبي داخل السودان: فالولايات المتحدة تحظى بنفوذ كبير في السودان، وكذلك اهتمت روسيا بتعظيم نفوذها في السنوات الأخيرة في معظم الدول الإفريقية بما فيها السودان، وهذان الطرفان ينخرطان في الأزمة بشكل مباشر أو غير مباشر، وبينما تحافظ الصين على نفوذ اقتصادي كبير هناك، لكنها تتبنى سياسة "القيادة من الخلف" بحيادٍ حذر لتجنب الانخراط في الأزمة بشل كلي. ومع تعاظم أدوار هذه القوى الدولية، ودول إقليمية أخرى مثل المملكة السعودية ومصر والإمارات، يتضاءل بالتبعية دور الاتحاد الأوروبي ومن ثم نفوذه المباشر في تسوية الصراع أو التدخل في الأزمة.

خامساً-بطء عملية اتخاذ القرار داخل الاتحاد الأوروبي: على الرغم من أن هذه سمة تميز العمل داخل الاتحاد الأوروبي، إلى جانب صعوبة الحسم لأن القرارات تُؤخذ بالإجماع، إلا إنها تزداد تعقيداً في الأزمات البعيدة عن المحيط الاستراتيجي المباشر لأوروبا. وبينما كانت هناك اختلافات في الرؤى بشأن التدخل الروسي في أوكرانيا، فإن حسم مسألة التدخل في صراع كالصراع السوداني تكون أكثر بطئاً وصعوبة. وفيما حثت بعض الدول الأوروبية الاتحاد للعب دور أكبر في الأزمة، اعترضت دول أخرى على هذا الطرح لتجنب الانصراف عن الأزمة الأوكرانية الأكثر أهمية.

التداعيات والمسارات المحتملة للدور الأوروبي

لا شك أن غياب الدور الأوروبي النشط والمباشر في حل الأزمة في السودان ستكون له تداعيات سلبية على أوروبا؛ من بينها تزايد احتمالات الهجرة واللجوء من السودان إلى أوروبا، وهو ما سيزداد تعقيداً في حالة اتساع نطاق النزاع ليصل إلى الجوار السوداني في إثيوبيا وإريتريا. إلى جانب احتمالية ظهور جماعات مسلحة أو منظمات إرهابية تستغل حالة الفوضى الإقليمية لتهديد المصالح الأوروبية في المنطقة. بالإضافة إلى أن عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على لعب دور نشط في بناء السلام في السودان، قد يتيح الفرصة لفاعلين دوليين آخرين للتسلل داخل السودان وشن حرب أخرى بالوكالة، وتُثار التحذيرات حالياً حول مجموعة فاجنر الروسية، انطلاقاً من دورها الخطر الذي مارسته في منطقة الساحل الإفريقي، وهو ما سيهدد بالضرورة المصالح والنفوذ الأوروبي في السودان والمنطقة ككل.

نتيجة لذلك، توجد أمام الاتحاد الأوروبي، كفاعل دولي داعم للاستقرار والتنمية، ثلاثة مسارات للتحرك لحل الصراع في السودان؛ ويمكن تسليط الضوء على هذه المسارات كالتالي:

المسار الأول: الانتظار في خلفية المشهد والاكتفاء بتقديم الدعم للمبادرات الإقليمية والدولية لوقف القتال؛ فنظراً للمعوقات التي تواجه فعالية الدور الأوروبي في السودان، إلى جانب تواضع الأهمية الاستراتيجية لها في الفكر الأوروبي حالياً خاصةً في ظل الانشغال بتداعيات الحرب الأوكرانية، سيلجأ الاتحاد الأوروبي إلى دعم المبادرات الإقليمية والدولية التي تهدف لحل النزاع والعودة لخطة الانتقال المدني السلمي للسلطة لتأمين الاستقرار في السودان.

وفي الغالب فإن هذا المسار هو الأكثر ترجيحاً؛ ففي اجتماع البرلمان الأوروبي بتاريخ 9 مايو 2023م، أعلن الاتحاد الأوروبي ترحيبه ودعمه لجهود الوساطة الجماعية الإقليمية والدولية المنسقة، بما في ذلك جهود الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد) وجامعة الدول العربية وجنوب السودان والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. كما دعا الاتحاد في هذا الصدد إلى دمج جهود الوساطة وتوحيدها لممارسة ضغط أكبر وإعادة الاستقرار إلى السودان.

من هذا المنطلق، بدا واضحاً أن الدعم الأوروبي الأساسي يُلقى وراء المبادرة السعودية الأمريكية، خاصةً لكونها الأكثر فعَّالية حتى الآن، ومن المحتمل أن يعمل الاتحاد الأوروبي في مرحلة لاحقة، إذا بدأت ثمار هذه المبادرة تظهر بشكل أوضح، على الانضمام إليها لاحقاً سواء عبر تقديم مزيد من الدعم لمخرجاتها السياسية، ودعم بناء السلام والاستقرار في السودان، لتجنب مخاطر استمرار الصراع وتفاقمه.

