array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 156

5 مرتكزات لمكانة السعودية العالمية تجعلها في مقدمة الاهتمامات الأمريكية

الأحد، 29 تشرين2/نوفمبر 2020

لن نأتي بجديد إذا قلنا بأن العالم شهد عامًا مليئًا بالتحديات والأزمات بدأت مع موجة وباء الكوفيد-19 التي اجتاحت معظم دول العالم ولم تنته معها لأنها تمخضت عن واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية في العصر الحديث.  وإذا لم يكن ذلك كافيا فقد شهدت الولايات المتحدة العديد من الكوارث الطبيعية مثل عدد قياسي من الأعاصير التي ضربت الولايات الجنوبية ولاتزال بالإضافة إلى أكبر وأوسع عدد من الحرائق التي أصابت الولايات الغربية وأحدثت قدرًا هائلا من الخسائر في الأرواح والممتلكات، ثم جاءت موجة التظاهرات والاعتصامات التي حدثت على خلفية أعمال عنف قامت بها قوات الشرطة في العديد من المدن ضد مواطنين من أصول أفريقية.  كل هذا جاء في عام اختتم بدورة انتخابات رئاسية لم يشهد تأريخ البلد لها مثيلاً أظهرت نتائجها النهائية خسارة الرئيس ترامب أمام منافسه الديمقراطي جوزيف بايدن الذي سوف يصل إلى الرئاسة من دون اعتراف المنافس بالنتائج إضافة إلى عدد كبير من الوعود بإحداث تغييرات جذرية في السياستين الداخلية والخارجية.  هذه الأوضاع قد تلقي بظلالها على العلاقات الأمريكية-السعودية على المدى القريب.  لكن هذه العلاقات التي مرت بمنعطفات كثيرة على مدى العقود الماضية سوف تتجاوز هذه المرحلة مثل غيرها.  ولذلك عملا بالمثل القائل "تأتي المنح مغلفة بالمحن"، فإن هذه التحديات والصعاب قد تمثل فرصة كبيرة لإعادة تشكيل تلك العلاقات على أسس قوية من المصالح المشتركة والتعاون المثمر في سبيل تجاوز المصاعب التي تواجه طرفي العلاقة والعالم.

 

أهم أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة:

تأتي إدارة الرئيس المنتخب بايدن إلى الحكم في العشرين من يناير القادم والبلاد تواجه عددًا غير مسبوق من الأزمات التي تكفي الواحدة منها لإثقال كاهل أية دولة حتى لو كانت بإمكانيات ومكانة الولايات المتحدة، فكيف بها وقد جاءت مجتمعة. ولذلك فإن الإدارة الجديدة سوف تستقبل مسؤوليتها بجدية ورغبة كبيرة في إحداث تغييرات إيجابية سريعة لأن الأوضاع قد وصلت لدرجة لا تحتمل الانتظار.  ولعل من أهم أولويات عمل الإدارة الجديدة ما يلي:

  1. تخفيف وطأة أزمة الكوفيد-19: تشهد الولايات المتحدة ارتفاعًا كبيرًا في معدلات الإصابة بكوفيد-19 وصلت عند كتابة هذا المقال إلى ما يزيد على 140 ألف إصابة يوميًا كما أن عدد الوفيات تجاوز 250 ألف وفاة. حسب هذه الأرقام فإن الولايات المتحدة التي يمثل عدد سكانها 4% من سكان العالم فقط إلا إنها تمثل أكثر من 20% من نسبة الإصابات. هذه الأرقام والمعدلات، وهي مرشحة للزيادة الكبيرة بسبب حلول فصل الشتاء، قد تدفع بالحكومة إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات للحد من انتشار الوباء والتي قد تشمل الإغلاق التدريجي للاقتصاد الأمر الذي قد يعرضه لأخطار هيكلية على المدى البعيد.  لهذه الأسباب يعتبر الرئيس المنتخب بايدن أن تطوير مقاربة أكثر فعالية لمعالجة أزمة الكوفيد-19 من أولى أولويات إدارته، ولذلك سارع فور إعلان فوزه بالانتخابات إلى تشكيل لجنة استشارية عليا لتقديم المقترحات حول سبل احتواء الوباء والتخفيف من وطأة آثاره الاقتصادية والاجتماعية ومحاولة إعادة الحياة إلى شيء من الممارسة الطبيعية.
  2. الخروج من الأزمة الاقتصادية: يعاني الاقتصاد الأمريكي من عدة أزمات جاءت مجتمعة هي الأخرى فقد كان الاقتصاد يعاني من قلة الموارد الحكومية نتيجة انخفاض الموارد بسبب قوانين تخفيض الضرائب التي مررتها إدارة ترامب بوعود منها تحفيز الشركات على الاستثمار في الاقتصاد لكنها بدلاً من زيادة الأجور أو الاستثمار في تحديث المصانع قامت بشراء أسهمها من الأسواق الأمر الذي نتجت عنه زيادة كبيرة في أسواق الأسهم ولم تأت بالنتائج التي وعدت بها الحكومة. جاءت المشكلة الثانية عندما قامت إدارة الرئيس ترامب بإطلاق حملة من العقوبات الجمركية على البضائع المستوردة من أكبر الشركاء التجاريين وفي مقدمتهم الصين والاتحاد الأوروبي وكندا. كانت نتيجة هذه القرارات سلبية هي الأخرى ونتج عنها زيادة في أسعار البضائع في الأسواق الأمريكية وارتفاع أسعار البضائع الأمريكية في الأسواق العالمية الأمر الذي أدى إلى انخفاض الصادرات الأمريكية وفي مقدمتها المنتجات الزراعية إلى العالم والصين تحديدًا.  ثم جاءت أزمة الكوفيد-19 التي كانت بمثابة الضربة القاضية للنشاط الاقتصادي.  
  3. تطوير مقاربة فعالة لمواجهة المتغيرات المناخية: لقد كان من أهم السياسات التي ركز عليها الرئيس المنتخب في حملته الدعائية هي تغيير سياسة الرئيس السابق تجاه المناخ. هذه القضية تكتسب أهمية كبيرة بالنسبة للإدارة الجديدة بسبب التداعيات الكبيرة للمناخ في الولايات المتحدة والتي تمثلت بعدة كوارث طبيعية حيث مثل الأعاصير التي زادت عددًا وقوة وهي تضرب السواحل الأمريكية، هذا بالإضافة إلى الزيادة الكبيرة في حرائق الغابات والتي هي الأخرى تسببت بالكثير من الخسائر البشرية والاقتصادية. لذلك سوف تكون أولوية الإدارة الجديدة تطوير مقاربة جديدة لمعالجة آثار المتغيرات المناخية ومن ذلك المبادرة إلى اتخاذ قرار العودة إلى اتفاقية باريس للمناخ والذي سوف يكون من أول القرارات الرئاسية التي يتخذها الرئيس الجديد بعد أداءه اليمين الدستورية.    
  4. إعادة ترميم الجبهة الداخلية: جاءت إدارة الرئيس ترامب إلى الحكم قبل أربع سنوات بشعارات حملت النزعة العنصرية من خلال اتهام المهاجرين من أمريكا الجنوبية بنشر الجريمة والمخدرات كما أنها وضعت قيودًا شديدة على الهجرة من الدول الإسلامية متهمة المسلمين بالإرهاب. هذه السياسات تسببت بإحداث شروخ بين مكونات المجتمع الأمريكي لدرجة دفعت بالمؤسسات الأمنية إلى رفع راية التحذير من الأخطار الداخلية المتمثلة بجماعات اليمين المتطرف.  لذلك سوف تسعى الإدارة الجديدة إلى تغيير نبرة الحوار الوطني وتغليب مفاهيم المواطنة، كما وأن بايدن أعلن بأن حكومته سوف تمثل جميع مكونات المجتمع الأمريكي. لكن تقف أمام هذه التوجهات عقبات عديدة لعل من أهمها احتمال محافظة الحزب الجمهوري على الأغلبية في مجلس الشيوخ، وهذا بالطبع يعتمد على نتيجة الانتخابات التكميلية لمقعدي مجلس الشيوخ في ولاية جورجيا حيث يحتاج إلى الفوز بمقعد واحد للمحافظة على الأغلبية التي تمكنه من عرقلة العديد من مشاريع وتوجهات الرئيس المنتخب. هذا بالإضافة إلى الدور الإعلامي والسياسي المرتقب للرئيس المنتهية ولايته ترامب والوسائل التي سوف يتخذها لكي يحافظ على قاعدته السياسية وهل ستؤدي تلك الجهود إلى إشعال فتنة داخلية بين مكونات المجتمع الأمريكي؟
  5. إعادة بناء العلاقات الخارجية: لا تشكل السياسة الخارجية بحد ذاتها أولوية بالنسبة لإدارة الرئيس المنتخب بايدن لكنها سوف تحظى بالاهتمام الكبير لارتباطها بالأولويات الأخرى ومنها مواجهة الكوفيد-19 وإعادة بناء الاقتصاد ومعالجة أزمة المناخ، بالإضافة إلى ضغط العديد من الملفات الخارجية المتعلقة بالاقتصاد مثل العلاقات الاقتصادية مع الصين. لذلك سوف تسعى الإدارة الجديدة، وعلى النقيض من سياسة الرئيس ترامب، إلى تقوية التعاون الدولي في سبيل مواجهة وباء الكوفيد-19 من خلال منظمة الصحة العالمية والمنظمات الأخرى، كما أن أولى أولوياتها سوف تكون تنشيط التعاون الدولي للتصدي لأزمة المناخ من خلال العودة إلى اتفاقية باريس للمناخ.  كما أن من أولويات الإدارة الجديدة سوف تكون التأكيد على العمل المشترك وإعادة بناء التحالفات الدولية وفي مقدمتها تأكيد أهمية حلف الأطلسي في حفظ الأمن على الساحة الأوروبية وكذلك السعي إلى لعب دور متوازن بين أوروبا وبريطانيا وتطوير مقاربات مشتركة تجاه التحديات الدولية ومنها الملف النووي الإيراني والعلاقات مع روسيا واحتواء التهديد الأمني القادم من كوريا الشمالية وقدراتها النووية وصواريخها البعيدة المدى.

