array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 184

الهند تواجه مخاطر أيدولوجية حكومة مودي التي تهدد التناغم الاجتماعي والنمو الاقتصادي

الأربعاء، 29 آذار/مارس 2023

بحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي تنقسم المخاطر العالمية إلى خمس فئات: مخاطر اقتصادية، ومخاطر بيئية، وأخرى جيو سياسية، إلى جانب المخاطر الاجتماعية والتقنية. كما تم تحديد 32 خطرًا عالميًا وترتيب كل منهم حسب درجة شدته عبر إطار زمني يتراوح ما بين عامين إلى 10 أعوام مقبلة. ومن المثير للاهتمام أن غالبية المخاطر تندرج تحت الفئة الاقتصادية أو البيئية، رغم ما تحمله من تبعات اجتماعية وجيوسياسية واضحة. باختصار، تشكل الأزمات الاقتصادية وتلك المرتبطة بأزمة التغير المناخي، الخطر الأكبر الذي يهدد دول العالم أجمع. كما حذر التقرير مما وصفه بوضع" متعدد الأزمات" تتداخل فيه الأزمات الاقتصادية المختلفة المتزامنة مع التحديات المناخية لتُفاقِم من حدة المخاطر العالمية، بحيث يتجاوز تأثيرها الإجمالي تبعات كل أزمة على حدا.

وبلا شك لن تكون الهند بمعزل عن المخاطر العالمية، إلا أن وقعها سيكون أشد وطأة في الشقين الاقتصادي والمناخي بفعل معطيات أجندة السياسات الداخلية التي تنتهجها حكومة ناريندرا مودي، التي تقوم على مبادئ الإيديولوجية الهندوسية القومية التي تُمجد الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء، و" العائلة" الأكبر المُتمثلة في منظمة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" -أو منظمة التطوع الوطنية -التي ينتمي إليها مودي وغالبية أعضاء حزبه.

 على مدى 75 عامًا من استقلالها، استطاعت الهند إحراز بعض التقدم في العديد من المجالات، التي تُشكل مجتمعة سمات "قوة عظمى". كما ساعدت معدلات النمو التي حققتها الدولة الهندية بفضل تدابير الإصلاح المُتبعة منذ عام 1991م، في أن تنضم لركب أكبر خمسة اقتصادات عالمية. في حين تُصنف قواتها المسلحة وشبه العسكرية، البالغ قوامها 2 مليون ونصف المليون، ثالث أكبر قوة عسكرية على مستوى العالم، فضلًا عن كونها دولة نووية حظيت إنجازاتها في مجال التقنيات الصاروخية وعلوم الفضاء بتقدير دولي، مدعومة بمؤسسات عملية وبحثية ذات مكانة مرموقة عالميًا.

وتبنت الهند نظامًا سياسيًا ديمقراطيًا منذ الاستقلال عن بريطانيا 1947م، ووضعت دستورًا للبلاد بُدئ العمل به عام 1950م، يكفل كافة حقوق الإنسان لمواطنيها، وينص على فصل السلطات، إلى جانب مراقبة دور المؤسسات مثل السلطة القضائية والإعلام الحر، بما يضمن الحفاظ على مصداقية ومتانة النظام الديمقراطي القائم.

وتعد الهند اليوم أكثر دول العالم اكتظاظًا بالسكان بعد أن تفوقت على الصين قبل بضعة أشهر في عدد السكان، ويُمثل الشباب الشريحة الأكبر من تركيبتها السكانية مع بلوغ نسبة من هم تحت سن 35 عامًا نحو 65%، وهو ما منحها "ميزة ديموغرافية"-مدعومة باستمرار تنامي قوام القوى العاملة خلال الأعوام المقبلة، وهو سيناريو متوقع أن يستمر حتى عام 2070م. وكما قال أحد المراقبين أنه:" في الوقت الذي ستتسبب معدلات الشيخوخة المتزايدة إلى تقويض نمو كبريات الاقتصادات العالمية، ستهنأ الهند بطاقة زاخرة من الشباب"، وهو ما يفرض تساؤل: ما هي إذًا المخاطر التي من الممكن أن تتسبب في عرقلة مسار الهند نحو الريادة العالمية؟

