إن الثروة الحقيقية في بناء المجتمعات ومرتكزها الحقيقي، هي الإنسان، فهو أعظم ثروة وطنية، وما سواه تعد أدوات بناء. والتنمية المستدامة تبدأ في الاستثمار الإنساني والكوادر البشرية، ولكي يبني أي مجتمع لبنات النجاح والتقدم الحضاري، عليه أن يرسم بسواعد أبنائه الفكر والثقافة، ليتسم بالتحضر ويتغلف بالمدنية الحديثة، والمجتمع المفكر هو تعبير ناطق للعقل الناضج الذي يحركه على حد سواء الرجل والمرأة، فيسطرون الإبداع حسب ما تلقوه من علم وما اكتسبوه من خبرات، فيعتصرون الموهبة مع الاكتساب ليبنوا أسس مجتمعات متحضرة، حيث يقاس تقدم الشعوب بثقافتها وفكرها، فلا بناء ولا تقدم من غير فكر وثقافة وأدب.
سلطنة عمان كجزء من الوطن العربي الذي تتشابه فيه الانثروبولوجيا الثقافية، من حيث المكونات المجتمعية والموروثات الثقافية، كانت محطة انطلاق لتفعيل دور المرأة الثقافي في نهضة الواحد وخمسين عامًا، استكمالا لمشاركات حتى لو كانت محدودة في قبل عهد النهضة المباركة. وتعد المرأة العمانية شريك فعال ومؤثر في المجال الثقافي، حيث كان لها تواجد ظاهر وجلي، ولكي نستطيع التعمق أكثر عن دورها الأدبي والثقافي، سنعرج على بعض البحوث والمصادر، لإلقاء الضوء على تلك النماذج، التي حملت المشعل الأدبي ومررته جيلاً وراء جيل ليصل إلينا ونحن على أبواب ٢٠٢٢م.
قدم الباحث سلطان بن مبارك الشيباني في كتاب (معجم النساء العمانيات) 129 شخصية نسائية عمانية كان لهن دور، في حياة المجتمع، ولو أن ذلك الدور كان محصورًا بالعرف والعادات الاجتماعية التي شكلت عوائق حجبت الكثير من المواهب التي لم نعرف عنها، وقد وقفت على بعض الأسماء اللامعة ومنهن ثريّا اللمكية، التي تتلمذت على يد والدها وكانت هي وأختها عزّاء على درجةٍ من العلم والدراية ( الشيباني، معجم النساء العمانيات،32)، وسالمة بنت علي الحجرية من أهل "بدية" وكانت لها مكتبة خاصة ( الشيباني، 80)، وشمساء الخليلية ابنة الشيخ المحقق سعيد بن خلفان الخليلي وكانت مرجعاً لأهل عصرها، يقصدها الناس من كل حدبٍ وصوب، وقد تركت آثاراً أدبيّة وفقهيّة طيّبة ( الشيباني، 92)، وشمسة بنت مسعود الحجريّة التي اهتمت باقتناء كتب العلم، ومن الكتب المنسوخة لها كتاب الحكم العطائية (الشيباني، معجم النساء العمانيات، 93)، وذكر الشيباني نجيّة بنت عامر الحجرية زوجة السيد فيصل بن حمود بن عزان، وكانت كاتبة زوجها لحسن خطّها، ونصراء بنت راشد الحبسيّة التي اشتغلت بتعليم النساء وتفقيههن مع أختها “حسينة” (الشيباني، معجم النساء العمانيات، 181).
وذكر الدكتور محمد بن حمود العريمي في مقال نشره في الأثير ديسمبر، ٢٠١٨م، ما نقله عن الباحث د. سعيد بن مسلّم الراشدي في بحثه القيّم “دور المرأة العمانية في صون المخطوط”، عن الدور الذي قامت به المرأة العمانية عبر القرون المنصرمة تجاه الموروث الفكري والثقافي من المخطوطات العمانية، الذي ساهم إسهاماً كبيراً في دعم حركة العلم والمعرفة بالمجتمع، منهنّ الشيخة زوردة بنت عبدالله بن محمد الكندي (ق12هـ) التي “جعلت من مصلاها مركزاً علمياً دعوياً وإصلاحياً، يرد من معينه النساء كافة، والشيخة ضنُوه بنت راشد بن عمر الخفيريَّة النزوية (ق12هـ). كان لها مدرسة يدرّس فيها العلم الشرعي، وخزانة كتب مخطوطة، أوقفتها بعد وفاتها لطلبة العلم. (الراشدي: المرأة العمانية سخّرت طاقاتها وإبداعاتها في نســـــخ العلم ونشره، جريدة عمان، 15/6/2016).
