شهدت السنوات العشرون الماضية منذ إنشاء مركز الخليج للأبحاث تطورات عديدة في خريطة الطاقة العالمية. ونظرًا إلى تمركز اقتصادات الخليج على إنتاج وتصدير النفط والغاز، فليس من المُستغرب حقًا أن يُكرِس مركز الخليج للأبحاث طاقاته للاهتمام بالتطورات المُتتالية في صناعة الطاقة، وعلى وجه الأخص التعاون الإقليمي في مجال الطاقة، وتحول دول المنطقة نحو الاعتماد على مستقبل يعتمد على الطاقة النظيفة.
وقد تداولت أسعار النفط عند قيمة مُنخفضة للغاية في عام 1999م، أي قبل عام من تأسيس مركز الخليج للأبحاث، لكنها تعافت إلى حد ما في العام التالي وظلت معتدلة بصورة نسبية حتى بداية عام 2004م.
وخلال غزو الولايات المُتحدة وحلفاؤها للعراق في عام 2003م، من أجل التعجيل بتغيير نظام صدام حسين، كان من المتوقع أن تبقى الأسعار عند مستويات مُنخفضة للغاية نظرًا لأن العراق قد يتوسع سريعًا في إنتاج النفط بفضل تغيير النظام ونهاية العقوبات المفروضة على البلاد، أو ربما قد تتخذ الدولة قرارًا بالانسحاب من منظمة الدول المُصدرة للبترول "أوبك". لكن تلك التوقعات لم تتحقق، وبدأت الأسعار في الارتفاع بصورة ملحوظة، واستمرت في الارتفاع حتى الأزمة المالية العالمية في 2008-2009م، ثم انخفضت الأسعار بحدة مُجددًا، لكنها تعافت نسبيًا وظلت مرتفعة للغاية حتى صيف 2014م، عندما برز النفط الصخري كعامل مؤثر في تحديد أسعار الطاقة عالميًا.
وساهم نمو إنتاج النفط الصخري في الولايات المُتحدة في تحوله إلى عامل أكثر أهمية من استمرار عدم الاستقرار الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط، ليُخالف بذلك التوقعات ويُؤدي إلى خفض الأسعار من جديد.
وخلال تلك الفترة، تطورت خريطة الطاقة العالمية من كونها مثقولة بمخاوف الوصول إلى ذروة تبدو حتمية لتوافر النفط مُقابل الطلب المُتزايد باستمرار، إلى أن تُصبح تحت وطأة التوافر المُتزايد لاحتياطات النفط ونمو الإنتاج، وتخلق بذلك حالة من العرض الفائض الذي لا يُمكن السيطرة عليه. أضف إلى ذلك أن الضغوط القوية المُتزايدة من قبل الرأي العام العالمي، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي من أجل احتواء انبعاثات الكربون وتجنب ظاهرة تغير المناخ، سلطت الضوء على ضرورة التركيز على مصادر الطاقة البديلة للوقود الأحفوري.
واستهدف برنامج مركز الخليج للأبحاث خلال سنواته الأولى تسهيل الوصول إلى المعارف المُختصة ذات الصلة بشؤون الطاقة الدولية في منطقة الخليج العربي، على سبيل المثال، من خلال نشر توقعات الطاقة العالمية باللغة العربية التي نشرتها إدارة معلومات الطاقة في الولايات المُتحدة لمدة عامين مُتتاليين (2005-2006م).
وتركز نشاط البحث والنشر لبرنامج الطاقة في المركز بعد ذلك على الأبحاث المعنية بقضايا استدامة الطاقة، والتي أصبحت مُنذ ذلك الوقت السمة المميزة للبرنامج حتى يومنا هذا. ويُقصد بذلك تسليط الضوء على مصادر الطاقة المُتجددة ومدى الإقبال عليها في منطقة مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى الطاقة النووية واستهلاك الطاقة وتسعيرها.
الأبحاث والمنشورات المُتعلقة بالبدائل من أنواع الطاقة النظيفة
عقد مركز الخليج للأبحاث في يوليو من عام 2007م، برنامجًا تعليميًا تنفيذيًا امتد لثلاثة أيام حول توليد الطاقة النووية في الدول المُنتجة للنفط والغاز، ونُظم هذا البرنامج بالتعاون مع مركز جنيف للسياسات الأمنية، وشهد مُشاركة كبار المسؤولين من جميع دول مجلس التعاون الخليجي.
