array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 182

الوثيقة تسعى للتعاون في البحث العلمي والتطوير ونقل التكنولوجيا وتكييفها

الإثنين، 30 كانون2/يناير 2023

أولى مجلس التعاون لدول الخليج العربية اهتماماً واسعاً بتوفير سبل التعليم وتطوير أسس البحث العلمي، وتبنت الأمانة العامة لدول المجلس مسؤولية إصدار القرارات المشتركة، التي تسعى لتوحيد الأهداف والوسائل الكفيلة بتطوير التعليم من أجل الوفاء باحتياجات التنمية. وقد شهد الطلب على التعليم العالي في السنوات الأخيرة نموًا متزايدًا نتيجة تراكم الوعي بأهميته لمقابلة تحديات سوق العمل وفق متطلبات القطاع الخاص. ويقدر معدل النمو السنوي في الطلب على التعليم العالي في دول مجلس التعاون ما نسبته 5.5٪، في حين أن أعداد الطلبة ارتفعت من 1.3 مليون طالب في 2010م، إلى 1.9 مليون طالب في عام 2020م، وبمعدل نمو سنوي بلغ 3.3%. وقد أدى ذلك إلى تزايد مؤسسات التعليم الحكومية والخاصة بما نسبته 28% خلال الفترة من 2008-2011م، وبالرغم من هذه الزيادة في عدد المؤسسات داخل دول المجلس إلا أن الحاجة ما زالت ملحة للابتعاث الخارجي خصوصًا في بعض التخصصات العلمية والتقنية.

وفي إطار الحوار الاستراتيجي الشامل الذي يقوم به مجلس التعاون مع المنظمات والتكتلات والدول، ومن خلال برامج عمل مشتركة وضعت لها آليات للتنفيذ، تم فتح مجالات للتعاون في حقول التعليم الفني والعام والعالي مع كل من الاتحاد الأوروبي، ودول الآسيان، والمملكة المغربية، والمملكة الأردنية الهاشمية. وقد برزت مؤخرًا مذكرة "الشراكة الاستراتيجية مع الخليج" والتي اعتمدت في يونيو 2022م، وتهدف إلى "توسيع وتعميق تعاون الاتحاد الأوروبي مع مجلس التعاون الخليجي والدول الأعضاء فيه". وذلك من أجل المساعدة في تعزيز عملية التنمية الاقتصادية وتحقيق التنوع الاقتصادي في دول المجلس من أجل تعزيز دوره في المساهمة في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة.

وحسب ما ذكره نائب رئيس المفوضية الأوروبية، بوريل، "سيستفيد الاتحاد الأوروبي ودول الخليج من شراكة أقوى وأكثر استراتيجية تمتد عبر عدد من المجالات الرئيسية". وأكد على أهمية العمل معًا بشكل أوثق لضمان الاستقرار في الخليج والشرق الأوسط، ولمواجهة التهديدات الأمنية العالمية، وحماية أمن الطاقة وتغير المناخ والتحول الأخضر وتعزيز الرقمنة والتجارة والاستثمار. كما حدد أهمية "تقوية التواصل بين الطلبة والباحثين والشركات والمواطنين ".

أهمية الشراكة في توفير مخرجات تعليم تلبي متطلبات الرؤى التنموية

ومما لا شك فيه إن تعزيز الشراكة سيكون له انعكاسات إيجابية على كل من الاتحاد الأوروبي والدول الخليجية، فالاتحاد الأوروبي يعد أكبر سوق موحد في العالم، ورائدًا في مجال البحث والابتكار، وفعالًا أمنيًا مهمًا في منطقة الخليج، وفاعلًا رئيسيًا في مواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ والرقمنة. وفي الوقت نفسه فإن الانفتاح العالمي للاتحاد الأوروبي سيشكل إطارًا ديناميكيا للتعاون مع دول المجلس من أجل تحفيز الاستثمارات المستدامة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا. وعلى الجانب الآخر فإن دول المجلس هي اقتصادات ناشئة وديناميكية وبوابة مهمة بين أوروبا وآسيا وإفريقيا. تمتلك هذه الدول موارد هامة من الطاقة الأحفورية والغاز الطبيعي المسال وفي الوقت نفسه لديها مصادر هامة من موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي يمكن تطويرها للوفاء بالالتزامات المناخية وتحقيق الأهداف الاقتصادية في تنفيذ الاستراتيجيات المتبادلة.