والشيخة زيانة بنت سلوم بن سعيد أمبوسعيدية (ق14هـ)، التي اشتغلت بطلب العلم، وزاد اهتمامها بتأسيس مكتبة علمية يقصدها المتعلمون، وذلك لما زخرت به هذه المكتبة من مكنونات الكتب النفيسة، والمخطوطات الثرية والشيخة نضيرة بنت العبد بن سليمان الريامية (ق14هـ) التي عدّت من العالمات البارزات في نظم الشعر، وأراجيز الفقه، كما كانت لها مدرسة علمية وهي المدرسة الطينية المجاورة لبيتها، وقامت بتأسيس مكتبة علمية تضم عشرات المخطوطات النفيسة. (جريدة عمان، 15/6/2016م).
ومنهنّ – بحسب الدكتور الراشدي -الشيخة عائشة بنت مسعود بن سليمان العامرية (ق13هـ) من قرية القريتين من أعمال ولاية إزكي، اهتمت بنشر الكتب وتحصيلها.
ومن بين الأسماء التي وردت في كتاب (النمير.. روايات وحكايات) للباحث محمد بن عبد الله السيفي في أجزائه الخمسة التي تناولت تاريخ عمان نماذج من سيرة المرأة العمانية وأثرها في مختلف المجالات على سبيل المثال؛ الشاعرة الأديبة عائشة بنت سليمان بن محمد الوائلية.
وذكر المهندس/ سعيد بن محمد الصقلاوي، رئيس الجمعية العمانية للكتاب والأدباء في السلطنة، في كتابه ثقافة المدينة، عن دور المرأة الثقافي في "صور" أنها” كانت تتفاعل مع الثقافة من خلال مجالس النساء التي كانت تعقد في البيوت، يتداولن الأشعار، والأمثال، والأخبار، والأحاديث الدينية فضلاً عن جلسات الفن الشعبي الذي كنّ يمارسنه في بيوتهنّ مساء أو في وضح النهار بين الحارات أو في الميدان، فازدهر الشعر بينهنّ، وكان من أشهرهنّ سليمة بنت سعيد مكشّن المخينية، وفاطمة بنت مسلم المخينية، وسالمة بنت سالم أبو ناشب الفارسية، وغيرهنّ من ربات القصيد، وصانعات الكلام في صور. (سعيد بن محمد الصقلاوي، ثقافة المدينة، 112)
وفي عصر النهضة لعبت المرأة العمانية دورًا ثقافيًا مهمًا في الساحة العمانية، واستمر عطاؤهن الثقافي والأدبي، نبع خير تتدفق جداوله لتشمل كل محافظات وولايات السلطنة، فتنوعت المجالات وبرزت العديد من الأسماء التي احتلت الصدارة في الساحة الأدبية العمانية، بل وانتقل صداها لدول مجلس التعاون كجزء والوطن العربي ككل.
ولعل الفترة الزمنية قبل السبعينات نجد أن دور المرأة في الشعر أو صنوف الكتابة كان ضعيفًا جدًا، بل يكاد يكون خاو، لعدة أسباب نذكر منها واقع التعليم الذي كان ضعيفًا، وشح المكتبات ومصادر تعلم الأدب والشعر، وإن كان هناك أشعارًا تعتمد على النقل الشفاهي، ولم يوثق كتابة، ولعل العادات المجتمعية آنذاك حالت دون تمكين المرأة من إتقان الشعر الفصيح أو كتابة القصة والرواية، وربما كانت هناك نماذج لشاعرات الشعر الفصيح ولم يخلدهن التاريخ، ولكن الشعر الفلكلوري كان حاضرًا، وشاعرات الفلكلور الشعبي اعتمدن على السليقة والفطرة لإلقاء بعض الأبيات الشعبية، والتي بسبب عدم التوثيق لم نستطع الحصول على معلومات كافية والتحقق منها، إلا أن حضور المرأة ولو على استحياء كان موجودًا مشاركة مع أخيها الرجل.
