ما وراء الوعود: يأخذ هذا العنوان الفرعي الشطر الأول من ورقة قديمة نسبياً؛ لكن قيمتها ما تزال حاضرة، قدمها السيد نائل الكباريتي، رئيس غرفة تجارة الأردن، في مؤتمر "آفاق الاستثمار والتعاون بين الدول العربية والإفريقية"، يومي 11-12 نوفمبر 2013م، الكويت، وكانت بعنوان: "ما وراء الوعود: المضي قدمًا نحو شراكة عربية إفريقية فاعلة". وثبتت الورقة حقيقة أن العلاقات، التي تربط العالم العربي والإفريقي علاقات قوية وسليمة تستمد جذورها وأصولها من التاريخ القديم المشترك، والجوار الجغرافي، الذي يمتد إلى تواصل ثقافي وروحي وتجاري، وتراكم عبر قرون طويلة، وثقه الدين واللغة والأواصر الاجتماعية والتقاليد المشتركة، التي هي متشابهة وقريبة ومعينة للتعاون والعمل المشترك. وقد اكتسبت ميزاتها من التعاون والتكامل من المنظمات الإقليمية؛ كجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، الأمر الذي يوجب استحداث المزيد من الاستثمارات الخليجية، وزيادة الميزان التجاري، والتعاون الاقتصادي بين الطرفين. لذلك، يجب وضع خطة عمل خليجية إفريقية قائمة على التجارة بين الجانبين والاستثمار المشترك. إذ تتمتع دول الخليج وإفريقيا باستثمارات متعددة الفرص وذات القيمة المضافة العالية، وتتمثل بشكل رئيس في الطاقة والزراعة، والسياحة، والصناعة، والتعدين، والقطاعات المثمرة الأخرى للاستثمارات المؤثرة في أسواق ومجتمعات الجانبين، وبما يحقق تطلعات كلا الطرفين.
إن حكومات دول مجلس التعاون الخليجي ظلت على الدوام تحفز الاستثمار في إفريقيا، يواصل المستثمرون الخليجيون اكتساب المزيد من الجرأة لاقتحام الأسواق الإفريقية حيث تشجع الاستثمارات المدعومة من الحكومة كيانات القطاع الخاص على دخول القارة. وبفضل الروابط التجارية التاريخية القوية، التي أشار إليها السيد الكباريتي، أصبحت إفريقيا شريكاً حيوياً بشكل متزايد لدول الخليج. كما رسخت دول الخليج موقعها الاستراتيجي كحلقة وصل بين آسيا وإفريقيا، وعززت مكانتها كمركز إقليمي للنقل والخدمات اللوجستية والتجارة والتمويل والاستثمار والتواصل المتزايد. فحاجة إفريقيا لإمكانات دول الخليج تتضاعف كلما أرادت الاستثمارات الإفريقية الانفتاح نحو دول العالم الأخرى، مثلما لا يزال الأمن الغذائي مصدر قلق كبير لدول مجلس التعاون الخليجي حيث من المتوقع أن ينمو الطلب بنسبة متصاعدة سنوياً على مدى السنوات المقبلة. وبينما تعمل دول المنطقة على زيادة إنتاجها الغذائي المحلي، فإنها لا تزال تستورد معظم احتياجاتها الغذائية نظراً لندرة الأراضي الصالحة للزراعة وموارد المياه. ومع وجود 60٪ من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم وقربها الجغرافي، أصبحت القارة شريكاً مثيراً للاهتمام لدول مجلس التعاون الخليجي، واستثمارات الطرفين المؤثرة.
