لم تُسفر زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط عن الكثير، لكن التوقعات التي سبقت الزيارة لم تتنبأ عن خروجها بنتيجة إيجابية نظرًا للتوتر الذي يسود العلاقات بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي منذ تنصيب بايدن رئيسًا للولايات المتحدة.
وشهدت الزيارة التي استغرقت يومين إلى جدة واختتمها الرئيس الأمريكي في 15 يوليو لقاء بايدن بالقيادة السعودية وعلى رأسها الملك سلمان ثم تلتها لقاءات مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق ضمن فعاليات قمة جدة للأمن والتنمية، ومنذ البداية، حظيت الزيارة بتغطية إعلامية مثيرة للجدل خاصة بعد وصف بايدن السابق للمملكة بأنها دولة منبوذة وكيف أنه يستهدف منذ توليه الرئاسة إعادة تقويم العلاقة معها، لذا فقد تسببت الضجة الإعلامية في غياب تسليط الضوء على الكثير من القضايا الجوهرية التي نوقشت خلال اجتماعات القمة، خاصة تلك الضجة التي حظي بها لقاء الرئيس بايدن وولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان.
وأخفقت الزيارة في تلبية توقعات الكثيرين، فبينما خرجت القمة بنتائج مثل فتح الأجواء السعودية أمام الطائرات المدنية المتوجهة إلى إسرائيل والقادمة منها في جزر تيران في البحر الأحمر والتعاون الثنائي الجديد بشأن شبكات الجيل الخامس/الجيل السادس، إلا أن تلك النتائج وصفت بأنها أقل بكثير مما كان مأمولًا.
لكن الزيارة ورُغم ذلك عانت من توقعات غير واقعية منذ بدايتها، حيث توقع العديد من المحللين أن تستهدف الاجتماعات إعادة المعايرة الكاملة للعلاقة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي أو الإعلان عن إنشاء شبكة تحالف في المنطقة تتضمن إسرائيل، إلا إنه من المفترض تحليل الزيارة في سياق ما توفره من فرص للجانبين من خلال استكشاف الخيارات المتاحة بشأن العديد من القضايا مثل الطاقة، واتفاقات أبراهام، وإيران، والصين، والأزمة الأوكرانية.
وما نستخلصه من ذلك أن وجهة النظر القائلة إن العلاقات الأمريكية ـ السعودية والعلاقات الأمريكية مع دول مجلس التعاون الخليجية في أزمة هي وجهة نظر مبالغ فيها للغاية.
وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، أوضح الرئيس بايدن في مقال رأي نُشر في صحيفة واشنطن بوست في 9 يوليو أن الهدف من الرحلة كان "إعادة توجيه العلاقات - وليس قطعها - مع دولة لطالما كانت شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة لمدة 80 عامًا".
ومنذ تولي بايدن رئاسة الولايات المتحدة، تبنت واشنطن وجهة نظر متشككة تجاه تفاعلها ومشاركتها في المنطقة، حيث دعت إلى "إعادة تقويم" العلاقة مع المملكة العربية السعودية، وتعهدت بإعادة فتح المحادثات مع إيران حول خطة العمل الشاملة المشتركة، وكذلك وقف تسليم الإمدادات العسكرية كوسيلة لإنهاء الحرب في اليمن. تم تلقي الرسائل بقدر كبير من الشك في عواصم الخليج.
وجاءت القمة بمثابة فرصة أمام بايدن لاتباع نهج أكثر واقعية في العلاقات الثنائية بين البلدين، لكن الرئيس بايدن نفسه لم يبد أنه يشعر بالارتياح بعد الإخفاق في تحقيق الغرض من الزيارة وعدم الإفصاح كليًا عن الأهداف النهائية لها، فبشكل عام، بدا بايدن كأنه لا يُريد المشاركة في القمة.
وفي ختام اللقاء، لم تُحقق القمة أي اختلاف حقيقي في الآراء أو التوقعات المستقبلية كما لم تُحقق سوى قدر ضئيل للغاية من التقارب بين الجانبين، وما يُمكن قوله بشكل واضح أن الزيارة أبقت على الوضع الراهن بين الجانبين في أن الولايات المتحدة هي الشريك الأهم لدول مجلس التعاون الخليجي ولكنها بالتأكيد ليست الشريك الوحيد.