وقد ذكرت عدة شاعرات في الفن الشعبي العماني من هذه الأسماء على سبيل المثال لا الحصر، "الشاعرة سليمة بنت غفيل المسكرية (1868-1954م) حيث دخلن هؤلاء الشاعرات في مساجلات شعرية مع شعراء الميدان في ذلك الوقت مثل الشاعر حافظ المسكري (ت 1936 م) وود همش (ت: 1962م). بجانب بنت غفيل هناك جميعة بنت سويدان الراسبية (ت: 2008م) والمعروفة ببنت نعمى (مجلة نزوى)".
وفي الشعر الفصيح نجد لنفس الأسباب السابقة أنها حالت دون المعرفة الحقيقية للاطلاع على مشاركة المرأة قبل عهد النهضة في كتابة وتأليف القصائد، عدا بعض التراجم والكتب والتي أشرنا ونشير إليها في هذا الصدد، فضمن مخطوطات مراثي الإمام ابن مرشد وبنت عامر تكاد تكون بنت عامر السيارية (مابعد1059هـ) هي الشاعرة الوحيدة التي نجد إشارة إليها في زمن اليعاربة.
لها قصيدتان في رثاء الإمام ناصر ين مرشد اليعربي (توفي1059هـ) القصيدتان تردان في مرثاتها الأولى في الإمام ناصر بن مرشد تقع في 31 بيتا ومطلعها:
لقد نابنا أعظم النايبات
وحلَّ بنا أعظم الدايرات
أما المرثاة الثانية فهي 29 بيتا ويقول مطلعها:
أحن إذا ما حنت العيس حنتي
وأبكي بدمعٍ مسبل فوق وجنتي.
ومما نقل إلينا عن أوائل الإبداع الشعري النسائي العماني، هو ما أشار إليه الباحث أحمد بن عبد الله الفلاحي عن الشاعرة عزاء بنت حماد المغيرية من أهالي بطين في كتابه (بطين) ويسوق لها عدة نماذج من شعرها دون تحديد لتاريخ الميلاد والوفاة:
أمَتـُكَ الذليلةُ الفقيرة
تعاظمتْ ذنوبُها كثيرةْ
فاغفر إلهي الزلةَ الصغيرة
وأعفُّ عن الخطيئةِ الكبيرة
وقبرها يا سيدي تُنيره
لكي يكون روضةً نظيرة
وورد في كتاب (شقائق النعمان على سموط الجمان في أسماء شعراء عمان) للشيخ محمد الخصيبي، اسم الشاعرة عائشة الحارثية، والتي تشابه شعرها مع عزاء المغيرية:
دعاني لحجِ البيتِ من بعد سبعة
وعشرين عاماً قد مضتْ من حياتيا
فجزنا طريقَ الجو نخترقُ الفضا
وفي البرِّ أحياناً نؤمُ المعاليا
وصلنا ضحىً أم القرى منبع الهدى
فقرتْ بها عيني وسُرَّ فواديا
وذكر الدكتور محمد بن حمد العريمي نقلا عن بهية بنت سعيد العذوبية، مجتمع المرأة العمانية قبيل النهضة المباركة (مجتمع القابل أنموذجًا)، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة الحركة العلمية للمرأة العمانية، في وزارة الأوقاف عن الشاعرة والأديبة عائشة بنت عيسى بن صالح الحارثية التي نثرت شعرها في ستينات وسبعينات القرن العشرين، ولم تنشر قصائدها في الجرائد أو في كتب خاصة بها، وكانت تكتب بحسب المواقف والأحداث، ولأن تلك الحقبة لم تكن مهيئة لأن يعلو صوت المرأة الأدبي.
تقول في إحدى قصائدها:
قصائد قلتها لله أنويها… ودعوة لعباد الله أبغيها
أقول قولة معروف وأنشرها… لعلها أثرت في نفس قاريها
وعل سيئة عني تحط بها… أو رحمة لي من ربي أرجيها
وليس همي أبياتا أنظمها… وانما هدفي منها معانيها
ويلاحظ أن معظم ما وصلنا من الأشعار، كان ظاهرًا فيه التأثر الديني، وملامح التدين والوعظ بدت واضحة في المعاني والمفردات، والجو العام للقصيدة.