واللافت للنظر أن الأفارقة صاروا قوة استثمارية فاعلة في دول الخليج، خاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة، حتى قبل اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)، إذ تحرص الشركات الإفريقية على القيام بأعمال تجارية مؤثرة في المنطقة. فاليوم، هناك أكثر من 12000 شركة إفريقية مسجلة لدى غرفة تجارة وصناعة دبي وحدها، ويستخدم الكثير منها دبي كقاعدة لجذب الاستثمار إلى بلدانهم. ووفقاً لغرفة تجارة وصناعة دبي، زادت دبي التجارة غير النفطية مع إفريقيا بنسبة تصل إلى 700٪ على مدار أقل من عقدين من الزمان، ونمت هذه التجارة بمستويات غير مسبوقة مع كل دول الخليج، وبينها وكل الدول الإفريقية، وعبرها إلى آسيا. ومن المتوقع أيضاً أن تؤدي مبادرة جديدة من بنك التنمية الإفريقي (AfDB) إلى تعزيز ثقة المستثمرين في إفريقيا. وفي أواخر عام 2018م، تم إطلاق منصة الضمان المشترك من قبل البنك الإفريقي للتنمية، جنباً إلى جنب مع المؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات والوكالة الإفريقية للتأمين التجاري وشركة غرانت، وهي أداة للتخلص من المخاطر من شأنها معالجة المخاطر المرتفعة المتصورة في جميع أنحاء القارة ونقص قدرة المقرضين التقليديين على تخفيف المخاطر للمشاريع الاستثمارية. والهدف من ذلك هو حشد قدر أكبر من الاستثمارات، التي ما كانت لتحدث لولا ذلك بين دول الخليج وإفريقيا.
ما نحتاج لمعرفته:
تقول الأدبيات الاقتصادية إن المستثمرين حول العالم يقومون باستثمارات مؤثرة لإطلاق العنان لقوة رأس المال من أجل الخير الاجتماعي العام. لكن، في ظل ما نشهده من تنافس عالمي محموم، وموارد طبيعية متناقصة، وأسواق مكتظة بأصحاب المصالح المتناقضة، كيف يمكننا التعرف على الخصائص الأساسية للاستثمار الخليجي المؤثر؟ ومن يقوم باستثمارات مؤثرة في إفريقيا؟ وما هي النتائج، التي يمكن أن تحققها هذه الاستثمارات في قارة بِكر، تتكالب عليها قوى الاقتصاد العالمية الكبرى؟ وغير ذلك من الأسئلة الأكثر شيوعاً حول الاستثمار المؤثر، التي يمكن أن نستخلص من الإجابة عليها مبتغى هذا المقال، ومن خلال هذه الأسئلة التأسيسية، التي لا شك عندي أنها في أذهان كل نساء ورجال المال والأعمال في دول الخليج العربية، وما يحدد توجهاتهم القاصدة للعمل في إفريقيا. فالاستثمارات المؤثرة، كما يعرفها أصحاب رؤوس الأموال، هي استثمارات تهدف إلى إحداث تأثير اجتماعي وبيئي إيجابي، وقابل للقياس، إلى جانب عائد مالي. ويمكن إجراء الاستثمارات المؤثرة في كل من الأسواق الناشئة والمتقدمة، واستهداف مجموعة من العوائد أقل من سعر السوق، اعتماداً على الأهداف الاستراتيجية للمستثمرين.
لهذا، فإن التركيز على عناصر تأثير الاستثمار الخليجي في إفريقيا يعتمد حُكماً على الاستثمارات الإفريقية في أسواق الخليج، وتحديد ممارسة التأثير الإيجابي بشكل أكبر وفقاً لهذه العلاقات التبادلية، بحيث لا بد لها أن تتم من خلال العناصر والخصائص الأساسية للاستثمار المؤثر، والتي تكمل هذا الهدف وتؤدي إلى توفير مزيد من الوضوح حول كيفية التعامل مع متطلبات السوق والمجتمع. وتتقدمها هذه المبادئ الأربعة، التي تحدد التوقعات الأساسية للاستثمار المؤثر، وهي: أولاً، النية، أذ إنها أمر ضروري أن يكون للمستثمر نية للتأثير الاجتماعي، أو البيئي الإيجابي، من خلال الاستثمارات. وثانيها، الاستثمار مع توقعات العائد، بمعنى أن تولد الاستثمارات المؤثرة عائداً مالياً على رأس المال، أو على الأقل، عائداً اجتماعياً وبيئياً على رأس المال. وثالها، نطاق توقعات العائد وفئات الأصول، إذ تستهدف الاستثمارات المؤثرة العوائد المالية، التي تتراوح من أقل من السوق، والتي تسمى أحياناً الامتياز، إلى معدل السوق المعدل حسب المخاطر، ويمكن إجراؤها عبر فئات الأصول، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، المكافآت النقدية، والدخل الثابت، ورأس المال الاستثماري، والأسهم الخاصة. ويتعلق رابعها بقياس الأثر، الذي هو من السمات المميزة للاستثمار المؤثر، والذي يعني التزام المستثمر بقياس الأداء الاجتماعي والبيئي والإبلاغ عنه، مع الإشارة إلى التقدم المحرز في الاستثمارات الأساسية، مما يضمن الشفافية والمساءلة أثناء إبلاغ ممارسة الاستثمار المؤثر وبناء المجال.