كما أن تواصل الثقافات بين المواطنين خصوصًا جيل الشباب من الطلبة الدارسين والأكاديميين في هذه الدول سيعزز التعاون العلمي والبحثي ويحسن التفاهم والتبادل الثقافي. ففي مجال التعليم والتدريب أشارت المادة (٨) من الوثيقة أن دول الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي تسعى إلى تشجيع التعاون في مجال البحث والتطوير العلمي والتكنولوجي في المنطقتين، من خلال نقل التكنولوجيا وتكييفها، وتشجيع التعاون في الأنشطة البحثية بين الباحثين، وتعزيز الروابط بين المجتمعات العلمية في دول المجلس والاتحاد الأوروبي، مع الاستفادة من البيانات والمعلومات المتعلقة ببراءات الاختراع.

كما أن برنامج الاتحاد الأوروبي لدعم التعليم، Erasmus يوفر إمكانيات لمؤسسات التعليم في دول المجلس لتطوير مناهج التدريس وأدوات البحث العلمي من خلال اعتماد برامج مشتركة للدرجات العلمية المتنوعة مع مؤسسات التعليم العالي في الاتحاد الأوروبي وشركائها الدوليين وتسهيل التبادل الطلابي والأكاديمي بين الجامعات المختلفة.

على مستوى الاتحاد الأوروبي، تراوح الإنفاق الحكومي على "التعليم" كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي بين 4.7٪ و5.1٪ في الفترة 1995-2020م، وشكل 9.4٪ من إجمالي الإنفاق. في عام 2020م، بلغ الإنفاق الحكومي العام على "التعليم" في الاتحاد الأوروبي 671 مليار يورو أو 5.0٪ من الناتج المحلي الإجمالي. ومن هذا المبلغ، خصص للتعليم العالي 0.8 %.

وفي دول المجلس أكدت الرؤى التنموية على أهمية التعليم لبناء المستقبل الواعد، وتم تحديد اقتصاد المعرفة كركن أساسي في قيادة مسيرة النمو المستدام في مختلف القطاعات الاقتصادية من أجل الارتقاء بمزايا الدول التنافسية كبيئة محفزة للاستثمار. وحيث أن الإطار الأساسي لاقتصاد المعرفة الذي يؤدي إلى زيادة استخدام وخلق المعرفة وتطويعها في الإنتاج الاقتصادي، فإن استدامة الاستثمار في التعليم والابتكار وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات سيقود في النهاية إلى النمو الاقتصادي المستدام، ويهيئ بيئة مواتيه للتقدم الاقتصادي والمؤسسي. ونظرًا لأن اقتصاد المعرفة يحتاج إلى مؤهلات عالية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية لسوق العمل، برزت أهمية الاستثمار في تعليم وتدريب شامل "عالي الجودة ومتعدد الأوجه " يهدف لتعزيز وتنويع القطاعات الاقتصادية ويتوافق مع احتياجات السوق ويجهز الشباب لوظائف المستقبل ويدفع عجلة التنمية الاقتصادية إلى الأمام.

ومن بين الأهداف التعليمية التي أكدت عليها الخطط التركيز على الابتكار في التقنيات المتقدمة وريادة الأعمال من خلال الاستثمار في "شراكات استراتيجية مع مقدمي التدريب المهني والمهارات الجديدة في الصناعة والشركات الخاصة الكبيرة" وتوجيه فرص المنح الدراسية نحو الجامعات الدولية المرموقة وفي المجالات التي تخدم الأولويات الوطنية. وشهدت السنوات السابقة التوسع في بناء الجامعات ومؤسسات الفكر والبحث العلمي وفي نفس الوقت فتح باب الابتعاث للخارج في التخصصات المطلوبة. وبالرغم من أن دول المجلس أدركت أهمية العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) في تطوير رأس المال البشري وباشرت بالعديد من الإصلاحات التعليمية وقدمت الموارد المالية واستخدمت المؤشرات الوطنية والدولية لقياس الأداء الطلابي، إلا أن المخرجات ما زالت متواضعة، ومعدلات الالتحاق ما زالت منخفضة. 