ولكن الفترة التي بدأت بحكم الراحل طيب الله ثراه قابوس بن سعيد (النهضة العمانية) والتي بدأت مطلع السبعينات واستكملت مسيرتها في ظل جلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله، فتحت الباب على مصراعيه لوضع أساس خصب للتعليم والثقافة، وإعطاء المرأة دورًا أوسع لتنمية موهبتها الأدبية والتعبير عن فكرها من خلال مسيرة عطاء لنصف قرن.
وكانت الانطلاقة الثقافية والفكرية للمرأة العمانية، قد حملت في جنباتها التطلعات نحو المستقبل، واستشراف دور المرأة الفاعل في مختلف جوانب الحياة، وكنتيجة منطقية لتزايد أعداد الإناث للمنظومة التعليمية، تفجرت المواهب وحلقت في سماء السلطنة عاليًا، لتسطر عطاء أثبت القدرة الحقيقية للمرأة، في ظل توجه القيادة السياسية للسلطنة لتمكين المرأة وتذليل الصعوبات لها لتكون شريكا فاعلاً، وعنصرًا مهما في بناء الحضارة العمانية المتفردة.
وفي الثمانينات بدأت الحركة الأدبية في الانتعاش حيث تصدرت المشهد النسائي الثقافي، الدكتورة، سعيدة بنت خاطر الفارسية حيث حصلت على درجة الدكتوراه في النقد العربي والأدب المقارن من جامعة القاهرة في عام 2002م، وصدر لها أول ديوان شعري في عام 1986م، بعنوان "مدٌّ في بحر الأعماق"، تلا ذلك الديوان الكثير من الإصدارات، في الشعر والأدب، للكبار والصغار حيث نشرت ديواني شعر للأطفال "أنشودتي" و"بهم نقتدي" وكتاب "الراقصات على الجمر" وثقت فيه سلسلة مقالات لها في الصحف العمانية من الفترة ٢٠٠٦ ولغاية ٢٠١٠م. وهو كتاب يتناول المرأة ذات التوجه الإبداعي في الخليج العربي.
وقد كرمت د. سعيدة الفارسية على الصعيد المحلي والعربي حيث اختيرت في مهرجان فاس الدولي السابع للإبداع الشعري بالمغرب لتكون عنوان دورته في عام 2017م، كما منحت ميدالية العنقاء الذهبية في دورتها الرابعة "2015-2018" وغيرها من الجوائز.
واستطاعت هدى حمد الجهوري أن تحصد المركز الأول في مسابقة الشارقة للإبداع العربي، 2008م عن روايتها «الأشياء ليست في أماكنها» وصدر لها 3 مؤلفات قصصية وهي الصادر عام 2009، وكذلك «التي تعد السلالم» في عام 2014، و «سندريلات مسقط» في عام 2016م، وأخيرًا رواية «أسامينا» في عام 2018م. وحصلت على عدة جوائز في السلطنة في مسابقات القصة القصيرة. وأطلت في سماء الخليج أديبة أخرى حصدت جائزة "الشارقة" لإبداعات المرأة الخليجي" في ٢٠١٩م، عن ديوان «خذ بيدي فقد رحل الخريف»، إنها عزيزة بنت عبد الله الطائية، والتي كتبت في صنوف أدبية شتى وكانت كتاباتها تقترب من المرأة والطفل وهموم الكاتب العماني مرورًا بالقصة القصيرة والنقد والشعر، واهتمت بالمرأة وشكلت العصب الرئيسي في كتابتها، ولها مؤلفات أخرى من بينها ظلال العزلة، وأرض الغياب، والكتابة في مرآة الذات: قراءات في نصوص عمانية معاصرة، والخطاب السردي العماني: الأنواع والخصائص.
واستطاعت الشاعرة بدرية البدرية حصد جائزة “كتارا لشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم” ٢٠٢١م.وتعتبر الشاعرة بدرية أول امرأة تحصل على هذه الجائزة والمرأة الأولى التي تتأهل إلى الأدوار النهائية من الجائزة.
