array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 185

ضرورة استكشاف سبل جديدة لبناء شراكات فاعلة بصيغ حديثة للتعاون بسياسات شفافة

الأحد، 30 نيسان/أبريل 2023

العام 1973م، دول الخليج تفاجئ العالم: لا نفط لأية دولة أو جهة تساهم في العدوان على الوطن العربي والأمة العربية. كانت تلك حرب أكتوبر، واهتز العالم من أدناه إلى أقصاه، وتغيرت موازين قوى كثيرة، وسارعت دول عظمى لإعادة ترتيب أولوياتها. فتشكلت منظمات دولية وقامت بتحالفات جديدة لمواجهة سلاح كانت تعتقد أنه يدعم ترسانتها للسيطرة على العالم فارتد عليها.

اليوم وفي الذكرى الخمسين لتلك الأيام المجيدة تفاجئ دول الخليج العالم مجددًا وقد اجتمعت شعوبها تحت راية مجلس التعاون لدول الخليج العربية لتستعيد دورًا يتناسب مع عالم سريع التغير وحافل بالتحديات. النفط لم يعد سلاحًا في الحروب بل وسيلة وسلعة في خدمة التنمية المستدامة لشعوبها وعمقها العربي وجوارها الإقليمي، وهو ما يستدعي تثبيت دعائم دول المجلس أولًا فيما بينها ثم التأكيد مجددًا على انتمائها إلى 400 مليون عربي يبنون مستقبلاً يتحول يومًا بعد يوم من حلم إلى حقيقة. ولعل القمة العربية المقبلة في الرياض هي خطوة على طريق مسيرة الألف ميل.

دول مجلس التعاون: الدور والمسؤولية

استطاعت دول مجلس التعاون أن تحقق العديد من الإنجازات على صعيد العمل المشترك بين دولها وتحققت على مدى العقود الأربعة الماضية العديد من المشروعات التكاملية ومنها السوق الخليجية المشتركة، والاتحاد الجمركي، والربط الكهربائي، وحرية تنقل رؤوس الأموال والعديد من المكتسبات الأخرى التي يتمتع بها مواطنو دول المجلس. كما تحقق المزيد من التعاون والتنسيق على المستوى العسكري والأمني. وشكلت الاستراتيجية الدفاعية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية المنبثقة من اتفاقية الدفاع المشترك والتي أقرت في 2009م، إنجازاً مهماً وخطوة أساسية على طريق بناء المنظومة الدفاعية المشتركة لمجلس التعاون.

وتماشيًا مع التوجه المستقبلي للتنمية المستدامة واستخدام الطاقة النظيفة، تبنت دول المجلس مسارًا للتحول في الطاقة يشمل الانتقال إلى الطاقة المتجددة ومراعاة التغير المناخي والحياد الكربوني بطرق متعددة من خلال تطوير مصادر الطاقة النووية والمتجددة والهيدروجين الأخضر، والاقتصاد الدائري للكربون الهادفة لخفض الانبعاثات وإعادة التدوير ومعالجة النفايات.

وبالرغم من ذلك إلا أن مسيرة التكامل فيما بين دول المجلس ما زالت بحاجة إلى المزيد من التطوير للسياسات لأجل تحقيق الأهداف المشتركة وترسيخ نفسها كمنظمة إقليمية مستكملة سبل التعاون والتكامل بجميع مكوناتها وتتضافر جهودها من أجل تعزيز العمل المشترك وترشيد الإنفاق وتحسين شروط التفاوض مع المستثمر الأجنبي وتعضيد التكامل لتفادي التنافس الإقليمي. وفي مواجهة التغيرات المتسارعة والتحديات المتجددة، أضحت الحاجة ملحة إلى إعادة صياغة الأهداف بصورة أكثر وضوحًا وشمولية تحدد بجلاء وسائل وسبل التعاون والتنسيق وتفند مشاريع وخطط التكامل في مختلف المجالات، الاقتصادية منها والاجتماعية والأمنية والثقافية والتعليمة والصحية. لا شك في أن تطوير السياسات الخليجية الموحدة وتحديد الأهداف المشتركة لعمل خليجي موحد سيساهم في تعزيز الصناعات والمشاريع الاستثمارية المشتركة وتقوية التجارة الحرة بين الدول الخليجية والدول العربية والإقليمية والتكتلات العالمية. وفي نفس الوقت، من المهم العمل على التوافق حول الأطر التشريعية لبيئة الأعمال لجلب مزيد من الاستثمارات الأجنبية لمشاريع كبيرة الحجم وتنشيط تنافسية الصادرات وتعزيز الإصلاحات التجارية من أجل تكامل سلاسل الإمداد العالمي لتحقيق الأمن الغذائي والتقني خصوصًا مع تنامي أنشطة الاقتصاد الرقمي. وفي نفس الوقت لابد من اتخاذ خطوات سريعة نحو اتحاد نقدي على غرار الاتحاد الأوروبي.

