لا شك أن نظرة ثاقبة على المجتمع الدولي تجعلنا ندرك أن معيار القوى العظمى قد اختلف فيها وأصبح يأخذ منحًا جديداً مختلفاً غير الذي كانت تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية وحدها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وما نجم عن ذلك من نظام دولي أحادي القطبية، غير أن التاريخ أثبت للجميع عبر الأزمنة أن دوام الحال من المحال وهو الأمر الذي أصبح واقعاً معاشاً في الإقليم العربي والخليجي، بل ومنطقة الشرق الأوسط برمتها والتي اتجهت نحو نظام متعدد الأقطاب أصبح لروسيا والصين فيه دوراً كبيراً وبارزاً وملموساً من الجميع وهو ما یمكن إيضاحه من خلال عرض المؤشرات التالية:
أولاً: بالنسبة لروسيا
- الدعم الروسي لنظام بشار الأسد في سوريا ضد مصالح واشنطن من ناحية، وضد المعارضة المسلحة من ناحية أخرى.
- تعد روسيا ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال الفترة 2009-2018م.
- محاولات الوساطة الروسية بين الرياض وطهران.
ثانياً: بالنسبة للصين
- طرحت من ناحيتها مبادرة الحزام والطريق والتي مهدت الطريق لتعزيز دورها في الشرق الأوسط حيث تعهدت بقرابة 23 مليار دولار لمنطقة الشرق الأوسط.
- العمل على زيادة نفوذها العسكري في المنطقة حيث سارعت بافتتاح أول قاعدة عسكرية بحرية خارجية لها في جيبوتي.
- تعزيز دورها الأمني من خلال قيام دول الشرق الأوسط باستخدام شركات الأمن الخاصة الصينية في حماية استثماراتها الاقتصادية في المنطقة.
القوة العظمى واستراتيجيات القوى الإقليمية
وإذا كانت الولايات المتحدة في النظام الأحادي القطب تعمل على تعزيز تواجدها في مناطق شتى من انحاء العالم فإنه من الأهمية بمكان معرفة الاستراتيجية التي ظلت تتبناها والتي یمكن تسميتها بــ "استراتيجية التوازن الخارجي" والتي تقوم على أساس مفاده: "المحافظة على هيمنتها في نصف الكرة الغربي، ومواجهة أي هيمنة محتملة في أوروبا وشمال شرق آسيا والخليج العربي" بما يضمن تقليل الأعباء الأمنية على واشنطن، وتعمل على تنفيذ تلك الاستراتيجية من خلال تشجيع البلدان الأخرى في كل نظام إقليمي على لعب دور قيادي في احتواء التهديدات الإقليمية، بينما ستتدخل الولايات المتحدة فقط عند الضرورة، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة تعتمد في المقام الأول على قوات الحلفاء الإقليميين كخط دفاع أول، مما يسمح لهم بالحفاظ على توازن القوى في جوارهم، على أن يبقى الجيش الأمريكي في عرض البحر لأطول فترة ممكنة، ومع ذلك، إذا فشل الحلفاء الإقليميون في الحفاظ على التوازن، فإن الجيش الأمريكي سيتدخل عسكريًا في عمليات محدودة، وينسحب في أسرع وقت ممكن.
ومن خلال العرض السابق یمكن استنباط حقيقة أن الاستراتيجية الأمريكية تلك مبنية على أن "توازن القوى" معيار أكثر منه نظام مهيمن، ومن هنا یمكن القول بأن الولايات المتحدة بكل تأكيد لا تملك وقف صعود قوى جديدة كما حدث فعلاً بالنسبة لروسيا والصين، ومن ثم وجدت نفسها أمام مجتمع دولي أكثر خطورة وتكلفة بالنسبة لها للحفاظ على سيطرتها مما يتطلب منها العمل وفق الاستراتيجية سالفة الذكر.
واستنادًا لجميع ما سبق یمكن استنتاج أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة هذه تعمل وفق المنهج التالي:
أولاً: قيام دول الخليج بتأسيس مظلة أمنية مستقلة عن الولايات المتحدة.
ثانيًا: استمرار الولايات المتحدة محاولة التواجد القوي للعمل على تحقيق أمن المنطقة.