المشهد السياسي في الداخل الهندي

للمرة الأولى منذ أن استقلت الهند قبل 75 عامًا، يتم تأطير نظامها السياسي، والاجتماعي، والثقافي وفقًا لنظام الأغلبية. بما يعني أن فكرة " الدولة القائمة على التعددية التي تجمع بين العديد من الثقافات والقادرة ليس فقط على استيعاب، بل الاحتفاء بنسيجها متنوع الأطياف، يتم استبدالها بشكل منهجي نتيجة إملاءات الحكومة وما يفرضه نظام الدولة، وهو ما عبر عنه المُعلق الهندي عكار باتل بالقول "تتعرض الأقليات داخل الهند بشكل متواصل ومستمر إلى الاضطهاد، فيما يتم معاقبة المعارضة، مع وقوف السلطة القضائية عاجزة عن موازنة تجاوزات السلطة التنفيذية، والقيود المفروضة على الحريات…لتجعل من الهند دولة فاشية".

تعتبر هذه التحولات بعيدة المدى صنيعة الحكومة الهندية برئاسة ناريندرا مودي، بعد اعتلائه السلطة في البلاد منذ عام 2014م، إثر فوزه في الانتخابات العامة التي جرت خلال عامي 2014 و2019م، ويعد ناريندرا مودي والحزب الذي ينتمي إليه “بهاراتيا جاناتا"، من أشد أنصار عقيدة "الهندوتفا"، التي تقوم على أساس مُعاداة الأقليات خاصة المسلمين. تأسست أيديولوجية "هندوتفا" على يد المفكر الهندوسي فيير سافاركار (1883-1966م)، الذي وضع لها ثلاث ركائز رئيسية: أولًا مساحة جغرافية مشتركة أطلق عليها اسم " هندوستان"، والتي تمتد من السند [إندوس] إلى البحر الذي يحيط شبه الجزيرة الجنوبية، وتمثل هذه الأرض للهندوس ليس فقط الوطن الأم "بهارات ماتا" بل أيضًا أرضهم المُقدسة "بونيابو".

ثانيًا، مفهوم "رابطة الأخوة " أو" رابطة الدم " الذي يتشاركه أبناء العرق الهندوسي عبر التاريخ من خلال التزاوج بين الطوائف والطبقات؛ وتجسد هذا المفهوم في مقولة سافاركار: "نشعر نحن الهندوس بأننا (جاتي)، وهو عرق مترابط من خلال أعز روابط الأخوة والدم، وينبغي أن نظل كذلك"

تتمثل الركيزة الثالثة فيما أطلق عليه سارفاكار حضارة (السنسكريتي)، وهو مصطلح يشير إلى الحضارة التي يتشاركها الهندوس والتي جعلت منهم أمة وعرقًا واحد. ورغم إمكانية أن يتقاسم الهندوس مع المسلمين الأرض وربما حتى روابط الدم، يظل من غير الممكن ضمهم إلى مذهب " الهندوتفا" باعتبارهم ليسوا جزءًا من الحضارة الهندوسية.

بالنسبة لسافاركار لم تكن "الدولة الهندية" سوى تعريفًا بالإنجليزية للدولة الهندوسية، وهو ما عبر عنه:" بالنسبة لنا نحن الهندوس، فإن الهندوتفا والهند وجهان لعملة واحدة: أي يطلق علينا هنودًا لأننا في الأصل هندوس والعكس صحيح". لذلك، لا يمكن أن يُنظر إلى الهنود من أصحاب الديانة المسلمة أو المسيحية كجزء من هوية الهندوتفا، حيث أن أرضهم المقدسة تقع خارج حدود الدولة الهندية. وحتى وإن كان هناك مكانًا للمسلمين داخل الهند، إلا أنه كان مفهومًا أن ولاءهم لن يكون يومًا للدولة الهندية. من ثم، فإن النظرة المُعادية للمسلمين باعتبارهم “الطرف الآخر" تقبع في صميم الأيديولوجية الهندوسية ونظام الدولة الذي تأسس عليها.

وبصفته رئيسًا للحكومة الهندية، تبنى ناريندرا مودي هذا النمط من التفكير والنهج باعتباره السمة المُحددة لإدارته -ونصب نفسه "حاميًا لأبناء المذهب الهندوسي في مواجهة الآخر المُتمثل في المسلمين وباكستان"، على حد تعبير المعلق كريستوف جافرلوت. ومن أجل ترسيخ هذه الصورة، دأب رئيس الوزراء الهندي على تطويع كافة وسائل الإعلام بشكل منهجي مصحوبة بأفعال رمزية وتحركات على الأرض ضد المسلمين والعمل على تشويه تراثهم السياسي والثقافي، مقابل التمجيد في التاريخ والثقافة الهندوسية.

