"الغرب المتنفذ" يؤثر في معظم جوانب حياتنا، فهو يسهم في استقرار أوضاع يفضلها، ويستفيد من بقائها، في أغلب أرجاء منطقتنا والعالم. ويزعزع أوضاعًا لا تروق له، وإن كانت في صالح المعنيين، وتعبر عن تطلعاتهم. يشعل الحرب تلو الأخرى، ويثير صراعًا هنا واضطرابًا هناك وقتما شاء، وعندما تتطلب "مصالحه ". لا يعقد أمر إلا بمباركته، ولا يحل عقد إلا إذا أراد الحل؟! يستغل الخلافات لإشعال صراعات طالما هو مستفيد منها.
من هو هذا "الغرب" وإن كانت كلمة "الغرب" تعبر عن الواقع الجغرافي، فلا بد، إذًا، أن يكون شرق وشمال وجنوب. ولكن أين "مركز" الأرض ؟ لا يوجد في الواقع، مركز محدد للأرض، وإن كنا، نحن المسلمون، نعتقد أن مكة المكرمة هي المركز.
فغالبًا، يقصد بـ "الغرب" أوربا، وروسيا و حتى غرب بحر قزوين، إضافة إلى الأمريكتين. أما "الشرق"، فيشمل شرق هذا الغرب – باستثناء استراليا ونيوزيلندا اللتان تحسبان مع الغرب. وأحيانًا يشار إلى " الغرب" بـ "الشمال"، أو" بـ " الجنوب" ...
لنسلط ضوءًا على "الغرب"، أخذنا بالتحديد التقريبي المذكور آنفًا، يمتد في ثلاث قارات، بها 78 دولة مختلفة ( 50 دولة في أوروبا، 3 دول في أمريكا الشمالية، 23 دولة في أمريكا الجنوبية والوسطى والكاريبي، إضافة إلى استراليا ونيوزيلندا). فهو ليس كتلة واحدة، بل 78 كيانًا مختلفًا، وترتبط عناصره بروابط ثقافية ودينية وسياسية مشتركة. وصحيح كل دول الغرب متشابهة حضاريًا لكن بدرجات تختلف. وأنتج الغرب، على مر التاريخ، عدة دول "كبرى" و "عظمى"، أهمها: اليونان، مقدونيا، روما، البرتغال، النمسا والمجر، إسبانيا، بروسيا، روسيا، إنجلترا، فرنسا، إيطاليا، أمريكا.
من الخطأ الإشارة إلى "الغرب" على أنه كتلة واحدة، عندما نذكر ما يفعله (الغرب) في المنطقة، وما له من نفوذ على منطقتنا. من هيمنة وتدخلات هو : الغرب المتنفذ ... الذى يتمثل في : الدول المتزعمة لحلف " ناتو" إضافة إلى روسيا .
صحفي عربي افتراضي يحاور " الغرب المتنفذ ":
يمكننا تخيل أن "الغرب المتنفذ"، هو عبارة عن: كيان واحد راشد عاقل، وناطق يمكن أن يتحدث عن سياساته وأهدافه ووسائله نحو العالمين العربي والإسلامي ... موضحًا المنطق الذى تنطلق منه سياساته، مجيبًا على أسئلة تبدأ بأدوات الاستفهام: كيف ولماذا ؟! تخيل الصحفي أن الغرب ينطق، وبالتالي يمكن محاورته، مستفسرًا عن سياساته تجاه العالم خاصة العالم العربي. إنه حوار قائم على " التصوراتية". لصحفي عربي فضولي، محاولاً استنطاقه، للإجابة على تساؤلات ملحة.
