الخميس، 29 كانون1/ديسمبر 2022
قررت طالبان مؤخرًا تعليق الدراسة الجامعية للطالبات حتى إشعار آخر، وذلك ضمن سلسلة من القيود فرضتها الحركة ضد المرأة منذ سيطرتها على السلطة في أغسطس 2021م، ما يُصعد التحديات التي تواجهها الأفغانيات في ظل تراجع حقوقي واقتصادي بالبلاد.
نهلة عبد المنعم
باحثة في الإرهاب الدولي وشؤون الجماعات المتطرفة
وعلى الرغم مما أبدته الحركة من مرونة نسبية تجاه النساء خلال خطاباتها الإعلامية عقب توليها السلطة، فإنها عادت لتمارس السياسات ذاتها التي اشتهرت بها خلال فترة حكمها الأولى (1996 :2001م)، ووسط التغيرات السياسية والاجتماعية بين الفترتين تبقى التساؤلات قائمة حول الأسباب التي دفعت طالبان للعودة السريعة لتقييد أوضاع المرأة، إلى جانب النتائج المحتملة للوضع القائم على مستقبل أفغانستان.
التحولات الإعلامية وسلسلة القيود ضد الأفغانيات
أولاً: الوعي الجمعي والركائز الفقهية مقابل المرونة الإعلامية
بدأت طالبان سلطتها الجديدة بخطاب إعلامي للمتحدث الرسمي باسمها، ذبيح الله مجاهد، أكد خلاله أن الحركة ستعطي النساء حقوقهن في إطار الشريعة الإسلامية، مشددًا على حق العمل والتعليم كركائز أساسية لسياسات جديدة ستتبعها الحركة لا تتشابه مع العهد الأول لطالبان، ولكنه في الوقت نفسه لفت إلى أن هذه المعتقدات ليست صنيعة الحركة ولكنها تخص المجتمع بأكمله، مطالبًا العالم باحترام خصوصية الأفغان، وذلك ليُصبغ القرارات بالهوية الوطنية لتجاوز الانتقادات الدولية للعنف الذي سيطرت به الحركة على السلطة.
إذ تسعى طالبان لنيل الاعتراف الدولي بحكومتها كسلطة جديدة، ومن ثم فيلزمها لذلك مراعاة تقديم رسائل أكثر انفتاحًا للداخل والخارج، وبالتوازي مع خطاب القيادات نحو عهد جديد للمرأة، كانت العناصر في المراتب الدنيا من الحركة تشوه واجهات المحال التجارية التي تعتليها صور النساء، وتحطم الإعلانات النسائية في الشوارع، وهو ما ظهر في عدة مقاطع مصورة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي حينها.
ما أعقبه تنامي في وتيرة شراء البرقع الأفغاني الذي يغطي كامل جسد ووجه النساء، مع ظهور أنباء عن مخاوف تنتاب العائلات إزاء نسائهم وخروجهن للشوارع، ما يعطي دلالات حول وعي جمعي لايزال يربط بين وجود حركة متشددة في الحكم وقمع النساء بناء على تاريخ قديم بينهما، كما أظهر في حد ذاته أن التماهي الذي تبديه قيادات طالبان للحصول على مكاسب سياسية لايدركه بالضرورة عناصر التنظيم في الطبقات الأقل تنظيميًا أو الأكثر تشددًا، ويظل المعيار الأبرز في هذا الطرح هو مطالبة الحركة للنساء حينئذ بتقليل خروجهن للشارع حتى هدوء الأوضاع.