وشهد العام التالي نشر تقرير كتبه إيكارت وورتز بعنوان "الطاقة البديلة وانعكاساتها على دول مجلس التعاون الخليجي"، الذي تناول الاتجاهات الرئيسية للطاقات المُتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والوقود الحيوي. وحدد الكاتب في التقرير مُبادرات الطاقة المُتجددة في منطقة الخليج العربي، وتساءل عن السيناريوهات التي قد تنخرط بها دول مجلس التعاون الخليجي.
واعتبر الكاتب أن تزايد الاحتياج المحلي على الطاقة من أجل توليد الكهرباء وتحلية المياه، إضافة إلى الظروف المواتية لإنتاج الطاقة الشمسية، والاهتمام بالحصول على المعرفة التكنولوجية هي بمثابة حجة مثالية للاعتماد على الطاقة المُتجددة في منطقة الخليج. وأوضح أن الطاقات المُتجددة تستطيع أن تُصبح بمثابة شريان الحياة لصادرات دول مجلس التعاون الخليجي من النفط والغاز، وقد تتطور على الأرجح لتُصبح ركيزة رئيسية للاقتصاد.
وانضم مركز الخليج للأبحاث خلال السنوات من 2009 إلى 2013م، إلى اتحاد دولي يضم: معهد الاتصالات وأنظمة الحاسوب التابع للجامعة التقنية الوطنية في أثينا، اليونان؛ والمركز الوطني للطاقات المُتجددة، ألمانيا؛ والمركز الوطني للطاقات المُتجددة، إسبانيا؛ وكالة البيئة والتحكم في الطاقة، فرنسا؛ وجامعة ستافنجر، مركز حلول الطاقة المُستدامة، النرويج؛ والهيئة الدولية للإمداد بالكهرباء، أيرلندا؛ ومركز دراسات السياسات الأوروبية، بلجيكا. وحصل المشروع على تمويل من المفوضية الأوروبية لتنفيذ المرحلة الأولى من شبكة الطاقة النظيفة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي.
ويتألف المشروع من أربعة مكونات رئيسية، أولًا، إنشاء شبكة من الكيانات التابعة لدول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، والتي تضم الجامعات ومعاهد البحوث والشركات والإدارات والمرافق، من أجل دعم وبدء العمل على الموضوعات ذات الاهتمام المُشترك في مجال الطاقة النظيفة. وثانيًا، تشغيل وتطوير أنشطة الشبكة، بما في ذلك فعاليات بناء القدرات والأنشطة البحثية المُشتركة. وثالثًا، نشر المعلومات والنصائح من أجل توسيع المعرفة لدى دول مجلس التعاون الخليجي بشأن سياسات الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بمجال الطاقة النظيفة. ورابعًا، وضع استراتيجيات استدامة للشبكة القائمة من أجل استمرار العمل في إطار هيكل قانوني ومالي.
وتُسلط الشبكة الضوء بشكل خاص على المجالات التالية:
- مصادر الطاقة المُتجددة
- إدارة جانب الطلب على الطاقة وكفاءة الطاقة.
- الغاز الطبيعي النظيف والتقنيات النظيفة ذات الصلة.
- ترابط شبكات الكهرباء وتكامل الأسواق
- استخلاص الكربون وتخزينه.
نظمت الشبكة عدة مؤتمرات دولية واجتماعات خبراء، فضلاً عن البرامج التدريبية التي تستهدف تسهيل تقبل حلول الطاقة النظيفة. وأصدرت الشبكة عددًا من المنشورات، باعتبارها إما دراسات قائمة بذاتها أو بمثابة تقارير تتعلق بالمؤتمرات الدولية أو الفعاليات الأخرى.
وشهد عام 2012م، إصدار كتاب لـ"إيمان جريدي باتشيليري" بعنوان "الطاقة المُتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي: المصادر، الإمكانات، والآفاق"، تناولت خلاله الكاتبة الدور الهام الذي تستطيع أن تلعبه مصادر الطاقة المُتجددة في مزيج الطاقة المُستقبلي لدول الخليج. واستعرضت الكاتبة بشكل ثاقب المبادرات والسياسات الرئيسية المُتعلقة بالطاقة المُتجددة، وكذلك القدرات الصناعية والبحثية في المنطقة، مع تركيزه بشكل خاص على تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وتضمن اجتماع مركز الخليج للأبحاث في دورته لعام 2012م، الثالثة من هذه النُسخة من الاجتماعات، ورشة عمل بعنوان "تحديات الطاقة في الخليج" والتي نظمها الخبير الدولي في اقتصادات الطاقة ناجي أبي عاد وكبير الباحثين في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة مصطفى عوكي. وتركزت الدورة التدريبية على مناقشة تعرض معظم دول مجلس التعاون الخليجي لضغط هائل على ميزان الطاقة لديها نتيجة لزيادة مُعدلات النمو الاقتصادي والسكاني السريعة في المنطقة، وخاصة في برامج التصنيع الكبرى كثيفة الاستهلاك للطاقة. ولقد بدأت عدة دول خليجية بالفعل في استيراد الغاز من خارج منطقة الخليج (ولا تزال تفعل ذلك حتى الآن)، كما أنهم بدأوا بالفعل في التفكير بشكل متزايد نحو الاعتماد على مصادر بديلة للطاقة، بما في ذلك الطاقة المُتجددة والنووية.
