تحميل ملف الدراسة
يُقيِّم هذا البحث الديناميكيات الجيوسياسية والجيوتاريخية والأمنية لمنطقة البحر الأحمر وخليج عدن والقرن الإفريقي وعلاقتها بالشرق الأوسط. ومن خلال عرض موجز للعلاقات التاريخية والدينية، يُركز المقال على أسس هذه المنافسات، فضلًا عن التأثيرات على التغييرات الأخيرة الملحوظة في القرن الإفريقي، ولا سيما حرب إقليم التيجراي وأزمة اليمن وعلاقات الإمارات العربية المتحدة في المنطقة؛ فهو يسعى إلى تمييز التحولات في سياسة حكومة الولايات المتحدة في القرن الإفريقي وشرح الآثار التي تدل على التحولات في سياستها الخارجية وعلاقاتها عبر المنطقة. وتُلخص خاتمة البحث مقترحات سياسية تتعلق بالبحر الأحمر وخليج عدن لإقامة علاقات قوية متبادلة المنفعة مع القرن الإفريقي، وذلك في شكل توصيات.
كما يقدم البحث بعض الملاحظات العامة فيما يتعلق بالتطورات الأخيرة في القرن الإفريقي ومنطقة البحر الأحمر. ويركز على الجانب الغربي من البحر والقرن الإفريقي. ويحاول الإجابة على الأسئلة التالية: من هي الجهات الفاعلة الخارجية الرئيسية في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وما هي أهدافهم ومواقفهم؟ وما هو التيار السياسي في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر؟ وما هي القضايا الناشئة والاتجاهات المستقبلية الكبيرة والقصيرة الأجل؟
أعتقد بأن القرن الإفريقي يواجه تهديدات فريدة للسلم والأمن في البر والبحر على السواء، فضلًا عن مخاطر في المناطق العسكرية الاستراتيجية وطرق الإمداد، بما في ذلك التجارة العسكرية والطاقة في المجال البحري. وتشمل أسباب ذلك، التهديدات المرتبطة بتنافس القوى العظمى، والتنافس بين الجهات الفاعلة الإقليمية والجهات الفاعلة الخارجية، والكوارث الطبيعية أو الكوارث الناجمة عن الأنشطة البشرية. وتتمثل تحديات الأمن البحري في القرن الإفريقي والبحر الأحمر في التهديدات المختلطة التالية: مزيج من القضايا الأمنية التقليدية، مثل الحروب الأهلية والمناوشات الحدودية الداخلية الصغيرة، ومسائل الدفاع، ومخاوف ونزاعات القوة البحرية بين الدول والمنافسة البحرية، والتهديدات الانتقالية والجرائم الدولية، بما في ذلك القرصنة والإرهاب، وإلقاء النفايات السامة والمواد الكيميائية، والصيد غير المشروع، وسرقة الموارد الطبيعية، والاتجار بالأسلحة والمخدرات وبالبشر، والتلوث والحوادث الناجمة عن الانسكابات النفطية.
المقدمة: يضم القرن الإفريقي جيبوتي وإريتريا وإثيوبيا وكينيا والصومال وجنوب السودان والسودان وأوغندا. وتغطي منطقة البحر الأحمر البلدان الساحلية للقرن الإفريقي ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية واليمن وإسرائيل وعمان. وتمتلك المنطقة حوالي 6960 كيلو مترًا من السواحل على طول المحيط الهندي وخليج عدن وخليج تاجورة والبحر الأحمر.
الأهمية الجيوسياسية للقرن الإفريقي والبحر الأحمر وخليج عدن
يحتل القرن الإفريقي موقعًا استراتيجيًا في الرابط الجيوسياسي والجيو اقتصادي الرئيسي للبحر الأحمر وقناة السويس، ويمتلك حوالي 6960 كيلومترًا من السواحل مع موانئ المياه العميقة الطبيعية ومجال بحري مزدحم يربط إفريقيا والشرق الأقصى، والشرق الأوسط وأوروبا. ولا تشترك دول القرن الإفريقي في الوصول إلى البحر الأحمر مع دول الشرق الأوسط فحسب، بل تنتمي أيضًا إلى نفس المنطقة الاقتصادية والدينية والتاريخية وتتشارك في نفس عوامل التجارة والأمن والهجرة.