والأكثر (أو لعله الأسوأ) تخيلت أن هذا الغرب المتنفذ تحدث بصراحة وصدق وشفافية ؟! وهذا الافتراض أعتقد أنه لن يحدث. فكيف لكيان مراوغ مخادع، أن يكون صريحًا وأمينًا وشفافًا ؟! ولكنه "الغــلـو" في الأحلام. وضعت الأسئلة الرئيسية، وتركت الأسئلة الفرعية، لمسار الحوار، أما الأسئلة السبعة الرئيسة، فهي:
1 – من أنتم، وماذا تريدون، بمنتهى الاختصار؟
2 – لماذا تهتمون بالمنطقة العربية أكثر من معظم مناطق العالم ؟
3 – ماذا تريدون من العالمين العربي والإسلامي ؟
4 – لماذا يخشى غربكم الإسلام ؟
5 – ما رأيكم في الوضع العام للعرب والمسلمين، وما هي أسبابه، وما هو دور الغرب المتنفذ فيه ؟
6 – لماذا يتسابق الغرب على تأييد إسرائيل، رغم جرائمها ؟
7 – هل من سبيل إلى تعايش سلمى بين الغرب والعرب والمسلمين على أسس أكثر إنصافًا؟
الحوار:
جـ 1: نحن سبع دول غربية كبرى، تقودنا دولة عظمى. كل الدول مستقلة، سبق أن تنافسنا وتحاربنا، لكننا الآن حلفاء، يربطنا حلف عتيد. ولنا رؤية مشتركة تجاه كثير من القضايا والمناطق، وبخاصة العرب والمسلمين. نعتبر بعض فئات شعوبكم خطرًا مشتركًا، نعمل على مكافحته بشتى الوسائل. وهذا الخطر المشترك يسهم في تضامننا، وظهورنا ككتلة واحدة.
جـ 2: الدول العظمى والكبرى يجب أن تهتم بكل مناطق العالم، وهذا الاهتمام تتفاوت درجته حسب "أهمية" المنطقة. كلما زادت الأهمية، زاد اهتمامنا، والعكس صحيح. ومنطقتكم العربية مهمة جدًا، لدرجة أنها في بعض المراحل تعتبر أهم منطقة استراتيجية لنا، بسبب موقعها الجيوسياسي، وما تحتويه من موارد، في مقدمتها النفط والغاز. أدى إلى تنافس القوى الدولية عليها، وتزايد الحرص على مد نفوذها، و الحيلولة دون امتداد نفوذ منافسيها إليها.
وهذا يحدث كأمر واقع، بصرف النظر عن رضا، أو عدم رضا هذا الطرف أو ذاك. العلاقات الدولية هي غابة ... يأكل فيها القوى الضعيف. أليس هذا هو ديدن هذه العلاقات على مر العصور ؟! أن يكون لك كدولة كبرى نفوذ في منطقة ما يعني: أنك تهيمن على مجريات أمورها لمصالحك، ولو على حساب الآخرين. ولكن وبما أننا في "عصر الشعوب" التي أصبحت لها "السيادة"، فنحاول عدم استفزاز أي شعب خاصة إذا كان متعلمًا، ويقدر مبادئ الحرية والعدالة.
وأختتم الغرب المتنفذ إجابته، مذكرًا إيانا بـ "طبيعة" العلاقات الدولية. حيث أن "قانون الغاب" ما زال يسري، وإن خفت حدته، وفيما يتعلق بـ "نفوذ" القوى الأكبر، قال: مسألة "النفوذ" تحتاج للتوضيح، فمعظم دول العالم تتعرض لنفوذ الدول الكبرى والعظمى، أي لقدر من السيطرة، والتبعية، وهناك أربع درجات للنفوذ، أوجزها مفكرونا كالتالي :
- الخضوع التام: حيث يصادر الأقوى إرادة الأضعف تمامًا، ويملي عليه سياساته الخارجية والداخلية.
- التبعية: حيث تصبح المستعمرة تابعة في سياساتها للمستعمر رغم استقلالها القانوني الظاهر.
- الحماية: ضد أخطار معينة أو محتملة، مقابل تنازلات محدودة، ودون التدخل في الشؤون الداخلية للدولة الأضعف.
- تحالف الأنداد: لخدمة مصالح مشتركة، مع تساو نسبي في الحقوق والواجبات فيما بين أطراف التحالف.
