في البداية يجب أن نؤصل لحقيقه مفادها، إن امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية هو حق لكل الدول مكفول بالعديد من المواثيق والمعاهدات الدولية مثل معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وقد عزز هذا الاتجاه الدولي الاهتمام المتزايد والحاجة الملحة لمصادر طاقة نظيفة قادرة على تلبية الاحتياجات العالمية المتنامية للطاقة، وهذا ما أكدته التقارير الصادرة من وكالة الطاقة الدولية(IAEA) حيث دعت في تقرير أصدرته يوم السابع من نوفمبر 2006 م، الدول المختلفة إلى أن تدرس بناء مفاعلات نووية جديدة لتوليد الطاقة الكهربائية.
ولهذا أكد البيان الختامي الصادر عن قمة الرياض لمجلس التعاون الخليجي المنعقدة في 9 ديسمبر 2006م، أن دول المجلس الست أعضاء في مجلس التعاون الخليجي -وهي المملكة العربية السعودية، والبحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والإمارات العربية المتحدة اتفقت على بدء دراسة "لإيجاد برنامج مشترك في مجال التقنية النووية للأغراض السلمية". وقد صاحب مضمون وتوقيت هذه الخطوة، كثير من التساؤلات والمناقشات حول: الهدف من هذا التوجه والرسائل التي تتضمنها ومدى جدية هذا التوجه.
مع أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية هي الدول الرئيسية في إنتاج وتصدير النفط والغاز على المستوى العالمي، إلا أنها في حاجة ماسة للبحث والتخطيط لامتلاك مصادر طاقة أخرى بديلة للوقود الأحفوري مثل إنتاج الطاقة النووية والطاقة الشمسية وذلك استعدادًا لمرحلة ما بعد النفط .
فمن المعروف أن دول الخليج العربي تعتمد بشكل أساسي على النفط كمصدر رئيسي وحيد لإنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه. بعد بيان قمة الرياض 2006م، بدأت مباحثات دول مجلس التعاون الخليجي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحدثوا عن مبادرة نووية جماعية. ولهذا فقد طورت الدول شبكة كهرباء تربط المدن كبيرة ومتوسطة الحجم عبر الحدود لتعزز قدرة الشبكة التي يمكن أن تجعل مشروع نووي مشترك ممكن.
الواقع اليوم: أول مفاعل كهرونووي عربي.
في شهر أبريل من عام 2008م، بعد قرابة العامين من قمة الرياض ديسمبر 2006م، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن خططها وسياساتها للطاقة النووية من خلال إصدار وثيقة سياسة دولة الإمارات لتقييم وإمكانية تطوير برنامج للطاقة النووية السلمية.
حيث أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي يوم السبت الأول من أغسطس 2020م، في تغريده على تويتر "نعلن اليوم عن نجاح دولة الإمارات في تشغيل أول مفاعل سلمي للطاقة النووية في العالم العربي" في محطات براكة للطاقة النووية بأبوظبي، وبذلك أصبحت الإمارات العربية المتحدة أول دولة عربية تفتتح محطة للطاقة النووية، فقد أعلنت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية نجاح شركة نواة للطاقة التابعة للمؤسسة، والمسؤولة عن تشغيل وصيانة محطات براكة للطاقة النووية السلمية، في إتمام عملية بداية تشغيل مفاعل المحطة الأولى. قالت الإمارات، وهي دولة أصبحت مركزًا إقليميًا للأعمال الدولية، إنها أنشأت المفاعل لتقليل اعتمادها على النفط وقالت إنه بمجرد تشغيل جميع وحداتها الأربع، ستوفر المحطة التي صممتها كوريا الجنوبية ربع الكهرباء في البلاد.
وفي معرض تقديم الإمارات أدلة على أن نواياها سلمية، كان هناك تعاون بينها وبين الوكالة الدولية للطاقة الذرية حيث استعرضت مشروع براكة، ووقعت مع الولايات المتحدة اتفاقية تعاون في مجال الطاقة النووية عام 2009م، تسمح لها بالحصول على مواد نووية والمساعدة الفنية من الولايات المتحدة مع منعها من تخصيب اليورانيوم وأنشطة تطوير القنابل المحتملة الأخرى.