يستضيف القرن الإفريقي والبحر الأحمر وخليج عدن أكثر من أربع بعثات لحفظ السلام تضم أكثر من 50000 جندي من قوات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في المنطقة (دارفور -السودان، أبيي، الصومال، وجنوب السودان)، ناهيك عن وجود مئات الآلاف من القوات العسكرية الغربية، ولا سيما في جيبوتي، ولا يعتبر ذلك مؤشرًا قويًا على تحديات السلام والأمن التي يواجهها القرن الإفريقي فحسب، بل أيضًا على اهتمام القوى العالمية بالمنطقة.
يشكل البحر الأحمر وخليج عدن ساحة للتنافس بين الولايات المتحدة والصين وروسيا باعتبارهم منافسين عالميين استراتيجيين. كما توجد قوى دولية مهمة أخرى مثل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه والهند واليابان. كما تشارك العديد من دول الشرق الأوسط، لا سيما أعضاء مجلس التعاون الخليجي بقيادة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من ناحية، وتركيا وإيران وقطر من ناحية أخرى، أيضًا في المنافسة في المنطقة. وتعتبر الحرب في اليمن وتيجراي مثالين على العواقب الوخيمة لمثل هذا التنافس، حيث وصلت الحروب بالوكالة بين القوى الإقليمية المتنافسة الآن إلى طريق مسدود.
من منظور جيوستراتيجي، تعتبر المنطقة الآن في فترة ما بعد "الحرب على الإرهاب". وتاريخيًا، تؤدي المنافسة الاستراتيجية بين القوى العالمية ذات المصالح في إفريقيا دائمًا إلى إحداث تغييرات في المشهد السياسي المحلي الإفريقي. ويبدو أن القرن الإفريقي يعمل الآن من أجل إقامة نظام جديد، وهو نظام ناجم عن المصالح السياسية الوطنية للدول الأعضاء والمنافسة العالمية الناشئة عن الموقف الاستراتيجي للقوى الكبرى تجاه إفريقيا. وبالإضافة إلى التغيرات في المشهد السياسي الوطني المحلي، تتمثل إحدى نتائج التحولات الإقليمية الجذرية، التي أثارتها المنافسة العالمية الاستراتيجية والاضطرابات في جوارها المباشر في الشرق الأوسط، في أن البحر الأحمر وخليج عدن ومجالها البحري، وكذلك البلدان الواقعة على كلا الجانبين من الساحل، أصبحت مرة أخرى مناطق الخلاف.
مزيج من الثقافة والتاريخ
ومن الناحية الجيوتاريخية أيضًا، يرتبط البحر الأحمر والقرن الإفريقي ارتباطًا وثيقًا بالشرق الأوسط. وينتمي الشرق الأوسط والقرن الإفريقي إلى نفس مجال التأثير الديني والتاريخي والتجاري وعوامل الهجرة. ويربط القرب الجغرافي من البحر الأحمر، والتراث التاريخي والثقافي والديني، والتجارة، والهجرة، فضلًا عن الأمن، القرن الإفريقي برباط وثيق بدول الشرق الأوسط. كما تربط المنطقتين الثلاث ديانات إبراهيمية؛ الإسلام، والمسيحية، واليهودية، وتعتبر أقدس المواقع في مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس وجهات الحج التقليدية في المنطقة. وتجعل العلاقات الثقافية والدينية والتاريخية والاقتصادية والجغرافية طويلة الأمد بين القرن الإفريقي والشرق الأوسط، وهذا التعاون القوي بين هذه المناطق أمرًا طبيعيًا ومرغوبًا فيه.
يمتد الارتباط مع القرن الإفريقي ليشمل تجارة المواشي والفحم والصادرات الأخرى إلى دول مجلس التعاون الخليجي. وبالمثل، تصدر دول الشرق الأوسط كمية كبيرة من البضائع إلى القرن الإفريقي. وتستثمر الإمارات العربية المتحدة وتركيا ودول أخرى في الشرق الأوسط بشكل كبير في إدارة الموانئ والتصنيع والزراعة في القرن الإفريقي. وتأتي رابطة إضافية من المغتربين من القرن الإفريقي. وتستضيف دول مجلس التعاون الخليجي تجمعات تجارية كبيرة ومغتربين وعمال مهاجرين من القرن الإفريقي، ولا سيما السودان، والصومال، وإثيوبيا، وإريتريا.