من هذا المنطلق تبرز أهمية التعاون في مجال التعليم والتدريب مع دول الاتحاد الأوروبي التي تمتلك مسيرة عريقة في مؤسسات التعليم ومراكز الأبحاث الرائدة.

وفي حين شهدت صناعة التعليم العالي في دول المجلس بعض التغييرات الهامة التي من أبرزها التوسع في التعليم العالي الخاص لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلبة الراغبين في الحصول على تطوير مهني ووظائف واعدة، وزيادة الابتعاث للخارج، إلا أنه لم يكن للمؤسسات الأكاديمية والبحثية في الاتحاد الأوروبي إلا نصيبًا صغيرًا في هذا التوسع. فقد اتجه غالبية الطلبة في دول المجلس إلى الدراسة في الدول الغربية وفي مقدمتها المملكة المتحدة والولايات المتحدة. كما أظهرت البيانات أن دول آسيا وأوروبا الشرقية اجتذبت المزيد من الطلبة العرب وخصوصًا من دول المجلس. وقد يعزى هذا التوجه إلى التحول السياسي والاقتصادي الخليجي نحو هذه الدول وسعيها لبناء الشراكات التجارية والاقتصادية مع هذه الدول سريعة النمو، التي طورت برامج التدريب والدراسات العلمية وباستخدام اللغة الإنجليزية وسهلت عملية الالتحاق، وقدمت برامج تعليمية وتدريبية بأسعار تنافسية بالمقارنة بالدول الأوروبية.

البحث العلمي قاطرة التطور المعرفي

يعرف البحث بأنه: "العمل الإبداعي والمنهجي" لزيادة مخزون المعارف، بما في ذلك معرفة البشر والثقافة والمجتمع، واستخدام هذا المخزون من المعرفة لابتكار تطبيقات جديدة" إن قدرة الدول على الحصول على المعرفة الرامية إلى بناء القدرات المحلية واكتساب ميزة تنافسية من تلك المعرفة في مجال الابتكار واستيعابها وتطبيقها يعتمد بشكل كبير على الاستثمار الذي تقوم به في مجال البحث والتطوير. 

ولقد أدركت دول المجلس أهمية البحث والتطوير فسعت إلى زيادة استثماراتها في البنية التحتية للبحوث، وإلى إنشاء مجامع للبحث العلمي ومراكز فكرية رائدة تعنَى بدعم الأبحاث.  كما قامت أغلبها بإنشاء مراكز ومعامــل متكاملــة للطاقــة، والبتروكيماويــات، وتحليــة الميــاه، وعلــوم الوراثــة، والتقنيــة الحيويــة، وأمـن المعلومـات، وصحـة البيئـة، وغيرها من المجالات. وشهدت المنطقة نموًا في حجم البحث الأكاديمي منذ عام 2010م، بشكل ملحوظ في السعودية، الإمارات وقطر. فقد أنتجت السعودية أكثر من 23000 بحث أكاديمي، تلتها الإمارات بما يزيد عن 7000 بحث وقطر بما يقارب من 4000 وبنسبة 1.6بحث لكل ألف نسمة. ومع ذلك فإن الإنتاج البحثي لا يزال منخفضًا مقارنة بالدول التي تركز على البحث مثل سنغافورة التي تصل نسبتها إلى 3.6. لكل ألف نسمة.

 ورغم ذلك فإنها لا تزال بعيدة "عن التأسيس لاقتصاديات المعرفة "وفقا للبنك الدولي.  وذلك لأن هناك عدة مؤشرات عادة ما تستخدم لقياس جودة البحث العلمي المؤهل للعب دور رئيسي في المعرفة والابتكار مثل عدد الأبحاث المنشورة وعدد الاقتباسات لكل 1000شخص، وعدد براءات الاختراع والتأثير المباشر على المجتمع والاقتصاد.

ويشير الرسم البياني لبعض مؤشرات النشر العلمي والإنفاق على التعليم في دول المجلس.