الاهتمام السعودي بالطاقة النووية:
أبدت المملكة العربية السعودية اهتمامها بالطاقة النووية خلال الستينيات، وبدأت برنامجها النووي المدني في السبعينيات. حيث تم بناء محطتها النووية لتطوير برنامج نووي مدني من خلال إنشاء مركز الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا (KAACST) في عام 1977م، في الرياض. في وقت لاحق، تم إنشاء معهد أبحاث الطاقة الذرية (AERI) في عام 1988م، في نفس العام، وقعت الرياض على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، ومنذ بداية القرن الحادي والعشرين، دعت إلى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
وبعد قمة الرياض ديسمبر 2006م، حددت المملكة العربية السعودية خططًا لبناء ما يصل إلى 16 مفاعلًا نوويًا كبيرًا على مدار 20 إلى 25 عامًا لتزويد المملكة بقدرة نووية تبلغ 17 جيجا واط بحلول عام 2040م، لتوفير 15٪ من الطاقة بعد ذلك، إلى جانب أكثر من 40 جيجاوات من الطاقة الشمسية.
وفى عام 2008م، وقعت المملكة العربية السعودية مذكرة تفاهم تحت رعاية برنامج الذرة من أجل السلام مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي من خلالها تبيع الولايات المتحدة مفاعلات نووية ووقودًا نوويًا إلى المملكة العربية السعودية لتطويرها برنامجًا نوويًا مدنيًا. بعد وقت قصير من توقيع المذكرة مع الولايات المتحدة، أبرمت المملكة العربية السعودية اتفاقيات تعاون نووي مع فرنسا (2011م)؛ كوريا الجنوبية (2011م)؛ الصين (2012م)؛ وغيرها من الشركات النووية مثل INVAP في الأرجنتين (2015م)؛ روس اتوم، في روسيا (2015م)؛ CNEC، في الصين (2016 و2017م)؛ JAEC وJUMCO، في الأردن (2017م). كما بدأت محادثات مع حكومة جمهورية التشيك وروسيا والمملكة المتحدة بهدف تحقيق تطلعاتها لبناء مفاعلاتها النووية.
لماذا المملكة في احتياج ملح للطاقة النووية؟ طبقًا للبيانات الصادرة في عام 2018م، عن الوكالة الدولية للطاقة والبنك الدولي، فقد نما عدد سكان المملكة العربية السعودية من 4 ملايين في عام 1960م، إلى أكثر من 34 مليون في عام 2019م. وهي تستهلك أكثر من ربع إنتاجها من النفط، وفي حين أنه من المتوقع أن يزداد الطلب على الطاقة بشكل كبير ولذلك كانت الطاقة النووية أحد البدائل المهمة لإنتاج الطاقة في المملكة.
ــ في فبراير 2007م، اتفقت الدول الست مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على التعاون في دراسة جدوى لبرنامج إقليمي للطاقة النووية وتحلية المياه، بقيادة المملكة العربية السعودية، وفي أغسطس 2009م، أعلنت الحكومة السعودية أنها تقوم بدراسة جدوى برنامج إقليمي للطاقة النووية وتحلية المياه. وفي أبريل 2010م، صدر مرسوم ملكي جاء فيه: "إن تطوير الطاقة الذرية ضروري لتلبية متطلبات المملكة المتزايدة من الطاقة لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاة وتقليل الاعتماد على الموارد الهيدروكربونية المستنفدة". تم إنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة (KA-CARE) في الرياض للنهوض بهذه الأجندة كبديل للنفط ولتكون الوكالة المختصة بمعاهدات الطاقة النووية التي وقعتها المملكة. وهي مسؤولة أيضًا عن الإشراف على الأعمال المتعلقة بالطاقة النووية ومشاريع معالجة وتخزين النفايات المشعة. وفي يونيو 2010م، عينت شركة Poyry الاستشارية التي تتخذ من فنلندا وسويسرا مقراً لها للمساعدة في تحديد "استراتيجية رفيعة المستوى في مجال تطبيقات الطاقة النووية والمتجددة" مع تحلية المياه. في نوفمبر 2011م، عينت شركة WorleyParsons لإجراء عمليات مسح للموقع والتحليل الإقليمي لتحديد المواقع المحتملة، واختيار المواقع المرشحة ثم مقارنتها وترتيبها، وتطوير المواصفات الفنية لمناقصة مخطط لها للمرحلة التالية من مشروع الطاقة النووية السعودي. تم إدراج ثلاثة مواقع في القائمة المختصرة اعتبارًا من سبتمبر 2013م: الجبيل على الخليج؛ وتبوك وجيزان على البحر الأحمر.