وأدى تركيز حكومة مودي على إعادة تشكيل ملامح الدولة الهندية على أساس ما تنص عليه عقيدة" الهنودتفا"، إلى إقحام كم كبير من الممارسات الاستبدادية على نظام الدولة، حيث وصف التقرير السنوي الصادر عن معهد أنواع الديمقراطية بجامعة جوتنبرج السويدية خلال عام 2021م، الهند بأنها " ديكتاتورية منتخبة"، في حين أشار إليها التقرير الصادر عن الجامعة لعام 2023م، باعتبارها واحدة من أسوأ الأنظمة الديكتاتورية خلال العشرة أعوام الماضية-كما حلت في المركز 108 ضمن تصنيفات مؤشر الديمقراطية الانتخابية. كذلك تسبب تطبيق الحكومة مبادئ العقيدة الهندوسية القومية وانتهاج الممارسات الاستبدادية واعتماد سياسات تخدم هذه الأهداف، إلى التأثير سلبًا على انسجام وتآلف المجتمع الهندي وانصراف الاهتمام بالتحديات الاقتصادية المُلحة. لذلك، بالرغم من امتلاك الهند أحد أكبر الجيوش العالمية، إلا أنه عادة ما يتم استخدام قواتها المسلحة في مخاطبة المخاوف الأمنية المرتبطة بالشأن الداخلي، بعد أن تسببت أحداث العنف الطائفي وحركات التمرد في الداخل في إزهاق أرواح عدة مئات من أبناء الشعب الهندي على مدى العقود القليلة الماضية. وأشار المعلق كريس أوغدين عام 2019م، إلى أن "أعظم ديمقراطيات العالم لم تعد تنتصر كفاية لحقوق الأقليات والفئات الاجتماعية والدفاع عن حقوق المرأة، فضلًا عن ضعف أداء مؤسساتها التي تقف عاجزة أمام انتهاكات حقوق الإنسان، ووقائع الفساد، وعدم الالتزام بمبادئ العلمانية". وينعكس ذلك من خلال تراجع تصنيف الهند بالعديد من المؤشرات العالمية:

  • تراجعت الهند في مؤشر الديمقراطية التابع لوحدة المعلومات الاقتصادية من المركز 27 خلال عام 2014م، إلى المركز 53 في عام 2020م.
  • بحسب مؤشر درجة الحرية العالمية الذي تصدره مؤسسة "فريدم هاوس" تراجعت الهند من "حرة" عام 2014م، إلى "حرة جزئيا" عام 2021م، في حين تم تصنيف وضع إقليم جامو وكشمير بأنه "غير حر".

الوضع الاقتصادي

يعد الاقتصاد الهندي من بين أبرز المجالات التي تأثرت سلبًا بالأولويات الأيديولوجية التي تعتلي رأس أجندة الحكومة الهندية برئاسة ناريندرا مودي.

في عام 1991م، حصل الاقتصاد الهندي على المركز الـ 17 ضمن قائمة أكبر الاقتصادات العالمية من حيث الكتلة الاقتصادية، وبعد مرور 20 عامًا، نجحت الهند في أن تصبح ثالث أكبر اقتصاد عالمي خلال عام 2011م، ورغم العقبات الناجمة عن المشاحنات السياسية في الداخل، لم تتراجع الهند سوى مركزين لتصبح خامس أكبر اقتصاد عالمي وتمكنت على الرغم من أزمة تفشي كورونا، من الاحتفاظ بهذا المركز حتى عام 2022م، متفوقة على المملكة المتحدة. وبقياس تعادل القوة الشرائية، تعتبر الهند بالفعل ثالث أكبر اقتصاد عالمي بعد الاقتصاديين الأمريكي والصيني؛ فيما يرجح بعض الخبراء الاقتصاديين إمكانية تحقيقها هذا المركز من حيث القيمة الاسمية، خلال العقد المقبل أو نحو ذلك.