ويأتي دور ومسؤولية دول المجلس من إيمانها بانتمائها العربي، خصوصًا في ظل الظروف التي تمر بها معظم الدول العربية التي تعاني من تراجع في معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر واتساع الفوارق الطبقية وزيادة معدلات البطالة بين الشباب وتخلف أنظمة التعليم وتراجع في شبكات الأمن الاجتماعي والخدمات الصحية. وتلعب دول مجلس التعاون دورًا هامًا في دعم مسيرة العمل العربي المشترك، حيث تسعى إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة وتوفير بيئة ملائمة للاستثمار والتجارة والتعاون الاقتصادي بين دول المنطقة. وقد قامت دول مجلس التعاون بإطلاق العديد من المبادرات والمشاريع الاقتصادية المشتركة، مثل إطلاق السوق المشتركة للخدمات المالية والتجارية، وتشكيل صندوق الاستثمار الخليجي والذي يهدف إلى تمويل المشاريع الاستثمارية في الدول الأعضاء. وفي حين أن دول المجلس لم تتوانى في التواصل مع محيطها العربي ومساندتها للعديد من الدول العربية، إلا أنها تحتاج إلى توافق حول رؤية خليجية مشتركة تدعم منظومة العمل العربي المشترك بكل أبعاده ومساراته.

مسيرة العمل العربي المشترك

العمل العربي والتعاون المشترك بين الدول العربية كان هدفًا رئيسيًا تم اعتماده منذ 1950م، نظرًا لتوفر العديد من المقومات المحفزة من روابط ثقافية وتاريخية وجغرافية ولغوية وغيرها من المقومات الاقتصادية، وبرزت العديد من المبادرات في هذا المجال التي كان من المتوقع أن تكون أساسًا لعمل عربي مشترك ناجح ومستدام.

وقد بذلت العديد من المحاولات ضمن أطر مؤسساتية عديدة كمجلس جامعة الدول العربية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية. وشكلت صناديق التنمية العربية مصدرًا مهمًا للتمويل دعمت من خلالها التنمية الاجتماعية والاقتصادية في عدد من الدول العربية، وعززت القطاعات الإنتاجية فيها وساعدت في تطوير بناها التحتية في مجالات النقل والطاقة الكهربائية والمياه والاتصالات الهاتفية واللاسلكية، وغيرها من الضروريات الأساسية، وكان لها أثر إيجابي في التنمية والتعاون العربي.

إلا أن أغلب المبادرات باءت بالفشل لأسباب عديدة أبرزها التأثير السلبي للخلافات والنزاعات الجانبية بين العديد من الدول الأعضاء، وغياب الرؤى الاستراتيجية الموحدة وتضارب المصالح وانعدام آليات التكامل وتباين سبل التنفيذ ووسائل المتابعة، وعدم القدرة على تحديد الأهداف السياسية وعدم وضوحها. ترتب على ذلك أن معظم المشاريع العربية المشتركة لم ينبثق عنها سياسات إنتاجية منسقة تستوعب اليد العاملة وتحفز الاستثمار، فالسوق العربية المشتركة التي تم التصديق عليها، لم تنضم إليها أكثر من سبع دول عربية ذات نظم اقتصادية متباينة ومصالح متضاربة.

