وضعت الحرب الروسية على أوكرانيا الأسواق الدولية للنفط والغاز على مفترق طرق، فبعد أن كانت الأسواق تميل إلى تحرير أسواق النفط والغاز من الاعتبارات السياسية وزيادة الاعتماد على آليات السوق لتحديد أسعار منتجات الطاقة، وذلك في سياق عملية العولمة، ورُغم تأثير بعض القضايا السياسية على التجارة الدولية للنفط والغاز خاصة في فرض جزاءات على بعض الدول المصدرة للنفط، إلا إن هذه الاعتبارات ظلت دائمًا بمثابة استثناءات مؤقتة في سياق تجارة دولية تحكمها في الغالب قوى السوق، إلا إنه بعد شن موسكو لحربها على أوكرانيا، ونظرًا لأهمية روسيا كمصدر للنفط والغاز عالميًا، فلم يعد الحال كما هو عليه، بل قد برزت الاعتبارات السياسية مرة أخرى وأضحت الأسواق تُقسَم على أسس سياسية.
وفي اليوم الذي اجتازت فيه القوات الروسية الحدود الأوكرانية، اتضح للاتحاد الأوروبي فجأة اعتماده المفرط على النفط والغاز الروسي، فعلى مدى السنوات الخمسين الماضية، صاغت الدول الأوروبية سياساتها على أساس الاقتناع بأن الترابط الاقتصادي المتزايد من شأنه أن يُرسخ أسس توطيد العلاقات السلمية بين الدول.
وفي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كانت هذه نقطة خلاف قوية بين الولايات المتحدة وحلفائها عبر المحيط الأطلسي حيث اتهمت الولايات المتحدة بعض الدول الأوروبية بالإفراط في الاعتماد على منتجات الطاقة الروسية (وخاصة ألمانيا وإيطاليا)، أما في الآونة الأخيرة، فقد دار نقاش حاد حول خط أنابيب نورد ستريم 2، الذي دافعت عنه الحكومة الألمانية بقوة مُرتكزة على حجتها بأنه كان مشروعاً تجاريًا وليس سياسيًا.
وعلى مدار سنوات، تعزز الاعتقاد بأن التجارة ستسمح في نهاية المطاف بالتغيير السياسي، وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وحتى المقاومة في مواجهة حلقات متكررة من السياسات المارقة من جانب إدارات بوتين المتعاقبة. لكن الحرب الأوكرانية أظهرت أن الاعتماد التجاري المتبادل بين الدول لم يعد ضمانًا للسلام، ولا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتجاهل أن المدفوعات مقابل واردات النفط والغاز تشكل المصدر الرئيسي للإيرادات للحكومة الروسية.
وكان الارتفاع المُفرط لاعتماد الدول الأوروبية في وارداتها من النفط والغاز على روسيا هو نتيجة لعملية تحرير أسواق الغاز الأوروبية، والتي أظهرت صمودًا ملحوظًا في الاضطرابات التي شهدها العالم سابقًا بسبب الصراعات، ما دعم الاعتقاد بأن أي تدفق حالي للنفط سيمكن استبداله بسهولة وسرعة في حال الحاجة لذلك، ولكننا اكتشفنا الآن أن هذا التصور قد لا يكون متاحًا دائمًا؛ فلقد تسببت عملية تحرير أسواق الغاز عالميًا في وقف احتكارات شركات الغاز الوطنية سابقًا.
ففي السابق، امتلكت شركات الغاز الوطنية في الاتحاد الأوروبي رقابة مشددة على أسواق بلادها وقدرة على التفاوض على عقود استيراد كبيرة والتركيز على تنويع الموردين وأمن الإمدادات، فيما كانت جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا في الوقت الحالي على الغاز الروسي بمثابة أعضاء في مجال النفوذ السوفيتي؛ فالدولتان "الغربيتان" ألمانيا وإيطاليا، الأكثر اعتمادًا على الغاز الروسي، كانت لديهما في السابق إمدادات أكثر تنوعًا واحتفظتا آنذاك بمخزونات استراتيجية كبيرة خلال سيطرتهما على أسواقهما الوطنية، غير ان مستوى اعتمادهما على روسيا قد ازداد بشكل كبير للغاية خلال السنوات العشرين الماضية.