وتختلف مناهج المستثمرين في الخليج، كما في إفريقيا وبقية دول العالم، لقياس التأثير بناءً على أهدافهم وقدراتهم، واختيار ما يجب قياسه، مما يعكس عادة أهداف المستثمر. وبالتالي، نيته فيما يزمع أن يفعل من استثماراته في مجتمعات تربطه بها علاقات الجغرافية والتاريخ. وبشكل عام، تشتمل مكونات أفضل ممارسات قياس التأثير من أجل الاستثمار في وضع بصمات المستثمر على إنشاء وتوضيح الأهداف الاجتماعية والبيئية لأصحاب المصلحة المعنيين، وتحديد مقاييس الأداء المتعلقة بهذه الأهداف باستخدام معايير موحدة حيثما كان ذلك ممكناً، ومراقبة وإدارة أداء الشركات المستثمر فيها مقابل هذه الأهداف، والإبلاغ عن الأداء الاجتماعي والبيئي لأصحاب المصلحة المعنيين. ويوفر سوق الاستثمار المؤثر فرصاً متنوعة وقابلة للحياة للمستثمرين لتطوير الحلول الاجتماعية والبيئية من خلال الاستثمارات، التي تنتج أيضاً عوائد مالية.
المصطلح والمفهوم:
إن الاستثمار المؤثر، المُشار إليه، هو مصطلح جديد نسبياً، يستخدم لوصف الاستثمارات، التي تتم عبر العديد من فئات الأصول والقطاعات والمناطق. فقد طورت الشبكة العالمية للاستثمار الاجتماعي GIIN، في عام 2019م، ولأول مرة، منهجية لإجراء البحوث الميدانية، وتصميم حلول الأعمال، وبناء القدرات، وإطلاق المبادرات؛ من خلال استخدام تقنيات التحليل، ومنهجيات الابتكار، وتصميم الاستراتيجيات القيادية والتنفيذية؛ لتمكين الأفراد، والمؤسسات، من النمو وإحداث الأثر الإيجابي في المجتمعات، التي تعمل بها. وتعتمد منهجية صارمة لتقدير الحجم الإجمالي للسوق. ومنذ هذا الجهد الافتتاحي لحجم السوق، عززت GIIN قاعدة بياناتها ومنهجيتها لتحسين نهجها باستمرار، الذي يتضمن تحليلاً محدثاً لحجم السوق، ويفحص عرض رأس المال المخصص للاستثمار المؤثر، باستخدام الأصول المدارة للاستثمار المؤثر كمؤشر لحجم السوق. تشير تقديرات GIIN إلى أن أكثر من 1720 مؤسسة تدير 715 مليار دولار أمريكي في صورة الأصول المدارة للاستثمار المؤثر اعتباراً من نهاية عام 2019م. ويتألف السوق من مجموعة من أنواع المستثمرين، من حيث الخصائص مثل نوع المؤسسة وموقع المقر الرئيسي وحجم المستثمر.
