تعتبر أنظمة التعليم في دول الخليج العربية من أحسن الأمثلة على النظم التي تسعى إلى الأخذ بأساليب التجديدات والتطوير مستفيدة في ذلك بخبرات وتجارب الدول العربية والدول الأخرى وجهود المنظمات الدولية وخاصة اليونسكو. والعوامل التي ساعدت على الأخذ بأساليب التطوير هي حداثة نشأة هذه النظم مما يزيد من قابليتها للتجديد والتغيير، بالإضافة إلى صغر حجمها مما يسهل من عملية التطوير وكذلك توفير الإمكانات المادية.
التجديدات التربوية والبحث التربوي: توجد علاقة وثيقة بينهما لان التجديدات التربوية تكون هي نتيجة للبحث التربوي، وتوجد أجهزة قائمة بذاتها للبحث التربوي أو على هيئة إدارات أو أقسام في وزارات التربية والتعليم أو منتشرًا في ثنايا أقسام أخرى كالإحصاء أو المناهج أو التوثيق وذلك في دول الخليج العربية.
وعلى سبيل المثال في البحرين بدأ اهتمامها بإنشاء جهاز للبحث التربوي منذ أوائل الثمانينات واستعانت ببعثة من اليونسكو في الفترة من 15-25 أكتوبر 1982م. وتوجد أنشطة البحوث التربوية ضمن أجهزة مختلفة للوزارة مثل أجهزة التوثيق أو الإحصاء أو المناهج.
وفى السعودية عام 1403هـ –1983م، أنشئ جهاز للتطوير التربوي بوزارة المعارف من مهامه القيام بالتجريب التربوي والأبحاث والدراسات التربوية وتطوير المناهج والخطط والبرامج التعليمية وتأليف الكتب المدرسية، وتوجد مراكز للبحوث التربوية بالجامعات السعودية، وكذلك توجد إدارة للبحوث التربوية تتبع قطاع التطوير التربوي.
في دولة الإمارات: أنشطة البحث التربوي تتوزع بين الإدارات المختلفة من مناهج وإحصاء وتوثيق ويوجد مركز للبحوث التربوية بجامعة الإمارات العربية ما زال في طور التكوين.
أما في قطر: توجد إدارة للبحوث الفنية بوزارة التربية والتعليم تتولى أنشطة البحث التربوي بالإضافة إلى ما تقوم به الإدارات الأخرى مثل إدارة المناهج، وادارة الامتحانات، وقسم الإحصاء. كما يوجد مركز للبحوث التربوية قائما بذاته في جامعة قطر.
في الكويت: يوجد مركز بحوث المناهج التابع لوزارة التربية ويقوم بأنشطة متنوعة في البحث التربوي، كما يوجد مركز للبحوث التربوية تابع لجامعة الكويت.
في عمان: توجد مديرية عامة للتنمية التربوية في وزارة التربية والتعليم تتبعها أقسام مختلفة تقوم بأنشطة البحث التربوي.
وعلى مستوى دول الخليج يوجد مكتب التربية العربي لدول الخليج بالرياض وجهازه المتخصص المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج (ومقره الكويت) وهما يسهمان بدور في تطوير التربية وتجديدها في الدول الخليجية المختلفة.
صور من التجديدات التربوية في دول الخليج العربية:
من هذه الصور:
*مجموعات التقوية للتلاميذ الضعاف بصفة عامة (السعودية) وفى القسم العلمي من التعليم الثانوي العام (قطر).
*إدخال دراسة الحاسب الآلي في التعليم.
*برامج تطوير الإدارة التربوية.
*أسبوع استقبال التلاميذ الجدد في المرحلة الابتدائية (السعودية).
*اتباع معلم الفصل في الصفوف الابتدائية الأولى، ومعلم المادة في الصفوف الباقية.
*اتباع نظام التقويم المستمر للتلاميذ.
* إنشاء أجهزة للتجديد التربوي.
*إدخال مبادئ العمل المنتج في مناهج التعليم العام.
*استخدام الحاسب الآلي لتطوير المعلومات واستخدام التكنولوجيا الحديثة في حفظها واسترجاعها (الكويت).
*تطبيق فكرة التعليم الذاتي على مستوى التعليم الثانوي (البحرين – الكويت – السعودية).
*تقسيم السنة إلى فصلين دراسيين على مستوى التعليم الثانوي (البحرين – الكويت – السعودية) وعلى مستوى التعليم العام كله (السعودية).
*الأخذ بفكرة التعليم الأساسي.
*استحداث تعليم موازِ للتعليم العام للتلاميذ الضعاف.
*استخدام التليفزيون التربوي.
*استخدام الحاسب الآلي في المدارس.
وسوف نناقش بعد ذلك بعض التجديدات بشيء من التفصيل:
الأخذ بنظام التعليم الأساسي:
- نجد بعض دول الخليج العربية تأخذ بنظام التعليم الأساسي وينص صراحة عليه.