ثانيًا: مظاهر تكبيل الأفغانيات على يد طالبان
لم تنتظر حركة طالبان وقتًا طويلًا لإظهار أيدلوجيتها الحقيقية والتزامها بما قدمته لسنوات كمنهجية فكرية لأتباعها، إذ أصدرت سلسلة من القيود المتعاقبة ضد النساء منها تعطيل الدراسة بالمرحلة الثانوية للبنات، ومنع سفر النساء داخل البلاد دون محرم أو خروجهن دون غطاء للرأس، ومنعت الفتيات الأكثر من 12عامًا من الالتحاق بالمراكز الخاصة للتعليم، وألغت في سبتمبر2021م، وزارة شؤون المرأة واستبدلتها بوزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيما خلت حكومتها من العنصر النسائي.
وأعلنت في أكتوبر 2022م، حرمان المرأة من دراسة بعض التخصصات العلمية وقصر دراستها على تخصصات بعينها، وكانت أبرز التخصصات التي منعتها طالبان على الطالبات هي الصحافة والإعلام والاقتصاد والهندسة المدنية، لتتفاجئ الطالبات بتغيير الرغبات التي كتبوها للالتحاق بالجامعات لتكون دراسة الآداب أو المجالات الطبية بدلا من التخصصات التي يرغبن بها، وهو قهر وتمييز يضع المرأة الأفغانية في مراتب علمية وعملية متأخرة نتيجة إيقافها عن الاستفادة بالتقدم في بعض المجالات.
وقررت طالبان في نوفمبر 2022 م، منع النساء من التنزه بحرية والخروج للحمامات العامة، وصنعت جدولاً خاصًا لأيام السماح للأفغانيات بارتياد الحدائق العامة، كما حرمتهن من الذهاب للصالات الرياضية ومجالات الترفيه، واختتمت سلسلة القيود حتى الآن بتعليق تعليمهن الجامعي، وبررت الحركة على لسان القائم بأعمال وزير التعليم العالي، ندى محمد نديم القرار الأخير بأن الحكومة تريد مراجعة المقررات الدراسية قبل تدريسها للطالبات، كما أن بعض الإناث لايلتزمن بقرارات ارتداء الحجاب وعدم التنقل بين المحافظات دون محارم ذكور.
ورفضت وزارة التعليم العالي الاحتجاجات الدولية على قرارها بتعليق دراسة الفتيات داعية الجميع بعدم التدخل في الشؤون الأفغانية، وذلك على وقع الانتقادات التي أصدرتها هيئة الأمم المتحدة والإدارة الأمريكية إزاء القرار، ولكنها لم تعلق حتى الآن على بيان شيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب حول إدانته لموقف طالبان الأخير، واصفًا إياه بالمخالف للشريعة الإسلامية، ومنتقدًا مصدريه بأنهم غاب عنهم دور الصحابيات ونساء الرسول اللائي نقلن عنه الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة، كما قمعت الحركة التظاهرات النسائية المنددة بالقرار واستخدمت العنف معهن مثلما فعلت تجاه جميع الاحتجاجات النسائية التي عارضتها خلال فترة حكمها الجديدة.
أبرز العوامل المحركة لسياسات طالبان تجاه النساء
تتضمن إشكالية العلاقة بين حركة طالبان والمرأة عدة متغيرات أبرزها المرجعية الفكرية لأعضاء الحركة، والالتزامات السياسية التي تفرضها المرحلة الراهنة، وطبيعة المجتمع الأفغاني بما يحمله من خبرات خلفتها الصراعات المتعددة التي شهدتها البلاد خلال العقود الأخيرة الماضية، وبدوره فرض المشهد الأفغاني المُعقد ترابطًا بين المتغيرات سالفة الذكر.
فحركة طالبان ظلت لعقود تربي أجيالها المتعاقبة على تهميش النساء ضمن معتقدات فكرية مشوهة استُمدت من تفسيرات مغلوطة للدين، ما جعلها غير قادرة على الالتزام بما تظاهرت به في خطاباتها التالية للسلطة مباشرة، تلك الخطابات التي صاغتها لتهدئة مخاوف الرأي العام العالمي حيال سلطتها الجديدة، إلى جانب التمهيد للانخراط الأممي.