 التحديات التي تواجه العلاقات السعودية-الأمريكية:

كما ذكرنا آنفا فإن العلاقات الأمريكية-السعودية سوف تمر بمنعطف مهم على المدى القريب وذلك بسبب تركيز الإدارة القادمة على المشكلات الداخلية المذكورة أعلاه، بالإضافة إلى مجموعة من التحديات الآنية التي تتطلب تطوير مقاربات جدية لاحتواء آثارها المحتملة على العلاقات، والتي من أهمها:

  1. الإدارة الجديدة سوف تقلل من اهتمامها بالصناعة النفطية: تأتي إدارة الرئيس المنتخب بايدن بوعود كبيرة من أهمها إعادة بناء قطاع الطاقة في أمريكا لتخفيف الاعتماد على النفط ومشتقاته وتشجيع البدائل وفي مقدمتها الطاقة الشمسية. هذه المسألة قد تحدث تأثيرًا سلبيًا على العلاقات بين البلدين على المدى القريب وذلك بسبب بعض التصورات الخاطئة عند البعض القائمة على فكرة عفى عليها الزمن وهي اعتماد الولايات المتحدة على استيراد النفط من دول الخليج، والذي هو أبعد ما يكون عن الحقيقة. إن أهمية النفط بالنسبة للولايات المتحدة تأتي من ثلاثة عوامل، أولها أن أمريكا هي أكبر بلد مستهلك للطاقة في العالم حيث تحتاج إلى حوالي 20 مليون برميل نفط يوميًا (خمس الاستهلاك العالمي تقريبًا) ولذلك تنفق ما مقداره 400 مليار دولار سنويًا على النفط بأسعاره الحالية، مقارنة بعشرة ملايين برميل تمثل، استهلاك ثاني بلد وهو الصين.  لهذا السبب تؤثر أسعار النفط في وضع الاقتصاد الأمريكي وفي الحالة المعاشية للمواطن بصورة مباشرة، ولذلك فإن المحافظة على مستوى معين لأسعار النفط تشكل مصلحة أساسية للولايات المتحدة.  كما وأن سوق النفط العالمية تجري تعاملاتها بالدولار حصريًا الأمر الذي يؤثر على عملية العرض والطلب على الدولار ووضعه في السوق العالمي، ولعل هذا يمثل أحد أهم العوامل التي تدفع بالولايات المتحدة إلى التأكيد على أهمية حرية الملاحة في الخليج الذي تمر عبره أكثر من ربع حاجة السوق العالمي من البترول ونسبة لا يستهان بها من الغاز الطبيعي. العامل الثالث كان تنامي الدور الكبير الذي تلعبه شركات النفط الأمريكية في الصناعة النفطية العالمية وما يدر ذلك من موارد على الاقتصاد الأمريكي.

