array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 185

جهاز إنذار دبلوماسي ـ هيكلة المشروع العربي ـ منظومة الدفاع ـ الاقتصاد والأمن الغذائي

الأحد، 30 نيسان/أبريل 2023

مفهوم "العمل العربي المشترك" هو أحد أكثر المفاهيم شيوعًا بالأخص داخل مؤسسات العمل العربي الرسمية، ويجري استخدام هذا المفهوم بكثرة قبيل الانعقاد السنوي للقمم العربية، وحاليًا يكثر تكريره قبل انعقاد القمة العربية بالرياض، وعلى سبيل المثال، أشاد رئيس البرلمان العربي في بيان له في 21 مارس 2023م، بمناسبة الذكرى الـ 78 لتأسيس جامعة الدول العربية، بالدور الهام الذي تضطلع به الجامعة في تعزيز "منظومة العمل العربي المشترك". وفي 23 مارس أكد وزيرا الخارجية السعودي والجزائري في اتصال هاتفي بينهما على أهمية مواصلة الجهود لـ "تعزيز العمل العربي المشترك". وفي 14 إبريل بحث وزير الخارجية السعودي مع نظيره المغربي جهود البلدين في "دعم مسيرة العمل العربي المشترك"، وفي اليوم نفسه تطرق الوزير السعودي خلال اجتماعه مع نظيره العراقي إلى جهود الرياض وبغداد الداعمة لمسيرة العمل العربي المشترك.

وكثيرًا ما تصدر تصريحات عربية تتحدث عن أن العلاقات بين هذا البلد العربي وذاك تشكل "حجر الزاوية في العمل العربي المشترك"، على نحو ما عبر عضو بمجلس الأعمال المصري / السعودي، أو رئيس حزب الجيل الديمقراطي في مصر في بيان أصدره في 3 إبريل خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للمملكة، وبالطبع يصعب حصر هذا المفهوم داخل أروقة الجامعة العربية ومقرراتها وتقاريرها، من فرط تكراره بها.

وعلى الرغم من شيوع استخدامه، فإن مفهوم العمل العربي المشترك فضفاض وغير محدد الأبعاد؛ فأي عمل عربي تعاوني يمكن إدراجه ضمن هذا المفهوم، مهما كان صغيرًا أو كبيرًا، لذلك فهو أقرب إلى أن يكون مفهومًا "بروتوكوليًا براجماتيًا"، يتكيف مع مقاس الواقع العربي القائم في كل مرحلة، فلا يعكس طموحًا أو حلمًا مستهدفًا، على خلاف مفهوم الوحدة العربية أو القومية العربية، وهو يستوعب كل أشكال العمل العربي بين حدودها الدنيا وحدودها القصوى، وهو مفهوم "بيروقراطي محافظ" لا يتضمن طموحًا أو دعوة إلى الفعل، ويصعب التوافق حول تقييمه، حيث قد يرى الواقعيون أن العمل العربي المشترك يتقدم، بينما يراه الطامحون دون المستوى المطلوب. مع ذلك، فربما هو المفهوم الأدق توصيفًا للحالة العربية الراهنة، فهو لا ينطوي على أيديولوجيا أو عقيدة قومية تستبطن توجهًا شوفينيًا أو عدائيًا تجاه أحد، كما أنه لا يستبطن شعارات استعلائية من الدول الأكبر قبالة الدول الأصغر في العالم العربي، ولا يتضمن تحيزًا قوميًا، وإنما هو مفهوم مؤسساتي، أقرب إلى روح التعاون داخل إطار الجامعة العربية، ويبدو أنه مفهوم صاغته خبرات السنين من الواقع العربي والدعوات التي شهدتها المنطقة لبناء اتحادات أو تجمعات فرعية ضمن الكيان العربي الجماعي، والتي انتهى أغلبها إلى الفشل.