وكما أشار تقرير الاسكوا فإن المبادرة العربية في محاولاتها لتحقيق التكامل الاقتصادي استنسخت تجربة بعض التجمعات الاقتصادية دون مراعاة الظروف العربية وتناسب مواردها مع مبادرات التجمعات الأخرى. فقد اعتمدت الأخذ التدريجي بمبدأ التجارة الحرة أملًا في تحقيق التكامل الاقتصادي العربي، أسوة بتجربة الاتحاد الأوروبي دون الأخذ في الاعتبار عدم كفاية الطاقة الإنتاجية للدول العربية وعدم تشابه أنماط الإنتاج مما ساهم في تعثر المبادرة وفشل التكامل. وفي نفس السياق فإن الجهود فشلت في اعتماد إطارًا مرجعيًا مفاهيميًا محددًا جيدًا للتنمية البشرية، والذي يشمل مجالات هامة مثل الصحة والتعليم والثقافة والتدريب والبيئة وفرص العمل لمكافحة البطالة والفقر والتي هي أسس هامة وشاملة للارتقاء بمؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبناء القدرات البشرية ورفع مستوى المعيشة للجميع.

كما ساهمت الإجراءات البيروقراطية للعديد من الدول العربية في إعاقة التعاون الفعال للعديد من المؤسسات التنموية مثل المنظمة العربية للتنمية الاقتصادية والمجلس الاقتصادي العربي وصندوق النقد العربي ومجلس رؤساء المصارف العربية والتي من المفترض أن تحقق، من خلال هيئاتها التأسيسية ومجالس إداراتها، درجة من التنسيق الصناعي والاستثماري فيما يتعلق بالمشاريع الصناعية الهامة التي تتطلب استثمارات كبيرة ومهارات تكنولوجية متقدمة وسوقًا كبيرة. حيث لم تتمكن مثل هذه المؤسسات من متابعة تنفيذ المشروعات الواعدة وضمان حرية التحويلات المالية العربية بين الدول العربية.

مثل هذا التوجه أثر سلبًا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية العربية، وعرقل الجهود الوطنية الرامية لتعزيز التحول الاجتماعي والاقتصادي، وساهم في عجز المؤسسات الوطنية عن خدمة ممكنات التطور والنمو الشامل بجميع مكوناته الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية. وعلى الجانب الآخر فشلت القطاعات الإنتاجية في تحقيق نمو سريع في الدخل القومي وخلق فرص عمل جديدة. وإضافة إلى ذلك برزت مشكلة ندرة المياه والأمن الغذائي، والتباين في مستويات المعيشة وعجز الخدمات الاجتماعية عن التوسع لتلبية الطلب الناتج عن النمو السكاني السريع، والذي تزامن مع النقص في جودة التعليم والتراجع في الخدمات الصحية.

وتعد اتفاقية مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، التي تم التصديق عليها في عام 1957م، أحد الأمثلة على الفشل في الوفاء بما تبين أنها أهداف غير واقعية، والتي شملت حرية العمل والتجارة والتنقل والملكية. ولا تزال عضوية المجلس مقتصرة على عدد صغير من الدول التي فشلت، حتى بعد 40 عامًا، في تحقيق أي من الأهداف المحددة.

تأثير المتغيرات الإقليمية والدولية

أكد تقرير ستاندرد شارتر لعام 2023م، على استمرار "الرياح المعاكسة التي واجهت معظم الاقتصادات في عام 2022م، في الأشهر المقبلة"، وتوقع أن يتباطأ نمو الاقتصاد العالمي في 2023م، وتستمر البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم في تطبيق سياستها النقدية المقيدة، مما يقود إلى نمو متواضع للناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 2.5٪، منخفضًا عن 3.4٪ النسبة المتوقعة في 2022م، ضمن هذا السياق، تأتي أهمية تفعيل التعاون الهادف والبناء وتعزيز روافد العمل العربي المشترك، خاصة في ظل الظروف الإقليمية والدولية والمتغيرات الجيوسياسية، التي يشهدها العالم.

