تضمن البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين بالعاصمة السعودية الرياض، إقرار مفهوم الاقتصاد الكربوني الدائري، الذي اقترحه الوفد السعودي: "نؤيد منصة الكربون الدائري (CCE) بمحاورها الأربعة: ترشيد الاستخدام، وإعادة الاستخدام، وإعادة التدوير، والإزالة"، مع الاعتراف بالأهمية الرئيسية للحد من غازات الاحتباس الحراري الانبعاثي، مع مراعاة ظروف الكفاءة الوطنية، ومن المحتمل أن تكون هذه خطوة مهمة للغاية بالنسبة لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي تستدعي تداعيتها البحث والمناقشة، لما لها بالفعل من آثار بعيدة المدى.
يتزايد التسليم بأهمية إزالة الكربون وتنفيذ أهداف اتفاقية باريس واعتبارها ضرورة ملحة. ويشكل هذا تحديًا واضحًا لجميع منتجي الوقود الحفري، ولكن هذا الأمر ليس ثابتًا، لأن استغلال رواسب مختلفة من النفط والغاز يستلزم أيضًا مستويات مختلفة من الانبعاثات – حتى يُمكن التحدث عن مستويات أكثر أو أقل من النفط والغاز كثيف الكربون عندما نفكر في الانبعاثات المتعلقة بمرحلة الإنتاج. وفي هذا الصدد، يتمتع المنتجون الخليجيون في معظم الحالات بوضع جيد، لأن كثافة انبعاثات إنتاج النفط والغاز في الخليج عادة ما تكون أقل مما هي عليه في أجزاء أخرى من العالم، والمثال الأبرز النفط الصخري والغاز في الولايات المتحدة أو الرمال الزيتية في كندا. لكن هذا بالتأكيد لا يكفي لوصف النفط والغاز الخليجي بأنه "منخفض الكربون".
كما تم التأكيد على أن المنطقة الخليجية تتمتع بميزة نسبية في إنتاج الكهرباء الخضراء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهذا صحيح بالتأكيد نظريًا، رغم أن التنفيذ الفعلي للمشاريع يقع بعيداً عن تلك الآمال والتوقعات. ومع ذلك، تفترض بعض المصادر وجود خطط استثمارية كبيرة لإنتاج الهيدروجين الأخضر من الكهرباء المتجددة، وتصديره على هذا النحو أو في شكل أمونيا إلى الأسواق البعيدة، وخاصة اليابان، التي أبدت اهتمامًا بهذا الأمر، حيث أرسلت شركة أرامكو السعودية بالفعل أول شحنة من الأمونيا إلى اليابان.
لكن ثمة سؤال يطرح نفسه، هل هذه هي الأولوية؟ يتطلب تنفيذ اقتصاد الكربون الدائري إعطاء الأولوية للقضاء على الانبعاثات المرتبطة باستخدام الموارد الحفرية، بدلاً من الاستثمار في عمليات منفصلة تمامًا عنها (مثل إنتاج الهيدروجين الأخضر). ويستلزم القضاء على الانبعاثات المرتبطة بإنتاج الوقود الحفري، تنفيذ فصل منهجي للكربون من جميع مراحل عملية الإنتاج، من فوهة البئر إلى معامل التكرير، والقدرة على إثبات أن المنتجات الصادرة من معامل التكرير "منخفضة الكربون" بشكل فعال، لأن جميع الانبعاثات المرتبطة بإنتاجها تم احتجازها وفصلها. ولا يمكن الدخول في نقاش هادف حول إعادة استخدام ثاني أكسيد الكربون أو إعادة تدويره أو إزالته (أي عزله)، إلا بعد فصل انبعاثات الكربون.
وينطبق الأمر نفسه على توليد الطاقة، فمن الضروري جدًا تسريع عملية الاستثمار في الطاقة المتجددة والنووية للحد من النمو الإضافي للانبعاثات، ولكن من غير المحتمل تمامًا التخلي عن الوقود الحفري لتوليد الطاقة على المدى القريب. لذلك من الضروري الاستثمار في احتجاز الكربون وعزله، للتمكن من إثبات أن الكهرباء المنتجة والمستخدمة في القطاعات الصناعية والسكنية يتم "تنظيفها" تدريجيًا.