أولاً: دوافع العمل العربي المشترك

يدعو إلى تكثيف العمل العربي المشترك حاليًا مجموعة من الاعتبارات، تفوق تلك التي كانت قائمة في أي وقت سابق:

التحولات الوطنية داخل المنظومة العربية: يشهد الوقع الراهن توافق الدول العربية -أو مجموعة أساسية منها-على أهداف النهوض الوطني الداخلي وبناء الدولة الوطنية، وذلك يؤسس للعمل المشترك على قاعدة السيادة، وليس على قاعدة "ضم الفرع" إلى الأصل، على نحو ما كان يؤمن بعض القيادات العربية سابقًا؛ فلم تعد الدعوات الفوقية للوحدة الاندماجية القسرية التي تقوم على مفاهيم وصائية محل وجود في الواقع العربي، وذهبت القيادات التي تبنت الدعوات الأيديولوجية القومية والدينية (البعثية والناصرية والإخوانية). والآن توجد مجموعة من القيادات الجديدة، التي تؤمن بالتعاون والتنسيق بين الدول كوحدات مستقلة، وليس ككل مندمج تذوب الهويات الوطنية في إطاره، وبالمقابل فلم يصل العالم العربي إلى حد إنكار كامل للهدف الوحدوي الجماعي، وإنما هو في مرحلة وسط بين التركيز على الهدف الوطني، وإعادة تدوير الأفكار القومية، وهو ما يجعل التنسيق والعمل المشترك هو المفهوم الأنسب لذلك.

يساعد على ذلك أن أغلب الرؤى والاستراتيجيات الوطنية بالدول العربية (2030، 2040، 2050م)، تضع أهدافًا متشابهة للنهوض الوطني والتنمية، وتتعامل مع الواقع الداخلي بمناظير متقاربة، وهو ما يمكن من التنسيق الذي يحقق أقصى المكاسب البينية ومع الآخرين، وهذه الرؤى والاستراتيجيات تتيح الفرصة للتعاون والتنسيق، ولاستنساخ التجارب التنموية وتوطينها، وتراكم الخبرات بما يقلص الآماد الزمنية لمرحلة البناء الوطني. ويساعد على العمل العربي المشترك، أن العالم العربي يدخل الآن مرحلة تسكين الأزمات التي أثقلت حمولته على مدى العقد الماضي، ويشهد تسويات ومصالحات من شأنها أن تكرس واقعًا جديدًا. وصحيح أن بعض المصالحات والتسويات (قطر، إيران، اليمن، سوريا) أعقبها تفجر أزمات جديدة (السودان مثالا)، على نحو يعطي الانطباع بأن الأزمات التالية كانت تنتظر لحظة تسكين الأزمات السابقة لتجد لنفسها مساحة للحركة والانطلاق، وهو ما جعل البعض يقول متهكما بأن المنطقةَ يبدو أنها "أسيرةُ لعنةٍ أبدية، أو ضحيةُ عملٍ من سحرٍ شريرٍ"، مع ذلك، فإن خلاصة العقد السابق، هو ضرورة تقليص التدخلات الخارجية في الواقع العربي.

  1. تحولات العلاقات العربية بقوى الجوار: شهدت العلاقات العربية بقوى الجوار الإقليمي الثلاث (تركيا وإيران وإسرائيل) خلال العقد الثاني من القرن العشرين تحولات مهمة، بعضها قلب المعادلات المستقرة في تلك العلاقات، وجعل لقوى الجوار اليد العليا في إقرار الأوضاع الداخلية ببعض الدول العربية، وكرس ظواهر الدويلات الحزبية داخل الدولة (لبنان والعراق). وهذه المتغيرات التي تم التسامح معها في فترة الثورات، تحتاج الآن إلى إعادة تصحيح وضبط، وتتطلب صياغة استراتيجيات عربية جديدة تضبط معادلات الحكم والسياسة داخل تلك الدول وتعيد الأوضاع إلى طبيعتها بما يعزز الدولة الوطنية، وبما يجعل الانتماء العربي هو مكمن الهوية الأساسي في تلك الدولة. يدعو إلى ذلك أيضًا أن تضخم دور دول الجوار الإقليمي لم يكن على الصعيد العربي فقط، وإنما على المستوى الدولي، على نحو ما برز في قدرة إيران على تحدي العقوبات الغربية ورفض أي تعديل على الاتفاق النووي، وما برز في قدرة تركيا على المناورة مع الولايات المتحدة وروسيا وداخل حلف الأطلنطي، وقدرة البلدين على رعاية اتفاقات استراتيجية مع القوى الدولية، (اتفاق الحبوب برعاية تركيا بين روسيا وأوكرانيا، واتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة لمدة 25 عامًا بين إيران والصين)، وإقدام البلدين على تصدير المسيرات الإيرانية لروسيا والتركية لأوكرانيا، مع أنظمة الدفاع الجوي، فضلًا عن تعزيز إسرائيل علاقاتها الاستراتيجية مع كل من الصين والهند، وهو ما يعني أنه في الوقت الذي تآكلت وحدات سياسية عربية، فقد تمددت قوى الجوار الإقليمي الثلاث في الجوار العالمي وليس العربي وحده.