وتسببت احتكارات الشركات الوطنية في السابق في وضع تكاليف إضافية على الغاز مرتبطة بتنويع المصادر وتأمين التخزين الاستراتيجي للمستهلكين النهائيين، الذين يضعون آمالًا كبرى على أمن الإمدادات.
وبعد فتح الدول الغربية أسواقها أمام التنافس والمنافسة، اضطرت جميع الشركات الوطنية للغاز إلى تقليل التكاليف إلى الحد الأدنى، وعندئذ تمكنت شركة غازبروم، شركة الغاز الاحتكارية الروسية، من زيادة حصتها في السوق من خلال الاندماج في السوق الروسية (من خلال الاستحواذ على شركات التوزيع وخطوط الأنابيب ومرافق التخزين) وطرح الغاز بأسعار تنافسية إلى المستوردين المستقلين.
وخاضت المفوضية الأوروبية معركة طويلة لإجبار شركة غازبروم على التصرف بشكل تنافسي، وفي نهاية المطاف أجبرت الشركة الروسية على التخلي عن بعض ممارساتها السابقة التي تهدف إلى تأليب عميل محتمل ضد الآخر، وفرض شروطها على الجميع، ورُغم ذلك، فلقد تمكنت الشركة الروسية من جعل نفسها المورد الهامشي الأقل تكلفة للسوق الأوروبية، وبالتالي تمكنت من منع المصدرين المحتملين الآخرين من الحصول على حصة في السوق.
وأكدت المفوضية الأوروبية آنذاك أنه لا ينبغي أن يكون هناك قلق بشأن أمن الإمدادات، لأن سوق الغاز الأوروبية الموحدة والمتكاملة ستكون جذابة للغاية لدرجة تجعل جميع مصدري الغاز المحتملين راغبين في بيع الغاز في السوق الأوروبية، وستصبح أوروبا عندئذ "الملاذ الأخير" للمصدرين، ما سيجعلها ستتمتع أيضًا بأسعار منخفضة للغاز المستورد.
وفي واقع الأمر، لقد أصبحت السوق الأوروبية حقًا الملاذ الأخير لتجارة الغاز الطبيعي المسال عالميًا، لكن هذا لم يؤد بالضرورة إلى انخفاض الأسعار؛ فكلما كانت إمدادات الغاز الطبيعي المسال العالمية متوافرة، تنخفض الأسعار في أوروبا بشكل ملحوظ، ولكن إذا كان توافر الغاز الطبيعي المسال محدودًا، فسوف ترتفع الأسعار إلى مستويات قياسية، ما ضمن نجاح هذه السياسة حقًا في تأمين المعروض (إن كان ذلك بسعر مرتفع عند انخفاض العرض).
لكن الحرب الأوكرانية أثارت شأنًا آخرًا، وهو أن الأمر لا يتعلق بأمن الإمدادات فقط (حيث ظل الغاز الروسي متاحًا على الرغم من المشاحنات حول العقوبات والدفع بالروبل) بقدر ما يتعلق بالإيرادات التي تجنيها الحكومة الروسية من صادرات الغاز، وبالتالي، يمكن القول إن استراتيجية الاتحاد الأوروبي لتحرير الغاز على مدى السنوات الـ 25 الماضية قد حققت أهدافها، ولكن الهدف قد تغير الآن؛ حيث أصبح الشاغل الجديد للقارة الأوروبية هو الحد من الفائدة المالية التي تجنيها الحكومة الروسية من صادرات النفط والغاز، وهو شاغل نشأ بسبب السلوك العدواني الروسي ليتفوق على المخاوف السابقة بشأن إمدادات النفط والغاز، وهو شاغل لن يختفي في أي وقت قريب، بغض النظر تمامًا عن تطور الصراع الروسي الأوكراني على أرض الواقع.
والآن، يعتزم الاتحاد الأوروبي إنهاء وارداته من النفط والغاز من روسيا أو على الأقل تقليصها بشكل جذري، في الوقت الذي تأمل فيه موسكو إعادة توجيه بعض نفطها على الأقل إلى عملاء أكثر بعدًا، خاصة في القارة الآسيوية، إلا إنه من المرجح أنها لن تكون قادرة على الحفاظ على نفس المستوى من الصادرات، وقد تضطر في النهاية إلى خفض إنتاجها، ما سيجعل حقول النفط الروسية في النهاية غير قادرة على التعافي بسهولة وبشكل كامل إذا كان لا بد من وقف الإنتاج بها وستُصبح فيه هذه الخسارة أحد الخسائر المتسارعة في الطاقة الإنتاجية العالمية للنفط، في وقت يستمر فيه الطلب العالمي في الزيادة.