بيئة أمنية خليجية متغيرة
سعت دول مجلس التعاون خلال القمة الخليجية إلى الحصول على رسائل مطمئنة كما حدث في السابق من الولايات المتحدة لتُزيل شكوكها المستمرة حول مستوى التزام واشنطن بأمن دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك على خلفية تخوف دول المنطقة من الانسحاب السريع لأمريكا من أفغانستان في أغسطس 2021م، وعدم تعليق الولايات المتحدة على كل من الهجمات على منشآت النفط السعودية من قبل إيران أو الجماعات المدعومة من إيران في سبتمبر 2019م، والضربات الصاروخية والطائرات بدون طيار على الإمارات في أوائل عام 2022م، والتي كشفت ضعف المنطقة وزادت من الشكوك حول مدى اعتمادية دول المنطقة على الولايات المتحدة في الدفاع الخارجي عنها.
ومع السعي الخليجي للحصول على تطمينات ملموسة من واشنطن بشأن التزامها بضمان الاستقرار والأمن الإقليميين، قال بايدن ""اسمحوا لي أن أوضح أن الولايات المتحدة ستظل شريكًا فاعلًا ومشاركًا في الشرق الأوسط" و "أن الولايات المتحدة لن تذهب إلى أي مكان".
ورغم تصريحات بايدن، إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي تنظر إلى رئاسة بايدن إلى حد ما على أنها استمرار لإدارة أوباما التي تلقوا خلالها رسائل مفادها أن الوقت قد حان للمنطقة لتعلم كيفية "مشاركة جيرانها" وعدم انتظار الولايات المتحدة لحل أو احتواء أي من النزاعات الدائرة بها، لذا فقد أخفقت تصريحات بايدن في تبديد رؤية المنطقة حول ما أصبحت واشنطن مستعدة له حقًا عندما يتعلق الأمر بأمن منطقة الخليج.
والحقيقة هي أن الولايات المتحدة لم يعد يُنظر إليها باعتبارها الراعي الوحيد للأمن الإقليمي، حيث أصبح الخليج يتميز بالتعددية القطبية لما به من مراكز قوى سياسية متداخلة، وأصبح السؤال الرئيسي المتبقي حاليًا هو حول قدرة الولايات المتحدة على إعادة بناء صورتها باعتبارها لاعب رئيسي بناء في الشرق الأوسط أم لا.
ورُغم ذلك، فقد أصبحت الحاجة إلى اتباع نهج بديل لسياسة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط هو أمر ضروري للغاية، وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، تدفع نتائج القمة دول الخليج إلى توسيع استقلاليتها وزيادة الاعتماد على الذات فيما يتعلق بالعلاقات الدولية، فعلى سبيل المثال، يدور الحوار مع إيران حول حل القضايا الثنائية مع طهران وكذلك توفير تواصل مباشر خارج تلك القنوات التي تشرف عليها وتسيطر عليها واشنطن.
أضف إلى ذلك، أن دول مجلس التعاون الخليجي هي التي قادت سياسات خفض التصعيد الأخيرة فيما يتعلق بإيران وتركيا وإسرائيل، وليس واشنطن، لذا، فقد أبرزت القمة أن الدور والفاعلية التي تلعبها دول الخليج العربي لا يزالان يتجاهلان الولايات المتحدة، ما جعلت زيارة بايدن تؤكد ليس فقط على الأهمية المتزايدة لهذه البلدان فحسب ولكن أيضًا على استعدادها لفعل أي شيء من أجل ضمان أمنها.
وقد يُبرهن ما ورد أعلاه إلى إمكانية تطور تلك المحادثات الخليجية إلى تحالف إقليمي محتمل ضد إيران (يُشار إليه باسم تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط مع إدراج إسرائيل لمواجهة التهديد الصاروخي الإيراني) أو إحياء فكرة التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط التي رُوج لها في عهد الرئيس ترامب، والتي وصفها البعض بحلف الناتو العربي.