مثال ذلك: البحرين حيث ينص مشروع قانون التربية والتعليم على أن مرحلة التعليم الأساسي مدتها تسع سنوات – وتشمل المرحلتين الابتدائية والإعدادية وهي إلزامية وعامة وموحدة للجميع.
بقية دول الخليج العربية نظامها التعليمي لا يتضمن صراحة مرحلة تسمى بالتعليم الأساسي إنما يعد هذا النوع من التعليم مرادفًا للمرحلة الابتدائية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك مرادفًا للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة (ثمانِي سنوات) في دولة الكويت، أما في دولة قطر والمملكة العربية السعودية فلا توجد مرحلة معينة للتعليم الأساسي حيث إن التعليم العام بجميع مراحله متاح بها بالمجان لكل راغب فيه في هذه الدول كما لا يوجد بها قوانين للتعليم الإلزامي.
ومن المتوقع أن يتزايد بينها الأخذ بفكرة التعليم الأساسي وخاصة من حيث فترة التعليم الإجباري أو الحد الأدنى من التعليم الأساسي إلى (تسع سنوات) أو إلى (اثنتي عشرة سنة) لتشمل التعليم العام كله
التعليم الموازي:
للتغلب على مشكلة التلاميذ كبار السن الذين يتكرر رسوبهم وتتعثر دراستهم في المرحلة الابتدائية والإعدادية اتجهت بعض دول الخليج العربية إلى إنشاء نوع من التعليم يعرف في الكويت باسم التعليم الموازي.
وهو على مستوى المرحلة المتوسطة فقط ومدتها (أربع سنوات) 4 سنوات
ويتوقع كما تشير التقارير الرسمية أن يشمل هذا التعليم المراحل التعليمية الثلاث الابتدائية والإعدادية والمتوسطة والثانوية.
وهذا النوع من التعليم موجود في البحرين وله نفس أهداف التعليم الموازي في الكويت ويقبل به نفس النوعية من التلاميذ، ويسمى بالتعليم الإعدادي المهني. ويهدف إلى خلق جيل بحريني من الفنيين في مختلف الوظائف الفنية
والهدف من التعليم الموازي. تزويد التلاميذ بقدر كاف من الثقافة العامة وتزويدهم بالمعارف والقدرات والمهارات العملية التي تساعدهم على الالتحاق بمجالات العمل المختلفة وتتصل مع حاجات المجتمع ومتطلباته المباشرة.
ويقتصر هذا النوع من التعليم على البنين دون البنات. وهذا التعليم مازال محدوداً في مدارسه وعدد تلاميذه ومعلميه.
استخدام التليفزيون التربوي:
ترجع أهمية استخدام التليفزيون التربوي في النظم التعليمية المعاصرة إلى أن المادة التعليمية عن طريق التليفزيون تكون في مستوى جيد، وإخراج المادة وعرضها يتم بطريقة مشوقة تشجع على الاهتمام به. ومعلم شاشة التليفزيون يكون متميزاً عادة في أدائه وأسلوب تدريسه بالإضافة إلى ذلك الإمكانيات التأثيرية الضوئية والصوتية وسهولة استخدام مكتبة الأفلام وشرائط الفيديو المتوافرة في الدائرة الداخلية للتليفزيون، وتوجد برامج تعليمية خاصة بكل دولة كما كانت توجد برامج مشتركة لدول الخليج من أشهرها برنامج " أفتح يا سمسم ".
- استراتيجيات النهوض بأوضاع التعليم في دول الخليج
أوضاع التعليم في دول الخليج بصفة عامة هي الأولى عربيًا ولكن السياسات التعليمية في دول الخليج تحتاج إلى استراتيجيات جديدة لتستطيع القفز إلى مراكز أعلى دوليًا، ولهذا فإننا نطرح استراتيجية مبسطة تضم عددًا من أطراف العملية التعليمية بهدف تطويرها من خلال:
1-سياسات لتحسين كفاءة الإنفاق على التعليم:
تنطلق هذه السياسات من قناعة أن الإدارة المالية الرشيدة يمكنها أن تعوض أي نقص في الموارد، بل تكون قادرة على تعظيم هذه الموارد، هذا ما تؤكده الدروس المستفادة من تجارب دول جنوب شرق آسيا، وتأسيسًا على ذلك يمكن اقتراح مجموعة من الفاعليات منها:
أ -تقليل الهدر المتزايد في النفقات الحكومية من خلال إتباع أساليب حديثة في بناء المدارس من خلال إنشاء المدارس بنظم وتصميمات جديدة وتوظيف الخبرات في التصميم والتنفيذ وتجهيز المدارس، وإمكانية الوصول للمناطق النائية، وحل العديد من المشاكل المتعلقة بحيازة الأراضي المخصصة للمباني المدرسية.