 

  1. إعادة توجيه بوصلة العلاقات: تتمتع المملكة العربية السعودية بعلاقات تاريخية مع الولايات المتحدة دامت لعقود من الزمن ولم تتأثر بالمتغيرات السياسية داخل الولايات المتحدة حيث حرصت قيادة المملكة على تقوية العلاقة مع جميع المكونات السياسية والمؤسسات الحكومية والفعاليات الاقتصادية والإعلامية. لقد كان من نتيجة مقاربة إدارة الرئيس الأسبق أوباما من المنطقة التي أصابت العديد من دول المنطقة بخيبة الأمل، أنها دفعت بتلك الدول إلى اتخاذ مواقف معلنة من التوجهات السياسية الأمريكية الداخلية تجسدت بالدفع والتأييد لحملة الرئيس ترامب أمام المرشحة الديموقراطية، وزيرة خارجية الرئيس الأسبق أوباما، هيلاري كلينتون، لأنها بالنسبة لدول المنطقة كانت تمثل استمرارًا لسياسة الإهمال التي مارسها الرئيس أوباما.  هذه المقاربة تكررت في الانتخابات الحالية بين بايدن وترامب حيث لم تخف بعض الدول حماسها لإعادة انتخاب الرئيس ترامب.  الملاحظ هنا هو أن حلفاء وأصدقاء الولايات المتحدة المقربون وهم من أكبر المتأثرين بسياساتها يحرصون دائما على وضع مسافة واحدة بينهم وبين جميع الفعاليات السياسية في الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال سارع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى مهاتفة الرئيس المنتخب بايدن للتأكيد على الصداقة بين البلدين وأهمية التعاون بينهما، على الرغم من أن الرئيس ترامب هو أقرب الحلفاء والأصدقاء لبوريس جونسون وقد سبق وأيده في جميع مبادراته ومنها "بريكسيت" لكن العلاقة بين البدان يجب أن ترتقي فوق المواقف الشخصية.  هذه المسألة بحاجة إلى معالجة للحيلولة دون أن تكون لها آثارًا سلبية على العلاقات بين الولايات المتحدة ودول المنطقة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.
  2. موقف الإدارة الجديدة من العلاقة مع إيران: يعتبر الموقف المعلن من قبل الرئيس الأمريكي المنتخب بايدن من الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول 5+1 وعزمه العودة إلى الاتفاق، من أهم القضايا الحساسة بالنسبة لدول المنطقة وخصوصًا المملكة. كانت الطريقة التي عالجت بها إدارة الرئيس ترامب أزمة البرنامج النووي الإيراني نموذجًا على التفكير الآني الذي لا يحسب للأمور حساباتها البعيدة من خلال إعلانه الانسحاب من الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا منفردًا ومن دون تشاور الشركاء الأساسيين في الاتفاق. لقد كان من السهل على الرئيس إقناع المجموعة الدولية بضرورة إعادة النظر في الاتفاق النووي بسبب النتائج السلبية التي ترتبت عليه وأدت إلى تردى الأوضاع في المنطقة. وإذا لم يكن الانسحاب كافيًا فقد تبعته عقوبات اقتصادية قاسية على إيران كانت الغاية منها جلب إيران إلى طاولة المفاوضات، لكن الشيء الذي لم يحسب ترامب حسابه هو أن إيران لم تكن راغبة بالتفاوض حسب شروطه المعروضة، لذلك لجأت إلى التصعيد العسكري لعلمها أن ترامب لا يريد إشعال حرب جديدة.  لقد شكلت خطوات إلغاء الاتفاق وفرض العقوبات من دون إدراك للتبعات الخطيرة التي يمكن أن تترتب عليها، عملية مقامرة خاسرة وتصعيد خطير جعلت المنطقة وأمنها مفتوحة على المجهول.  