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في المؤتمر الصحفي لقمة جدة للأمن والتنمية "لا توجد خطط لتكوين حلف ناتو عربي"، بينما أعلن المستشار الرئاسي لدولة الإمارات العربية المتحدة أنور قرقاش أن تكوين ناتو عربي هو مبدأ "نظري" وأن المواجهة هي ليست من خيارات الإمارات على الإطلاق.
وواصل قرقاش القول "نحن منفتحون على التعاون، ولكن ليس ذلك النوع من التعاون الذي يستهدف مواجهة أي دولة أخرى في المنطقة وأنا أذكر إيران على وجه التحديد" وأكد "الإمارات لن تكون طرفًا في أي مجموعة من الدول التي تسعى إلى المواجهة".
لذلك، أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي يحافظان على درجة من التوقعات الاستراتيجية المختلفة بناءً على المصالح والأولويات المختلفة، ومع ذلك، لا بد أيضًا من التأكيد على أن العلاقات مع الولايات المتحدة لا تزال ضرورية؛ حيث لا تزال الولايات المتحدة بالتأكيد الشريك الأمني الذي لا غنى عنه لدول الخليج العربي، لكن الاختلاف الوحيد الحالي مقارنة بالفترات السابقة هو أن الولايات المتحدة لم تعد تحتكر العلاقات الأمنية؛ حيث أصبح مفهوم إعادة المعايرة التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي في بداية تقلده للحكم جزءًا من نهج دول مجلس التعاون الخليجي.
ويتضح ذلك جليًا في قضية إسرائيل، فبينما وضع بايدن كثير من القضايا المتعلقة بإسرائيل في أجندة زيارته إلى الشرق الأوسط، من خلال التركيز على التطبيع، لم يُقدم أي حلول مفيدة للقضية الفلسطينية ولم يكن هناك أي ذكر لمبادرة السلام العربية ولا مبادرة جديدة للسلام من قبل الإدارة الأمريكية أو أي انتقاد لسياسة إسرائيل الاستيطانية، وبدلاً من ذلك، فقد أكدت الزيارة مرة أخرى أنه بالنسبة للولايات المتحدة، تمتلك إسرائيل الحق دائمًا في التهرب من المنظور الأخلاقي المطبق على الآخرين.
وبينما أشاد الوفد الأمريكي مرارًا وتكرارًا بقرار الرياض فتح مجالها الجوي أمام أي رحلة تجارية، أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بسرعة أن القرار "لا علاقة له بالعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل" وأنه "ليس بأي حال من الأحوال مقدمة لأي خطوات أخرى" نحو التطبيع، وهو ما يتناقض مع الإطار الذي وضعه الرئيس بايدن بقوله إن "هذه هي الخطوة الملموسة الأولى على طريق ما آمل أن يكون في نهاية المطاف تطبيعًا أوسع للعلاقات" بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، أو توصيف رئيس الوزراء الإسرائيلي لابيد الذي رحب بالخطوة باعتبارها "الخطوة الرسمية الأولى في التطبيع مع السعودية".
وعلى غرار ذلك، ففي حين صرح وزير الخارجية السعودي بأنه "لا يوجد نقاش حول تحالف دفاعي خليجي-إسرائيلي أو أي شيء من هذا القبيل"، ادعى وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس أن مثل هذا التحالف "قيد التنفيذ بالفعل".
أزمة الملف النووي الإيراني
وفيما يتعلق بإيران، أخطأت إدارة بايدن إلى حد كبير في التعامل مع المفاوضات النووية الإيرانية ولم ترد أخبار حول قضية إيران وآفاق خطة العمل الشاملة المشتركة خلال الزيارة.
وبشكل عام، يبدو أنه لا يزال من غير الواضح ما هي استراتيجية الرئيس تجاه إيران – سواء الدمج أو الاحتواء المتزايد؛ فمن ناحية، صرح الرئيس بايدن بأنه عازم على منع إيران من امتلاك سلاح نووي "خلال فترة حكمه"، في حين أن الاتفاق الأمني الموقع أثناء وجوده في إسرائيل ألزم الولايات المتحدة بعدم السماح لإيران أبدًا بامتلاك سلاح نووي، ومن ناحية أخرى، كرر الرئيس بايدن اقتناعه بضرورة متابعة السبل الدبلوماسية مع طهران.