لكي نستمر كدول كبرى وعظمى، لا بد من " مد " نفوذنا على أكبر قدر ممكن، خاصة المناطق الهامة، وأنتم، أيها العرب، لو كانت لديكم دولة كبرى لعملت الشيء نفسه.
تعقيب الصحفي : كثير مما ذكرتم مردود عليه. هناك أمور في سياساتكم، خاصة نحو العرب، لا يمكن قبولها، بمن فيهم غالبية شعوبكم. وأنتم الذين تكرسون "غابية" العلاقات الدولية، لأنكم الأقوياء. كان بإمكانكم أن تخففوا من حدة قانون الغاب، بما لكم من سطوة لإقامة عالم أفضل، وأكثر إنصافًا. ولكن سوء أهدافكم جعلت عالمنا مضطربًا و على "كف عفريت"، وخلقت مآس وكوارث إنسانية، وأزمات لا حصر لها، خاصة في المنطقة العربية، التي تحظى منكم باهتمام مسعور، ونحن لو كانت لدينا دولة كبرى، نحسبها محترمة.
جوهر سياسة الغــــرب نحو العـــرب:
السؤال الثالث: تقسون على العرب، وتضغطون عليهم أكثر من غيرهم، وأحيانًا تأخذونهم بجريرة قلة قليلة، وتكنون لهم العداء. ماذا تريدون من العالمين العربي والإسلامي؟ ولماذا يخشى غربكم الإسلام ؟!
ملخص إجابة الغرب: هناك مسببان رئيسان لما الأمة العربية فيه من ضعف، هما :
أ - المسبب الذاتي (الداخلي): و يتجسد في أربعة أسباب رئيسة ( الجانب السياسي، الطائفية، المذهبية، الإسلاموية) وعدة أسباب متفرعة.
ب - المسبب الخارجي و يتجلى في : حركة "الاستعمار الجديد" وما يوضع وينفذ من خطط تجاه أمتكم، بالتحالف مع الصهيونية. اضافــة إلى سياسات " دعم النفوذ" التي نمارسها نحن بالمنطقة.
نعم، هناك " خطة " غربية كبرى، أو سياسة سلبية غربية قديمة جديدة، تجاه العالمين العربي والإسلامي باعتبارهما من العالم النامي، وحسابهما على دين معاد للغرب و قيمه كما نعتقد. هذه السياسة عبارة عن: "أهداف" نسعى لتحقيقها في معظم الوطن العربي، و"وسائل" لتحقيق هذه الأهداف.
غالبيتنا تعتبر "الإسلام"، يمثل تهديدًا كبيرًا لديننا (المسيحي) ولقيمنا. و قدم المتطرفون "الإسلامويون" لنا "ذرائع" لشن حروبنا، و آخرها ما نسميه بـ "الحرب على الإرهاب" وبالمنطقة العربية إمكانات وموارد، يسيل لها اللعاب، وأولها: الثروة النفطية. وتتلخص أهدافنا في: محاولة استغلال المنطقة،. عبر "الهيمنة السياسية"، والتمزيق والإضعاف، يتم هذا الاستغلال، ويتم ضمان بقاء ورفاه إسرائيل.
والمسبب الذاتي يظل هو الأقوى تأثيرًا. والمسببان مترابطان، ومتداخلان، وهذه العلاقة الوثيقة تؤكد بأنه : لولا "المسبب الذاتي" ما وجد واستشرى "المسبب الخارجي"، ولولا "المسبب الخارجي" ما كان "المسبب الذاتي" مستتبًا ومتمكنًا.
دور الغرب في حال العرب السيء:
و يطرح المراسل سؤاله الخامس: ما رأيكم في الوضع العام الراهن لغالبية العرب والمسلمين، ما هي أسبابه، وما هو دور الغرب المتنفذ في نشوء هذا الوضع ؟!