ففي ظل التحولات العالمية والتحديات الجديدة يصبح تفعيل آليات التكامل وتعزيز أدوات التنسيق السياسي والاقتصادي أداة هامة لتشكيل نموذج اقتصادي للتعاون التكاملي ليس فقط لدعم التنمية الاقتصادية في دولها بل في تشكيل قوة اقتصادية كبيرة تؤثر في الاقتصاد العالمي.

وفي وسط التوترات الجيوسياسية المتزايدة تشتد أيضًا المخاوف بشأن الاستقرار الاقتصادي والمالي العالمي الذي يوثر على حركة رؤوس الأموال عبر الحدود وأنظمة الدفع الدولية وأسعار الأصول. وهذا بدوره يغذي عدم الاستقرار من خلال زيادة تكاليف تمويل البنوك، وخفض ربحيتها، وتقليل إقراضها للقطاع الخاص. كما أن تأثير الاضطرابات في سلاسل التوريد وأسواق السلع الأساسية على النمو المحلي والتضخم يزيد من العبء على النمو الاقتصادي ويؤدي إلى تفاقم خسائر البنوك في السوق والائتمان مما يؤثر على تدفقات رأس المال والمؤشرات الاقتصادية والمالية الرئيسية. وهو ما يستلزم تعزيز أطر التأهب للأزمات وحسن إدارتها للتعامل مع عدم الاستقرار المالي بتوحيد الجهود وتعزيز أهمية التعاون فيما بين الدول العربية لضمان الإدارة الفعالة للأزمات المالية الدولية واحتوائها، ووضع آليات فعالة لتسوية المنازعات للمؤسسات المالية التي تعمل ضمن إجراءات وقوانين مختلفة.

كيف يمكن خدمة قضايا الدول العربية

تشير المصادر إلى أن حجم التمويل المتوقع لأحداث "التحول الهيكلي المطلوب لاقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية يتطلب تمويلًا إضافيًا بحدود 1.3 تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2025م، و3.5 تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2030م، وبالتالي فإن الدول العربية في أمس الحاجة إلى التنسيق في مجال الاستثمار من أجل ضمان الاستثمارات المجزية التي سيكون لها مردودًا إيجابيًا على النمو الاقتصادي وتوفير الفرص الوظيفية ورفع مستويات المعيشة. فالحاجة ملحة لتنويع مصادر التمويل، واستقطاب الاستثمار الخاص من خلال صياغة برامج استثمارية واضحة المعالم، ترتكز على استراتيجيات فعالة وطويلة الأجل. فأغلب الدول العربية غير الخليجية بحاجة إلى دفعة استثمارية كبيرة وعاجلة تستهدف رأس المال البشري والمادي والطبيعي والاجتماعي. مثل هذه الاستثمارات يستحسن أن تكون مرنة ومصممة لتحفيز الانتعاش الاقتصادي وتستهدف المجالات ذات الأولوية التي تلبي الاحتياجات الاجتماعية والبيئية وتخدم أهداف التنمية المستدامة.

وعلى الصعيد الآخر فإن مثل هذه الاستثمارات تتطلب بيئة تمكينية تشمل حزمة من السياسات الرامية إلى معالجة نقاط الضعف الهيكلية التي تعوق العمل وتجري تحسينات جوهرية على اللوائح والأطر القانونية واصلاحات مؤسساتية تعالج إخفاقات السوق وتشوه المنافسة والقواعد البيروقراطية التي تشكل حواجز كبيرة أمام الاستثمار الأجنبي

يتطلب الوضع أيضًا اعتماد أطر جديدة لتحسين سياسة المالية العامة وإعادة بناء الحيز المالي لدعم الاستثمارات الحيوية بطريقة مستدامة ماليًا مع تبني الحكومات لنهج مؤسسي يشمل الحكومة بأكملها للمساعدة في معالجة تجزؤ أنظمة الحوكمة، وتطوير المهارات الجديدة المطلوبة داخل الحكومة، وتسهيل الحاجة للتنسيق بين الحكومة والشركات والأفراد وكذلك على المستوى الدولي. مع تعزيز آليات التنسيق من أجل متابعة كفاءة الاستثمار واتساقه مع الأولويات والأهداف المحددة.