ومع ذلك، فإن عدم وضع خطة بديلة لما يجب فعله مع طهران في حال انهيار خطة العمل الشاملة المشتركة يكشف حالة التردد التي تُصيب دول مجلس التعاون الخليجي في اعتزامها تكوين تحالفات أوسع نطاقًا ضد إيران، خاصة في ظل التصريح الإماراتي الذي يؤكد أنها لن تكون جزءًا من أي تحالف عسكري إقليمي يستهدف أي دولة بعينها.
وعلى الجانب الآخر، تواصل إيران التأكيد على استعدادها للتحرك ضد دول مجلس التعاون الخليجي، منوهة بأن ردها الحاسم سيكون موجهاً نحو "الأهداف الأقرب منها التي يمكن الوصول إليها"، ما يُقصد به تهديدًا مباشرًا لدول مجلس التعاون الخليجي.
العلاقات الخليجية ــ الصينية
وبالنسبة للصين، تصر واشنطن على ضرورة أن تلعب دول مجلس التعاون الخليجي دورها في مواجهة صعود الصين والحد من نفوذها، خاصة بعد توصيف الصين باعتبارها تهديدًا متزايدًا في أحدث وثيقة استراتيجية لحلف الناتو، ومع ذلك، فإن المصالح الوطنية لدول مجلس التعاون الخليجي ستستهدف الحفاظ على العلاقات التجارية وغيرها من العلاقات مع الصين.
وصرح وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير بعد زيارة الرئيس الأمريكي أن المملكة ستواصل تعزيز علاقاتها بقوله "نحن نبني جسورًا مع الجميع ونريد أن نكون قادرين على التعامل مع الجميع"، ومع ذلك، كان بايدن واضحًا للغاية عندما قال "لن نغادر ونترك فراغًا تملأه الصين أو روسيا أو إيران".
ومن منظور دول مجلس التعاون الخليجي، هناك أيضًا وعي واضح بأن الصين وروسيا لا يمكن أن تحل محل العلاقة القائمة منذ عقود مع الولايات المتحدة.
الصراع الروسي ـ الأوكراني
وبالنسبة للغزو الروسي لأوكرانيا، فلقد تسبب للمرة الأولى في حدوث احتكاكات بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على وجه التحديد؛ حيث أنها المرة الأولى منذ عقود التي يتأثر فيها المسار الأمني والاقتصادي في الخليج بنزاع خارج منطقته الجغرافية، فقد كانت واشنطن واضحة في أنها لا تتفق مع امتناع الإمارات عن قرار مجلس الأمن الدولي الأول الذي يدين الغزو أو على قرار كل من السعودية والإمارات بعدم زيادة إنتاجهما النفطي والتخلي عن اتفاق أوبك+ مع روسيا.
ووجد الجانبان كلاهما مضطرين للتكيف مع واقع تداعيات الحرب على أوكرانيا، خاصة بالنظر إلى حقيقة أن الحرب يمكن أن تستمر لبعض الوقت، ونتيجة لذلك، يمكن للعقوبات ضد روسيا أن تظل سارية بشكل متساوٍ لفترة طويلة، وهو ما يعني في المقام الأول أن دول مجلس التعاون الخليجي عليها أن تُساعد نفسها بنفسها.
العلاقات الخليجية ـ الروسية
وبالنسبة لروسيا، شهدت القمة تركيزًا على القضايا الثنائية بدلًا من السعي نحو تأسيس نهج أوسع نطاقًا وأكثر استراتيجية، خاصة في ظل انخفاض تكلفة إمكانات إمدادات الأسلحة الروسية بأقل بكثير من المعدات الأمريكية وكذلك نظرًا لحقيقة أن روسيا تقف على أهبة الاستعداد لدعم دول مجلس التعاون الخليجي في إنشاء قاعدة صناعية عسكرية، وهما المجالان المهمان اللذان حظيا بتأييد داخل دول مجلس التعاون الخليجي.