الغرب المتنفذ: العرب أمة عريقة. وكان لها مساهمة كبيرة في الحضارة الإنسانية. ولا يمكن لاحد أن يدعي اليوم أن هذه الأمة في وضع طيب يتناسب مع إمكاناتها الهائلة، وتاريخها. فهذه الأمة ممزقة ومتخلفة، وضعيفة، وتعاني من صراعات وحروب مدمرة.
صحيح، أننا نحارب هذه الأمة، للحيلولة دون نهوضها واتحادها، وكى لا تصبح قوة يمكن أن "تهددنا" وربما تخيرنا بين الحرب أو الإذعان. ولذلك، حرصنا منذ انهيار الدولة العثمانية، على تمزيق العرب، وإضعافهم، وسنظل نقوم بهذه الحرب ضد هذه الأمة، لخشيتنا من نهوضها، ومنافستها وتهديدها لنا كإجراء وقائي.
إن أهم ما يدفع أي دولة لممارسة الإمبريالية هو قدرتها على الهيمنة، لتحقيق أهدفها. ومن حيث مدى "تحكم" الأقوى في غيره من الدول الأضعف (نسبيًا) فإن مدى "التحكم" يتفاوت من حالة لأخرى. إذ يعتمد على عوامل عدة، أهمها: مدى مقاومة الهيمنة الأجانب، مدى وعي الشعوب وحرصها على حقوقها.
الصحفي : ما هي أهم "نقاط" الإصلاح الذى تقصدونه ؟!
الغرب: البدء بالسياسة والإدارة. لا بد من تطبيق القوانين والتخفيف من حدة الطائفية والمذهبية، أسوة بالدول التي تزخر بالتنوع العرقي والثقافي والسياسي.
والقضاء على "الإسلاموية"، التي تشوه دينكم، أو التخفيف من حدتها. ولا بد من مراجعة وتنقيح خطابكم الديني.
الصحفي: لا أعتقد أنكم ستساعدوننا على النهوض، فمن السذاجة أن نطلب منكم ذلك، ولكن، هل ستتركون العرب يسيرون في طريق الإصلاح دون عرقلة ؟!
الغرب: نحن نعمل ما نعتقد أنه يخدم مصالحنا. وعلى العرب أن يعملوا ما يعتقدون أنه يخدم مصالحهم، من يريد شيئًا لا بد أن يعمل لتحقيقه بإصرار ويضحي من أجله، والعاقل لا يضع كل اللوم، على الآخرين.
دعم إسرائيل .. ليس محبة في اليهود:
المراسل يسأل عن دعم الغرب للكيان الصهيوني الذى زرع ليسهم في زعزعة أمن واستقرار المنطقة، ويشغلها بالصراعات، ويعيق تقدمها، لهذا التأييد عدة أبعاد، يمكن تبين بعضها من إجابة على سؤال: لماذا يتسابق الغرب على تأييد ودعم إسرائيل رغم جرائمها المعروفة ؟!
الغرب: لا يزيد عدد اليهود في العالم عن 16 مليونًا، 9 مليون منهم من " الاشكناز " (يهود الخزر) وهم اليهود الذين لا صلة لهم بالمنطقة العربية ،أجدادهم من منطقة بحر قزوين، وتهودوا في القرن التاسع الميلادي. وهاجر كثير من أحفادهم إلى الغرب، و 7 ملايين من يهود الـ "سفارديم "، وهم من المنطقة العربية، و صلتهم بفلسطين لا تبرر أن تكون فلسطين دولة لهم . ناهيك أن يكون لـ "الاشكناز" حقوق سياسية بفلسطين. بل ولا يوجد مبرر قوى بأن تكون لليهود بعامة دولة فهم ليسوا قومية واحدة، بل اليهودية ديانة، ولا مانع من انتشارها في عدة دول، كما هو حال بقية الأديان في العالم.
ومضى: نحن نعى ذلك، لكن هناك مصالح تتطلب القفز على هذه الحقائق، وتجاوز قيم العدالة ؟! هناك فرق بين "اليهودية" و" الصهيونية ". صحيح معظم اليهود صهاينة. ولكن، هناك حوالي 20% من اليهود في العالم يناوئون الصهيونية، ويعارضون قيام دولة يهودية عنصرية، على حساب شعب بأكمله.