وفيما يتعلق بالغاز، لا تمتلك روسيا بديلًا فوريًا لاستبدال الأوروبيين بعملاء في مناطق أخرى من العالم، لأن البنية التحتية القائمة تربط حقول غرب سيبيريا بأوروبا فقط، فيما يتطلب إرسال الغاز نفسه إلى الصين استكمال خط أنابيب بديل، والذي سيستغرق خمس سنوات على الأقل ولا يمكن أن يوفر طاقة استيعابية مماثلة، مع احتمال وضع فرضية أن الصين ستكون مستعدة لقبول مستوى عال جدًا من الاعتماد على الإمدادات الروسية، وهو أمر غير مرجح على الإطلاق.
وفي الوقت نفسه، من الصعب على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الأكثر اعتمادًا على الغاز الروسي العثور على موردين بديلين، فيما ترى مفوضية الاتحاد الأوروبي أن واردات الغاز من روسيا قد تنخفض بمقدار الثلثين بحلول نهاية عام 2022م، وستُستبدل كليًا بحلول عام 2023 أو 2024م.
ويتعين تحقيق نصف الانخفاض المتوقع للعام الحالي (50 مليار متر مكعب) من خلال زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من مصادر مختلفة، وذلك بفضل قدرة التسييل الحالية غير المستخدمة في العديد من البلدان.
ومع فرضية توافر هذه الطاقة الاستيعابية من الناحية النظرية، سيكون من الصعب للغاية تحقيق الاستخدام الكامل للغاز الطبيعي المسال وتوفيره للدول الأوروبية في غضون الوقت القصير الحالي.
وتتطلع المفوضية والدول الأعضاء الرئيسية إلى إمكانية زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة؛ حيث وعدت إدارة بايدن بزيادة الصادرات بمقدار 15 مليار متر مكعب (أي 30٪ من 50 مليار متر مكعب تأمل المفوضية في توفيرها).
وخلال العام المقبل، من المتوقع بالفعل تشغيل قدرة تسييل إضافية في الولايات المتحدة، على أن تتزايد في السنوات التالية، ما سيتسبب في زيادة سعر الغاز في هنري هب، نقطة التسليم القياسية للغاز الأمريكي في لويزيانا، والذي تضاعف تقريبًا منذ بداية العام من حوالي 4 إلى ما يقرب من 8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
وقد تتسبب هذه الزيادة في إثارة بعض المعارضة لتصدير الغاز الطبيعي بداخل الولايات المتحدة، والدعوة إلى الحد من الصادرات لتلبية احتياجات المستهلكين المحليين، رُغم التوقعات بزيادة الإنتاج.
وعلى نحوٍ موازٍ، اتخذت بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولا سيما ألمانيا وإيطاليا، خطوات فردية لزيادة توفير الغاز من مصادر مختلفة عن روسيا، فقد وحدت الحكومة الإيطالية جهودها مع شركة إيني، وهي شركة النفط والغاز التي تملك الدولة الإيطالية أغلبية أسهمها، وأطلقت بعثات إلى سلسلة من الدول الإفريقية التي تعمل فيها الشركة، لمحاولة زيادة الصادرات من الغاز.
وفي الجزائر، يُمكن زيادة الصادرات بسهولة بفضل الطاقة الفائضة المُتاحة في خط أنابيب "ترانسميد" العابر لتونس والبحر المتوسط، إلا أن المشكلة تكمُن في أن الإنتاج الجزائري آخذ في الانخفاض.
واتفقت إيني وسوناطراك على برنامج استثماري (لم يتم الإعلان عن شروطه بعد) لزيادة الإنتاج تدريجيًا بين عامي 2023 و2025م، بمقدار 9 مليارات متر مكعب سنويًا.
وترغب الحكومة الإيطالية أيضًا في زيادة وارداتها من الغاز من ليبيا، فهناك أيضًا طاقة فائضة موجودة في خط الأنابيب عبر البحر الأبيض المتوسط، إلا إن الإنتاج في ليبيا تعرقله الحرب الأهلية المستمرة.
وتعتزم الشركة تدشين مشاريع أخرى لزيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من أنغولا ونيجيريا ومصر.