لقد تعاملت الدول العربية الرئيسية (مصر والسعودية والإمارات) من التعامل مع التهديدات التي شكلتها قوى الجوار الإقليمي طيلة العقد الماضي بشكل منفرد، فكانت ليبيا من نصيب مصر، وسعت القاهرة إلى ضمان عدم وقوع ليبيا تحت عباءة النفوذ التركي وفي أوقات محددة كانت على وشك التدخل العسكري والحرب. كما كان اليمن من نصيب السعودية، ولأجل ذلك خاضت المملكة حربًا لسبع سنوات (وحظيت الدولتان -ليبيا واليمن-بالاهتمام كونهما دولتي جوار مباشر لكل من مصر والمملكة). لكن بقيت دول عربية كلبنان وسوريا والعراق بحاجة إلى تعاون وتنسيق عربي في مواجهة الجوار الإقليمي (الإيراني، التركي، الإسرائيلي) المتوغل في كل منها، فضلًا عن حالات لدول عربية أخرى خضعت لأشكال نفوذ مختلفة من هذه القوى. هنا يبدو العمل العربي المشترك أساسي لعودة الدولة الوطنية وللتوصل إلى رؤية مشتركة بخصوص التعامل مع قوى الجوار الإقليمي.  

ويدعو إلى ذلك أيضًا أن الفترة المقبلة سوف تشهد تحولات بالغة في العلاقات العربية بقوى الجوار؛ ويرجح أن تتغير أنماط تدخلات القوى الإقليمية في الدول العربية، وبدلًا من التدخلات في الدول العربية الصغيرة أو الهشة، فإن العلاقات ستكون بين دول الجوار الإقليمي الثلاث والدول العربية الرئيسية مباشرة (بعد المصالحة المصرية السعودية الإماراتية مع تركيا، والاتفاق السعودي مع إيران والاتفاقات الإبراهيمية مع إسرائيل)، وعلى الرغم من وجود علاقات سابقة بين هذه الدول الإقليمية والدول العربية الرئيسية سالفة الذكر، إلا أنه في الفترة المقبلة، سوف تتضح أشكال التعاون الجديدة المحتملة، وهنا تحتاج المنطقة جيدًا لدراسة تأثير الاتفاق السعودي / الإيراني على الأمن الخليجي، وتداعيات الاتفاق على سياسات إيران في سوريا واليمن والعراق ولبنان، وتأثير الاتفاقات الإبراهيمية على النظام العربي، وتأثير الاتفاق المصري /التركي ،والسعودي / التركي، والإماراتي / التركي على الدور التركي في المنطقة العربية. كما تحتاج أيضا لدراسة أنماط التدخلات وتأثير وجود ثلاث قوى إقليمية داخل المنطقة العربية بإقرارات رسمية من الدول العربية، وأنماط التوافقات والصراعات المحتملة فيما بينها. ومن المهم أن ينصب التركيز العربي على كيفية إدارة التفاعلات مع هذه القوى وفيما بينها بما يكرس الأمن الإقليمي والعمل العربي المشترك، لأن رغبة العرب في بناء علاقات سلمية مع الدول الثلاث لا يضمن أن تسعى هي ذاتها إلى بناء علاقات سلام مع الدول العربية، كما لا يضمن ألا تقوم هي نفسها بتوظيف الدول العربية في صراعاتها البينية. ومن ثم من المهم للدول العربية، أن تتوافق مسبقًا على رؤيتها ومشروعها للمنطقة، قبل أن تقوم هذه القوى بتسكين ذاتها في نقاط جيوسياسية مفصلية في الإقليم.  