ومع ذلك، أردنا إقامة إسرائيل في فلسطين، ليس حبًا في اليهود، ولكن نكاية في العرب. ولتكن إسرائيل "وسيلة " لتحقيق أهدافنا. هناك تسعة ملايين يهودي يقيمون خارج المنطقة العربية، والغالبية الساحقة منهم يعيشون لدينا، كمواطنين. و معروف، أن اليهود يهيمنون على مفاصل الحياة في الغرب، خاصة المال والإعلام والتعليم. ولا يمكننا تجاهل ضغوط هذه الأقلية، التي لا ننكر أن لها بعض السيطرة علينا. ولكن هيمنتنا عليها مؤكدة.
صحيح أن من أهم أسباب دعمنا لإقامة الكيان الصهيوني، هو الاستجابة لضغوط الحركة الصهيونية، ورغبتنا في أن يكون لليهود وطنًا يذهبون إليه، بدل التواجد في بلادنا. ولكن، لعل أهم الأسباب التي دفعتنا لدعم إسرائيل هي: إيجاد قاعدة متقدمة لنا في قلب العالم العربي نستغلها لتحقيق أهدافنا، وما زلنا نشكر قادتنا السابقين على إقامة هذا الكيان، ونشيد بتصميمهم على إنشاء إسرائيل لتقوم بهذا الدور الاستراتيجي لصالحنا.
نحن لا نوافق على بعض سياسات إسرائيل و جرائمها، ولكن لا نملك إلا أن نؤيدها. فلولا دعمنا لها لزالت من سنوات . تركنا لقادة إسرائيل إدارة شؤنهم الداخلية كما يرون. وأحيانًا نحتاج للجم هؤلاء عن التمادي في العربدة في المنطقة. لكننا، ملتزمون بدعم إسرائيل، وضمان بقائها وازدهارها فهي بالنسبة لنا، " كنز استراتيجي".
الصحفي: وماذا بعد أن قبل العرب وجود إسرائيل، شريطة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولماذا لا تضغطون على إسرائيل لإنفاذ هذا الحل وإنهاء الصراع ؟!
الغرب: نحن مع "حل الدولتين" ، ولكننا نترك لإسرائيل اتخاذ القرار. ولم نجد ما يدفعنا للضغط على الحكومة الإسرائيلية كي تقبل هذا الحل، ولذلك سنمضي في محاباة إسرائيل حتى إشعار آخر.
دعم إسرائيل .... نكاية بالعرب :
ومضى الصحفي : هل تذكرون لنا "أمثلة " على الدور الذى تقوم به إسرائيل لخدمة مصالحكم ؟!
الغرب: سنذكر لك مثالاً واحدًا فقط على "فائدة" وجود إسرائيل في المنطقة لنا، وهى فائدة جيوسياسية بالغة الأهمية لسياساتنا نحو منطقتكم ، أوجدنا إسرائيل لتكون رأس حربة في محاربة الإسلام المتطرف والقومية العربية، وضمان استمرارية الأوضاع، كما نريد. نحن مضطرون لتبرير جرائم إسرائيل ، والادعاء بأنها "ممارسة إسرائيل للدفاع عن نفسها"؟! وكم نحرج عندما يرد علينا أحد بالتساؤل : كيف يكون اغتصاب الأرض، وتشريد وقتل شعب، والاعتداء، من حين لآخر، على من حولها، إنما هو "دفاع عن النفس"، وكيف أن مقاومة هذا العدوان يعتبر " ارهابًا" ... يجب أن تجيش الجيوش، وتوقف الإمكانات، لمحاربته..؟! وهاك مثالا آخر على الدور الذى تلعبه إسرائيل لصالح استراتيجيتنا: منذ الأزل، كانت القارتان آسيا وإفريقيا مرتبطتين ومتصلتين جغرافيًا، عبر فلسطين، وشبه جزيرة سيناء. إقامة إسرائيل في 1948م، أدى إلى قطع معظم التواصل البري بين القارتين. و دعينا إلى أنه يجب أن تعمل إسرائيل دائمًا على تمزيق الأمة العربية، وبث الفرقة بين عناصرها، والحيلولة دون تواصل هذه العناصر واتحادها. ومن ذلك أن تعمل كـ "سد" يعرقل التواصل بين الضفة العربية المشرقية والضفة العربية الغربية. وقد أصبح هذا الهدف أحد أهم عناصر ومكونات الاستراتيجية الغربية - الإسرائيلية تجاه العرب.