ساحة حرب للتناحر بين القوى العظمى والمنافسات الإقليمية
لم تسهم هذه الروابط بالكثير لتعزيز الشراكات البناءة. فلقد كان القرن الإفريقي ولا يزال موضعًا للمنافسة العالمية بين المسيحية والإسلام، والتوسع الاستعماري الغربي والتوسع العثماني-المصري، وللتنافس العالمي بين الغرب والصين بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والصراع العربي الإسرائيلي، والصراع الإيراني / الخليجي. كما استخدمت هذه الدول القرن الإفريقي باعتباره ساحة معركة للحروب بالوكالة، وتوسع النسخ المتطرفة من الإسلام، والمنافسة الاقتصادية. وفي العقود الأخيرة، أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي والقرن الإفريقي ضحايا للإرهاب والتطرف العنيف. ويربط البحر الأحمر ونهر النيل العالم العربي والقرن الإفريقي. واتسمت العلاقات الدبلوماسية بين القرن الإفريقي وجواره العربي لفترة طويلة وما زالت تتسم بعدم الثقة والعداء المتبادلين، لا سيما في القضايا الدينية والأمنية.
علاوة على ذلك، تعتبر منطقة البحر الأحمر نظام أمني إقليمي وسوق كبير وطريق إمداد. وبحلول عام 2050م، من المتوقع أن يرتفع عدد سكان القرن الإفريقي من 226 مليون نسمة الآن إلى 400 مليون نسمة. وسيكون أكثر من 55% من السكان المتوقعين دون سن العشرين. وبالنظر إلى استمرار اتجاه التنمية الاقتصادية الحالي الواعد والتحسن الشامل في معايير الحوكمة خلال هذه الفترة، فمن المحتمل أن تكون هناك زيادة في الدخل وظهور للطبقة الوسطى. وسنويًا، سيتم التواصل مع 2% إضافية من شريحة الشباب عبر الهواتف المحمولة والإنترنت، مما يضيف ملايين من القادمين الجدد إلى الأجيال السابقة الأكثر دراية واتصالاً بالتكنولوجيا. وعلى الرغم من هذه الاتجاهات الضخمة الإيجابية، إلا أن هناك تطورات سلبية قد تنذر بسيناريو إقليمي أقل تفاؤلاَ.
قد تتجاوز الاضطرابات الاجتماعية مساعي الإصلاح مع تزايد أعداد الشباب المطلع والنشط والمتواصل جيدا عبر شتى وسائل التواصل، ممن أصبح لهم صوت مسموع، ولكنهم في الغالب عاطلون عن العمل، وسوف تفضي سهولة السفر المتزايدة، فضلاً عن عواقب عوامل الدفع والجذب بسبب الشبكات الاجتماعية والتقدم التكنولوجي ووسائل النقل، إلى هجرة آلاف المواطنين من القرن الإفريقي. ومن المحتمل أن يصبحوا ضحايا للاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية والتهريب على امتداد الطرق بالغة الخطورة المؤدية إلى الشرق الأوسط (خليج عدن) وجنوب إفريقيا وشمال إفريقيا (جزر البحر الأبيض المتوسط والدول المطلة على البحر). وقد أضحت هذه الحركة بالفعل موضع تجربة للعديد من المهاجرين. ويشكل عدد النازحين داخليًا واللاجئين في منطقة "إيجاد"، الذين يشكلون سُبع تعداد النازحين في العالم، أكثر من 10 ملايين. وتنتج المنطقة نفسها ما يقرب من 4.3 مليون لاجئ، يشكلون أكثر من 20% من سكان العالم، وأكثر من 60% من عدد اللاجئين الأفارقة.
قد يؤدي نقص المياه العذبة، والتفاوتات بين العرض والطلب على الطاقة والخدمات الأخرى، واتساع فجوة الدخل، وما يترتب على ذلك من اضطرابات اجتماعية، إلى زيادة تعرض المجتمع للأيديولوجيات المتطرفة، والجريمة الدولية، والتهديدات الإقليمية والبحرية العابرة للحدود. وعلى الرغم من أن العنف يمكن أن يصبح محليًا بشكل متزايد، إلا أن تأثيره سيكون دوليًا مع تداعيات عابرة للحدود داخل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، في البر والبحر، مثل الجريمة المنظمة في شكل الاتجار بالمخدرات، والاتجار بالبشر، والصيد غير المشروع والقرصنة. وأصبحت المناطق البحرية، التي كانت تعتبر في السابق أطرافًا، مراكز تنافسية لتطوير الموانئ واستكشاف النفط والمعادن واستغلالها، مما قد يؤدي إلى تكثيف التوتر والصراع بين المراكز السكانية التقليدية والمناطق الطرفية. (في عام 2005م، وحده، قدرت الخسائر الاقتصادية للصومال بسبب الصيد غير المشروع بحوالي 300 مليون دولار أمريكي).