وعلى الرغم من أن وكالة الطاقة الدولية تعتبر احتجاز الكربون وعزله أمرًا لا غنًا عنه، وتروج له مبادرة مناخ النفط والغاز التي تتبناها بعض أهم شركات النفط (بما في ذلك شركة أرامكو السعودية)، فلا تزال مصداقية هذا الأمر قيد المناقشة، وفي الصياغة النهائية لما يسمى بتصنيف الاتحاد الأوروبي، أُدرج احتجاز الكربون وعزله على مضض شريطة أن يكون آمنًا بيئيًا يؤدي إلى وجود انخفاض صافي في انبعاثات الغازات الدفيئة. فهناك شكوك على نطاق واسع حول الآفاق المستقبلية لاحتجاز الكربون وعزله من حيث تكلفتها وفعاليتها.
وتكمن المشكلة في أنه لا يزال لدينا عدد قليل جدًا من الأمثلة الخاصة بالمشروعات الكبيرة لاحتجاز الكربون وعزله، حيث تم الترويج للعديد من المشاريع أو النظر فيها ثم التخلي عنها، بما يوحي بأن عملية احتجاز الكربون وعزله لن تنجح. ويراقب المعهد العالمي لاحتجاز الكربون وعزله هذه المشروعات بانتظام وينشر تقريرًا سنويًا حوله ويستعرض هذا التقرير جميع المنشآت التجارية المخصصة حاليًا لاحتجاز الكربون وعزله في جميع أنحاء العالم (ويبلغ مجموعها 28 فقط). ومن بين هذه المنشآت، توجد ثلاث في منطقة الخليج: منشأة العثمانية في المملكة العربية السعودية (أقصى سعة احتجاز 0.80 مليون طن سنويًا)، منشأة أبو ظبي لاحتجاز الكربون وعزله (بسعة قصوى أيضًا تبلغ 0.80 مليون طن سنويًا) ومحطة قطر للغاز الطبيعي المسال (بسعة قصوى تبلغ 2.10 مليون طن سنويًا). وهناك مشاريع قيد التطوير، مثل المرحلة الثانية من مشروع احتجاز الكربون وعزله بأبوظبي بطاقة استيعابية تبلغ 2.30 مليون طن سنويًا. وبرغم أن ذلك أفضل من لا شيء، إلا أنه أقل بكثير مما هو مطلوب لإثبات فعالية احتجاز الكربون وعزله كأداة مؤثرة في القضاء على الانبعاثات، الأمر الذي سيضفي مصداقية على منظور الاقتصاد الدائري الكربوني بالكامل.
وإذا كان من الممكن إثبات أن احتجاز الكربون وعزله أمراً قابلاً للتطبيق بتكلفة معقولة، فإن هذه العملية ستفتح منظورًا جديدًا لتحويل النفط والغاز إلى مجموعة متنوعة من المنتجات الوسيطة غير المستهلكة للطاقة والتي لا تعتمد على الوقود، حيث ستظل البتروكيماويات هي القضية الرئيسية، التي يستمر الطلب عليها بشكل متزايد مع تحسن الظروف الاقتصادية في البلدان الناشئة. ولكن من القضايا المهمة الأخرى، إنتاج الحديد والصلب والأسمنت والألمنيوم وغيرها من المنتجات المماثلة، لأنها تنتج عن عمليات صناعية كثيفة الانبعاثات، والتي لا يمكن إزالة الكربون منها إلا من خلال احتجاز الكربون وعزله. وفي بعض الحالات، توفر أيضًا فرصًا لإعادة استخدام ثاني أكسيد الكربون في عملية الإنتاج نفسها (وهو ما ينطبق على الأسمنت).
ولتحويل مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون إلى منظور موثوق فيه، يتعين إعطاء الأولوية لإنشاء مشروعات لاحتجاز الكربون وعزله على نطاق أوسع بكثير. ويعتبر مصدرو النفط والغاز في دول الخليج في وضع مثالي لتنفيذ هذه المشروعات، لأنهم يستطيعون عزل ثاني أكسيد الكربون في نفس التكوينات الجيولوجية التي احتوت النفط والغاز لعدة قرون. ففي الوقت الحاضر، العائد الاقتصادي للكربون ضئيل، ويمتثل فقط في إمكانية استخدام ثاني أكسيد الكربون لتسهيل استخراج المزيد من النفط من الحقول. كما أن هناك حاجة ماسة إلى استثمار استراتيجي: لأنه حتمًا سيتم فرض سعر أعلى تدريجيًا على انبعاثات غازات الدفيئة. ولذلك فإن القدرة على إثبات أن المنتجات، سواء كانت وقودًا أو مواد بتروكيماوية أو منتجات وسيطة أخرى، تُستخلص في ظل احتجاز ثاني أكسيد الكربون، سوف يمنح المصدرون ميزة نسبية مهمة.