ويبدو أن العرب يرغبون في كسر هذا الحاجز الاستراتيجي، عبر إقامة جسر يوصل بين المملكة ومصر ، ويربط بين الضفتين العربيتين. وهي رغبة نبيلة، تنم عن حس قومي عربي محمود. لو لم تكن هناك إسرائيل، لما كانت هناك حاجة إلى جسر كهذا. ولو وجدت إسرائيل مسالمة، وقابلة للسلام العادل، لما كانت هناك حاجة أيضًا لإقامة مشروع ضخم كهذا، يكلف المليارات.
الصحفي: أصبحت إسرائيل تمتلك ترسانة نووية ضاربة وأنتم تتغاضون عن سلاحها النووي، وتباركون سياساتها الحربية العدوانية. ألا تخشون أن تنقلب إسرائيل عليكم، بعد أن أشتد عودها ؟!
الغرب: نعلم أن لدى اسرائيل أكثر من مئتي رأس نووي، موجهة الآن ضدكم. وحظر انتشار السلاح النووي يعتبر من أولويات سياساتنا الخارجية. وكم نعاني من حرج دولي مؤلم، نتيجة تغاضينا عن السلاح النـووي الإسرائيلي. ولكن، مهما فعل الصهاينة، فإنهم يظلون قلة تسهل السيطرة عليها. هم ليسوا أمة ممتدة مثلكم. ومهما بلغت قوتهم العسكرية الضاربة، يظلون في أمس الحاجة لرعايتنا وحمايتنا، ليبقى كيانهم ،لأن ما يفعلونه، على الساحتين الإقليمية والعالمية، أمر بشع وغير مقبول في العلاقات الدولية الحديثة.
مستقبل العلاقات العربية – الغربية :
ويختتم الصحفي حواره مع الغرب المتنفذ، بسؤاله : هل من سبيل إلى تعايش سلمي بين العرب والغرب، وقيام علاقات أفضل بين الجانبين، على أسس أكثر إنصافًا ؟!
- الغرب: لا بد هنا أن نذكر، بـ "طبيعة" العلاقات الدولية ... هذه الطبيعة التي لا تعترف إلا بـ " القوة" ، صحيح، لا بد لقيام علاقات أفضل بين أي طرفين دوليين من حل تظلمات وشكوك كل طرف تجاه الآخر. لا بد مثلاً من تعهدنا بعدم التدخل في شؤنكم الداخلية مقابل التزامكم بعدم التعرض بأذى لما نعتبره مصالحنا بالمنطقة. ولا بد من قيامنا بالضغط على إسرائيل لحل القضية الفلسطينية، حلاً يضمن الحد الأدنى من الحقوق المشروعة للفلسطينيين، عبر إلزام إسرائيل بقبول حل الدولتين. وعلى الجانب العربي أن يحجم "الإسلاموية"، ويردعها.
غير أن كل ذلك لا يكفي. إذ تظل تحقيق مطالب أي دولة، أو أي مجموعة من الدول المتجانسة، رهنًا بمدى قوتها، أي بما تملكه من عناصر القوة الستة المعروفة، وهى : الإدارة / السياسة، كم ونوع السكان، الموقع الجغرافي، الموارد الطبيعية، المهارات التقنية، القوة المسلحة، إضافة إلى قوة ناعمة مؤثرة. ولذلك، فإنه كلما قوى الجانب العربي ستكون علاقاته بالآخرين، قريبة من الندية والعدالة النسبية ويزيد تجاوب الآخرين مع مطالبه ورغباته. والعكس صحيح تمامًا.