   

        & PWC 2019                     Source: Statista 2020    

عادة ما يؤدي التعاون في البحث والتطوير والبحوث المشتركة بين الجامعات والصناعة إلى نتائج إيجابية بالنسبة لجودة البحوث وعدد الاقتباس منها وفاعليتها في خدمة الاقتصاد والمجتمع. ومؤخرًا أدركت دول المجلس أهمية ذلك وشجعت على البحوث المشتركة فيما بين دولها والتي وصلت إلى 68% من البحوث المنشورة، ورغم ذلك فإن التعاون مع قطاع الصناعة لا يزال محدودًا للغاية. فقط قطر حلت في المرتبة 17 بأعلى تصنيف خليجي "التعاون بين الجامعات والصناعة في البحث والتطوير"، تلتها الإمارات في المرتبة 28 وعمان في المرتبة 37 حسب مؤشر المعرفة العالمي كما ذكر تقرير برايس ووتر هاوس. كما حصلت السعودية، في ديسمبر 2020م، على المركز الأول عربيّاً والـ 17 عالميّاً، في مجال دعم الأبحاث المتعلقة بـ (كوفيد 19)، وفي جهود الجامعات لنشر أبحاث «كورونا»، وقد مثلت الأبحاث السعودية نسبة 1.8% من الإنتاج البحثي العالمي في المجال المذكور. وقد أشارت بعض التقارير إلى أن التعاون الدولي مع دول المجلس آخذ في الازدياد وأن الأبحاث التي تم إعدادها مع باحثين دوليين كانت أكثر جودة وفعالية وقد أشار تقرير برايس واتر هوس إلى زيادة البحوث المشتركة مع الباحثين الدوليين بين عامي 2015-2018م، بنسبة 61٪ ومتوسط 70٪.

وعلى الجانب الآخر أشار تقرير الأمانة العامة لدول المجلس إلى زيادة عدد براءات الاختراع التي منحها مكتب براءات الاختراع إلى 3022 براءة اختراع منها 564 براءة اختراع منحت في 2015م.

مبادرات الاتحاد الأوروبي البحثية

يتزايد اهتمام الاتحاد الأوروبي بدراسات الشرق الأوسط ودول المجلس وذلك من أجل فهم المنطقة وبناء علاقات استراتيجية معها إلا أنه بالمقابل لا توجد برامج متخصصة من قبل دول المجلس تعنى بدراسة خصائص وسياسات دول الاتحاد الأوروبي.

لذلك اهتمت اتفاقية التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول المجلس لعام 1988م، بأهمية التعاون في قطاع العلوم والتكنولوجيا كأولوية للتعاون فيما بينها. وتركزت مجالات التعاون حول إنشاء مركز ثنائي إقليمي للعلوم والتكنولوجيا يهتم بموضوع الابتكار ونقل خبرات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بتمويل وإدارة برامج البحوث مع توفير الفرص للباحثين الخليجيين للمشاركة في البرامج البحثية في الاتحاد الأوروبي وكان أول مشروع للتعاون، هو مشروع GCC-INCO-NET الذي بدأ في عام 2010م، ويركز على الطاقة المستدامة والنظيفة، ويهدف إلى تطوير أنشطة تعاون ملموسة ودعم الحوار بين مختلف الجهات الفاعلة في القطاع، من خلال الجمع بين صانعي السياسات وأصحاب المصلحة. وتركز هذه المبادرة على البحث العلمي من خلال تحديد أولويات البحث في العلوم والتكنولوجيا، وبناء القدرات، وتعزيز التفاعل. وقد أكدت على الجانب الاستكشافي للتعاون مع بعض المشاريع البحثية المشتركة الناجحة، التي كما يبدو "اعتمدت على الأفراد والشبكات الشخصية أكثر من اعتبار منظومة دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي كمظلة مؤسسية" (al-Mukhaini).