وحين كانت تجربة النشر والظهور الإعلامي للأديبات في فترة السبعينات والثمانينات وحتى التسعينيات من القرن الماضي أمرًا يحتاج جرأة، وعزيمة وإصرار فإنه ومنذ نهاية التسعينات وبداية الألفية الثانية انتعش الحراك الأدبي والثقافي وتجاوز كل التوقعات وكتبت المرأة في كل المجالات، من المقال الصحفي وحتى الرواية، وحصدت الكثير من العمانيات الجوائز العربية والعالمية، مثبتة أنها قادرة على المنافسة وتملك القدرة الأدبية اللازمة التي تجعلها علامة فارقة في تاريخ المرأة الخليجية والعربية.
وقد استطاعت الكاتبة العمانية جوخة الحارثية أن تكون من أهم الشخصيات الأدبية النسائية على مستوى العالم أن تحصد أهم جائزة أدبية بعد جائزة نوبل ألا وهي جائزة مان بوكر العالمية" لعام ٢٠١٩م، عن روايتها "سيدات القمر "وتعد جوخة أول امرأة عربية خليجية تنالها، كما حصلت على "جائزة السلطان قابوس" لعام 2016م، عن روايتها "نارنجة".
وجوخة الحارثية كاتبة وروائية عمانية. أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية في "جامعة السلطان قابوس" في سلطنة عمان. من مؤلفاتها: "نارنجة"، "سيدات القمر"، "منامات"، بالإضافة إلى العديد من القصص، منها "مقاطع من سيرة لبنى إذ آن الرحيل"، "صبي على السطح"، "في مديح الحب"، " حاصلة على دكتوراه في الأدب العربي الكلاسيكي من "جامعة إدنبرة" في المملكة المتحدة.
واليوم وحن على مشارف ٢٠٢٢م، احتلت المرأة العمانية الكاتبة والأديبة والصحفية والإعلامية، مساحة كبيرة، وافتتحت المبادرات الثقافية النسائية في مختلف المحافظات والولايات، وانتعشت المكتبات بعشرات المؤلفات للمرأة العمانية، فنوقشت في طيات الكتب قضايا المرأة وهمومها، ومشكلاتها، وبثت عديد الكاتبات من خلال الصحف والمنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما كانت تجده العمانية قديمًا أمرًا يستحيل حدوثه.
ونلاحظ أن بعض المحافظات في السلطنة والتي كانت ما تزال لوقت قريب ترى أن المرأة الكاتبة، أو الإعلامية لديها جرأة قد لا يقبلها المجتمع، ولكن في السنوات الأخيرة وبعد وجود حاضنات أدبية تستطيع كل امرأة لديها الموهبة وشغف الكتابة أن تنطلق وتعرف عن نفسها، حيث ظلت الكثير من الأقلام أسيرة المعرفات الوهمية، في سماء الواقع الافتراضي، افتتحت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء عدة أفرع على مستوى المحافظات، وشاهدت إقبالاً من الكاتبات للانضمام إليها، كما سهلت وزارة الثقافة والرياضة والشباب عملية إشهار المبادرات الثقافية، فكان في الطليعة النادي الثقافي العماني الذي تأسس عام 1983م. وتم إشهار عدد من الصالونات والمجالس الثقافية في مختلف المحافظات في السلطنة.
وكما أسلفت عن دور الجمعية العمانية للكتاب والأدباء في كونها حاضنة ثقافية وأرض احتواء لكافة الأدباء والأديبات على مستوى السلطنة، فإن جمعيات المرأة العمانية، والتي تأسست أول جمعية للمرأة العمانية في مسقط في عام ١٩٧٢م، تبعتها كل الولايات في السلطنة وتسابقت في تفعيل الدور الاجتماعي والثقافي للمرأة، من خلال هذه الجمعيات المخصصة للمرأة والتي لقيت دعمًا مجتمعيًا، وحظيت باهتمام من الدولة.
ثم في 2021م، ووفقا لرؤية ٢٠/٤٠، تم إشهار نادي المرأة الرياضي والإبداع الثقافي، حيث تمركز مِحور المرأة ضمن رؤية ٢٠/٤٠ على توفير البيئة الملائمة لمشاركة المرأة في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، بما يعزز وضعها ويمكنها من المشاركة الفاعلة في جهود التنمية الشاملة والمستدامة التي تشهدها السلطنة.