وإذا تساءلنا حول ما هو الوضع الحالي لسوق الاستثمار المؤثر بالنسبة لطرفي هذه المعادلة الخليجية الإفريقية، فإنه يمكننا القول إنه بينما كان بعض المستثمرين الخليجيين يقومون باستثمارات مؤثرة لعقود من الزمن، وصاروا أعلاماً في شمولية العمل الاجتماعي والبيئي المصاحب لأنشطتهم الاستثمارية، وحققوا سبقاً عالمياً في ذلك. فقد ظهر مؤخراً جهد دولي تعاوني جديد لتسريع تطوير سوق عالية الأداء تدعم الاستثمار المؤثر، الذي سبقت إليه دول الخليج العربية. في حين أن هذا السوق لا يزال جديداً نسبياً في إفريقيا، إلا أن المستثمرين متفائلون بشكل عام بشأن تطوره، ويتوقعون زيادة الحجم والكفاءة في المستقبل القريب، خاصة بعد استكمال العقد السياسي بين القادة الأفارقة لتأسيس السوق القارية المشتركة. وسيدرك المستثمرون المؤثرون عموماً التقدم الواسع، الذي يمكن أن تحققه إفريقيا سريعاً، عبر المؤشرات الرئيسية لنمو هذه السوق العملاقة.
والمتوقع أن تحدد الخصائص الأساسية للاستثمار أثر التوقعات الأساسية لما يعنيه ممارسة الاستثمار الخليجي المؤثر في إفريقيا. من هنا، فإن توفير هذا المستوى من الوضوح للسوق سيساعد المستثمرين على فهم ما يشكل استثماراً ذا تأثير موثوق به، وتعمل الخصائص الأساسية كنقطة مرجعية للمستثمرين لتحديد الإجراءات العملية، التي يمكنهم اتخاذها لتوسيع نطاق ممارستهم بنزاهة. وكنموذج عالمي لصناعة الاستثمار المؤثر، تدعو شبكة الاستثمار العالمية إلى استخدام رأس المال الاستثماري للمساهمة في تحسين حياة الناس وصحة كوكبنا، منذ تأسيسنا في عام 2009م. وقد زاد حجم وتنوع رأس المال للاستثمار المؤثر بشكل كبير في السنوات العشر الماضية، حيث تقدر قيمة سوق الاستثمار ذات التأثير الحالي بـ 715 مليار دولار أمريكي. ومع ذلك، هناك حاجة إلى المزيد من رأس المال لمواجهة التحديات الملحة في عصرنا، وفي منطقتنا. وهذا هو السبب في أن الحديث عن جعل توسيع الاستمارات الخليجية في السوق القارية الإفريقية، وجذب الاستثمارات الإفريقية لتنشط أكثر في الأسواق الخليجية، على أن تجعل كل الأطراف النزاهة محوراً رئيسياً لطموحاتها في التبادل والمعاملات.
بيد أنه لكي تسهم الاستثمارات المؤثرة إسهامًا فعالاً في الآثار الاجتماعية والبيئية الإيجابية، وحتى يظل النهج ذا مصداقية، تحتاج الأسواق المالية لدى كلا الطرفين إلى توضيحات بشأن الممارسة المتوقعة وشروط المشاركة في سوق الاستثمار المؤثر. وعلى هذا النحو، وضعت GIIN الخصائص الأساسية لأثر الاستثمار، المكرر في شراكة مع كبار المستثمرين المؤثرين، لتحديد ما إذا الاستثمار يشكل تأثيراً موثوقاً به أم لا. وستساعد هذه الخصائص الأساسية المستثمرين على فهم العناصر الأساسية للاستثمار المؤثر، وتحديد مصداقية ممارساتهم، والنظر في نوعية ممارسات الشركاء المحتملين في الاستثمار. وتحدد أربع ممارسات للاستثمار لإحداث الأثر المطلوب، وهي: التعمد، واستخدام الأدلة وبيانات الأثر في تصميم الاستثمار، وإدارة أداء التأثير، والمساهمة في نمو الصناعة. وتهدف مجموعة الخصائص الأساسية هذه إلى توفير نقاط مرجعية واضحة وإجراءات عملية لتحديد التوقعات الأساسية للاستثمار في التأثير. وتكمل هذه الخصائص الأساسية للاستثمار الأثري التعريف الحالي للاستثمارات المؤثرة، الذي تقوم به الشبكة، وهي استثمارات تتم، كما سبق أن أشرنا، بهدف توليد أثر اجتماعي وبيئي إيجابي وقابل للقياس إلى جانب العائد المالي المجزئ.