  1. تحولات وضعية العرب بالنظام الدولي: شهد النظام الدولي على مدى السنوات الماضية مجموعة تحولات تفرض على الدول العربية تكثيف علاقاتها البينية والعمل معًا في مواجهتها، خاصة أن هذه التحولات كان لها تداعيات مختلفة، بعضها عظّم الوضع العربي بالنظام الدولي، وبعضها نال منه، لكنها جميعها وضعت الكتلة العربية في وسط عمليات الصراع الكبرى السياسي والجيوسياسي التي يتوقع أن تجري بين الشرق والغرب. وكان أهم ما أكدته هذه التحولات هو اتجاه العالم إلى صراع القطبية مجددا وبناء المحاور والكتل، بالأخص بين الولايات المتحدة والصين، مع سيولة التحالفات التقليدية، وإعادة موضعة العرب بين الغرب والشرق القديم/ الجديد. فقد أصبح الاتجاه إلى صراع القطبية بين الولايات المتحدة والصين أمرًا واضحًا، تشير إلى ذلك، ليس فقط تصريحات القادة على الجانبين، خصوصًا الجانب الأمريكي، ووثائق الأمن القومي، التي تضع الصين على رأس القوى المتنافسة مع الولايات المتحدة، وإنما أيضًا من خلال التحركات العسكرية للولايات المتحدة على الساحة الآسيوية وازدياد المقارنات في التسلح بين الجانبين ورسم سيناريوهات للحرب المحتملة، وارتفاع وتيرة الحديث الصراعي عن الصين، فضلًا عن تحالف أوكوس الجديد بين الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا، ومجموعة (I2U2) المكونة من India, Israel, the United Arab Emirates and the United States ، فضلًا عن ازدياد تحرشات الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي، وإبرام الولايات المتحدة والفلبين في 2 فبراير 2023م، اتفاقًا يسمح للجنود الأمريكيين باستخدام 4 قواعد إضافية في الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا، فضلًا عن استضافة مسؤولين وقادة تايوان في الولايات المتحدة وزيارات مسؤولين أمريكيين لتايوان، وإعادة نقل القوات الأمريكية بين مسارح العمليات والقواعد العسكرية وفق سيناريوهات تتوقع المواجهة، وتعزيز الموقف الدفاعي الأمريكي في الخليج ليس لهدف أمن الخليج، وإنما إعادة رسم الاستراتيجيات الدفاعية، على نحو يعيد موضعة الخليج في سياق سيناريو للمواجهة مع الصين.

ويشكل هذا التحول العالمي فرصة تسمح للدول العربية بفترة من التقاط الأنفاس، وتخفيف موجات الصراع في المنطقة على خلاف السنوات الماضية، ويترك ذلك مساحات من حرية الحركة للدول المتحالفة مع واشنطن، مع الانشغال الأمريكي بالمواجهة مع الصين في آسيا، وهو ما يمكن الدول العربية من اتخاذ قرارات أكثر تحررًا في سياستها الخارجية، على نحو ما حدث داخل أوبك بلاس، وطلبات الانضمام العربية إلى منظمة البريكس وشنغهاي والتخلي عن الدولار في بعض المعاملات المالية. وبشكل عام، يضع هذا التوجه الأمريكي الجديد نحو الصين العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط في قلب العمليات الكبرى في النظام الدولي جغرافيًا وسياسيًا وجيوسياسيًا، وعلى خلاف القطبية الثنائية فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، سيكون العالم العربي في قلب التفاعلات الدولية بين القطبين الجديدين، ويتوسط خطوط التجارة والمواصلات والقواعد العسكرية وطريق الحرير، وذلك يدعو للتفكير في بناء تحالفات أمنية من داخل المنطقة والشراكات مع خارجها، لأنه من دون أطروحات واجتهادات عربية في صياغة رؤى واستراتيجيات إقليمية، ووضع أسس العمل الجماعي في الأمن القومي وفي الاقتصاد والتنمية، سوف يكون العالم العربي في وضع لا يحسد عليه.

ثانيًا: الملفات العاجلة للعمل العربي

يصعب الاستقرار على ملفات العمل العربي التي ينبغي توجيه الاهتمام إليها، ليس لعدم القدرة على تحديدها، وإنما لعدم القدرة على انتقاء وفرز الأولويات فيما بينها، ومن الطبيعي أن يختلف الباحثون في تحديد الملفات العاجلة للعمل العربي المشترك. وتتضمن مقررات جامعة الدول العربية إرثًا ضخمًا من المقترحات والمشروعات التي لم تنفذ، والتي تحتاج الآن إلى إعادة دراسة لمعرفة أيها انتهت قيمته، وأيها لازال ممكنا تطبيقه، وأيها له الأولوية الآن.