إلا أن البيانات المشار إليها أعلاه قد تكون مخادعة: فعلى صعيد القيمة الاسمية، يحتل الناتج المحلي الإجمالي للهند المركز 139 عالميًا على أساس نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي، كما يحل في المرتبة 125 بقياس تعادل القيمة الشرائية. في حين يعيش نحو 20% من تعداد سكان الهند تحت خط الفقر؛ وما هو أكثر خطورة، حقيقة أن أكثر من 80% من الشعب الهندي يقضى يومه بمبلغ لا يتجاوز 5.50 دولارات بقياس تعادل القوة الشرائية. فضلًا عن أن 40 % من القوى العاملة لدى الهند تعمل بالقطاع الزراعي وتعتمد الأغلبية على زراعة الكفاف، أي إنهم يزرعون مقابل قوت يومهم دون امتلاك فائض زراعي قابل للتسويق.

وبرغم من أن النظرة المستقبلية للاقتصاد الهندي تظل إيجابية، مع مواصلته تحقيق معدلات نمو سنوية قوية من الآن وحتى عام 2050م، إلا أن نسبة مساهمته في الاقتصاد العالمي لن تتجاوز 7%، في حين تقدر حصة الاقتصاد الصيني بنحو 20% والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ب 17% لكل منهما. مع ذلك، تظل الهند متفوقة على اليابان التي ستصل نسبتها (5%) فقط، وروسيا بنسبة 3% والبرازيل بنسبة 2 %. حقيقة أخرى قد تبدو مزعجة هى أنه في ظل تحقيق معدل نمو سنوي من الآن حتى عام 2047م، عند مستوى 5.7%، فسوف يصل نصيب الفرد داخل الهند من إجمالي الدخل 8800 دولار أمريكي، أي بما يقل عن نظيره في الصين اليوم بنحو 4000 دولار.

ووفقًا لدراسة سابقة، فإنه إذا واصل الاقتصاد الهندي تحقيق معدل نمو سنوي بنسبة 7 % وأكثر، من شأن ذلك أن يجعل الهند قوة عظمى، وترسيخ أقدامها كمركز وقطب فعال في عملية التوازن الجيوسياسي بالمنطقة الآسيوية، فضلًا عن كسب اهتمام دولي بوصفها كيانًا استراتيجيًا ذا أهمية على مستوى القارة الآسيوية". وبرغم أن من تحقيقها هذا المعدل من النمو بشكل دوري، إلا أن قدرتها على تحقيقه بصورة متواصلة على مدى عقدين أو ثلاثة قد تكون محل شك ". مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ثلاثة عوامل مؤثرة:

 أولًا، انخفاض معدل الادخار المحلي مقابل المتطلبات الاستثمارية، فضلًا عن محدودية الاستثمارات الأجنبية إل حد ما في العديد من القطاعات المهمة.

ثانيًا، رغم الحديث عن الميزة الديموغرافية للهند، إلا أن الواقع يُشير إلى أن الغالبية من فئة الشباب الهندي لم يحظى بالتعليم الجيد ولديهم قدرة محدودة على الوصول إلى فرص العمل والتوظيف، لاسيما في القطاعات التي تعتمد على استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة.

ثالثًا، ليس من قبيل الصدفة أن يتم تقييم الاقتصاد الهندي على أنه من بين أدنى معدلات النمو داخل القارة الآسيوية، نظرًا إلى أن معظم التركيبة السكانية تعمل بالقطاع الزراعي والقطاع غير الرسمي.

كما انعكس تركيز حكومة مودي على تحقيق أولوياتها العقائدية من خلال تراجع البلاد داخل التصنيفات والمؤشرات العالمية:

  • أصبحت الهند تحصد باستمرار مراكز متأخرة بمؤشر التنمية البشرية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ حيث تراجعت من المركز 130 في عام 2014 م، إلى 131 في عام 2020م، أي بعد مرور 6 أعوام من تولي مودي رئاسة الحكومة.
  • تراجعت الهند أيضا 3 مراكز بتصنيف التنافسية العالمي، لتحل في المرتبة 43 خلال عام 2021م، بعدما كانت في المرتبة 40 في عام 2013م، بما يعكس " ضعف البنية التحتية الهندية، والعجز الحاد بالاستثمارات المرتبطة بالتعليم، وعدم توافر الرعاية الصحية لجميع المواطنين".
  • وفي مؤشر السعادة العالمي الذي تصدره منظمة الأمم المتحدة والذي يأخذ في الحسبان عدة عوامل رئيسية من بينها؛ نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي، والدعم الاجتماعي، ومتوسط الأعمار المتوقعة، والحرية في اتخاذ القرارات المصيرية، والمفاهيم والرؤى حول الفساد، سجلت الهند تراجعًا كبيرًا لتحل في المركز 139 خلال عام 2021م، بعدما كانت في المركز 117 خلال عام 2015م.
  • كما تراجعت 10 مراكز في مؤشر الحرية الاقتصادية العالمي من المرتبة 95 عام 2015 م، إلى المرتبة 105 خلال عام 2020م، بعد أن نالت تقييمًا أكثر سوءًا بسبب التشريع رقم (122) وحرية التجارة الدولية (139).

ونظرًا إلى توقعات تقرير المخاطر العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي بأن العالم على موعد مع فترة "متعددة الأزمات" نتيجة تداخل تأثير القضايا الاقتصادية مع المخاطر البيئية، من ثم ينبغي الاعتراف بأن شبح تلك المخاطر المحدقة بات يطارد المشهد الهندي.

المشهد المناخي في الهند

تواجه الهند تحديات وخيمة تفرضها أزمة التغير المناخي ويتجلى ذلك من خلال الإحصاءات التالية:

  • يُقدر حجم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بالهند بنحو 3 جيجا طن سنويًا، أو 2 طن للفرد الواحد، لتشكل ثالث أكبر نسبة انبعاثات على مستوى العالم بعد كل من الصين والولايات المتحدة.
  • يعد المصدر الرئيسي لهذه الانبعاثات من الفحم: حيث أن 60 % من الطاقة الهندية يتم توليدها من خلال الوقود الأحفوري والذي يعد نصفها (50%) من الفحم.
  • كما ارتفع متوسط درجات الحرارة في الهند خلال الفترة ما بين عام 1901م، إلى 2018م، بنحو 0.7 درجة مئوية
  • وفي عام 2022م، عانت البلاد من موجات شديدة الحرارة، حيث ارتفعت درجات الحرارة إلى 51 درجة
  • وتحذر الدراسات إلى أن مثل هذه الموجات شديدة الحرارة سوف تتسبب في جفاف حاد، خاصة في شمال وشمال غرب الهند؛ حيث من المتوقع أن تشهد معظم مدن البلاد موجات جفاف حادة نهاية القرن الجاري.
  • من المتوقع أن يؤدي ارتفاع منسوب المياه في البحار إلى تآكل الأراضي الساحلية وحدوث فيضانات في المناطق الداخلية.
  • ونتيجة لارتفاع معدلات سوء التغذية، والاستخدام المكثف للمياه الجوفية والأضرار الجسيمة التي لحقت بالبيئة بسبب تزايد البصمة المائية، حلت الهند في المركز الـ 25 والأخير من (أصل 25 دولة) في مؤشر استدامة الغذاء خلال عام 2016م، والمركز 33 في عام 2018م، (من أصل 34 دولة).

وكان رئيس الوزراء مودي قد أعلن خلال النسخة 26 من مؤتمر (كوب 26) في باريس عام 2021م، أن بلاده تستهدف بلوغ صافي الانبعاثات إلى الصفر عام 2070 م، وأوضح أنه تم بلورة استراتيجية من أربع نقاط لإدراك هذا الهدف وهي:

  • تحقيق سعة إنتاجية من الطاقة غير الأحفورية تصل إلى 500 جيجاوات عام 2030م.
  • توليد 50 % من احتياجات الطاقة من المصادر المتجددة عام 2030م.
  • خفض الانبعاثات الكربونية بمقدار مليار طن 2030م.
  • خفض كثافة الكربون في الاقتصاد إلى أقل من 45 %.