وكجزء من خطتها السياسية تحتاج الحركة لقدر من التوافق بين أهدافها المرحلية والمعتقدات الراسخة لدى أتباعها، يؤمن لها المضي قدمًا في إحكام السيطرة على البلاد وترسيخ قواعد حكمها دون السماح بتوظيف أي خلاف عقائدي كمدخل لتفتيت تماسك الحركة أو فض المتعاطفين معها في ظل ظروف صعبة تعيشها المنطقة، إذ يأتي سعي طالبان للحفاظ على صفوفها دون انشقاقات داخلية وسط استقطاب عقائدي حاد تحكمه الظرفية السياسية والأمنية والتاريخية لأفغانستان.
ومع ذلك، يبقى من الأوقع النظر لطالبان ضمن مفردات إقليمية وفكرية تحيط بها إلى جانب منافسات متطرفة تغذيها الاضطرابات الأمنية في البلاد، فمع رحيل السلطة المدنية لأفغانستان برئاسة أشرف غني ووصول الحركة المتشددة للحكم بعد الانسحاب العشوائي للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بدأت التيارات المتطرفة بالمنطقة بإعلان التنافس مع الحركة، وذلك كتنظيم داعش المعروف في أفغانستان بـ(ولاية خراسان) الذي استهدف مطار كابول الدولي وأوقع عشرات الضحايا، إلى جانب تنظيم القاعدة الذي شكل في مرحلة ما خلال العام الحالي خطرًا فقهيًا أكبر على طالبان.
أبدت قيادات طالبان مع بداية حكمها تماهي قيمي مع وضعية النساء في المجتمع آنذاك، وحرص المتحدثون الرسميون لها على الظهور مع الإعلاميات في القنوات الفضائية دون تغطية وجوههن، قبل أن تلزمهن فيما بعد بتغطيتها، إلى جانب فتح العلاقات مع الهيئات الدولية ومخاطبتها للانضمام لها وأبرزهم هيئة الأمم المتحدة، ومد جسورالتواصل مع حكومات تصنفها باقي الحركات المتطرفة ككيانات غير توافقية مع أفكارها كالهند، على سبيل المثال، وباعتبار طالبان تنظيم يزعم أن الدين مرجعيته الأساسية، فإن التنافس العقائدي بين الجماعات المتطرفة وسط استغلال الظرفية البراجماتية لحالة طالبان والخطاب الديني المتشدق بظاهرية القيم لدى الجماعات الأخرى يُحتمل أن يهدد شعبية الحركة.
وظهرت المنافسات العقائدية على أشدها بين التيارات المتطرفة في سلسلة المقاطع المصورة التي بثها الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أيمن الظواهري (1951: 2022م) في الشهور التي سبقت مقتله والتي جاءت تحت عنوان (نصيحة الأمة الموحدة بحقيقة الأمم المتحدة)، و(صفقة القرن أم حملات القرون)، إذ حملت تلك المقاطع هجوم عقائدي على طالبان لرغبتها في الانضمام للأمم المتحدة التي وصفها الظواهري بالمخالفة للشريعة الإسلامية، كما علق على حرمانية معايير المساواة بين الرجل والمرأة مستخدمًا استمالات دينية وعاطفية خاطب بها جمهور الجماعات المتطرفة لإقناعم بأن القاعدة هي الأحق بالاتباع منهم دون غيرها ممن يسعون للانخراط مع الكيانات الدولية المعادية للمسلمين، من وجهة نظره.