وعلى الجانب الآخر، هناك جبهة الطاقة التي تحاول كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية توضيح التزامها المستمر بالتمسك بإطار أوبك+ ومقاومة ضغط الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الأوروبية من أجل ضخ زيادات فورية في الإنتاج، حيث ترى دول مجلس التعاون الخليجي أنه من المهم الحفاظ على العلاقات مع موسكو لأن الانقطاع المفاجئ في العلاقات قد يكون له عواقب سلبية مباشرة على دول مجلس التعاون الخليجي، على سبيل المثال على الجبهة السورية والإيرانية، حيث تحتفظ روسيا بدرجة من النفوذ، أو اقتصاديًا من حيث زيادة عدم استقرار سوق النفط العالمي.
ومع استمرار الحرب الروسية ـ الأوكرانية، تقلصت المصالح الرئيسية بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي من حيث التعاون في سياسة الطاقة والاستثمار والوصول إلى التكنولوجيا العسكرية الروسية والتنسيق في الجغرافيا السياسية.
زيارة بلا نتائج ملموسة
وبعيدًا عن القضايا الإقليمية المثيرة للقلق، لم تُسفر زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة عن نتائج ملموسة، فعلى صعيد الطاقة لم يتوصل الجانبان إلى اتفاق يُذكر، في الوقت الذي تحتاج فيه إدارة بايدن إلى دعم الخليج في أسواق الطاقة العالمية ليس فقط من أجل خفض أسعار الطاقة المرتفعة ولكن أيضًا للحفاظ على الضغط الاقتصادي على روسيا، وذلك بالرغم من أنه من غير الواضح مدى تأثير أي زيادة محتملة في الإنتاج على بيئة الأسعار عالميًا.
ونتيجة لذلك، فأقصى ما توصل له الرئيس الأمريكي هو ما ذكره في بيانه الصحفي في 16 يوليو "أننا نتفق على الحاجة إلى ضمان إمدادات كافية لتلبية الاحتياجات العالمية"، وهو ما ذُكر في بيان جدة المشترك بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة "نُعيد التأكيد على الالتزام بضمان توفير سوق طاقة عالمي مستقر" مع ترحيب الولايات المتحدة "بالتزام المملكة العربية السعودية بدعم أسواق النفط العالمية بهدف تحقيق التوازن في النمو الاقتصادي المستدام".
وعلى جانب آخر، وقع الجانبان على اتفاقيات ثنائية من بينها اتفاقية إطار شراكة جديدة لتعزيز الطاقة النظيفة، وهي اتفاقية لربط شركات التكنولوجيا الأمريكية والسعودية في تطوير ونشر تكنولوجيا الجيل الخامس/الجيل السادس، واتفاقيتان بشأن الأمن السيبراني والتعاون في مجال الصحة العامة.
ومن المجالات الأخرى ذات الأهمية قضية تعزيز التعاون الأمني البحري، حيث أكدت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية مجددًا التزامهما بالحفاظ على التدفق الحر للتجارة عبر باب المندب ومضيق هرمز من خلال فرقة العمل المشتركة 153 المنشأة حديثًا، وكذلك التوصل إلى قرار تولي المملكة العربية السعودية قيادة فرقة العمل المشتركة 150 في خليج عمان وشمال بحر العرب.
وفي الختام، أكدت زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية على أهمية العلاقات بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، لكنها لم تُسفر عن أي نتائج ملموسة حول احتمالية تكوين تحالف دفاعي إقليمي، أو ابتعاد دول مجلس التعاون الخليجي عن الصين وروسيا، أو في عملية التطبيع مع إسرائيل، أو من حيث زيادة إنتاج النفط، ومع ذلك، لن يُمكننا القول أن الزيارة كانت فاشلة، فما تم تحقيقه هو ببساطة ما كان مُتاحًا من البداية في ظل الظروف الواقعية الحالية.
ولقد أكدت الزيارة اعتراف الرئيس الأمريكي بأهمية دول مجلس التعاون الخليجي، وأظهرت القمة أن هناك اتفاقًا واسعًا بين الجانبين على التهديدات المشتركة التي يواجهها جميع الشركاء، إلا أن ما يظل مفقودًا حتى الآن هو إيجاد رؤية مشتركة حول أفضل السبل لمواجهة هذه التهديدات والقضاء عليها.