أصل القصة:
مع تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)، فإن تدابير تيسير التجارة، التي تقطع الروتين وتبسط الإجراءات الجمركية ستحقق 292 مليار دولار من 450 مليار دولار من مكاسب الدخل المحتملة. وتقدم فرصة كبيرة للبلدان الإفريقية ولجوارها، خاصة في منطقة الخليج، لأن من شأن تنفيذها أن يساعد في الدخول في أنواع الإصلاحات العميقة اللازمة لتعزيز النمو طويل الأجل في البلدان الإفريقية، ويعزز قدرتها على استيعاب الاستثمارات الخارجية، واستثماراتها في الخارج، الذي يبدأ بدول الخليج، وينطلق عبرها إلى دول العالم الأخرى. إذ ستنشئ اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية أكبر منطقة تجارة حرة في العالم تقاس بعدد البلدان المشاركة. ويربط الاتفاق 1.3 مليار شخص في 55 دولة بإجمالي ناتج محلي إجمالي تقدر قيمته بـ3.4 تريليون دولار أمريكي. وله القدرة على انتشال ملايين الأشخاص من براثن الفقر المدقع، لكن تحقيق كامل إمكاناته سيعتمد، إلى حد كبير، على تجاوب العالم من حولها، وتيسير تبادل المنافع والمصالح معها، ولا يوجد هناك أنسب من دول الخليج العربية للعب هذا الدور. وستتطلب هذه المكاسب جهوداً كبيرة من قبل الدول لتقليل العبء على الشركات والتجار لعبور الحدود بسرعة وأمان وبأقل قدر من تدخل المسؤولين.
إن نطاق منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية كبير جداً، ويتوقع للاتفاقية أن تخفض التعريفات الجمركية بين الدول الأعضاء، وتغطي مجالات السياسة مثل تسهيل التجارة والخدمات، بالإضافة إلى التدابير التنظيمية؛ مثل، المعايير الصحية والحواجز الفنية أمام التجارة. وسيؤدي التنفيذ الكامل لاتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية إلى إعادة تشكيل الأسواق والاقتصادات في جميع أنحاء المنطقة وتعزيز الإنتاج في قطاعات الخدمات والتصنيع والموارد الطبيعية. ونظراً لأن الاقتصاد العالمي ما يزال في حالة اضطراب بسبب جائحة الفيروس التاجي "كورونا"، فإن إنشاء السوق الإقليمية الواسعة لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية يعد فرصة كبيرة لمساعدة البلدان الإفريقية على تنويع صادراتها، وتسريع النمو، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وفي الوقت نفسه استثمار فوائض دخولها في أسواق آمنة كدول الخليج.
لقد تم تصميم منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية لتعظيم الآثار الاقتصادية والتوزيعية، بتوجيه صانعي السياسة لتنفيذ السياسات، التي يمكن أن تعظم المكاسب المحتملة للاتفاقية، مع تقليل المخاطر إلى الحد الأدنى. إذ يتطلب إنشاء السوق على مستوى القارة بذل جهود حثيثة لتقليل جميع تكاليف التجارة. وستحتاج الحكومات أيضاً إلى تصميم سياسات لزيادة استعداد القوى العاملة لديها للاستفادة من الفرص الجديدة. ويقول تقرير البنك الدولي، الذي نشر 27 يوليو 2020م: "إن إنشاء سوق واحدة على مستوى القارة للسلع والخدمات والأعمال التجارية والاستثمار من شأنه أن يعيد تشكيل الاقتصادات الإفريقية. وسيكون تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة لإفريقيا، مما يثبت للعالم أنها تبرز كرائدة في جدول أعمال التجارة العالمية." غير أن إنشاء سوق على مستوى القارة يتطلب تشريعات ولوائح لتمكين التدفق الحر للسلع ورؤوس الأموال والمعلومات عبر الحدود، وخلق بيئات عمل تنافسية يمكن أن تعزز الإنتاجية والاستثمار، وتعزيز المنافسة الأجنبية المتزايدة والاستثمار الأجنبي المباشر، الذي يمكن أن يرفع الإنتاجية والابتكار من قبل الشركات المحلية، والإقليمية المشاركة لها.
