تواجه المنطقة العربية عدة تحديات مجتمعة وغير مسبوقة في تاريخها الحديث والمعاصر، ففي الوقت الذي لم تتعافى فيه المنطقة من تداعيات ما يسمى بثورات الربيع العربي، التي اجتاحت المنطقة منذ نهاية عام 2010م ، وحولت بعض دولها إلى دول رخوة وبدون حكومات مركزية قوية، وظهور حالة السيولة التي أوجدتها جماعات الإسلام السياسي بسبب الصراع على الحكم بالقوة، تتعرض المنطقة لأخطر مشروع متعدد الأسماء ، لكنه يحمل الغايات نفسها ويستهدف الوجود العربي ، وهو رباعي الأضلاع للنيل من المنطقة العربية وإلغاء هويتها وعزلها عن جذورها وسلخها عن تاريخها وإعادتها إلى دويلات أو كنتونات تابعة لامبراطوريات إقليمية كبرى كانت قد سادت ثم بادت ، وتريد العودة إلى الحياة على أيدي مجموعة من الطامحين الطامعين في المنطقة العربية وكأنها أرض بلا صاحب، رغم وجود صاحبها الشرعي وهو الشعب العربي الممتد من المحيط إلى الخليج.
المشروع الأول، هو المشروع التركي الذي يقوده رجب طيب أردوغان بالشراكة مع التنظيم الدولي للإخوان الذي انتقل من القاهرة إلى أنقرة بتمويل قطري، وهو مشروع قومي بامتياز لكن أردوغان ألبسه العباءة الإسلامية الإخوانية ليضمن مساعدة التنظيم الدولي وكذلك استمرار التمويل ، وحلم أردوغان يأتي مع قرب نهاية سريان معاهدة لوزان الثانية في عام 2023م، التي رسمت حدود تركيا الحديثة وغلت أيدي الأتراك في الهيمنة القديمة ، وأنهت الامبراطورية العثمانية، لذلك يسعى السلطان التركي الجديد للعودة إلى السيطرة على البحر الأبيض المتوسط، واحتلال الموصل في العراق واقتطاع أجزاء من سوريا، والعودة إلى احتلال ليبيا التي يعتبرها غنيمة تلبي احتياجاته من النفط والغاز حيث تستورد تركيا 95% تقريبًا من احتياجاتها النفطية، ولضمان تحقيق هذا الحلم أقام أردوغان عشرات القواعد العسكرية التركية في الشرقين الأقصى والأوسط، وفي الخليج وإفريقيا عند مدخل البحر الأحمر.
المشروع الثاني، هو المشروع الإيراني التي بدأت طهران في تحقيقه منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979م، وهي الآن تتفاخر به، وهو مشروع قومي فارسي وألبسه الملالي اللباس الشيعي ورفع شعارات نصرة المضطهدين ، والمظلومية التاريخية وتصدير الثورة، ولضمان استمراره أججت طهران الطائفية واستخدمت سلاح الميليشيات التي اخترقت بها الدول العربية كما هو الحال مع الحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان، والحرس الثوري في سوريا، والحوثيين في اليمن، وتدثرت طهران بغطاء البرنامج النووي ومساومة الغرب لتمرير المشروع الفارسي على حساب الدول العربية والإسلامية بزعزعة الاستقرار الداخلي لدول الجوار مع تطويقها بالتواجد في إفريقيا ووسط وشرق آسيا، والتحالف مع قوى أجنبية كبرى مثل روسيا والصين والهند وتركيا.
المشروع الثالث هو الإثيوبي ، الذي ظهر بعد أحداث ما يسمى بثورات الربيع العربي بالتحالف مع دول ومنظمات لها أجندتها المعادية للدول العربية وتريد الضغط على مصر والسودان لتمرير مصالح هذه الدول، وكانت الورقة الهامة للضغط هي مياه النيل، حيث دشنت إثيوبيا سدًا عملاقًا على النيل الأزرق وهو المورد الرئيسي لمياه النيل لمصر والسودان، وتشددت إثيوبيا تجاه الدولتين الشريكتين في النهر وترفض حتى الآن الاستجابة لأي دعوات للحوار حول تشغيل وملء السد الذي يعرض مصر والسودان للعطش وهو أخطر مشروع معادي للدولتين في التاريخ.
و المشروع الرابع هو الإسرائيلي الذي يعد من أخطر المشروعات القائمة على العرق والدين، فهو مشروع عنصري صهيوني متطرف يستهدف المنطقة العربية بأسرها وتحديدًا من (النيل إلى الفرات)، وإسرائيل لا تعترف ولا تلتزم بأي اتفاقيات سلام، ولا تستجيب لأي مبادرات عربية، ولا قرارات أممية، ففي الوقت الذي طرح فيه العرب المبادرة العربية عام 2001م، إضافة إلى كل قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، استمرت إسرائيل في غيها وضمت القدس عاصمة لها بمساعدة أمريكا وهي الآن بصدد تنفيذ خطوة خطيرة جدًا تستهدف ضم غور الأردن وفرض ما تطلق عليه صفقة القرن من طرف واحد.
المشاريع الأربعة كما أسلفنا تستهدف الوجود العربي من أساسه، ولذلك إذا أرادت الدول العربية البقاء ، فعليها أن تتوقف قليلًا أمام دراسة هذه الأخطار ووضع استراتيجية موحدة تلتزم بها الدول العربية الكبرى والفاعلة ومن يريد اللحاق بها من بقية المجموعة العربية لحماية الوجود العربي على أرضه، هذه الاستراتيجية تعتمد على صيغة معدلة للجامعة العربية أو تتجاوزها، وإلا فالبديل اجتياح المشروعات المعادية للعرب في عقر دارهم.