لابد من التذكير هنا الاختلاف بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة إنما هو بشكل المقاربة والوسائل من دون الاختلاف على أهمية خدمة المصالح الوطنية، كما أن الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران لا يمس جوهر المصالح الأمريكية في المنطقة بل العكس فقد قدمت إيران لها العون في عمليتي غزو العراق وأفعانستان.  لكن ذلك مشروط بالتزام إيران بالخطوط الحمراء الموضوعة أمامها والتي من أهمها عدم تطوير قدرات هجومية استراتيجية مثل الصواريخ البالستية أو السلاح النووي التي قد تشكل تهديدًا لأمن إسرائيل أو حتى تفوقها العسكري الإقليمي.  ولذلك فإن الموقف من الملف النووي الإيراني لن يتغير جوهريًا كما أنه لم يتغير مع إدارة ترامب التيًا اكتفت بإطلاق التصريحات النارية وفرض العقوبات الاقتصادية التي أصابت الشعب الإيراني ومنحت النظام الإيراني فرصة لإعادة بناء الجبهة الداخلية من خلال إلقاء اللوم بالمآسي التي يعاني منها الشعب الإيراني على "الشيطان الأكبر".

إن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي لن يكون تكرارًا للمرحلة السابقة أثناء فترة أوباما بل أن العودة يجب أن تأخذ بنظر الاعتبار الدروس المستفادة من تلك التجربة ومن أهمها أن إيران استغلت تلك المرحلة لتطوير صواريخها البالستية بالإضافة إلى زيادة نشاطها في دول المنطقة ومنها العراق واليمن وسوريا ودول الخليج.  هذه القضايا لابد أن تؤخذ بنظر الاعتبار عند النظر بإعادة العمل بالاتفاق النووي بين إيران والمجموعة الدولية، ولعل من تلك الدروس كان غياب التشاور مع دول الجوار الإيراني حول الاتفاق لذلك فمن المعتقد أن يكون لبعض دول المنطقة مثل دول الخليج وإسرائيل دورًا أكبر في مقاربة التعامل مع الاتفاق.

  1. الموقف من الحرب في اليمن: قادت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات تحالفًا دوليًا للتصدي للانقلاب الحوثي المدعوم من قبل إيران على الشرعية في اليمن عام 2015م. لقد كان موقف الحكومة الأمريكية المؤيد للتحالف وداعما له من خلال تقديم الدعم اللوجستي والمعلوماتي مع أن ذلك كان ليس بالضرورة متوافقًا مع الكونغرس الداعي إلى إيقاف الدعم للحرب في اليمن. كانت المعارضة في الكونغرس يقودها مشرعون ديمقراطيون مع تأييد عدد من الجمهوريين، البعض من هؤلاء المشرعين سوف يصبحون في مواقع مسؤولة في إدارة الرئيس بايدن.

الفرص المتاحة أمام تنمية العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة

هناك فرص كبير لإحداث نقلة نوعية في العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في المرحلة القادمة.  لكن هذا لن يحدث ذاتيًا لأنه بحاجة إلى معالجة جدية قائمة على فهم واضح لجوانب الضعف والقوة في العلاقة وإدراك عميق للمصالح المشتركة ورغبة قوية في تعميقها.  ولعل من أهم تلك الفرص ما يلي:

  1. التعاون الأمني والعسكري: يعتبر أمن الخليج والمملكة من القضايا التي تجمع عليها المؤسسات الأمنية والسياسية في الولايات المتحدة مع بعض الاختلافات في طبيعة المقاربة. كما أن المملكة ترتبط بعلاقات أمنية وعسكرية مع الولايات المتحدة حيث تعتبر المملكة من أهم الشركاء الأساسيين للمؤسسات الأمنية والسياسية والإعلامية في الولايات المتحدة ومن أهمها مؤسسات الصناعة العسكرية الأمريكية ذلك أن الإنفاق العسكري للمملكة بلغ 9.5% و8% في العامين 2018 و2019م، على التوالي.  ولعل من أهم القضايا الأمنية التي تشكل أساس العلاقات الأمنية التعاون في الحرب على الإرهاب وكذلك أمن الملاحة البحرية في الخليج العربي.  
  2. التعاون في قطاع الطاقة: تعتبر المملكة من أهم الدول المنتجة للبترول، وهي بذات الوقت من أكبر الدول المستهلكة للطاقة وذلك بسبب الحاجة الكبيرة في المملكة وخصوصًا فيما يتعلق بتحلية المياه وإنتاج الطاقة الكهربائية.

 

 

رسم بياني يمثل المعدل اليومي لإنتاج واستهلاك النفط (مليون برميل) في المملكة

 

يوضح الرسم البياني أعلاه النمو الكبير في معلات استهلاك النفط في المملكة حيث تعتبر المملكة في المرتبة السادسة عالميًا في ترتيب الدول المستهلكة للنفط.  هذه الزيادة مرشحة للنمو بسبب الحاجة المتزايدة للمياه مع زيادة السكان وشحة الأمطار ونقص المياه الجوفية بالإضافة إلى الزيادة الكبيرة في استخدام الطاقة الكهربائية للتبريد مع ارتفاع درجات الحرارة.  لذلك فمن المتوقع أن المملكة سوف تصل بعد أقل من عشرين سنة إلى حالة استهلاك معظم النفط المستخرج داخليًا، مما يتسبب بأضرار اقتصادية وبيئية كبيرة على المملكة.  لذلك فإن المملكة بوصفها من البلدان المستهلكة للطاقة فإن عليها الاستثمار في تنويع مصادر الطاقة المستهلكة وزيادة الاعتماد على بدائل الطاقة وفي مقدمتها الطاقة الشمسية والنووية والرياح. هذه القضية يمكن أن تشكل محورًا مهمًا من محاور التعاون الدولي عامة ومع الولايات المتحدة خاصة في سبيل معالجة متغيرات المناخ من خلال تطوير وتنويع مصادر الطاقة، بالإضافة إلى التعاون في إيجاد استخدامات نظيفة للمنتجات النفطية.    

 

  1. دور المملكة في القضايا الإقليمية: للملكة العربية السعودية دور إقليمي كبير في المنطقة والعالم، تدفع إلى تقوية الحوار مع الولايات المتحدة والدول الأخرى المهتمة بقضايا المنطقة لما لهذه القضايا من أهمية على الأمن والسلم العالميين:
  • التعاون في تحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط من خلال إيجاد حل دائم للقضية الفلسطينية
  • الموقف من الأوضاع في العراق: يعتبر العراق من الهواجس الرئيسية في المنطقة بالنسبة للإدارة الأمريكية مع وجود الآلاف من الجنود الأمريكيين هناك. ولذلك سوف تسعى الإدارة القادمة إلى تفعيل دور الأصدقاء في المنطقة في سبيل توفير الدعم لحكومة مصطفى الكاظمي التي تمر بأزمة اقتصادية وسياسية حادة.  لأبد من الإشارة هنا إلى أن العلاقات بين المملكة والعراق شهدت تطورات إيجابية كبيرة خصوصًا بعد وصول الكاظمي إلى منصب رئاسة الوزراء في العراق. وكانت باكورة تلك التحركات الدبلوماسية بين البلدين لقاء اللجنة المشتركة برئاسة وزيري الخارجية في البلدين الذي جرى على الشبكة الاليكترونية التوصل إلى الاتفاق على توقيع على التعاون في 13 مجالًا سياسيًا وأمنيًا واستخباريًا وتجاريًا، وإجراء مناورات عسكرية مشتركة ومكافحة الجريمة والتهريب وافتتاح ملحقيات عسكرية والتنسيق في القضايا الإقليمية وتبادل افتتاح ملحقيات عسكرية وفتح معبر عرعر الحدودي والعمل على وضع رؤية مشتركة تجاه قضايا المنطقة. لا شك بأن الدور السعودي في العراق سوف يشكل مادة للحوار بين المملكة والعراق وخصوصًا فيما يتعلق بإقامة منطقة للتعاون الاقتصادي بين المملكة و العراق والأردن ومصر.
  • الموقف من لبنان وسوريا: أبدت الحكومة الأمريكية دعمها لتكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل حكومة في لبنان للخروج بالبلد من المآسي التي ألمت به خصوصًا بعد الانفجار الهائل الذي ضرب ميناء بيروت. كما أن الموقف الأمريكي أبدى دعمًا لمطالب المتظاهرين المطالبين بالإصلاح السياسي في البلاد قبل الانفجار وبعده. لذلك فإن السعي لتحقيق مطالب الشعب اللبناني في مكافحة الفساد ربما تكون من القضايا التي تتطلب التعاون بين مختلف القوى الداعمة للشعب اللبناني وتوفير العون السياسي والاقتصادي المطلوب لإخراج لبنان من محنته التي جلبتها الطبقة الفاسدة.