كيف يؤثر الاستثمار؟
وحتى نُذَكِّر بعنوان موضوعنا، نُشِيرُ إلى أن سوق الاستثمار الخليجي، ذو التأثير المتنامي، يوفر رأس المال لمواجهة التحديات الأكثر إلحاحاً في جواره الإفريقي، الذي يتجه إلى استكمال تأسيس سوق قارية موحدة، في قطاعات مثل الزراعة المستدامة، والطاقة المتجددة، والحفظ والتخزين، والتمويل الصغير، والخدمات الأساسية الأخرى، بأسعار معقولة، ويمكن الوصول إليها بسهولة ويُسر؛ بما في ذلك الإسكان والرعاية الصحية والتعليم. ويتحدى الاستثمار المؤثر الآراء الراسخة في دول الخليج، التي كانت تقول بأن القضايا الاجتماعية والبيئية في إفريقيا يجب أن تعالج فقط من خلال التبرعات الخيرية، وأن استثمارات السوق يجب أن تركز حصرياً على تحقيق العوائد المالية. فمن يقوم بالاستثمارات الخليجية المؤثرة في إفريقيا؟ وهذا سؤال مفتوح، لا تقتصر فيه الإجابة على نوع واحد من القطاعات، وإنما يعيدنا إلى حقيقة أن الاستثمار الخليجي المؤثر ظل على الدوام يجتذب مجموعة واسعة من المستثمرين، من الأفراد والمؤسسات. فقد كان لمديري الصناديق، ومؤسسات تمويل التنمية، والمؤسسات المالية؛ من مصارف وبنوك متنوعة، والمؤسسات الخاصة، وصناديق التقاعد، وشركات التأمين، ومكاتب العائلة، والمستثمرين الأفراد، أدوار موثقة، عززتهم فيها المنظمات الحكومية وغير الحكومية، والمؤسسات الدينية الخيرية.
وفي الأعوام الأخيرة، تدخلت أنواع كثيرة من القطاعات العامة والخاصة، والمستثمرين الخليجيين، في سوق الاستثمار ذي التأثير المتزايد، وبدوافع مختلفة. وقد تعددت الطرق والوسائل، لكن الشائعة منها ما ارتبط بالاستثمار الجماعي، فأمكن للمصارف وصناديق المعاشات التقاعدية والمستشارين الماليين ومديري الثروات، توفير فرص استثمار لأموال العملاء؛ لكل من الأفراد والمؤسسات المهتمين بأسباب اجتماعية، أو بيئية عامة، أو أعمال خيرية، أو دينية محددة. وهنا، أمكن للمؤسسات الجماعية والأسرية الاستفادة من أصول أكبر، والعمل بشكل أوسع للنهوض بأهدافها الاجتماعية، أو البيئية الأساسية، مع الحفاظ على هباتها الإجمالية، أو تنميتها، بما يخدم أغراض مسؤولياتها الاجتماعية والخيرية. كما أمكن للمستثمرين الحكوميين ومؤسسات تمويل التنمية تقديم دليل على المرونة المالية لمستثمري القطاع الخاص؛ مع استهداف أهداف اجتماعية وبيئية ودينية وخيرية مقنعة بالنسبة لهم. ورغم أن عدداً قليلاً جداً من المستثمرين الخليجيين يبلغون عن أحداث مخاطرة كبيرة في محافظهم الاستثمارية المؤثرة في إفريقيا، إلا أن تنفيذ وإدارة نموذج الأعمال التجارية يعتبران إلى حد بعيد العاملين الأكثر ذكراً في المخاطرة.
ملاحظات خاتمة:
بينما توجد علاقات وطرق تجارية تاريخية بين إفريقيا ودول الخليج العربية، فإن دول الخليج تتميز الآن بأنماط التجارة الحديثة عبر تطويرها للبنية التحتية، والطيران، والموانئ وإدارة العمالة المهاجرة. وفي السنوات الأخيرة، ظهرت مدن في الخليج كادت أن تصبح الوجهات المفضلة للطبقة المتوسطة الناشئة في إفريقيا. وتلبي بعض الفنادق في دبي الآن احتياجات إفريقيا بشكل مثالي، وتجتذب المزيد من السياح، بينما سوق دبي، يمثل أحد أكبر المراكز التجارية خارج القارة، وشهد ازدهاراً وزيادة في عدد الزائرين الأفارقة. وأصبحت الإمارات العربية المتحدة، على وجه الخصوص، بوابة للشركات متعددة الجنسيات، التي تتطلع إلى القيام بأعمال تجارية في إفريقيا.