ورغم كثرة الملفات التي يمكن أن يركز عليها العمل العربي المشترك، إلا أن هناك أربعة ملفات أساسية ينبغي تسريع العمل عليها من واقع أهميتها في هذه المرحلة، تتمثل فيما يلي:

  • جهاز إنذار دبلوماسي لاحتواء الأزمات: تحتاج الدول العربية إلى التطوير السريع لآلية فض المنازعات واحتواء الأزمات، عبر وساطات يمارسها جهاز دبلوماسي عصري ذكي ومتطور، يقدم دراسات متخصصة بشأن الأزمات ونقاط التوتر الساخنة التي قد تدفع إلى اشتعال الأزمات والحروب في مديات زمنية متوقعة، يدعو إلى ذلك حقيقة أن المنطقة ليس لديها مناعة أو محصنة من الأزمات، التي أصبحت تتجدد، بدفع ذاتي أو بدفع خارجي (أزمة السودان نموذجًا)، وهذه الحالة لو استمرت فإنها تعرقل أي إمكانية لتطوير العمل العربي المشترك. ولا يكفي أن ترسل جامعة الدول العربية مندوبًا أو مبعوثًا لها بين أطراف الصراع، على غرار الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، وإنما يتطلب الأمر جهازًا دبلوماسيًا كاملًا فنيًا ومتخصصًا وبه شيوخ ورموز العمل الدبلوماسي في المنطقة وقيادات سابقة تتمتع بالحكمة والكفاءة، أخذًا في الاعتبار خصوصية الأزمات العربية وطبيعة الشخصية العربية، ويمكن أن يعزز هذا الجهاز خبراته انطلاقًا من خبرات الوساطات التي قامت بها الدول العربية فرادى (بالأخص السعودية ومصر وقطر والإمارات)، يساعد على ذلك ما تراكم من خبرات عربية في مجال الوساطات عبر العقدين الماضيين، وتطور مكانة الدول العربية ككتلة سياسية ودبلوماسية وسيطة في النظام الدولي في السنوات الأخيرة، وليس بالضرورة أن يخضع هذا الجهاز لجامعة الدول العربية، وإنما قد يخضع لمؤسسة القمة العربية، أو يكون على غرار ترويكا رئاسية.
  • هيكلة المشروع العربي بالإقليم: على الرغم من أن جامعة الدول العربية تمثل العنوان الأساسي للهوية القومية، إلا أنها تحتوي تلقائيًا كل الدول العربية كوحدات متساوية بغض النظر عن مراكز الثقل داخل النظام العربي. ولقد تمكنت الجامعة على مدى تاريخها من أداء المهمة المنوطة بها فيما يتعلق بتأكيد الهوية العربية، لكن إطارها الجامع الذي انطوى على تناقضات كثيرة وشهد أزمات مختلفة بين دولها، ورغبتها في إرضاء الكل، حال دون تبلور المشروع العربي وسط المشروعات المحيطة بالإقليم. وعلى الرغم من أن دولاً عربية متعددة عملت على بناء مشروعها السياسي الخاص كمصر والسعودية والإمارات وقطر في مراحل مختلفة، إلا أن دول المشروعات في حاجة إلى تكتل الهدف خلف مشروع جماعي تدعمه القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية العربية، وهو ما لا يكفي أن تقوم به الجامعة العربية أو دولة عربية واحدة، وإنما تكتل من الدول التي تشكل مركز الثقل. وإلى حد كبير، تبدو المنطقة العربية إزاء إرهاصات مشروع جديد يحشد الأهداف العربية خلف هدف البناء والتحديث والانطلاق الوطني، ويمكن من التوافق على التصورات الكبرى بشأن الذات الوطنية، والمحيط العربي، والمحيط الشرق أوسطي؛ مشروع على غرار ائتلاف أو اتحاد للقوى العربية المركزية، على نحو يجعل لمربع أو مثلث من القوى في النظام العربي مركز الثقل في الشرق الأوسط. وهناك فرصة الآن، تتمثل في استعادة بعض الوحدات العربية لأدوارها التقليدية، وتمكن دول مجلس التعاون الخليجي من تشكيل مركز ثقل إقليمي، تعززه مبادراتها وخطواتها الدبلوماسية الاستقلالية على الصعيد الدولي، ومشروعها الوطني الخاص، وقدراتها المتوفرة من الفوائض المالية لصادرات الطاقة.