سبق وأعلن الرئيس المنتهية ولايته ترامب في شهر أكتوبر من العام الماضي سحب قواته المتواجدة في شمال سوريا والتي كانت تقاتل جنبًا إلى جنب مع قوات سوريا الديمقراطية في الحرب على تنظيم داعش.  هذه الخطوة لاقت معارضة واسعة من المؤسسات العسكرية دفعت بوزير الدفاع ماثيس إلى تقديم استقالته بالإضافة إلى مبعوث الرئيس للحرب على الإرهاب بريت ماكيغرك. كما أن المشرعين الديمقراطيين أبدوا معارضتهم لقرار الرئيس ترامب. بالطبع تبين مؤخرًا بأن عملية الانسحاب التي أعلن عنها ترامب لم تحصل في حقيقة الأمر حيث لم يحصل أي تقليص في أعداد الجنود الأمريكان في سوريا، بحسب تصريحات السفير جيمس جيفري المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا والذي انتهت مهمته قبل أيام.  لذلك قد يسعى الرئيس المنتخب بايدن إلى تقوية الدور السياسي الأمريكي في سوريا بسبب التنافس الدولي على الساحة السورية في ظل التواجد العسكري الروسي، الأمر الذي يتطلب حوارًا جديًا مع دول المنطقة وفي مقدمتها المملكة.

  1. مكانة المملكة عالميًا ودورها في مجموعة العشرين: المملكة العربية السعودية تمثل قوة اقتصادية كبيرة في العالم. هذه المكانة أهلتها إلى أن تكون عضوًا فاعلاً في أهم تجمع اقتصادي-سياسي في العالم اليوم ألا وهو مجموعة الدول العشرين التي سوف تكون برئاسة خادم الحرمين الشريفين في دورتها القادمة، الأمر الذي يوفر للملكة الفرصة في طرح التصورات حول العديد من القضايا التي تهم دول المجموعة والعالم وفي مقدمتها التصورات المطروحة لمواجهة وباء الكوفيد-19 والخطوات المطلوبة لتسريع تعافي الاقتصاد العالمي من آثارها وهذه بالشك تمثل فرصة نادرة لفتح حوارات مهمة مع القوى العالمية وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
  2. دور المملكة الاستراتيجي في العالمين العربي والإسلامي: تتمتع المملكة بمكانة سياسية وروحية لكونها أرض الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين في العالم أجمع، الأمر الذي يؤهلها للعب دور مهم في العديد من القضايا العالمية بصورة مباشرة أو غير مباشرة من خلال دورها الريادي في المنظمات الإقليمية ومنها مجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي لكون المملكة دولة المقر للمنظمتين بالإضافة إلى دور المملكة الريادي في الجامعة العربية ومنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).
مقالات لنفس الكاتب