إن تواجد الفرع الرئيس لتنظيم القاعدة على أرض أفغانستان بغض النظر عن مستقبل جغرافية قيادته يفرض على طالبان اعتبارات سياسية وتنظيمية متشابكة خلال حكمها للبلاد، وبالأخص في ظل تواترات أمريكية حول عودة التنظيم للتنامي مجددًا بالبلاد وهو ما أكده قائد القيادة المركزية الأمريكية، فرانك ماكنزي في تصريحات بحلول نهاية عام 2021م، وذلك مع الأخذ في الاعتبار لطبيعة المجتمع الأفغاني الذي تعامل بعضه مع الظواهري كقائد ديني، وهو ماظهر على التعليقات التي كتبها الأفغان على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي لقادة طالبان لانتقادهم على التفريط في حماية زعيم القاعدة، وذلك إلى جانب العلاقات التي من المؤكد أنها توطدت بين بعض رجال التنظيم ورجال القبائل منذ حربهم سويًا إبان الصراع السوفيتي بالبلاد، ما يجعل الأمر أكثر جدية حين الحديث عن المتغيرات الفقهية الحاكمة لعلاقة طالبان بالمرأة الأفغانية.
ثمة تساؤلات لاتزال قائمة حول هذه العلاقة، منها ما يخص الربط بين ملف حقوق الإنسان والمرأة والرغبة الدولية لطالبان في أن تتحول من حكومة أمر واقع إلى حكومة شرعية معترف بها، فهل يعني عودة الحركة لقمع النساء تخليًا أو تأجيًلا لطموحها السياسي تجاه هذا الأمر؟، وهنا تتوقف الإجابة على احتياجات الحركة في الوقت الحالي، وبمن يمكنه توفير هذه الاحتياجات وماهية أيدلوجيته تجاه حقوق الإنسان أو توجهاته حيال التدخل في شؤون البلاد الأخرى من عدمه طالما تتوافق مصالحه مع الحكومة، مع عدم إغفال حقيقة قيام العلاقات بين الدول على أساس المصالح الاقتصادية والاستراتيجية المشتركة.
وبحكم المصلحة سيكون الشركاء الإقليميون لطالبان أكثر حرصًا من واشنطن وحلفائها تجاه أمن المنطقة وعدم استفحال الجماعات الإرهابية بها، وكلما زادت قدرة الحركة على إحكام سيطرتها على الأوضاع الداخلية كلما زاد التعاون بين الحركة وهؤلاء الشركاء، ويعضد ذلك لجوء الهند للتواصل مع حكومة طالبان بعد سنوات من نعتها بالإرهابية، في حين تمتلك الصين وروسيا علاقات أكثر امتدادًا مع الحركة، وبالنظر إلى طبيعة العلاقات الخارجية لهذه الدول الآسيوية فهم لا ينصبون أنفسهم كرعاة لحقوق الإنسان دوليًا بقدر ما يتبعون مصالحهم.
وبدورها تمتلك إيران علاقات براجماتية مع حركة طالبان بما تحمله تلك العلاقة من احتياطات لمنع توظيف الإرهاب في كابول لصالح طهران أو تشكيل ميليشيات بالداخل لخدمة أهدافها ما يزيد وضع المنطقة سوءًا، وفي هذا الصدد سينتصر الإقليميون للمصالح الأمنية والاستراتيجية، وهو ما يفسر عزل طهران سفيرها لدى أفغانستان بهادر أمينيان واستبداله بحسن كاظمي قمي في منتصف ديسمبر 2022 م، عقب تسريبات للأول ينتقد فيها الحركة.
أما عن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الناتو، فهي لم تضع حقوق النساء كشرط أولي عند صياغتها لاتفاق الانسحاب العسكري لها من البلاد مع حركة طالبان والموقع في فبراير 2020م، ولكنها اهتمت بعدم تحول البلاد لمعسكر إرهابي يهدد مصالحها واستقرارها، ما يعد في حد ذاته انتصارًا للمصالح المشتركة بغض النظر عن الوضع الحقوقي للأفغان.