ثالثًا: ستؤدي الاستراتيجية الأمريكية لإعادة توجيه تركيزها على شرق آسيا لاحتواء الصين، وضغطها على حلفائها في منطقة الخليج للعب دورًا أكبر في الدفاع عن مناطقهم، إلى تحالفات شبه عملية كشكل عملي ومرن من التحالف بين الولايات المتحدة وحلفائها في كلتا المنطقتين، وهو ما برز بالفعل واتخذ نحوه خطوات فعلية بتدشين استراتيجية "الاستدارة نحو آسيا" في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
غير أن وجهة النظر الخليجية قد ترى أن القوى العظمى حينما تتدخل لدى أنظمة خارج نطاقها الإقليمي بإمكانها فقط أن توفر الفرص للاعبين الرئيسيين في ذلك النظام الإقليمي مع الأخذ بعين الاعتبار أنه يتعين عدم إعطاء هذا الدور حجماً أكبر من المنوط به بالنظر إلى القيود التي تحد من سلطة تلك القوى على التأثير لدى أي نظام إقليمي وما يدلل على ذلك هو فشل الإدارة الأمريكية عبر سبعة عقود من الزمن في إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي على المثال لا الحصر.
وفي إطار ما سبق یمكن القول إن دول الخليج العربي تمثل في مجملها نظام إقليمي متماسك وما يدلل على ذلك أنه لا يمكن تحليل مشاكلهم الأمنية أو حلها بمعزل عن بعضها البعض، أضف إلى ذلك أن الدول العربية بوجه عام ودول الخليج بشكل خاص أضحت ترى ضرورة موازنة ذلك علاقاتها مع القوى العالمية الأخرى مع عدم التضحية بالعلاقات الطويلة والمصالح التي طوروها مع هذه القوى من أجل الحفاظ على علاقاتهم الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية فإنه من الأهمية بمكان السعي لتحقيق جملة الأمور التالية:
- تأسيس إطار مؤسسي رفيع المستوى بين الجانبين الأمريكي والسعودي يكون مهمته الأساسية إزالة أي شوائب قد تعكر صفو العلاقات بين الجانبين، وتحديد مجالات الاهتمام المشترك بحيث يضمن تحقيق أقصى قدر من الاستقرار في العلاقة بينهم.
- السعي نحو إيجاد استراتيجية دفاعية جديدة مع دول الخليج بهدف الدفع قدمًا بالشراكة الأمنية بين الجانبين بطرق تضمن تحقيق المبادئ الأساسية وتضع أهدافًا واضحة وقابلة للتحقيق.
- الاتفاق على خلق آلية قوية من شأنها إيقاف تهديد الصواريخ الحوثية والأنظمة الجوية غير المأهولة مع شركاء دول الخليج العربية لتزويدهم بالمعلومات والتحذيرات الفورية بشأن الهجمات.
- إنشاء بنية دفاعية جوية وصاروخية متكاملة في الخليج.
- التنسيق الدائم مع السعودية والإمارات للاتفاق على آليات ضمان إمدادات سوق الطاقة بالشكل الذي يخدم مصالح جميع الأطراف.
وفيما يلي رصد للدوافع الكامنة لإنشاء مظلة دفاعية أمنية لدول الخليج:
- التهديدات الأمنية المتعددة الأوجه التي تنطلق من إيران والتي یمكن حصرها من خلال النقاط التالية:
- صواريخ طهران الباليستية وبرنامجها النووي، الذي يمثل تهديداً ليس فقط لدول الخليج العربي، ولكن أيضًا لأوروبا والولايات المتحدة.
- سعي إيران لبسط هيمنتها على عدة دول عربية وتطويق دول الخليج العربي.
- هجمات إيران المباشرة على دول الخليج العربي والقوات الأمريكية في المنطقة سواء بشكل مباشر أو من خلال وكلائها.
ويوجد العديد من المؤشرات التي تؤكد هذه المخاطر والتي یمكن حصرها في النقاط التالية:
- استخدام طهران ميليشياتها الشيعية لحماية نفوذها الإقليمي والرد على العقوبات الأمريكية التي استهدفت قطاع الطاقة لديها، من خلال محاولة تعطيل صادرات النفط الخليجية، كما يتضح من هجومها على منشآت أرامكو النفطية السعودية في بقيق وخريص في سبتمبر 2019م.
- رعت طهران عددًا من الميليشيات في اليمن والعراق ولبنان وسوريا، وفي اليمن دعمت الحوثيين سياسيًا وعسكريًا في محاولة للسيطرة على صنعاء، وفي المقابل هدد الحوثيون، بتوجيه من الحرس الثوري الإيراني، الرياض وشنوا هجمات مختلفة باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الإيرانية.