المجال البحري والحكم في القرن الإفريقي
تشمل الموارد الطبيعية في المجال البحري للقرن الإفريقي احتياطيات النفط والغاز والأسماك والحياة البحرية والشحن وخدمات الموانئ. ويقدر بعض المحللين احتياطيات النفط البرية والبحرية في الصومال بنحو 110 مليار برميل؛ وإذا كانت هذه التقديرات دقيقة، فقد تكون الصومال تمتلك سابع أكبر احتياطي نفطي في العالم. وعلاوة على ذلك، يُعتقد أيضًا أن الصومال لديها حوالي 440 تريليون قدم مكعب من الغاز البحري، مما يمنحها رابع أكبر احتياطيات غاز على مستوى العالم. ويُعتقد أن نسبة كبيرة من هذه الموارد – غير المستغلة – تقع داخل منطقة بحرية متنازع عليها. وازداد استكشاف الموارد الطبيعية في المناطق الطرفية للقرن الإفريقي، بما في ذلك المجال البحري. ونتيجة لذلك، فإن انعكاس الحدود البرية والحدود البحرية والموارد العابرة للحدود يعتبر المصدر الرئيسي للنزاع بين الدول. وعلى سبيل المثال، على الرغم من أن كينيا والصومال من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)، فقد وجد البلدان نفسيهما في الآونة الأخيرة في نزاع على مثلث ضيق مساحته 100000 كيلومتر مربع في المحيط الهندي قبالة ساحل القرن الإفريقي (تشترك كينيا والصومال في حدود برية وبحرية).
هل هناك حرب باردة جديدة في البحر الأحمر؟
على حد تعبير المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الإفريقي، جيفري فيلتمان، "يمر القرن الإفريقي بنقطة انعطاف، والقرارات التي يتم اتخاذها في الأسابيع والأشهر المقبلة سيكون لها تداعيات كبيرة على شعوب المنطقة وكذلك على مصالح الولايات المتحدة ". وتنخرط المنطقة مرة أخرى في حروب ذات تداعيات إقليمية ودولية. واليوم، كما هو الحال في حقبة الحرب الباردة، أصبح القرن الإفريقي ساحة معركة للمنافسة بين القوى العظمى والتنافس بين دول الشرق الأوسط. وكما كان من قبل، يعد البحر الأحمر والقرن الإفريقي منطقة عسكرية وجغرافية سياسية مهمة. ومع التيارات السياسية الخفية التي تدعمها المصالح المتنافسة للقوى العالمية والإقليمية، عادت دول القرن الإفريقي إلى زعزعة الاستقرار المؤكد المتبادل، على غرار حقبة الحرب الباردة. والآن، قد تغيرت الأنظمة في إثيوبيا والسودان، التي وصلت إلى السلطة مباشرة بعد الحرب الباردة. وتعتبر إثيوبيا في حالة حرب مع نفسها، في حين أن السودان يمر بمرحلة انتقالية مضطربة. وتواجه الأنظمة في أوغندا والصومال وإريتريا أيضًا مقاومة شعبية جادة. وقد كان دور الولايات المتحدة، تحت إدارة ترامب ودول الشرق الأوسط، حاسمًا في إحداث التغييرات.
ولمرة أخرى الآن، مع إدارة بايدن الجديدة في الولايات المتحدة، يبدو أن المنطقة بدأت في جولة أخرى من التحولات.