ورغم الأجندة الطموحة التي أعلن عنها مودي، إلا أن تصريحات وزير الطاقة الهندي خلال أسبوع الطاقة في بنغالور في فبراير الماضي، أكدت أن الوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2070 م، يستلزم استثمارات بقيمة 10 تريليون دولار على مدى الخمسين عامًا المقبلة، وهو ما يمثل تحديًا شاقًا. في السياق ذاته، قال وزير النفط الهندي أنه نظرًا إلى أن بلاده لاتزال تعد اقتصادًا ناميًا، فقد يتطلب الأمر الاعتماد على كافة أشكال مصادر الطاقة، أكد مختص في شؤون الطاقة أن الهند ستظل في حاجة لاستخدام الوقود الأحفوري لتفادي مشكلات انقطاع التيار الكهربائي. بالتالي، أيًا كانت التبعات الوخيمة التي ستنجم عن أزمة التغير المناخي، يبدو مستبعدًا أن تحدث الكثير من التغيرات على صعيد سياسات الطاقة الهندية على مدى العقدين أو الثلاثة عقود المقبلة.

السياسة الخارجية للهند

يعكس خطاب السياسة الخارجية للهند التزام حكومة مودي حيال معتقداتها الأيديولوجية الأساسية. وفي عام 2015م، أي بعد عام من تولي مودي رئاسة الوزراء، استعرض رؤيته بشأن تبوأ الهند دور ريادي على الساحة العالمية بدلا من الاكتفاء بمكانتها كقوة توازنية . ويقول المعلق الأمريكي آشلي تيليز أن رؤية مودي" تضع تصورًا بأن تصبح الهند قوة تقليدية عظمى، مضيفًا أن رئيس الوزراء الهندي يسعى إلى تحويل الهند من مجرد كيان مؤثر إلى كيان يكون لثقله وخياراته دور في تحديد معالم السياسات الدولية".

وبعد مرور ثلاثة أعوام، كتب الباحثان في العلوم السياسية آبهين جنان ريج وراهول ساجار أن رئيس الوزراء مودي كان يسعى إلى قيادة الهند نحو تبوأ دور ريادي عالمي؛ يهدف إلى تعزيز قوتها الوطنية ومكانتها الدولية لاستعادة مجد الحضارة الهندية ن أحقيتها في أن تحظى بمكانة أكثر أهمية وبروزا على الساحة العالمية". إلا أن المعطيات على أرض الواقع جاءت مغايرة لهذه الرؤية تماما: وكما أشار الباحثان، فقد خلى الكثير من مساعي مودي العالمية من مضمونها الجوهري، وبدلا من ذلك ركزت بشكل مباشر على تعظيم مكانته الشخصية أمام الرأي العام في الداخل وأعضاء حزبه إلى حد كبير إلى جانب خدمة أجندته الخاصة بعقيدة الهند وتفا.

وعلى صعيد العلاقات مع باكستان، حظيت حكومة مودي بإشادة كبيرة لتفاعلها وانخراطها مع نظيرتها الباكستانية برئاسة نواز شريف – بعد تتويجه رئيسًا لوزراء البلاد خلال عام 2014 تلي ذلك زيارة دراماتيكية لرئيس الوزراء الهند لإسلام آباد عام 2015 م، لتهنئة نظيره الباكستاني بمناسبة ذكرى مولده. إلا أن هذه الأجواء من المودة لم يقدر لها أن تدوم بعد الهجوم الذي شنه مسلحون من داخل باكستان في سبتمبر 2016 م، ضد قاعدة للجيش الهندي في بلدة يوري الحدودية، وأمر مودي بـ "ضربة عسكرية دقيقة" عبر الحدود. وهو ما تم تمجيده باعتباره مبادرة عسكرية فريدة من نوعها من حكومة مودي التي أكدت ردها الحاسم على الإرهاب الموجه من داخل الباكستان -والاحتفاء بالبراعة العسكرية التي يتمتع بها أبناء مذهب الهند وتفا وردهم القاسي تجاه المسلمين المتشددين.

وأمر مودي بعد ثلاثة أعوام من حادثة "يوري" بشن ضربات جوية ضد أهداف باكستانية في أعقاب هجوم مسلح على قوة أمنية هندية في مقاطعة "بولواما "في فبراير 2019م، ومنذ ذلك الحين، اعتمدت الهند سياسة عدم الاتصال مع باكستان والذي قد يعود بعض من أسبابه أيضًا إلى إكراهات داخلية.