- تفاقم النفوذ الإيراني المتصاعد بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م، حيث لم تكتف الولايات المتحدة بالقضاء على النظام المنافس الذي احتوى النفوذ الإيراني في المنطقة، بل سمحت أيضًا لعدد من الأحزاب السياسية الشيعية العراقية التابعة لإيران بالسيطرة على العراق، وقد حذر المسؤولون السعوديون واشنطن من زيادة النفوذ الإيراني في عراق ما بعد الحرب، لكن الولايات المتحدة فضلت تجاهل مثل هذه التحذيرات لفترة.
- في لبنان، ازداد نفوذ إيران من خلال دعم ميليشيات حزب الله التابعة لها، وتجلى ذلك في عام 2008م، عندما غزا حزب الله غرب بيروت، معقل السنة في العاصمة، مستخدماً أسلحة إيرانية، وأجبر محطة تلفزيونية فضائية متحالفة مع الحكومة على التوقف عن البث، وأحرق مكاتب فرعها للصحيفة، ولم يتم حل الأزمة إلا بعد منح حزب الله بوساطة قطرية حق النقض (الفيتو) على قرارات الحكومة الرئيسية، وهكذا حول حزب الله نفوذه العسكري إلى نفوذ سياسي معززًا النفوذ الإيراني على لبنان.
- في أعقاب الاضطرابات التي شهدتها سوريا في عام 2011م، ازداد نفوذ طهران على دمشق بشكل كبير بعد أن كان نظام بشار الأسد يعتمد على طهران، ثم موسكو، في مواجهة التهديد العسكري الذي تشكله قوات المعارضة، وكانت النتيجة أن أتاحت هذه الحرب لإيران الفرصة لتخصيص وحدات من الحرس الثوري الإسلامي لسوريا، ثم ما لبثت طهران أن حولت نفوذها العسكري إلى تأثير اقتصادي دائم من خلال توجيه الشركات الإيرانية للاستثمار في القطاعات الرئيسية بما في ذلك النفط والغاز والكهرباء والزراعة والسياحة والعقارات.
ويتضح مما سبق أن الدور الإيراني لم يقتصر على تعزيز وجودها الإقليمي ولكن تطويق دول الخليج من خلال الميليشيات المتحالفة معها، الذين كانوا على استعداد ليكونوا مجرد وكيل لها وما يدلل على ذلك التهديد من خلال استهداف الحوثيين للسعودية بأسلحة إيرانية الصنع، أبرزها الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار التي تمكنت من الوصول إلى العاصمة السعودية وفرضت تهديدًا كبيرًا على البنية التحتية النفطية في المملكة.
حاولت واشنطن إقامة شبه تحالف، لاحتواء نفوذ إيران الإقليمي وهو "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" (MESA) الذي تم الإعلان عنه لأول مرة خلال زيارة دونالد ترامب للسعودية في مايو 2017م، حيث سعى ترامب إلى إنشاء تحالفًا أمنيًا جديدًا موجهًا لمواجهة إيران وميليشياتها في المنطقة على أن يضم دول الخليج العربية الست، بالإضافة إلى الأردن، بعد انسحاب مصر من التحالف، يهدف إلى بناء قدرات دول الخليج لمواجهة إيران، ومعالجة المخاوف الإلكترونية، والهجمات على البنية التحتية، وتنسيق إدارة الصراع من سوريا إلى اليمن، غير أن هذا التحالف تأجل إطلاقه مرات عدة لمجموعة الأسباب التالية:
أولاً: تاريخيًا لم تتحقق معظم الجهود الإقليمية لإنشاء تحالف، سواء تحت مظلة جامعة الدول العربية أو أي منظمة إقليمية فرعية أخرى.
ثانياً: لا يشترك الأعضاء المفترضون في التحالف الجديد في تصور نفس التهديد المشترك فبينما تنظر مصر والأردن إلى إيران على أنها تهديد، إلا أنها لا ترى أنها تشكل تهديدًا وجوديًا لأمنهما القومي، كما ترى السعودية والإمارات والبحرين.
ثالثاً: سياسات بعض دول الخليج العربي تشير بوضوح إلى أنها لا تعتبر التحالف الجديد هو المظلة الدفاعية المناسبة لأمنها، وتسعى إلى تحالفات بديلة ويتجلى ذلك في توقيع الكويت وتركيا على خطة دفاع مشتركة في أكتوبر 2018م، وعقد اتفاق قطري / تركي في ديسمبر 2015م، تستضيف الدوحة بموجبه قواعد عسكرية تركية وهو ما يختلف مع وجهتي النظر السعودية والإماراتية التي ترى أن أنقرة تمثل تهديداً امنياً، وفي هذا الصدد بات يتعين على دول الخليج كي تتمكن من إنشاء المظلة الدفاعية الأمنية المشتركة بينها فعليها أن تقوم بجهود دؤوبة تمكنها أولاً من تحديد ماهية التهديدات الأمنية التي تقع على عاتقها، ثم الاتفاق على الآليات والنظم التي سيتم التوافق عليها فيما بين الدول الست لإنهاء تلك التهديدات.