المسار الثاني: قيام دول أوروبية محددة، مثل فرنسا أو ألمانيا، بوساطات فردية لحل الأزمة؛ وربما يعد هذا المسار متوسط الترجيح، نظراً لعدم رغبة وكذلك قدرة الدول الأوروبية، حتى الكبرى منها، على الانخراط في صراعات منطقة الشرق الأوسط، لكونها صراعات متجددة وطويلة الأمد وتستنزف جهودًا وأموالًا طائلة تحتاجها هذه الدول حالياً لتأمين اقتصاداتها في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية.

ومع ذلك، تظل احتمالية قيام فرنسا أو ألمانيا بمثل هذه الوساطة الفردية أمراً محتملاً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن فرصة ألمانيا في الوساطة قد تكون أكبر من فرنسا؛ فالأخيرة لديها رصيد سلبي من عدم الثقة الناتج عن المرحلة الاستعمارية للدول الإفريقية، ناهيك عن السلبيات المرتبطة بعمليات مكافحة الإرهاب التي تقودها فرنسا مع دول مجموعة الساحل، وغيرها. أما بالنسبة لألمانيا؛ فإنها قد تبني على نجاحها السابق في حلحلة الأزمة الليبية عبر مؤتمري برلين 1 وبرلين 2، ناهيك عن مصداقيتها كوسيط دولي نزيه وشريك اقتصادي واستراتيجي مرغوب.

في هذا الإطار، تشير بعض الاتجاهات إلى أن ألمانيا بدأت بالفعل في التحرك نحو هذا المسار، وهو ما عكسته جولة وزير الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في السعودية وقطر في 15- 17 مايو 2023، والتي تناولت خلالها بعض ملفات المنطقة وفي مقدمتها ملف الصراع السوداني، لكن لا يبدو أن ألمانيا قد تسعى لمثل هذه الوساطة في الوقت الحالي؛ لعدة أسباب منها محدودية دورها ونفوذها في السودان، وتصاعد نفوذ القوى الكبرى داخل السودان، سواء الدولية أو الإقليمية مثل الولايات المتحدة والسعودية، وربما كذلك عدم القدرة على الانخراط في أزمات المنطقة، خاصة تلك التي لا تؤثر بشكل مباشر على المصالح الألمانية، والتركيز على التهديدات المباشرة للأمن الإقليمي الأوروبي.

المسار الثالث: تدخل الاتحاد الأوروبي، بصفته فاعل دولي سلمي وداعم للاستقرار، بوساطة مباشرة بين طرفي الصراع؛ ويعد هذا المسار هو الأقل ترجيحاً، في ظل الأسباب التي ذكرناها سابقاً عن معوقات الدور الأوروبي وضعف القدرة على اتخاذ قرار موحَّد في الأزمات المختلفة. بالإضافة إلى ضعف المصالح الأوروبية الاقتصادية والاستراتيجية في السودان.

ومع ذلك، تظل إمكانية تدخل الاتحاد الأوروبي مباشرة في الأزمة مرهونة بطول أمدها واتساع نطاقها، وفشل الأطراف الدولية المتفاعلة معها في إيجاد حل سياسي لها، بالإضافة إلى بداية ظهور التداعيات السلبية لها مثل زيادة أعداد اللاجئين والمهاجرين من السودان إلى أوروبا، أو ظهور مخاطر انتشار الجماعات الإرهابية التي تهدد المصالح الأوروبية.

ومن واقع تطورات الموقف الأوروبي تجاه الصراع السوداني، يبدو أن الاحتمال الأول هو الأكثر ترجيحاً؛ إذ في الغالب الأعم سيكتفي الاتحاد بدعم المبادرات الإقليمية والدولية الجارية لحل الأزمة، مع الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين ودعم التحول الديمقراطي السلمي للسلطة. ولا شك أن هذا الدور المحدود للاتحاد في الصراع نابع من محدودية مصالحه ونفوذه داخل السودان، وقِصَر نظرته إليها بصفتها دولة مُستقبِلة للمساعدات سواء التنموية أو الإنسانية، لا شريكاً استراتيجياً في التنمية، وهو ما يعكسه حجم المصالح الضيق بين الطرفين.

وبينما لا يستطيع الاتحاد الانخراط المباشر في الأزمة، فإنه لا تزال هناك مخاوف أوروبية من أن تسعى قوى أخرى لسد الفراغ في السودان، وتحديداً مجموعة فاجنر الروسية، مما قد يؤدي لإطالة أمد الحرب وتحويلها إلى حرب بالوكالة بين روسيا والولايات المتحدة، مما ستكون له تداعيات أمنية سلبية على أوروبا، تتمثل في زيادة معدلات الهجرة واللجوء وكذلك مخاطر الإرهاب المحتمل انتشاره في ظل هذه الفوضى الإقليمية.

ونظراً لضعف فعالية دوره في الأزمة، سيُكثِّف الاتحاد الأوروبي دعمه للمبادرات القائمة لحل الأزمة، بالتزامن مع استمرار التنسيق السياسي مع القوى الإقليمية الكبرى مثل المملكة السعودية ومصر، بهدف تسريع وقف القتال وإيجاد مخرج سياسي للأزمة، وربما في مرحلة لاحقة، حينما يتم التوصل إلى خطة واضحة للانتقال السلمي للسلطة في السودان، قد يلجأ الاتحاد لتوظيف "المساعدات التنموية" كورقة للضغط لضمان الالتزام بالعملية السياسية الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة ودعم الاستقرار.

مقالات لنفس الكاتب