ولم تتوقف المرأة العمانية عند هذه المحطات وحسب، بل تفاعلت مع الظروف وتكيفت بما تقتضيه الإجراءات التي حالت بينها وبين الخروج للمجتمع أثناء الكوارث والجوائح، وعرفت كيف تستثمر الوقت والجهد من خلال التسهيلات الإلكترونية، فنشطت المرأة المثقفة وقدمت الكثير من الجهود والتي أثمرت ميلاد نجاح لأقلام جديدة.
حيث ظهرت الكثير من الأعمال الأدبية والورش التدريبية النسائية والخاصة فقط للمرأة، ورسمت نموذجًا جديدًا تعامل ببرامج التواصل الاجتماعي وسخره لتدريب وتهيئة المرأة الموهوبة والأديبة، ولعل أول منصة "نسائية" للأديبات والمواهب النسائية هي "منصة نون النسوة" التي انطلقت مع بدء جائحة كورونا، كتجربة جديدة، تختص بالمرأة فقط، استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي لتدريب المرأة الموهوبة وتعزيز قلمها وفكرها الإبداعي.
ولعل هذا الانتعاش الأدبي والفكري والثقافي لم يكن ميلاد لحظة أو عمل لفترة من الزمن، ولكنه تسلسل تتابعي وتراكمي لسنوات طويلة جدًا، من الأمل والطموح، وعلى وجه الخصوص في عهد النهضة المباركة والتي أتاحت للمرأة الكثير من الفرص، للمشاركة والبناء، وللتميز والإبداع، وترى العمانية مستقبلها العام والثقافي على وجه الخصوص مشرقًا، فقد استطاعت أن تدخل كل الميادين، بل وتم الاهتمام بها على وجه الخصوص من قبل القيادة السياسية للسلطنة، ولعل ظهور السيدة الجليلة عهد بنت عبدالله البوسعيدية حرم صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق ال سعيد حفظه الله، وتفاعلها مع المجتمع العماني وقضايا المجتمع والمرأة، وكونها أصبحت أيقونة المرأة العمانية، عزز الدافع لدى كل نساء السلطنة في أداء دورهن لخدمة الوطن والمجتمع، فرأيناها في المؤسسات الخيرية ودور الرعاية، وفي دعم الأسر المنتجة وخصوصًا النساء، وتكريم المبدعات في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية وأطلق باسمها مؤسسة عهد الخيرية، وكان حافزًا قويًا لكل امرأة عمانية أن تصبح فاعلة في مجتمعها ومحيطها.
ومنذ إطلاق رؤية ٢٠/٤٠ والتي تراها المرأة العمانية مستقبلاً مشرقًا نحو المزيد من العطاء والتنمية خصوصًا أنها ترتكز على ثلاثةً محاور أساسية «الإنسان والمجتمع»، «الاقتصاد والتنمية»، "الحوكمة والأداء المؤسسي".
ونظرًا لأن أهم الدوافع كانت استمرارا لنهج الراحل طيب الله ثراه قابوس بن سعيد، أولى صاحب الجلالة هيثم بن طارق حفظه الله المرأة اهتمامًا عظيمًا، وكان ذلك جليًا في خطاب جلالته في 23 فبراير 2020م، بعد حوالي شهر من توليه مقاليد الحكم حيث أكد على الاهتمام بالمرأة العُمانية، ودورها الحيوي في بناء الوطن أسوة بأخيها الرجل على مختلف الأصعدة.
وقال في خطابه "إن شراكة المواطنين في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها دعامة أساسية من دعامات العمل الوطني، ونحرص على أن تتمتع فيه المرأة بحقوقها التي كفلها القانون وأن تعمل مع الرجل جنبًا إلى جنب في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومجتمعها، مؤكدين على رعايتنا الدائمة لهذه الثوابت الوطنية التي لا نحيد عنها ولا نتساهل بشأنها".
فكان يوم المرأة العمانية في ١٧ من أكتوبر كل عام، بمثابة احتفائية لكل المبدعات والمتميزات في كل جوانب الحياة ومجالاتها، تحظى فيه بالتكريم والتعزيز المعنوي لدورها المبذول في خدمة الوطن والمجتمع. وتتوقع المرأة العمانية أن تحظى بفرص أجمل في المستقبل وهذا ما تشير إليه عجلة التقدم التي تتساوى فيها المرأة مع أخيها الرجل. في تقدم تصاعدي للبناء والتنمية والعطاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتبة ومهتمة بالمجال الثقافي في سلطنة عُمان