رابعاً: التباين في الآراء بين الدول الخليجية إزاء بعض الملفات يعد واحداً من التحديات الرئيسية التي تواجه فعالية أي مظلة أمنية في المنطقة ويتجلى ذلك بوضوح في ملفات عدة من أبرزها على سبيل المثال لا الحصر طريقة التعامل مع حركة الإخوان المسلمين، أو التعامل مع القوى الإقليمية الأخرى مثل تركيا.
خامساً: عدم تناسق القوة فيما بين الدول العربية على وجه العموم ودول الخليج خاصة، فبنظرة ثاقبة نجد أن الجيوش العربية القوية تواجه العديد من المشاكل الاقتصادية التي تمكنها من الاضطلاع بأدوارها بكفاءة وفعالية، أما الجيوش العربية الأخرى الأقل قوة ولها إمكانات اقتصادية أضحت بحاجة ملحة للتدريب العسكري قبل أي وقت مضى، وبالتالي يمكننا القول إنه يتعين على الدول العربية كافة السعي نحو إيجاد نظام إقليمي عربي قوي من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية من منظور أن كلاهما يكمل الآخر ويبني عليه.
بقيت الإشارة في هذا الصدد إلى أن العلاقات بين دول مجلس التعاون بشكل عام والسعودية على وجه الخصوص وإيران قد شهدت في الآونة الأخيرة هدوءًا نسبياً في الأشهر الأخيرة على خلفية استضافة جمهورية العراق لخمس جولات من محادثات المصالحة وهو ما يعكس أنه ربما قد يكون هناك مؤشراً على تغير هذه العلاقة مع الأخذ في الاعتبار أنه ومنذ ذلك الحين تم إيقاف هجمات الحوثيين على السعودية في إطار الهدنة التي بدأت في أوائل أبريل الماضي، ويمكن القول إنه واقعياً يتضح أن الدول العربية أضحت الآن تتعامل مع إيران عن طريق سياسة الاحتواء وهو ما سينعكس بالتأكيد على إيران التي يتوقع أنها ستقوم بإجراء تغييرات ملموسة في سلوكها الإقليمي، لا سيما تلك التي تعرض المصالح العربية ومخاوف الأمن القومي للخطر.
وتجدر الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية أقامت مع الإمارات العربية المتحدة ومصر، العديد من التحالفات الأمنية المستقلة، بما في ذلك "التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن" و "التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب"، والتي تهدف في المقام الأول إلى مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وقد كرس مجلس التعاون الخليجي جهوده لإنشاء مؤسسات أمنية إقليمية.
ويقودنا الحديث السابق للتطرق إلى أمن الملاحة في الخليج العربي ومدى أهمية إنشاء تحالف من القوات البحرية لأمن الملاحة في الخليج العربي بوصفه خطوة مهمة لمواجهة التهديدات الأمنية البحرية، وهي المسألة التي قد ترى دول الخليج أنه يتعين على الولايات المتحدة المضي قدما لبناء تحالف بحري موسع يضم جميع الدول التي لها مصالح حيوية في منطقة الخليج العربي، وما قد يتطلبه ذلك من صدور قرار من الأمم المتحدة يعمل كركيزة دولية لطبيعة هذ التحالف والغرض منه، بحيث يتحقق هدف تأمين الملاحة البحرية وحماية مصالح جميع الدول في نفس الوقت.
غير أن تشكيل هذا التحالف العسكري البحري لأمن الملاحة في الخليج العربي قد يواجه عدداً من الصعوبات التي تواجه عمله في كافة النواحي المتعلقة بالقدرات البحرية المطلوبة، والمواقف المتباينة للقوى الدولية فيما يتعلق بالانضمام إلى ذلك التحالف، والرؤى المختلفة للدول للعمل من خلال الائتلافات، وكذلك المتطلبات المالية اللازمة لعمل التحالف، وأيضاً قضية تحديد مواقع السفن التي يمكنها القيام بمهمة حماية ناقلات النفط الخليجية ضمن الدعم اللوجستي المطلوب في هذا الصدد، والأساس القانوني لعمل التحالف.