إن الوعي بأهمية دور القطاع الخاص في توسيع القاعدة الإنتاجية قد يكون مدخلًا هامًا نحو تضافر الجهود التكاملية وتشجيع الاستثمار المشترك للقطاع الخاص على مستوى الدول العربية. ولتعزيز سبل الشراكة ومواكبة متطلبات العصر من الضروري الالتفات إلى المشروعات الجاذبة للمواهب والعقول المبتكرة من القطاعات الاستراتيجية وإدراجها ضمن منظومة التعاون العربي بعد صياغة لوائحها التنظيمية وأطرها القانونية وتنفيذها بالتعاون مع رواد الأعمال المبتكرين من القطاع الخاص لتمكين الدول من مواكبة الابتكارات والتقنيات الحديثة.

إن ما يحتاجه النمو الاقتصادي العربي بعد الجائحة هو ضمان إمدادات السلع الغذائية لتعزيز الأمن الغذائي وهنا تبرز أهمية الاستثمار الزراعي الذي سيوفر سلة غذاء للشعوب العربية.  كما أن التعاون في الاقتصاد الرقمي يشكل هدفًا استراتيجيًا لوظائف المستقبل. وفي نفس السياق، فإن تفعيل الاستراتيجية العربية للاستخدام السلمي للطاقة الذرية تعد من أبرز القطاعات التي يجدر النظر اليها كمحفزات للتقدم والنماء الاقتصادي ووسيلة ناجعة لتقريب وجهات النظر وتكاتف الجهود الاستثمارية.

إن ما تحتاجه الدول العربية هو وقفة مع الذات لتحديد آليات التغيير والتأقلم مع متطلبات المرحلة الزمنية التي يمر بها العالم فالتغيير لا بد منه ويجب أن يأتي من الداخل وبإيمان عميق من صانع القرار. فمستقبل العرب يكمن في تطوير الفرد العربي وإعطائه إمكانيات الخلق والإبداع حتى يساهم بطريقة إيجابية وفعالة في بناء مستقبله ومصيره.

المخاطر والتحديات

وعلى الرغم من أن التوقعات الاقتصادية إيجابية بالنسبة لدول المجلس إلا أن هناك العديد من التحديات التي يجدر الالتفات إليها لضمان المحافظة على ما تحقق من إنجازات. فقد أدركت دول المجلس أن التحدي الرئيسي الذي سيواجهها في العقد المقبل هو إدارة موارد الطاقة والمياه والغذاء لضمان مستويات معيشية مرتفعة ونمو مستدام على المدى الطويل. لذلك عززت من تدابير كفاءة الطاقة وسعت إلى الاستثمار في إمدادات الوقود النظيف والطاقة المتجددة ومن خلال الاستثمار في قدرات جديدة لتحلية المياه هدفت إلى تحسين كفاءة استخدام المياه وعملت على تحسين موارد الغذاء لضمان مستوى مقبول من الأمن الغذائي من خلال الاستصلاح المحلي وشراء أو تأجير الأراضي الزراعية في الخارج.

على الرغم من أن الحكومات قد أدركت التحديات التي ينطوي عليها تعزيز أمن إمدادات الموارد على المدى الطويل، إلا أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لضمان نجاح المبادرات وكفاءة وفعالية السياسات. فعلى سبيل المثال، لا تزال المواقف العامة تجاه الحفاظ على الطاقة والمياه من خلال تقليص الدعم مقاومة للتغيير في العديد من دول المجلس. كما تتطلب البنية التحتية الجديدة لإنتاج المياه والكهرباء استثمارات إضافية ضخمة تستوجب تضافر الجهود والعمل المشترك من أجل تقليص الهدر وترشيد الإنفاق. وتتطلب الخلافات السياسية الناشئة عن الاستثمار في الأراضي الزراعية في الخارج إدارة مستمرة وتعاون مشترك.