ويتواجد زعماء إثيوبيا وإريتريا في قلب هذا الاضطراب بدعم من القوى العظمى والقادة في الشرق الأوسط. وتعتبر إثيوبيا في حالة حرب مع نفسها، ولا سيما الحرب الوحشية على تيغراي من جانب جيوش مشتركة من إريتريا وإثيوبيا وأمهرة. وقد سمحت لإريتريا بغزو تيغراي وممارسة سيطرتها "بحكم الأمر الواقع". ولا تملك الحكومة الإثيوبية سيطرة إدارية كاملة في تيغراي وأوروميا وبني شنقول-جوموز (ليست بعيدة عن سد النهضة الإثيوبي الكبير). ولا تزال المفاوضات بشأن سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان متوقفة. وبعد اشتباكات عسكرية متقطعة على الحدود، تخوض إثيوبيا والسودان حربًا كلامية. ومن خلال تعزيز الجناح العسكري للدولة، من المحتمل أن يؤدي التوتر إلى مزيد من تعطيل الانتقال الهش في السودان. كما طالب السودان بسحب قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة في أبيي (UNISFA) – وهي بعثة لحفظ السلام مؤلفة بالكامل من القوات الإثيوبية في منطقة أبيي المتنازع عليها. وقد يؤثر انسحاب القوة الأمنية المؤقتة على السلام الهش بين جنوب السودان والسودان. ولم يتم تفادي العنف المحتمل داخل مقديشو عقب تأجيل الانتخابات إلا بصوت موحد للمجتمع الدولي. وأدى التدخل، الذي تضمن تهديدات بفرض عقوبات على قادة الحكومة، إلى ردع التصعيد. ولا يزال تعيين وسيط الاتحاد الإفريقي للصومال، رئيس غانا السابق، جون ماهاما، يواجه مقاومة من الحكومة الفيدرالية.
لا تزال الدول المساهمة بقوات في بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (أميصوم) منقسمة. وكجزء من الاتفاق الثلاثي بشأن الأمن المشترك، تقف إثيوبيا وإريتريا إلى جانب الرئيس الحالي في الصومال. وباعتبارها بلد مساهم بقوات، تؤيد إثيوبيا قرار الحكومة الاتحادية بتأجيل الانتخابات، كما حدث في إثيوبيا.
وتعارض بقية الدول المساهمة بقوات مثل كينيا وأوغندا مثل هذا التأجيل دون مشاورات وتوافق شامل. ولا تزال أسباب الأزمة دون حل، وقد يؤدي التفاقم، إذا سمح بذلك، إلى خسارة مكاسب كبيرة منذ تدخل بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال في عام 2007م. وعلى الرغم من جهود الوساطة القطرية، فإن التوترات الدبلوماسية بين كينيا والصومال لا تزال مشتعلة. وفي التحليل النهائي، يبدو أن المستفيد الأكبر من كل هذه الفوضى الإقليمية هو حركة الشباب والقيادة في إريتريا. ويعتبر القرن الإفريقي أيضًا منطقة انفصال سياسي، بعضها حقق الاستقلال بنجاح (جنوب السودان عن السودان وإريتريا من إثيوبيا)، والبعض الآخر يدعي الاستقلال الفعلي (أرض الصومال عن الصومال).
بالنسبة للمنافسة الجيوسياسية المذكورة أعلاه، أصبحت العوامل الجغرافية الاقتصادية والتيارات السياسية الخفية، والأزمات السياسية والعسكرية الأخيرة، والقرن الإفريقي والبحر الأحمر وخليج عدن مركزًا لمبادرات ديناميكية متعددة الأطراف. ومن بين هذه الدول، القادمة من ضفتي البحر الأحمر، دول مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن (مجلس جدة)، والذي يضم الدول الأعضاء في منظمة "إيجاد" (الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية)؛ والآخر هو فريق عمل إيجاد الذي تم تشكيله للتعامل مع قضايا البحر الأحمر وخليج عدن. وفي فبراير 2019م، بعد المداولات بشأن الديناميكيات الجيوسياسية والجيوتاريخية والأمنية للبحر الأحمر وخليج عدن، كرر مجلس وزراء "إيجاد" التزامه ببذل جهد مشترك في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن وتم انشاء فريق عمل (إيجاد) لتلك المنطقة. وتمثلت مهام فريق العمل في رسم خطة عمل إقليمية بجداول زمنية واضحة؛ وتطوير بحث متعدد التخصصات موجه نحو السياسات والتحليل بهدف فهم أفضل للجهات الفاعلة والقضايا في البحر الأحمر والمنطقة الأوسع، وتداعياتها على السلام والأمن والتنمية الاقتصادية؛ وتطوير موقف مشترك لحماية الأمن والمصالح الاقتصادية للمنطقة". كما كلف نفس القرار فريق العمل بوضع خطة عمل إقليمية.