ب-استخدام تكنولوجيا المعلومات المتقدمة في التدريس بما يعمل على تخفيض الكلفة التدريسية، مع الاهتمام يرفع القدرات المهنية والعلمية للقيادات التعليمية وهيئات التدريس، والحد من التضخم الوظيفي والعمالة الزائدة في الوظائف الإدارية.
ج -التفكير جديا في البحث عن مؤسسات خاصة تقوم بطباعة الكتب التعليمية تتنافس فيما بينها لتقليل تكاليف الطباعة وتحسين جودة المنتج.
د -العمل على تحسين توزيع الموارد المالية بما يعيد التوازن، بين النفقات الجارية والنفقات الاستثمارية، وبين المراحل التعليمية وفقا لأدوارها التنموية، وبين الريف والحضر بما يحقق تكافؤ الفرص بين الجميع.
هـ -إيلاء أهـمية خاصة للدراسات الاقتصادية والتخطيطية والفنية من خلال إنشاء وحدات اقتصادية تتولى مسؤولية القيام بدراسات وبحوث ميدانية وتحليلية واستراتيجية وتقديمها لمتخذي القرار وصولاً لقرارات سليمة اقتصاديًا، وتحقق الأهداف بشكل علمي.
2-السياسات اللازمة لتدبير موارد إضافية:
وتنطلق هذه السياسات من كون التعليم هو " المشروع القومي الأول لدول الخليج " الذي ينبغي أن تتضافر كل جهود الدول الخليجية حوله، وفى هذه الحدود يصبح من المهـم النظر في الإجراءات الآتية:
أ -إعادة النظر في تحديد الخيارات، وتنمية الوعي بتشجيع الأفكار الجديدة لتطوير التعليم من خلال المبادرات الشعبية للمشاركة.
ب-إزالة العوائق أمام إسهامات رجال الأعمال في مجال إنشاء مؤسسات تعليمية تتنافس فيما بينها على تقديم خدمة متميزة، لتخريج قدرات عالية تخدم التنمية المحلية، وتكون قادرة على المنافسة العالمية.
ج -تعظيم الاستفادة من المنح الدولية لاسيما المقدمة من المنظمات الدولية، على أن يتم ذلك وفقًا لضوابط محكمة تتيح الاستفادة منها، وبما لا يقود إلى الوقوع في شرك أغراض تتعارض مع أهداف المجتمع
د -التوسع في الاعتماد على صيغ جديدة، كالتعليم عن بعد، والتعليم المفتوح، والجامعات الافتراضية.
3-السياسات اللازمة لإصلاح المناهج:
- إعادة بناء المناهج وفق نموذج تربوي حديث.
- توفير مناهج تتسم بالمرونة تناسب التلاميذ وبيئتهـم وفق المعايير القومية للتعليم.
- تطبيق التقويم التربوي الشامل في جميع صفوف التعليم ما قبل الجامعي.
-دمج التكنولوجيا في التعليم وجعل الاعتماد الرئيسي في إيصال المعلومة على التكنولوجيا.
- ضمان فاعلية المشاركة المجتمعية المحلية وتقديم الدعم لتعزيز كفاءة أعضاء مجالس الأمناء والآباء.
4-السياسات اللازمة لتنمية مهارات المعلمين:
-التنمية المهنية المستدامة للمعلمين لتنفيذ استراتيجيات التعليم النشط والتقويم الشامل بطريقة تجعل المعلمين ممارسين للمهنة ولديهـم القدرة على التفكير والإبداع وتحسين أداءهـم.
- إقرار كادر وظيفي للمعلمين يتميز بالمرونة والتطور.
-اكتشاف وجذب وتدريب القيادات التعليمية والإدارية الواعدة بالمدارس والإدارات التعليمية.
-استخدام أساليب واستراتيجيات التدريب عن بعد من خلال فيديو كونفرانس، حسب طبيعة البرامج التدريبية المستهدفة.
5-سياسات تفعيل قابلية المعلمين لمعايير الجودة الشاملة في التعليم:
- ضرورة توفير المناخ التعليمي الملائم والتقيد به والحفاظ عليه.
- تفعيل مهارات العمل الجماعي في التعليم.
- مضاعفة فاعلية نظم المكافآت والحوافز وعدالتها، والحرص على تقديم الحوافز الإيجابية والمكافآت المشجعة للمتميزين والحريصين على إتقان العمل وإجادته.
- الحرص على تبادل الخبرات بين المعلمين في المناطق الجغرافية المختلفة داخل دول الخليج لقياس مدى تقبل المعملين في مختلف المناطق لمعايير الجودة الشاملة في التعليم حسب الاستجابات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عميد كلية التربية الأسبق بجامعة سوهاج –مصر ـ الرئيس الأسبق للهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار في مصر ـ خبير زائر لمكتب التربية العربي لدول الخليج بالرياض.