- في يونيو 2011م، قال منسق التعاون العلمي في KA-CARE إنها تخطط لبناء 16 مفاعلًا للطاقة النووية على مدار العشرين عامًا القادمة بتكلفة تزيد عن 300 مليار ريال (80 مليار دولار). ستولد هذه المفاعلات حوالي 20٪ من الكهرباء في المملكة العربية السعودية في يناير 2015م، تم نقل التاريخ المستهدف لإنتاج الطاقة الكهرونووية إلى 2040م. تم تصور مفاعلات أصغر مثل CAREM الأرجنتيني لتحلية المياه. أظهر الجدول الزمني الصادر عن KA-CARE في شهر أبريل 2013م، أن البناء النووي يبدأ في عام 2016 2013، وفي عام 2013م، توقعت KA-CARE توليد 17جيجاواط من الطاقة النووية بحلول عام 2032م، من إجمالي 123 جيجا واط، مع 16 جيجا واط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، و25 جيجا واط من الطاقة الشمسية المركزة للطاقة الشمسية، و4 جيجا واط من الطاقة الحرارية الأرضية والرياح وسيتم استخدام 9 جيجا واط من طاقة الرياح لتحلية المياه.
- في سبتمبر 2013م، وقعت كل من شركتي هيتاشي للطاقة النووية ( GE Hitachi Nuclear Energy) و توشيبا /ويستنجهاوس (Toshiba / Westinghouse )عقودًا مع شركة (Exelon Nuclear Partners (ENP ، لمتابعة صفقات بناء المفاعل مع KA-CARE. حيث اقترحت هيتاشي كل من ABWR وESBWR، بينما اقترحت توشيبا Toshiba / Westinghouse AP1000 وABWR Toshiba. وقعت Areva وEdF عددًا من الاتفاقيات مع الشركات والجامعات السعودية، ووقعت EdF اتفاقية مع شركة الطاقة العالمية القابضة (GEHC) في المملكة العربية السعودية لإنشاء مشروع مشترك تتمثل مهمته الأولى في إجراء دراسات الجدوى لمفاعل من نوع EPR في البلاد.
- في مارس 2015م، وقع المعهد الكوري الجنوبي لأبحاث الطاقة الذرية (KAERI) اتفاقية مع KA-CARE لتقييم إمكانية بناء مفاعلين SMART كوريين على الأقل في البلاد، وربما أكثر. كان من المتوقع أن تستغرق الدراسة الهندسية للمشروع ثلاث سنوات. في سبتمبر 2015م، تم توقيع عقود أخرى، والتي تهدف إلى بناء شراكة لإنشاء بنية تحتية معرفية في مجالات تقنية SMART، لتصميم وبناء المفاعلات والحفاظ على ميزاتها الميكانيكية والسلامة حيث استثمرت المملكة وكوريا الجنوبية 130 مليون دولار في الفترة من 2015م، إلى نوفمبر 2017م، لإكمال هندسة بناء Pre-SMARTP.وجدير بالذكر أن المفاعلات من نوع SMART تم تصميمها لتوليد الكهرباء (حتى 100 ميجاوات كهربائية) بالإضافة إلى التطبيقات الحرارية الأخرى، مثل تحلية مياه البحر ، مع عمر تشغيل يصل إلى 60 عامًا ودورة إعادة التزود بالوقود لمدة ثلاث سنوات. تقدر تكلفة بناء أول وحدة SMART في المملكة العربية السعودية بمليار دولار. وتنظر كوريا الجنوبية إلى الاتفاقية على أنها تتيح فرصًا للمشاركة الرئيسية في خطط الطاقة النووية السعودية. صممت KAERI محطة تحلية متكاملة تعتمد على مفاعل SMART لإنتاج 40.000 متر مكعب / يوم من المياه وهذه التقنية توفر 90 ميجاوات من الكهرباء المستخدمة في حالة كون التوربينات الغازية.