تم إنشاء مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن (مجلس جدة) في 6 يناير 2020م، ويضم مصر، والأردن، والمملكة العربية السعودية، واليمن، وإريتريا، وجيبوتي، والصومال، والسودان. ويمثل ثلاثة من أعضاء المجلس أعضاء نشطون في "إيجاد"، بينما تمثل إريتريا أيضًا عضو غير نشط. ويشمل اختصاص الموضوع السياسة والاقتصاد والثقافة والأمن والقرصنة والإرهاب والبيئة والهجرة والتجارة والموانئ.
تاريخيًا، بُذلت جهود مختلفة مماثلة، مثل منتدى صنعاء. وتم إطلاق جميع هذه المبادرات تقريبًا خلال الأوقات المضطربة في البحر الأحمر وخليج عدن، وتهدف إلى ضمان الحوكمة الفعالة للمجال البحري. ولدى منظمة إيجاد، والاتحاد الإفريقي، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة مبعوثون خاصون للقرن الإفريقي، وعينت إدارة بايدن مؤخرًا مبعوثًا خاصًا جديدًا. ولدى المملكة المتحدة مبعوث خاص للبحر الأحمر، كما عينت دول أخرى مثل الصومال مبعوث خاص للبحر الأحمر وخليج عدن. ودلالة على اهتمام الدول الساحلية بتعزيز التعاون مع البلدان غير الساحلية، وبناءً على ولايتها، تضم فريق عمل إيجاد إثيوبيا وجنوب السودان وأوغندا، وهي دول مرتبطة بالأرض ولها تأثير كبير على السلام والأمن في المنطقة.
التحديات
من أجل فعالية جميع هذه المبادرات، يحتاج القرن الإفريقي إلى تحديد وتوضيح اهتماماتهم الأساسية ومعالجة تحدياتهم الرئيسية.
توضيح المصالح الأساسية على البحر الأحمر وخليج عدن
إن المصالح الوطنية الأساسية للقرن الإفريقي متعددة الطبقات ولكن يمكن تصنيفها إلى سبع قضايا ذات أولوية. ويتعلق التحدي الأول بالحوكمة الفعالة للمجال البحري من جانب منطقة القرن الإفريقي الساحلية. وبالنظر إلى قدرتها المحدودة على تصور وممارسة نطاق سيادتها؛ ينبغي أن تبدأ الحوكمة الفعالة للمجال البحري بالرؤية والتصميم وتخصيص الموارد في المجال البحري. وتتعلق المسألة الثانية بأمن ذلك الجزء من المجال البحري الخاضع لسيادة دول القرن الإفريقي. وتحتاج هذه الدول إلى ضمانات أمنية على خطوط الإمداد البحرية. كما أنهم بحاجة إلى القدرة على ضمان أمن الموانئ والقدرة على تنظيم عسكرة وخصخصة الموانئ. كما أنهم بحاجة إلى القدرة على مكافحة القرصنة والإرهاب والجرائم الأخرى مثل الصيد غير القانوني وإلقاء النفايات السامة.
بينما يتعلق التحدي الثالث باستيعاب مصالح البلدان غير الساحلية / المرتبطة برًا، وهي إثيوبيا، وجنوب السودان، وأوغندا، فيما يتعلق بوصولها إلى البحر وخدمات الموانئ وأمن السفن التجارية الخاصة بها.
ويتعلق التحدي الرابع بحماية البيئة في المجال البحري، ولا سيما منع ومقاضاة إلقاء النفايات السامة والصيد غير القانوني.
تتعلق المصلحة الخامسة للدول الساحلية بالحاجة إلى تنمية متكاملة للاقتصاد "الأزرق"، وتحديدًا تطوير قطاع الصيد والسياحة البحرية والنقل.
وتتعلق القضية السادسة بتأثيرات الحوكمة البرية على الحوكمة البحرية والاقتصاد الأزرق. ويتعبر ذلك أمرًا مهمًا بشكل خاص لأن غياب القانون والنظام في المناطق الساحلية يعني زيادة التهديدات الأمنية في البحر. ونظرًا لقدرة الدولة المحدودة على ضمان السيطرة الفعالة على الأنشطة الإجرامية المنبثقة من البر، فإن هذا التحدي أكثر حدة في البلدان التي تواجه ضعف الدولة في السيطرة على مجالها البحري، مثل الصومال.
وتتعلق القضية السابعة بوجود قوى متنافسة عالمية وإقليمية على جانبي المناطق الساحلية وإمكانية التدخل والتدخل في حماية المصالح الجوهرية لدول القرن الإفريقي، وتداعياته لإدارة الشراكة مع عدد لا يحصى من الجهات الفاعلة الخارجية، بما في ذلك أنه من المحتمل أن يكون لديهم مصالح متناقضة.