ومن المشاريع البحثية الهامة أيضًا مشروع التحلية المستدامة من الطاقة الشمسية المركزة DESOLINATION الممول من الاتحاد الأوروبي الذي سيقوم بتطوير نظام تحلية مبتكر يجمع بين الطاقة الشمسية المركزة بهدف إنتاج الكهرباء الخضراء والمياه العذبة. ويستخدم المشروع التكنولوجيا المطورة في مصنع الطاقة الشمسية المركزة التابع لجامعة الملك سعود في الرياض، لإنتاج طاقة تبلغ حوالي 1.7 ميجاوات.

 بالرغم من التطورات الحديثة التي لحقت بقطاع التعليم في دول المجلس ومراكز الأبحاث وحاجة دول المجلس لخلق شراكات دولية مع الاتحاد الأوروبي، إلا أن هناك العديد من التحديات التي قد تشكل عائقًا أمام بناء شراكات فعالة وإيجابية. فعلى الصعيد المحلي هناك عوائق تقلل من دور المؤسسات الأكاديمية لتقديم دراسات وأبحاث هامة ومنها عدم توفر الوقت الكافي للبحث وندرة برامج الدكتوراه ومحدودية التمويل مع ضعف الدعم الإداري والافتقار إلى توفر فرص الشراكات والتعاون وأدوات الاتصال بين مختلف مؤسسات التعليم ومع قطاع الصناعة.

 هناك أيضًا تحديات هيكلية، تعوق قدرة الجامعات في دول المجلس على إنشاء برامج ومراكز دراسات للاتحاد الأوروبي نتيجة عدم قدرتها على جذب أعداد كافية من الطلبة في المرحلة الجامعية ومن ثم عدم القدرة على توفير التمويل المطلوب. كما أنه لا يوجد إطار قانوني مناسب لإنشاء مراكز دراسات أو مراكز للفكر خارج الجامعات أو المؤسسات الحكومية. والوضع قد يكون أسهل بالنسبة لبرامج ومراكز دراسات الطاقة نظرًا لقدرتها على الحصول على التمويل المناسب من خلال شركات النفط العاملة في المنطقة.

وتشير الدراسات إلى أن الاختلاف الكبير في التطور المؤسسي لكل من الاتحاد الأوروبي ودول المجلس سينعكس على كيفية تحديد الأولويات والدوافع وراء الإرادة السياسية التي ستؤدي حتما إلى الاختلاف في الهياكل والمؤسسات. ففي حين يؤمن الاتحاد الأوروبي في المقام الأول "بتوسيع السوق وخلق المزيد من التكامل والذي سيعزز الأمن كنتيجة منطقية للاستقرار الاقتصادي الذي يقوده السوق". وفي نفس الوقت تعتبر السياسة الخارجية عاملًا ثانويًا في عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي، وعلى العكس فإن المخاوف الأمنية والسياسة الخارجية هي الأولويات بالنسبة لدول المجلس. ( al-Mukhaini)

علاوة على ذلك، لا تمتلك الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي عملية صنع قرار أو تفاوض "حقيقية". بل هي منظومة أقل من منظمة فوق وطنية "منظمة تعاون جماعية ومعقدة مؤسسيًا"، وتبقى القرارات على مستوى كل دولة وحسب أجندات وطنية مختلفة وأولويات اقتصادية متنافسة، والتي غالبًا ما تمنع التوصل إلى توافق في الآراء من أجل بناء الشراكات الموحدة مع الاتحاد الأوروبي.

ويشكل تحدي لغة التدريس المستخدمة في الاتحاد الأوروبي حاجزًا يتطلب جهودًا متسقة من أجل صياغة أهداف طويلة الأجل. فدول المجلس تبنت سياسة تجعل اللغة الإنجليزية هي اللغة الثانية، ويتم تدريس أغلب المساقات بما فيها العلوم والرياضيات باللغة الإنجليزية في المدارس والكليات الخاصة وكذلك في بعض المؤسسات الحكومية. في حين أن اللغات الأخرى، حتى وإن وجدت إلا أنها لا تدرس بصورة رسمية في أغلب مؤسسات التعليم. إن التركيز على اللغة الإنجليزية يحد من خيارات الطلبة الراغبين في التعليم العالي خارج دولهم، حيث يختارون الدول الناطقة باللغة الإنجليزية. وثمة تحد آخر فيما يتعلق بمسألة اللغة يتعلق بحقيقة أن المشاركة في برامج التبادل، على سبيل المثال Erasmus، ستكون محدودة إذا لم يتم تجهيز طلبة دول المجلس والباحثين الأكاديميين بلغات أجنبية غير الإنجليزية. وبالتالي فإن التعاون المستقبلي القوي يحتاج إلى تقوية الأسس اللغوية والثقافية.