إحصائيات رقمية حول قهر الأفغانيات
أظهرت إحصائية هيئة الأمم المتحدة للمرأة والصادرة في أغسطس 2022م، لتقييم أوضاع الأفغانيات بعد مرور عام على حكم طالبان أرقام مفزعة عن تدني حقوق المرأة في البلاد، إذ ذكرت الورقة البحثية أن عام 2021م، شهد حصول 12,5% فقط من خريجات المدارس الثانوية على امتحان القبول بالجامعات، أي حصول 22,375 من أصل 179,000 على حقهن في دخول الجامعات، وبحلول أبريل 2022 م، مُنعت 80% من البنات من استكمال دروسهن، وذلك حتى قبل أن تعلن الجماعة تعليق الدراسة في الجامعات للطالبات.
وعن حق النساء في العمل تقول هيئة الأمم في إحصائيتها أن النساء شكلن في 2020م، نحو 18,8% من إجمالي عمليات التوظيف في البلاد مقابل 81,2% للرجال، تلك النسب التي انخفضت حاليًا للرجال والنساء، إذ انخفضت نسبة النساء في التوظيف بمعدل 28% وللرجال بمعدل 12%، أما معدل البطالة فأصبح في 2021 م، نحو 13%، وفي 2022 م، وصل إلى 40%، في وضع اقتصادي مزري أسهم في تعقيد حياة الأسر التي تعيلها النساء، إذ كشفت الأرقام أن 85% من الأسر التي تعيلها نساء باتت تعاني الفقر.
فيما أصبحت 77% من منظمات المجتمع المدني النسائية بدون تمويل في 2022م، بينما استطاعت 10% فقط من النساء تغطية احتياجاتهن الصحية الأساسية، بينما توقفت نحو 84% من الصحفيات عن أداء أعمالهن كنتيجة مباشرة لممارسات حركة طالبان ضدهن، وتحتل البلاد المرتبة الأخيرة دوليًا على مقياس الفجوة بين الجنسين، وفقًا للأمم المتحدة.
مآلات العنف ضد النساء على مستقبل أفغانستان
ستترك قيود طالبان ضد المرأة أثارًا ممتدة على البلاد، إذ ستتأثر الفتيات بالحرمان من التعليم وسيزداد الجهل بينهن، فحتى ولو أعادت طالبان فتح المدارس لهن، فستظل البيئة غير الآمنة تهدد انتظامهن في التعليم، كما ستتراجع معرفة النساء بالتطورات العلمية والعملية في بعض المجالات التي حُرمن من الالتحاق بها، فضلاً عن أن استبعاد المرأة من الإعلام سيُسكت التيارات النسوية التي يُحتمل أن تدافع عن حق الأفغانيات من الداخل، ما يهدد بمستقبل مظلم للأفغانيات، تزداد معه حوادث العنف ضد النساء باعتبارهم مسلوبي الحقوق، فضلاً عن تفاقم التدهور الاقتصادي للأسر التي تعيلها نساء وإخراج أجيال مشوهة نفسيًا وتعليميًا يسهل اقتيادهم أيدلوجيًا ما يسهم في استمرار البلاد كمحطة آسيوية زاخرة بالجماعات المتطرفة.
ستتسع الفجوة بين الأفغانيات وأقرانهن على المستوى الدولي، وسينسحب التأثير على الرجال أيضًا فمن جهة بعض الفئات غير المتعاطفة مع طالبان فستشعر بالإذلال لأنهم غير قادرين على تأمين واقعًا أفضل لبناتهن، ومنهم من سيلجأ لمغادرة البلاد بحثًا عن حياة أفضل ما ستزداد معه وتيرة الهجرة داخليًا وإقليميًا لتضيف أعباءً اقتصادية جديدة على بعض المناطق الأفغانية إلى جانب الدول المجاورة، فبحسب بيان مكتب الأمم المتحدة لتنسق الشؤون الإنسانية الصادر في نوفمبر2022 م، قد اضطر ما يزيد عن 23 الف مواطن لترك منازهم خلال عام واحد فقط نتيجة الصراع الدائر، بينما تقول مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن هناك 2,6 مليون لاجئ أفغاني حول العالم منهم 2,2 مليون في إيران وباكستان، ومنذ تدهور الأوضاع في 2021م، اضطر 3,5 مليون أفغاني للنزوح داخليًا بحثًا عن ملاذات آمنة، ومن المرجح ارتفاع النسب ما يهدد استقرار الدول الإقليمية.