ولكن من الأهمية بمكان في هذا الصدد التأكيد على أهمية تكافئ القدرات البحرية بين إيران ودول الخليج، وهذا بدوره يتطلب أن تعمل هذه الدول وفق مسارين متوازيين، وهما تطوير قدراتها البحرية الخاصة، واستمرار التحالفات مع القوى الكبرى لضمان أمن الملاحة في الخليج العربي، وفي هذا الإطار قد ترى دول الخليج أنها أضحت في حاجة ماسة نحو زيادة عدد المركبات المائية الخاصة بها بحيث تساوي او تفوق عدد المركبات الإيرانية، جنباً إلى جنب مع تأسيس وإنشاء منصات حرب ألغام وزيادة عدد البحارة والسفن، بالشكل الذي يمكن دول الخليج العربي بمفردها ممارسة الردع البحري ضد التهديدات الإيرانية للملاحة البحرية.
ومن اللافت هنا توجيه الحديث نحو تحديات توظيف التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي، في الأمن البحري، وذلك من منظور أن التفوق العسكري التقليدي المطلق لم يعد معيار القوة العسكرية، بل بالأحرى التسلح النوعي الذي يشهد انعكاسًا واضحًا للثورة التكنولوجية، فالاهتمام الآن بدأ ينصب بموضوع بالسفن الذكية وذلك بالنظر إلى حجم المخاطر المترتبة على موضوع الأمن السيبراني والتي قد تمتد لتشمل شل حركة الموانئ بأكملها لعدة أيام.
أضف إلى ما سبق أن الجماعات الإرهابية أصبح لديها القدرة اليوم على اختراق عمل رادارات أنظمة دفاع السفن وهو ما يستدعي تطوير أنظمة رادار بحرية عالية التقنية، أخذاً في الاعتبار احتمالية عودة بعض الدول إلى استخدام التكنولوجيا اللاسلكية التي كانت مستخدمة خلال الحرب العالمية الثانية، وجميع ما سبق يؤكد أن تحدي التعليم في المجال البحري بالنسبة لدول الخليج بات من الأهمية بمكان المضي به قدمًا من خلال تعزيز مؤهلات الموارد البشرية العاملة في هذا المجال.
وإجمالاً یمكن القول إن دول الخليج باتت تمتلك التجهيزات اللازمة للتعامل مع أي تهديد أمني قد يلاحقها بما لديها من إمكانات وقوة عسكرية هائلة، ولكن علينا ان نتذكر دائماً وأبداً أن التهديدات الأمنية الحالية بطبيعتها سريعة التطور وهو ما يتطلب تطوير القدرات التدريبية لدول مجلس التعاون الست على كافة المعدات المتطورة ومنصات الأسلحة لضمان تشغيلها واستخدامها بأمان وفعالية وبالشكل الذي يحقق الأهداف من امتلاكها للعمل كمظلة دفاعية أمنية عن دول الخليج دون استعداء أي طرف، لكن يتعين الإشارة أن هذا التدريب يحتاج إلى بيئة متعددة المجالات ونهجًا أكثر تكاملاً وشمولية يستخدم تقنيات مثل الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي، على أن يتم إعادة تقييم هذا التدريب على أوسع نطاق لضمان كونه يعمل على دمج تحليلات البيانات في تدريب واقعي لإنشاء نظام بيئي غامر رقميًا، يتم استخدامه كأداة للمساعدة في إعلام الحكومات ودعمها بشأن سياسة الدفاع الوطني أو تحليل مسار العمل من خلال تقديم البرامج التي تستند بالأساس على الصراع أكثر من المتدرب ذاته.
وخلاصة القول أنه یمكن استنتاج أن المظلة الدفاعية الأمنية لدول الخليج هي بحاجة أكثر من أي شيء لتحديد أولويات مشاريع التدريب والحلول مع المضي قدما بتطوير الخبرات اللازمة في مجال الدفاع عبر المجالات المختلفة بما يشمله ذلك من المجال الجوي والأرضي والبحري والفضائي والإلكتروني على اعتبار أن هذه هي الطريقة المثلى لحماية منطقة الخليج برمتها بشكل أفضل من تهديدات الحياة الواقعية انطلاقاً من فرضية مفادها استمرارية المشهد الاجتماعي والسياسي في المنطقة في التحول السريع وغير المتوقع وذلك لتحقيق الاستفادة القصوى من المعدات العسكرية التي تحتاج أموالاً باهظة لشرائها من خلال الاستثمار في التدريب كما أشرنا بوصفه أولوية مطلقة.
*مسؤول ملف الاستثمار بجامعة الدول العربية