الخلاصة والتوصيات

مما لا شك فيه أن الشراكة المعرفية من خلال التعليم والبحث والتطوير ستكون مفاتيح نجاح التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي. إن مرتكزات نجاح الجهود متوفرة فالدافع نحو تنمية الاقتصاد المعرفي يلح بقوة على واضعي السياسات في كافة دول المجلس. وعلى الرغم من اتخاذ خطوات جادة نحو تطوير النظم الداعمة والبحث عن الشراكات الفعالة، لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لزيادة القدرة على التنافس مع اقتصادات المعرفة الأكثر نضجًا. وهذا يمثل تحديات وفرصًا يجب معالجتها ليس فقط من قبل المؤسسات التعليمية والبحثية فقط، بل من قبل الأطراف الأخرى مثل الحكومة وقطاع الصناعة لضمان حسن التطبيق وفعالية النتائج. إن تحسين بيئة البحث واستراتيجيات التعليم ستساعد في زيادة الفرص لجذب الباحثين الأجانب والحفاظ على المواهب الأكاديمية المحلية في المنطقة، ويؤدي في النهاية إلى نتائج بحثية وأداء أعلى جودة.

من أجل تعزيز العلاقات بين المجموعة الاقتصادية الأوروبية ودول مجلس التعاون فالحاجة ملحة لخلق إطار مؤسسي وتعاقدي لتوسيع علاقات التعاون الاقتصادي والتقني بينهما وكذلك التعاون في الدراسات والأبحاث التي تعنى بالطاقة والصناعة والاقتصاد والاستثمار والعلوم والتكنولوجيا والبيئة، بشروط مفيدة للطرفين، مع مراعاة الاختلافات في مستويات التنمية بين الأطراف.

ومن أجل دعم وتعزيز البحث العلمي على الحكومات أن تعتمد استراتيجية وطنية واضحة تحدد أهداف ومخرجات البحث العلمي وفي نفس الوقت من المهم أن تضع الإطار القانوني الصحيح الذي يحكم البحث العلمي. ولا بد من توفير التمويل وحسن توزيعه بين مؤسسات البحوث والجامعات بشكل فعال من أجل تحفيز مؤسسات البحث الناشطة وتشجيع أعضاء هيئة التدريس والباحثين وتقديم الدعم اللازم لضمان جودة البحوث واتساق مخرجاتها. وفي نفس الوقت تحفيز التعاون الأكاديمي بين جميع المؤسسات ليس فقط المحلية بل الإقليمية والعالمية. كما تحتاج الصناعة المحلية أن تكون داعمًا رئيسيًا وأكثر انفتاحًا على أهمية البحث العلمي والتعاون الأكاديمي والثقة في قدرات الباحثين في منطقتهم.

وختامًا ربما من المفيد القول "من يصنع التاريخ يحكم الجغرافيا، ومن يحكم الجغرافيا يقود العالم" وقد تذكرت هذه العبارة مع صدور كتاب "القيادة: ست دراسات في الاستراتيجية العالمية" لهنري كيسنجر. وقد اختار ست قيادات ساهمت في تأسيس النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، ومن بين القيادات كان مؤسس سنغافورة "لي كوان لو" وقد حكم الجزيرة الفقيرة على مدى ثلاثة عقود ونجح في تحويلها إلى معجزة اقتصادية ما زالت تزداد رسوخًا حتى يومنا هذا. أما أبرز ما فعله فهو أنه أنفق على التعليم ثلث الموازنة الوطنية، وجعل المعرفة حجر أساس التنمية المستدامة حتى اليوم. إن دول مجلس التعاون الخليجي لم تعد جزرًا فقيرة، وبوابة صنع التاريخ مفتوحة أمامها على اتساعها.

مقالات لنفس الكاتب