ومن جهة أخرى، ستضطر بعض الحكومات الغربية التي تعتمد خطاب حقوق الإنسان كمتغير هام للحكم في عدم الانخراط جديًا مع أفغانستان حتى لا تزداد الانتقادات حيالها ما يعرض كابول لعزلة جزئية أو اضطرار لتقديم تنازلات واسعة على مستوى المصالح الوطنية للتغاضي عن تدهور الملف الحقوقي، في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية طاحنة، أما عما تروجه بعض التيارات داخل الإدارة الأمريكية من أن حرمان الفتيات من التعليم الجامعي وسلسلة القيود المفروضة ضدهن تستخدم في الأساس للضغط على حكومة واشنطن للتعاطي أكثر مع طالبان كما تقول المستشارة الأمريكية في الشؤون الجيوسياسية، باتريشيا ديجينارو فالملاحظ في هذا الشأن أن العلاقة بين طالبان وواشنطن منذ بداية المفاوضات بينهما حتى الآن شهدت إتمام فعلي للمصالح المهمة لكل طرف بغض النظر عن الأوضاع الإنسانية للأفغان.
وختامًا، فإن أوضاع النساء في أفغانستان لن تتحسن دون الضغط على حكومة طالبان دوليًا بشكل متكامل، أي أن تتفق جميع الأطراف على أن الملف الحقوقي أولوية للتعامل مع حكومة الحركة ومساعداتها اقتصاديًا، أما النظر إلى المصالح المشتركة بغض النظر عن هذا الملف فسيزيد من تفاقمه، وعلى مستوى الصراع الدولي بين روسيا والصين من جهة وبين الولايات المتحدة من جهة أخرى حول النفوذ في كابول فسيهدد بدوره القرار الموحد نحو الملف الحقوقي.
فإذا استطاع المجتمع الدولي الاتفاق جديًا على أهمية الملف دون استغلاله كورقة ضغط من أجل تمرير المصالح فسيمكن أن تتحسن أوضاع النساء، إذ تجيد طالبان هي الأخرى استخدام المرأة كورقة ضغط ضمن إطار من البراجماتية والشاهد على ذلك توظيف التظاهرات النسائية لحصد مكاسب سياسية والدفع بأن الخارج يسهم أيضًافي معاناة الأفغانيات، ففي الوقت الذي تحرم فيه الحركة النساء من الخروج دون محارم ذكور سمحت للأفغانيات بالتظاهر ضد القرارات الاقتصادية للولايات المتحدة والتي حُرمت بموجبها الحركة من الأرصدة المالية للبلاد في الخارج،كما حرص المتحدثون الرسميون لطالبان على الترويج لهذه التظاهرات إعلاميًا وتناقل صورها على حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي مع التلميح بدور الولايات المتحدة في معاناة المرأة.
فيما يبقى الموقف الموحد حيال الإرهاب في المنطقة عاملاً مهمًا في امتثال طالبان للمجتمع الدولي ومطالباته بتعزيز حقوق النساء، فوجود دول كبرى تسعى لتأجيج الاضطرابات الأمنية في المنطقة للتربح عن بعد وسط رغبات إقليمية أخرى سيجعل التنافس الإرهابي متصاعدًا ما يحول دون تحسين الملف الحقوقي بشكل عام.
مجلة اراء حول الخليج
٣٠ شارع راية الإتحاد (١٩)
ص.ب 2134 جدة 21451
المملكة العربية السعودية
+هاتف: 966126511999
+فاكس:966126531375
info@araa.sa :البريد الإلكتروني