  • منظومة الدفاع التقليدية واللانمطية: تزداد أهمية الأمن الإقليمي في الآونة الأخيرة مع تنامي الأخطار العالمية المتجددة، ولقد تأسست أطروحات الأمن القومي العربي في العقود السابقة على مبادئ تتضمن قدرًا من الطموح والخيال والمثالية، فتصورت عالمًا عربيًا بقوة عسكرية واحدة ومعاهدة دفاع مشترك وجيش موحد يشترك في مواجهة التحديات وصد الأخطار وردع مصار التهديد. وبعد عقود من تقليب الأفكار ومراقبة الواقع على الأرض، برزت حقائق تناقض تصورات ورؤى الأمن القومي، لعل أهمها أن مصادر التهديد للأمن القومي لا تتشكل فقط وبالضرورة من تهديدات يطرحها الخارج(إسرائيل، إيران، تركيا)، وإنما من تهديدات مصدرها الداخل العربي والمنظومة القومية ذاتها، ومع صعوبة التفكير في قوة دفاع عربية شاملة، تبقى أهمية بناء قوة دفاع عربية، تلتقي على أهداف محددة لدول المركز العربي، وتتأسس على الثقة المتبادلة، فضلًا عن قوى "المهام الدفاعية الناعمة"، المطلوب توظيفها في مواجهة الكوارث الطبيعية والأوبئة والتهديدات السيبرانية والتهديدات غير النمطية التي تطرحها ربما التكنولوجيات الجديدة والذكاء الاصطناعي. وفي الحقيقة، فإن التفكير في هذه الشراكات الأمنية التقليدية واللانمطية تشكل دعوة استباقية لبناء بنية تحتية دفاعية مرنة تستجيب لأنماط التهديدات المختلفة. ويستلزم ذلك وضع الأسس لاستثمار عربي كثيف في العلوم والتكنولوجيا توظف المدن والمشروعات الذكية الجديدة على المستوى العربي، كمشروع نيوم في السعودية، فضلًا عن إحياء مشروعات التصنيع العسكري العربي، وتحقيق الأهداف الواردة في الرؤى والاستراتيجيات الوطنية بشكل جماعي.
  • منظومة الاقتصاد والأمن الغذائي: تظل الأزمات الاقتصادية، وبالأخص أزمة الأمن الغذائي، إحدى أهم الأزمات التي ينبغي أن تُعطى الأولوية في أي إطار للعمل العربي المشترك، فإذا كان جهاز الإنذار الدبلوماسي لفض الأزمات، وبناء المشروع العربي بالإقليم، وبناء منظومة الدفاع التقليدية واللانمطية تشكل كلها أولويات سياسية للأمن الوطني والقومي العربي، فإن تعزيز منظومة الاقتصاد والأمن الغذائي، تشكل البنية التحتية للمفهوم الأعمق لأمن المجتمعات، في سياق الآثار الممتدة لجائحة كورونا وآثار تغير المناخ وحالات عدم الاستقرار والنزاعات الداخلية والاضطرابات التي تشهدها بعض الدول، وما أضافته الحرب الروسية الأوكرانية من تحديات على أوضاع الأمن الغذائي على مستوى الوطن العربي والمستوى العالمي، وما فاقمته من آثار الحروب التجارية وحروب العملات، والتقلبات في أسعار السلع الغذائية، مع تقلص سلاسل الإمداد والتموين، مما أدى إلى تدهور أوضاع الأمن الغذائي في المنطقة العربية، وهي جميعها تحديات تناولها بعمق وتفصيل تقرير "أوضاع الأمن الغذائي العربي 2021"، الصادر عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية بجامعة الدول العربية، وكان تقرير 2020 للمنظمة ذاتها قد أشار إلى أن ظاهرة الجوع ونقص التغذية تزايدت في العديد من الدول العربية، من جراء عدم الاستقرار والظروف الطبيعية غير الملائمة وانتشار الجفاف وزيادة التصحر. ولقد قدمت الدول العربية نماذج مهمة في التبادل والغوث الإنساني من خلال جهود الإغاثة خلال الأزمات، كأزمة الزلازل في سوريا، ولكن يبقى أن المنطقة بحاجة إلى كيان مؤسسي أشمل للأمن الغذائي، يشكل البنية التحتية لأي أمن قومي على المستوى العربي كله.
مقالات لنفس الكاتب