وفي مصر، اكتشفت الشركة الإيطالية وشغلت حقل غاز طبيعي رئيسي (ظُهر) في البحر الأبيض المتوسط، وقد تتم الصادرات عن طريق إعادة تشغيل مصنع تسييل قائم ويعمل حاليًا، إلا أن العلاقات السياسية بين البلدين متوترة حاليًا بسبب مقتل جوليو ريجيني، الطالب الإيطالي الذي قيل إنه تعرض للضرب حتى الموت على أيدي ضباط المخابرات المصرية الذين تأكد القضاء الإيطالي من هويتهم، لكن الحكومة المصرية ترفض تسليمهم وتنفي هذه المزاعم جملة وتفصيلاً.
أما ألمانيا، فإن الحكومة تتفاوض حاليًا للحصول على إمدادات متزايدة من قطر، إلا أن المفاوضات بين البلدين صعبة، حيث تخضع شركة قطر للطاقة (التي كانت تصدر الغاز الطبيعي المسال إلى المملكة المتحدة وإيطاليا، بداخل أوروبا) إلى التحقيق من قبل لجنة المفوضية الأوروبية حتى أيام قليلة قبل الحرب الروسية على أوكرانيا بسبب إصرار الشركة على إبرام عقود لتصدير الغاز لمدة 20 عامًا، وتنص بعض البنود الواردة في تلك العقود إلى منع أو الحد من إعادة بيع الغاز الطبيعي المسال داخل السوق الداخلية، في انتهاك لقانون الاتحاد الأوروبي.
وجاء الإنهاء المفاجئ للتحقيق بعد أن أعلن وزير الطاقة القطري سعد الكعبي علنًا أن أوروبا بحاجة إلى "إعطاء إشارة واضحة" حول ما إذا كانت "تريد المزيد من الاستثمار في الغاز وإمدادات إضافية من قطر أم لا".
وتعود الصعوبات في المفاوضات بشأن استيراد الغاز القطري إلى الواجهة مرة أخرى في المفاوضات مع المشترين الألمان المحتملين مع شركتي "أر دبليو إي" و"يونيبر" تحت رعاية الحكومة الألمانية، والتي تُعارض توقيع عقد استيراد مدته 20 عامًا ليس بسبب تفضيل بروكسل للعقود قصيرة الأمد فحسب، بل أيضًا لأن الاستراتيجية الألمانية المُعلنة هي ضرورة خفض الاعتماد على الغاز بشكل كبير قبل مرور 20 عامًا.
وعلاوة على ذلك، يبدو أن قطر تصر على البنود المتعلقة بالوجهة، والذي يدفع الحكومة الألمانية إلى التعهد بأن الغاز المستورد من قبل المرافق الألمانية لن يعاد بيعه في دول أوروبية أخرى، وهو الأمر الذي لن يكون غير قانوني وحسب بموجب قانون الاتحاد الأوروبي، بل أيضًا سيكون غير قابل للتنفيذ، لأن الشركتين تمثلان مرافق تشغيل بالجملة وتبيع خدماتها إلى شركات تجزئة أخرى، والتي ستكون بدورها قادرة على البيع إلى أي شركة أخرى في أي بلد أوروبي آخر.
وتُصر قطر كذلك على وضع مؤشر معياري للأسعار يتشابه مع ما هو مُحدد للنفط بدلًا من الاعتماد على أحد مراكز الغاز الأوروبية الرئيسية (مثل صندوق الغاز التركي في هولندا)، وهو نفس الموقف الذي اضطرت "غازبروم" إلى التخلي عنه بعد اللجوء إلى التحكيم قبل عشر سنوات، عندما فتحت فجوة كبيرة بين أسعار الغاز المُعايرة بما يُماثل النفط وأسعار الغاز عند اكتشافها على المنصات (ويرجع ذلك إلى انخفاض الأسعار في المبيعات القطرية على المنصات).
ومع إصرارها على مُعايرة أسعار الغاز بأسعار النفط (على أساس الحجة القائلة بأن هذا لا يزال مقبولًا من قبل العملاء الآسيويين)، تضع قطر نفسها في موقف لا يمكن الدفاع عنه في المحكمة إذا ارتفعت الأسعار المُعايرة بأسعار النفط بشكل كبير فوق الأسعار عند اكتشافها على المنصات.