لقد عملت الإمارات العربية المتحدة كمركز استثماري، ومركز لوجستي يمكن من خلاله دعم المزيد من العملاء الباحثين عبره للاستثمار في القارة الإفريقية. إذ يتم تسهيل التجارة والاستثمار من خلال كل من طرق التجارة الجوية والبحرية بين دبي وإفريقيا. ومع خطوات التحضر السريع والازدهار والانفجار السكاني، فإن إفريقيا هي سوق خصب لاستثمارات الخليج. فالقوى التجارية الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والصين تعترف وتسعى لاقتناص الفرص الكبيرة في إفريقيا، ولديها اقتراب أكثر من القارة بأهداف واضحة. كما تسعى جاهدة، من ناحية أخرى، للتقرب من دول مجلس التعاون الخليجي، رغم أنها كانت أقل اتساقاً وغير متماسكة مثل دول الخليج. بينما الدول الأعضاء في مجلس التعاون تتمتع بعلاقات قوية مع البلدان الإفريقية، وربطتهما استثمارات كبيرة لعقود من الزمان، وتركز في المقام الأول على تطوير البنية التحتية والأمن الغذائي.
إن اتباع نهج خليجي موحد في التجارة الإفريقية من شأنه أن يسرع من تعزيز روابط القارة بالاقتصاد العالمي ووضع منطقة الخليج في مقدمة دول العالم معظم القصص الاقتصادية الواعدة. فالنمو الاقتصادي المستدام في دول مجلس التعاون الخليجي يتعزز بدعم من الحكومات، التي ترك الإنفاق، الذي تقوم به، أثراً كبيراً، وجذب اهتماماً مكثفاً في المنطقة. فالشركاء التجاريون التقليديون الغربيون؛ إذ تحافظ أوروبا وأمريكا الشمالية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على علاقات قوية مع دول مجلس التعاون الخليجي، ظلوا على حماسهم القديم، ولكن ظهور اقتصادات ديناميكية جديدة عالية النمو في آسيا وأجزاء أخرى من البلدان النامية، بما فيها إفريقيا، ينتج العالم فرصاً جديدة. يبدو من المرجح أن تتمتع اقتصادات الأسواق الناشئة بامتداد زيادة نصيب الغنائم لصالح كل الأطراف. وتدفقات التجارة والاستثمار في دول مجلس التعاون الخليجي، واندفاع الأسواق الناشئة يكشف مستوى العلاقات الاقتصادية المتغيرة والمتنامية بين دول مجلس التعاون الخليجي وهذه الأسواق الناشئة. وسيحدد النتائج الرئيسة المتوقعة في التجارة وتدفقات الاستثمار بين دول مجلس التعاون الخليجي ومختلف الأسواق الناشئة في إفريقيا، وآسيا، والشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية، وأوروبا الشرقية، فيما يُعرف برابطة الدول المستقلة. ولكن يبقى الاهتمام المتزايد بالأسواق في السوق القارية الإفريقية هو الهدف الأعلى، الذي ينبغي أن يسعى إليه ومعه الخليج.
وختاماً، نقول إنه من خلال زيادة التجارة الإقليمية وخفض تكاليف التجارة وتبسيط الإجراءات الحدودية، فإن التنفيذ الكامل لاتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية سيساعد البلدان الإفريقية على زيادة مرونتها في مواجهة الصدمات الاقتصادية المستقبلية ويساعد على الدخول في أنواع الإصلاحات العميقة الضرورية لتعزيز النمو على المدى الطويل. لكن النتيجة الرئيسة لتأثير صناعة الاستثمار لا تزال متنوعة، ومتوقع أن ينمو الاستثمار المؤثر في العمق، ويتطور مع مرور الوقت، خاصة وقد نضجت ممارسات قياس الأثر والإدارة. ولكن لا تزال هناك فرص للتحسين، ويبقى تأثير المستثمرين مرهون بنظرة إيجابية للمستقبل، على الرغم من بعض الرياح المعاكسة.