array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 186

الأزمات العربية والحلول الذاتية

الإثنين، 29 أيار 2023

تلوح في الأفق بوادر رؤية جديدة لحل أزمات المنطقة العربية بجهد عربي ذاتي في أول تجربة في التاريخ المعاصر، ومع أن هذه الرؤية في بداية التشكل، إلا أننا نأمل لها النجاح، وأن تستمر وألا تفشلها الدول العربية نفسها، وألا تنفث الدول الكبرى والإقليمية سمومها لتبديد هذا الحلم الذي طال انتظاره، لكن تحقيق ذلك  يتجاوز الأمنيات إلى جهود الدول العربية نفسها لتحقيق النجاح المأمول، وضرورة أن تعمل هذه الدول بنفسها لمساعدة نفسها لحل مشاكلها، وأن تغلق باب التدخلات الخارجية التي تزكي هذه الصراعات وتؤججها، فأكثر الأزمات العربية خاصة التي تعيشها الدول التي شهدت أحداث ما يسمى بـ (ثورات الربيع العربي) هي صناعة محلية بالأساس قامت بتغذيتها أطراف خارجية، لكن بالتأكيد هي صراعات داخلية انفجرت وتحولت إلى صراع على الحكم، وحروب أهلية أفرزت ميليشيات مسلحة ذات ولاءات خارجية، وكان بالإمكان السيطرة على هذه الصراعات من البداية لو تم التعامل معها في إطار المشاركة الداخلية بين أطرافها والعمل معًا لوضع الحلول التي كانت كفيلة بتجنيب هذه الدول ويلات ما حدث من أزمات ومازالت تداعياتها مستمرة، بل ستظل تأثيراتها مستمرة لسنوات قادمة، وهذه الأزمات بدأت بالصراع على السلطة وكراسي الحكم فقط، وليس على قضايا وطنية لصالح الدولة وشعبها، وهذا ما يحدث الآن في السودان، ومن قبل في سوريا، وليبيا، واليمن، ناهيك عن الطائفية والحزبية والمذهبية التي أتت على الدولة اللبنانية وأفقرت شعبها، وهذا ما حدث أيضًا في العراق منذ عشرين عامًا (2003 ـ 2023م)، ومن الطبيعي أنه كلما طالت الأزمات طال أمد حلولها، ويكون من الصعب الوفاق بسب مصالح كل طرف وولاءاته ومموليه وداعميه من الخارج.

وأثبتت الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية منذ عام 2011م، وحتى الآن عدم وجود المساعدة الخارجية الصادقة لإيقاف هذه الصراعات وإنهاء الحروب الأهلية، بل ترى الدول الكبرى والإقليمية في هذه الصراعات مغانم لها، حيث تجد عبرها مناطق نفوذ ووسيلة للتدخل في شؤون الدول العربية وإضعافها لصالح قوى إقليمية أخرى متربصة بالأمة العربية وترى في الضعف والتمزق العربي قوة لها، كما تجد الدول المصدرة للسلاح أسواقًا لبيع سلاحها على حساب شعوب تئن تحت وطأة الفقر والجوع وسلطات تتمسك بمواقعها على حساب شعوبها.

وكان الأمل معقودًا على العمل العربي المشترك بقيادة جامعة الدول العربية، لكن لم تقم الجامعة بأي محاولات فاعلة، ولم تقدم أي مبادرات مجدية، بل لم نسمع لها صوتًا وكأن ما يحدث خارج حدود مهامها، وقد يكون بالفعل خارج حدودها لأنها بدون صلاحيات فعلية، فهي جهاز عربي يستمد صلاحياته من الوفاق العربي الذي تغيب بدوره في مجاهل هذه الصراعات، ما جعل بعض المفكرين يطالبون بالبحث عن آلية جديدة لحل مشكلات المنطقة العربية.

وفي ظل هذا الليل البهيم، بدا شعاع من نور الفجر يجد طريقه إلى المنطقة العربية، وهذا الشعاع بدأ يظهر قبل انعقاد القمة العربية الأخيرة التي استضافتها مدينة جدة السعودية في التاسع عشر من مايو الماضي، حيث بدأت بمبادرات إعادة سوريا إلى عضويتها في الجامعة العربية، ثم المبادرة السعودية ـ الأمريكية لتثبيت هدنة في السودان، ثم جاءت القمة ومعها جرعة أمل قوية جدًا لانعاش الجسد العربي المنهك، فقد جاء في إعلان جدة الصادر عن القمة ما كنا ننتظره منذ زمن، حيث جاء فيه " نشدد على وقف التدخلات الخارجية في الشؤون العربية، والرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة، ونؤكد على أن الصراعات العسكرية الداخلية لن تؤدي إلى انتصار طرف على آخر، وإنما تفاقم معاناة الشعوب وتثخن في تدمير منجزاتها، وتحول دون تحقيق تطلعات مواطني دولنا" وجاء الحديث عن التنمية والبناء الاقتصادي والثقافي وتثبيت هوية المنطقة العربية في 6 بنود من 12 بندًا هم إجمالي بنود إعلان جدة الذي جاء لأول مرة في تاريخ القمم العربية بهذا الاختصار والتركيز والاهتمام بالتنمية.

كما استهل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء بالمملكة كلمته بقوله (نؤكد أننا ماضون للسلام والخير والتعاون والبناء، بما يحقق مصالح شعوبنا، ويصون حقوق أمتنا، وأننا لن نسمح بأن تتحول منطقتنا إلى ميادين للصراعات).

قمة جدة وضعت أسسًا جديدة للعمل العربي المشترك، وحل أزمات المنطقة بأيدي أبنائها، ونأمل أن تلتزم الحكومات بالعمل على التنفيذ بالحوار والمصالحة، وإلقاء السلاح، والانحياز للتنمية، وإيجاد حلًا للديون التي ترهق كاهل دول المنطقة، والتعاون العربي لقطع دابر الميليشيات والتدخلات الأجنبية والتفرغ للتنمية والبناء.

مقالات لنفس الكاتب