وفيما يتعلق بعلاقات نيودلهي بالصين، جاء نهج حكومة مودي مغايرًا تمامًا عن باكستان، ولكنه ظل مرة أخرى مدفوعًا بالاعتبارات الداخلية. فيما شهدت العلاقات الدبلوماسية الشخصية بين مودي والرئيس الصيني شي جين بينج انتكاسة إثر تواتر تقارير تفيد بأنه تم حشد للقوات الصينية في إبريل من عام 2020م، عند منطقة "غير محددة" على حدود لاداخ وسط مؤشرات على أنها ربما تكون قد توغلت داخل أراضي متنازع عليها مع الهند. إلا أن رد فعل الحكومة الهندية تمثل في الحرص على إسكات كافة المناقشات بشأنها في البرلمان، على الرغم من تقارير واردة من مصادر استخباراتية ومحلية تفيد بأن: (1) الهند خسرت إمكانية الوصول إلى 26 نقطة من أصل 65 من نقاط الدوريات على طول الحدود المتنازع عليها، و (2) أن الصين احتلت ما يقرب من 1000 كيلومتر مربع مما كان في السابق أراضي هندية.

على صعيد آخر، تبدو العلاقات مع دول منطقة الشرق الأوسط أولوية لحكومة مودي: حيث قام رئيس الوزراء الهندي خلال الفترة ما بين عامي 2015-إلى 2019 م، بزيارات لغالبية دول الخليج، واستضاف زيارات لقادة ومسؤولين خليجيين. كذلك استضافت الهند ولي عهد أبو ظبي ، الشيخ محمد بن زايد، كضيف رئيسي في احتفالاتها بيوم عيد الجمهورية، وقد أثمرت هذه التفاعلات والمشاركات في إتمام العديد من البيانات المشتركة، مع الحرص على التأكيد على العلاقات التاريخية، والمكانة المرموقة التي تحظى بها الهند لدى دول المنطقة، والارتقاء بالعلاقات إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية". إلا أنه طوال هذه الفترة، التي ساءت فيها الأوضاع الأمنية مما أدى إلى مخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية واسعة النطاق داخل المنطقة، اعتمدت الهند نهجًا تفاعليًا ثنائيًا؛ عازفة عن القيام أو ترأس جهود دبلوماسية لتدعيم الاستقرار في المنطقة، رغم أن لديها مصلحة جوهرية ودائمة في أن يعم السلام والاستقرار المنطقة، نظرًا للروابط الحضارية الممتدة بين الجانبين فضلًا عن وجود مجتمع هندي مُقيم يزيد عن ثمانية ملايين هندي، ويقدر حجم تحويلاتهم النقدية إلى موطنهم في الهند بــ 40 مليار دولار سنويًا. وبالتالي ليس مفاجئًا أن تمارس بكين هذا الدور وتتوسط من أجل إتمام اتفاق تاريخي بين المملكة العربية السعودية وإيران من أجل استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

أخيرًا، حققت السياسة الخارجية الهندية حضورًا هزليًا نسبيًا في الأنشطة الدولية التي باتت أشبه بالكرنفالات مثل رئاستها لمجموعة العشرين (من الفترة من الأول من ديسمبر 2022 إلى 30 نوفمبر 2023م).ورغم أن ترأسها جاء عبر تداول روتيني لرئاسة المجموعة، إلا أنه تم الترويج إليه أمام الرأي العام المحلي باعتباره لحظة مجد للدبلوماسية الهندية- و اعتراف بمكانة الهند المرموقة بالمجالس الدولية، وإسهاماتها الفريدة في حل الأزمات العالمية، بالإضافة إلى جهودها غير المسبوقة لتوحيد العالم المنقسم إعمالًا بالقول السنسكريتي المأثور " العالم أسرة واحدة" . وقد تم تثبيت الآلاف من اللافتات والملصقات التي تصف حضور الهند على المسرح العالمي كقوة عظمى، كما تصف الدولة الهندية بأنها " أم الديمقراطية"، والتي قد تكون مدفوعة برغبة أيضًا في تفنيد الانتقادات الموجهة لها لانجرافها نحو الحكم الاستبدادي.

نظرة عامة مستقبلية

كما أُشير سلفًا، فقد أكد تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي بشأن المخاطر العالمية لعام 2023م، على المدى القصير والطويل أنها سوف تتركز في التحديات الاقتصادية وتلك المرتبطة بأزمة التغير المناخي، وتنذر باندلاع اضطرابات اجتماعية وتناحرات جيوسياسية. وكما أوضح هذا المقال، فإن المخاطر المحدقة بالمشهد الهندي تتجذر بشكل شبه كامل في الأجندة السياسية التي تتبناها حكومة مودي والمدفوعة باعتبارات أيديولوجية، والتي تهدد تناغم النظام الاجتماعي في الداخل والسياسات الاقتصادية والخارجية للهند.