- في أكتوبر 2015م، قالت مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة ( KA-CARE): “إن الزيادة السنوية في الطلب المحلي على الطاقة تتراوح الآن بين 6٪ و 8٪ تشير التوقعات إلى أن المملكة ستضطر إلى زيادة طاقتها المولدة بمقدار 80 جيجا واط بحلول عام 2040م، "المملكة العربية السعودية كان لديها خطط لتركيب 24 جيجا واط من الطاقة الكهربائية المتجددة بحلول عام 2020م، و 50 جيجا واط بحلول عام 2032 أو 2040م، كان من المفترض أن تشتمل 50 جيجا واط في عام 2032م، (وتم تأجيلها لاحقًا إلى 2040) تحتوى على 25 جيجا واط من الطاقة الشمسية المركزة، و 16 جيجا واط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، و 4 جيجا واط من الطاقة الحرارية الأرضية والنفايات ويمثلان معًا، 23-30 ٪ من الطاقة، ويستكمل 18 جيجا واط من الطاقة النووية تمثل 20٪ من الطاقة وذلك حتى عام 2040م. في عام 2016م، تم تعديل أهداف مصادر الطاقة المتجددة من 50٪ إلى 10٪ من الكهرباء (بحلول عام 2040) حيث تحولت الخطط أكثر إلى الغاز، بحيث تزيد حصة الطاقة المتولدة من الغاز من 50٪ إلى 70٪. ومع ذلك، في عام 2019م، أعلنت KA-CARE عن هدف جديد لمصادر الطاقة المتجددة، من خلال خطط لتوفير 58.7 جيجاوات من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2032م.
-في يناير 2016م، وقعت KA-CARE اتفاقية مع شركة الهندسة النووية الصينية (CNEC) لبناء مفاعل عالي الحرارة (HTR) في البلاد، استنادًا إلى نموذج HTR-PM قيد الإنشاء حاليًا في الصين بواسطة CNEC. في مارس 2017م، تم التوقيع على اتفاقية تعاون أخرى لتحقيق هذه الغاية، بما في ذلك توطين سلسلة التوريد وإجراء دراسات جدوى. في مايو 2017م، بدأت مجموعة عمل مشتركة دراسة جدوى رسمية للمشروع، بهدف تقديمها إلى الحكومة في وقت لاحق في عام 2017م، في أغسطس 2017م، وقعت مجموعة الهندسة النووية الصينية (CNEC) والمؤسسة السعودية لتطوير التكنولوجيا اتفاقية لدراسة جدوى حول استخدام مفاعلات درجات الحرارة العالية لتحلية مياه البحر. أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أيضًا عن دراسة جدوى حول HTRs التي توفر الحرارة لصناعة البتروكيماويات في المملكة العربية السعودية. في يوليو 2017م، وافق مجلس الوزراء على إنشاء المشروع الوطني السعودي للطاقة الذرية (SNAEP)، واللوائح المالية والإدارية الجديدة لـ KA-CARE.
في يناير 2019م، قدمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التقرير النهائي لبعثة المراجعة المتكاملة للبنية التحتية النووية (INIR) في المملكة العربية السعودية ، وخلصت إلى أنه تم إحراز "تقدم كبير" ، بما في ذلك إنشاء إطار تشريعي وتطوير البنية التحتية النووية، وبذلك تصبح المملكة العربية السعودية مؤهلة وبشكل كبير للاستفادة من التقنية النووية في الاستخدامات السلمية مثل إنتاج الطاقة الكهربية وتحلية المياه وإنتاج النظائر المشعة التي تستخدم في تشخيص وعلاج بعض الأمراض و البحوث العلمية المختلفة في مجالات الزراعة والغذاء و إنتاج واختبار مواد جديدة وكذلك استخدامها على نطاق واسع في التطبيقات الصناعية المختلفة لتصبح المملكة العربية السعودية مركزًا إقليميًا للتكنولوجيا النووية وتطبيقاتها في منطقة الخليج.