واستطرد: وهنا نجد أن هناك "تداخلاً" وثيقًا فيما بين: سياسة الغرب المتنفذ نحوكم، ووضع العرب و قوتهم، والإصلاح، وبين مدى تضرر واستفادة العرب من علاقاتهم معنا. ونحن لا نساعد من يسعى لتحدينا، أو يتطلع لان يكون ندًا لنا، سواءً كان عربيًا أو صينيًا. نحن نحترم من يفرض احترامه، ويجبر الآخرين على أن تحقق علاقاته معهم مصالح مشتركة حقيقية.
والعلاقات السليمة فيما بين دول تخدم السلم والأمن الدوليين، إن كانت "متوازنة". أما العلاقات التي يستفيد منها طرف أكبر ويستأثر فيها الأقوى بنصيب الأسد، بينما يكون للطرف الآخر الفتات، أو الضرر، فهي علاقات غير عادلة، وغير متوازنة، وكثيرًا ما ينتج عنها صراعات، وحروب لاحقة. ان المتنافسين لا يساعدون بعضهم البعض. كيف لمتسابق (مثلا) أن يسهم في تقوية متسابق منافس له ؟! إن دولنا أبعد ما تكون عن "الخيرية".
- الصحفي: ما رأيكم في فكرة "الحوار" الموضوعي العربي – الغربي ، ألا يقود إلى علاقات أفضل للطرفين المعنيين ؟!
- الغرب: الحوار الموضوعي فكرة ممتازة ، توضح موقف أطرافه، أو طرفيه، اذ يطرح فيه كل طرف مطالبه وتظلماته، ومن ثم مناقشة سبل خلق علاقات مستقبلية أفضل بين الطرفين ، غالبًا عبر : تعهد كل طرف بتلبية مطالب الطرف الآخر الأهم (التسوية، التوفيق، التنازلات المناسبة) ومن ثم بدء صفحة جديدة من التعاون السلمي المقنن بين الجانبين المعنيين.
نحن نعرف ماذا تريدون منا، وماذا نريد منكم. ولكننا لن نستجيب طوعًا لمطالبكم في الأوضاع الحالية لكلينا. واسمح لنا بأن نخبرك بأننا ، مع ذلك، سنأخذ ما نريد دون أن نضطر لإعطاء شيء قد يؤثر إعطاؤه بالسلب على ما نعتقد أنه مصلحتنا. وبالتالي، فإن الحوار – إن تم في مؤتمرات قمة، أو غيرها – لن ينتج عنه مغنم يذكر لكم. يؤسفنا أن نقول لكم: قووا أنفسكم أولاً قبل مطالبتنا بأي شيء لن نستمع لأى طرف، طالما هو في موقف ضعيف. وستبقى علاقاتنا كما هي، طالما معظمكم على ما هم فيه. ماذا يتوقع ثعلب صغير من أسد مخضرم ؟! أو دعنا نتساءل : ماذا يتوقع ظبي عربي من ذئب قطبي غربي كاسر ؟!
وفي ختام اللقاء، الذى تضمن حوارًا متوهمًا (أو وهميًا) بين كاتب تقمص دور مراسل صحفي عربي مستقل، حاور "الغرب المتنفذ "، يؤكد هذا المراسل أن ما ذكره على لسان هذا الغرب هو " حقائق" أغلبها معروف، ومؤكد وأن كان مسكوتًا عليه. وما أدعاه المراسل لم يأت به من فراغ ، بل استند إلى وثائق منشورة، تؤكد صحة ما ذكر على لسان ذلك الغرب. وليت من يدعي العكس، ويشكك في بعض مضامين ما ذكر، أن يثبت ادعاءه ... بوثائق لها ذات مصداقية ما استند اليه كاتب هذا الحوار، الوهمي المختصر، أو يكتفى باعتبار كل ما كتبه مراسل الغفلة هذا مجرد تخريفات .