وهو ما أكده العديد من المعلقين حيث سبق وأشار المعلق كريس أوجدين في نوفمبر 2019 أن " الهند لا تزال تبدو كقوة عظمى لكنها لا تتصرف على هذا النحو " ولفت إلى أن مكانة الهند فعليًا كقوة عظمى لا تحظى بالإيمان الكافي من قبل المجتمع الدولي، على الرغم من أن قطاعات واسعة من المجتمع الهندي التي تغذيها شعارات وخطابات القوميين أقنعوا أنفسهم بأن الهند بالفعل قوة عالمية عظمى". من جانبه، حمل الباحث الهندي ماناسي بريتام قادة الهند المسؤولية في ضعف صورتها كقوة يُعتد بها إقليميًا نتيجة ميلهم لانتهاج العنف والتعصب.

وانعكس ذلك في كتابات الباحثين ريج وساجار، التي أشارت إلى أنه من خلال الخطابات الرنانة والحملات الإعلامية المُبالغ فيها، فقد انتصر مودي للشكل على حساب الجوهر والمضمون ويعود ذلك إلى حد كبير إلى الاعتبارات الأيديولوجية التي لا تخدم سوى القليل من المصالح الاستراتيجية للهند. وضرب الباحثان مثالا على ذلك بالإشارة إلى أن الخطاب المتعلق بمكانة الهند كقوة عظمى لم يقابله على الأرض إصلاحات اقتصادية واسعة النطاق أو حتى محاولة إصلاح ما أفسدته البيروقراطية، أو القيام بأي جهد فعال من أجل تحسين صورة الشفافية والنزاهة بالمعاملات الرسمية.

فيما تطرقت ورقة بحثية تم نشرها في يناير من عام 2022م، للباحث الألماني كريستيان واجنر إلى ما وصفته بـ "فجوة بين الخطاب السياسي والإمكانات الفعلية داخل الهند، ونبه إلى أن توجيه الهند بوصلتها للداخل في ظل تبني سياسات الاكتفاء الذاتي، يؤدي إلى تآكل أهميتها الاقتصادية في منطقة المحيطين الهادي والهندي، مع توقعات بأن تتسبب نزعتها للاستبداد في إثارة انتقادات واسعة من قبل المعسكر الغربي.

ما هى إذن النظرة المستقبلية للهند في ضوء المخاطر العالمية المحدقة؟

مع تنامي حظوظ فوز مودي بفترة ثالثة من رئاسة الحكومة في الانتخابات العامة المقررة في عام 2024م، من المتوقع أن يستمر التركيز على تحقيق أهداف مذهب هنودتفا دون هوادة، بما ينذر بحدوث مزيد من الانقسامات والانشقاقات في الداخل الهندي. وبالتالي، ستصبح الحكومة أكثر استبدادًا وعنفًا أمام أية معارضة مع الاتجاه لاتخاذ إجراءات قاسية ضد الأقليات خاصة المسلمين.

على الصعيد الخارجي، سيظل الضعف السمة المحددة للسياسات الخارجية للهند: وفي ظل التركيز بشكل كامل على تحقيق أهداف الأجندة الداخلية وتحسين صورة رئيس الوزراء، لن يكون هناك متسع للاهتمام بالقضايا الدولية إلا بالقدر الذي قد يمس شخص أو صورة رئيس الوزراء مودي. ومن المحتمل أن تتسبب الإساءة والعنف المتزايد تجاه المسلمين في الداخل في إثارة نفس ردود الأفعال المنددة في الخارج، لاسيما داخل منطقة الشرق الأوسط. حيث سبق وأن تسبب الحديث الهوجائي الأحمق عن خاتم الأنبياء (عليه أفضل الصلاة والسلام) من قبل بعض المتحدثين الجهلة في دوائر الحكم بالهند، في إثارة ردود فعل حادة وحالة استنفار من جانب العديد من الدول الإسلامية، ويعد هذا تذكرة على أن الصبر في مجابهة هذا السلوك المشين لن يكون بلا أنياب. ومن ثم تبدو النظرة المستقبلية للهند محفوفة بالمخاطر الجسيمة.

مقالات لنفس الكاتب