وفي حين أن النفط والغاز سيظلان الدعامة الأساسية لاقتصادات دول المجلس ومصدرًا أساسيًا لتطوير الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل الألمنيوم والمواد الكيميائية لتنويع الاقتصادات وخلق فرص العمل، إلا أن التنمية طويلة الأجل في المنطقة تعتمد على الاستثمار في البدائل أيضًا، إدراكًا منها بأهمية الاستعداد لعالم يتزايد فيه التراجع في أسواق الطاقة فإنها تتخذ تدابير إما تقليل الطلب أو تقديم بدائل لصادرات الوقود الأحفوري الصناعي وخلق فرص عمل لمواطنيها في الصناعات الأكثر كثافة في المعرفة، استعدادًا للانتقال إلى اقتصاد ما بعد الهيدروكربونات.

أما بالنسبة للدول العربية فإنها تواجه العديد من التحديات فيما يتعلق بمسيرتها الإنمائية والتكاملية. وعلى مدى الـ 50 سنة الماضية من مسيرة التعاون العربي لم يتحقق إلا القليل من النجاحات التي لا تناسب الطموحات والتوقعات التي أحاطت بجهود إنشاء مؤسسات ومنظمات التعاون المختلفة والتي اقتصر دورها على الوساطة والاهتمام بالاعتبارات السياسية وقضايا التوازن الإقليمي مما أدى إلى فشلها بالوفاء بالتزاماتها تجاه مختلف اتفاقيات التعاون التي تم التوصل إليها. الدليل الأكثر وضوحًا على غياب التكامل الاقتصادي بين الدول العربية هو حقيقة أن التجارة العربية البينية بلغت 9.93 مليار دولار في 2020م، والتي لا تمثل أكثر من 12.9% من إجمالي التجارة الخارجية العربية أي إنها لا تلعب دورًا في تحقيق التكامل والتنمية والتعاون بين اقتصادات هذه الدول.

 عجزت الدول العربية عن إنشاء نظام إقليمي لدعم واكتساب وإنتاج المعرفة مما أدى إلى إهمال جودة التعليم والبحث العلمي والتطور التكنولوجي وأعاق الإبداع الفكري والثقافي والعلمي القادر على بناء مجتمعات منتجة تواكب تغيرات العصر. إن ما ينقص العالم العربي هو رؤية استراتيجية في مجال العمل العربي المشترك تتسم بالعمق والشمول، ولا تقتصر فقط على تحديد التحديات والمخاطر، بل تتضمن أيضاً استراتيجيات بناءة للتعامل معها، وبما يحفظ للدول العربية أمنها واستقرارها، وتقوم هذه الرؤية كما ذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد "على محاور عدة، أولها الإيمان بوحدة المصير العربي، وضرورة التضامن مع الأشقاء العرب في مواجهة أي تحديات أو أزمات أياً كانت طبيعتها، أمنية أو سياسية أو اقتصادية أو إنسانية"،

الخاتمة

لقد تناوب على الشعب العربي في العقود الأخيرة تياران الأول تيار المراهنة القومية والثاني تيار الخرف الديني، وفي الحالتين فإن القمع والاستبداد وقطع الرؤوس، سرًا وعلنًا، كان الوسيلة التي تبرر الغاية، كما زعموا. وربما حان الوقت ليكتشف هذا الشعب في كل أقطاره، أن السلام والتنمية المستدامة هي ما يبني مجتمعات العدل والمساواة والرفاهية بعد أن بلغ هذا الشعب سن الرشد.

وفي عالم يتسم بالعولمة وتزايد المنافسة الدولية والتحديات العالمية، ومع توجه العديد من دول العالم إلى بناء الشراكات والتعاون الإقليمي، تبدو الحاجة ملحة إلى ضرورة توطيد أواصر التعاون والتكامل واستكشاف سبل جديدة لبناء شراكات فاعلة وعصرية، واعتماد صيغ للتعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي بأطر عصرية وسياسات شفافة.

ولعل القمة العربية التي سوف تعقد في الرياض الشهر الجاري سوف تكشف دور القيادة البارز في عالم يتغير ويتطور وهي قمة تستحق أن تحمل شعار: قمة السلام والتنمية المستدامة.

مقالات لنفس الكاتب