التوصيات الرئيسية
يتزايد أصحاب المصلحة العالميون والإقليميون والوطنيون والجهات الفاعلة ذات المصالح الاستراتيجية في القرن الإفريقي والبحر الأحمر وخليج عدن. وتتجلى التحديات الناشئة بشكل متزايد بطريقة مماثلة لفترة الحرب الباردة. وتشهد المبادرات المختلفة بشأن القرن الإفريقي والبحر الأحمر وخليج عدن على هذه الحقيقة. ومن هنا، فإن هناك حاجة إلى آلية تعاون فعالة بين ضفتي البحر الأحمر، القوى العظمى والإقليمية المهتمة بالمنطقة. وينبغي أن يسترشد مثل هذا التعاون بميثاق الأمم المتحدة وصكوك الأمم المتحدة الأخرى التي تؤكد من جديد التصميم الجماعي للدول على تعزيز التضامن والحوكمة الإقليمية والقارية والعالمية المتعددة الأطراف والفعالة والعادلة للمجال البحري. وبشكل أكثر تحديدًا، ينبغي بذل الجهود من أجل:
1-الدعوة إلى إجراءات بناء الثقة والاطمئنان وعقد اجتماعات تشاورية منتظمة بين دول ضفتي البحر الأحمر وخليج عدن، تمتد لتشمل أصحاب المصلحة الآخرين؛
2-عقد اجتماع دوري للمبعوثين الخاصين للقرن الإفريقي والبحر الأحمر وخليج عدن لتمكينهم من اتخاذ موقف موحد بشأن نقاط الالتقاء والتحدث بصوت واحد بشأن قضايا السلام والأمن المتفق عليها وتعزيز فهمها، وقبل كل شيء معالجة مخاوف القرن الإفريقي.
3-معالجة الأسباب الجذرية لتحديات السلام والأمن والتنمية والبيئة المتعلقة بالبحر الأحمر وخليج عدن.
4-الدعوة إلى عملية شاملة وشفافة تراعي وتوضح الاهتمامات والتطلعات الخاصة بالقرن الإفريقي على البحر الأحمر وخليج عدن.
5-بناء قدرات دول القرن الإفريقي لإقامة حوكمة بحرية فعالة في البحر الأحمر وخليج عدن. وينبغي أن يرتكز بناء حوكمة بحرية فعالة للبحر الأحمر وخليج عدن على نهج تنمية القدرات القائم على القدرات الأربع التالية:
أ-القدرات التنبؤية باعتبارها الشرط الأول في تطوير القدرة على الإنذار المبكر للصراع (وهي وظيفة من وظائف الهياكل العلمية والاتصالات، بما في ذلك إنشاء مركز مرصد البحر الأحمر وخليج عدن الذي يمكن أن يولد المعلومات والاستخبارات والمعرفة)، وتبادل نتائج البحوث متعددة التخصصات مع الدول الأعضاء وأصحاب المصلحة.
ب-القدرات الوقائية باعتبارها الشرط الثاني، لاستخدام أنظمة الإنذار المبكر للأزمات، بهدف الاستجابة بشكل استباقي للأزمات كدالة للقانون والنظام والتفتيش والكشف والوساطة والمنع في أعالي البحار والمناطق الساحلية المتعلقة بسلام وأمن المجال البحري.
ج-قدرات الاستجابة باعتبارها القدرة الثالثة المطلوبة بشكل تفاعلي للتدخل لمعالجة الأزمات في أعالي البحار، ومكافحة التهديدات الإجرامية والمتعددة المتعلقة بالبحر ولكن بما يشمل تعزيز الاقتصاد الأزرق لصالح سكان المناطق الساحلية؛ وأخيرًا:
د-القدرات التكيفية باعتبارها القدرة الرابعة المطلوبة لبناء المرونة في مواجهة الكوارث الطبيعية أو الكوارث التي من صنع الإنسان، بما في ذلك الكفاءة وآليات التكيف للمجتمعات والمجتمعات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية قبل وأثناء وبعد مواجهة الشدائد والصدمات والأحداث. وتعتمد هذه القدرة على الاستعداد للسياسات والتنسيق والتعاون مع المجتمع الدولي وأصحاب المصلحة الآخرين.