وفي مواجهة هذه الصعوبات، من الممكن جًدا إحراز تقدم في اتجاه إنشاء اتحاد مُشترين أوروبيين لواردات الغاز، على النحو الذي نوقش بالفعل وجرى تصوره في بعض الوثائق الأوروبية الرسمية، إلا أن كل الدول الأعضاء ليسوا على استعداد لهذا الحل، إلا في حالة فشل البحث عن بدائل للغاز الروسي وارتفاع الأسعار في أوروبا إلى أعلى مما كانت عليه بالفعل، فعندئذ من المتوقع أن يصبح هذا مسارًا موثوقًا للعمل.
وحتى الآن، تتحدث الوثائق الرسمية للاتحاد الأوروبي عن إمكانية "التنسيق الطوعي" للمشتريات، وتحديدًا في ظل إعادة تجميع المخزونات لموسم الشتاء المقبل، إلا أن هذه الوثائق لا معنى لها، ولا يُمكن أن ينجح أي مخطط للتنسيق بين المشترين إلا في حالة تكوين اتحاد مشترين (كارتل شراء) مُلائم ويُستبعد إلزاميًا إجراء أي عملية شراء موازية؛ وألا يقتصر ذلك على تجديد المخزونات المستنفدة.
ولذلك، فإذا تحرك الاتحاد الأوروبي في هذا الاتجاه، فسيُصبح هناك تسييس بالكامل لواردات الغاز، ولن يسمح لأي مُصدٍر بالبيع إلى الاتحاد الأوروبي إلا من خلال كارتل الشراء، والذي سيقوم بدوره بإتاحة الغاز لسوق الجملة على أساس المزادات المنتظمة على الأرجح، وبهذه الطريقة يحل أيضًا محل الوظيفة الرئيسية لتحديد أسعار الغاز على المنصات وعرضها في المزادات.
وعند التعامل مع المصدرين، قد يتفاوض الكارتل على شروط سعرية أقرب إلى تلك التي يقبلها المشترون من شرق آسيا (الذين هم مشترون احتكاريون أو شبه احتكاريين)، بما في ذلك أسعار الغاز المُعايرة بأسعار النفط؛ وكذلك قبول إمكانية حدوث فجوة بين الأسعار المدفوعة للمصدرين والأسعار المُستلمة في المزادات المحلية بالجملة، فيما من المفترض أن تكون أي فجوة من هذا القبيل مؤقتة وتدار من خلال تعديل أسعار المشتريات.
وبغض النظر عما ينبغي إجراؤه لتنويع إمدادات النفط والغاز بعيدًا عن روسيا، فيبدو أنه سيتعين العمل على خفض الاستهلاك في أوروبا (بل وعلى الصعيد العالمي)، سواء كان ذلك من خلال فرض تدابير إدارية محددة لتشجيع أو فرض إحداث وفورات في الطاقة أو ببساطة من خلال الاستجابة للطلب بأسعار مرتفعة للغاية، وفي كل الأحوال ستتشابه النتيجة، والتي ستُصبح أننا سنكون بحاجة إلى الحد من اعتمادنا على النفط والغاز بشكل عام، وليس فقط من روسيا.
وعلى الرغم من أن كل من مفوضية الاتحاد الأوروبي وحكومات الدول الأعضاء تتردد حاليًا في مهاجمة الاستهلاك بشكل فردي، فقد تردد لفترات طويلة أن أفضل فرصة للحد من الكربون تكمن في الحد من الطلب على الطاقة.
ويُعد الاعتماد على مبدأ تنويع الموردين هو الحل الذي سيقبله الرأي العام في أوروبا والولايات المتحدة بحماس منخفض، نظرًا لأن معظم الأنظمة التي تُدير بلاد الموردين البديلين المحتملين ليست أقل استبدادية وعسكرة وغير مبالية بحقوق الإنسان من روسيا التي يحكمها فلاديمير بوتين.
وبالرغم من أن الموردين البديلين في معظم الحالات هم بالتأكيد أقل خطورة من روسيا، إلا أن الرغبة في استبدال طاغية بآخر سيُثير انتقادات عديدة، لذلك، فمن المتوقع أن يتسبب تسييس تجارة النفط والغاز عالميًا إلى أبعد من مجرد التأثير على الواردات القادمة من روسيا، بل قد يؤثر على نظام العلاقات والتحالفات الدولية بأكملها.