وتبنت دول المنطقة تصورًا لتبادل الطاقة داخل منطقة الخليج من خلال شبكات طاقة إقليمية أو دون إقليمية (في الكهرباء والغاز)، وكانت تلك الشبكة تعمل بالفعل، لكن التعاون العام بين دول المنطقة لم يُصبح كافيًا، ولا يزال كذلك حتى الآن.
ونُشرت ورقة بحثية في إطار شبكة الطاقة النظيفة بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي تحت عنوان "الاستدامة والقدرة التنافسية: نهج عملي للتحول نحو الطاقة الشمسية في دول مجلس التعاون الخليجي". وافترضت إيمان جريدي باتشيليري أنه من أجل نجاح تحول دول المنطقة إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية، فينبغي عليهم مواءمة أولوياتهم الاجتماعية والاقتصادية المحلية التي تُركز على القدرة التنافسية والتنوع الاقتصادي. وقدمت الورقة توصيات مُحددة حول كيفية تمهيد الطريق نحو التحول طويل الأمد إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية الذي يُعزز من مبادئ الاستدامة والقدرة التنافسية لاقتصادات دول الخليج.
ونُشر في العام نفسه أيضًا ورقة بحثية بقلم عادل جاستلي وخافيير سان ميجيل ارمينداريز تحت عنوان "التحديات التي تواجه تكامل شبكة الطاقة المُتجددة في منطقة الخليج العربي". وخلُصت الورقة البحثية إلى أن العوائق التي تُعيق التطبيق واسع النطاق لدمج مصادر الطاقة المتجددة في شبكة متكاملة بالمنطقة ترتبط بشكل أساسي بنقص السياسات والأطر التنظيمية الواضحة في معظم دول مجلس التعاون الخليجي. وأوصت بأن يُصاحب دمج مصادر الطاقة المتجددة في شبكة دول مجلس التعاون الخليجي تحويل الشبكة التقليدية الحالية إلى شبكة ذكية.
ونُشرت ورقة أخرى في نفس الفترة الزمنية تحت عنوان "التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي في سياسات الطاقة المتجددة: استكشاف الفرص"، والتي خلص مؤلفوها (الدكتور ربيعة فروخي، والدكتور هاريس دوكاس، والدكتور ستيلا أندرولاكي، والدكتور إيمانويلا مينيتشتي، والدكتور أندريا ماسيني، والدكتور أرسلان خالد) إلى بروز تحديات هامة في مجال الطاقة ذات آثار على النواحي الاقتصادية والبيئية. وأوضحت أن المنطقة تشهد نموًا ملحوظًا في الطلب المحلي مدفوعًا بارتفاع عدد السكان والنمو الاقتصادي والنمو الصناعي السريع، فضلًا عن تطوير البنية التحتية.
جدير بالذكر أن ارتفاع الطلب على النفط إضافة إلى هياكل تسعير الطاقة السائدة في ذلك الوقت قد فرضت ضغوطًا على الميزانيات الحكومية، والتي أدت تباعًا إلى الاعتماد الحصري على الوقود الأحفوري وأنماط الاستهلاك الإقليمية التي نتج عنها في النهاية تسجيل أعلى نسبة من انبعاثات الكربونية للفرد الواحد في العالم.
ونُشرت ورقة بحثية رابعة في نفس الفترة تحت عنوان "فرص للإدارة المُتكاملة للطاقة والمياه في دول مجلس التعاون الخليجي" بقلم ويليام لوبيجا، وأبروفا سانتوش، وعمرو فريد، وكمال يوسف تومي. وركز المؤلفون على الإدارة المُتكاملة للطاقة والمياه، وفرص التخطيط للعلاقة القائمة بين الطاقة والمياه والتنمية المُستدامة لموارد الطاقة والمياه. واختُتمت الورقة بوصف الفرص المُتاحة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي في مجال الإدارة المتكاملة للطاقة والمياه.
وشهد عام 2014م، نشر كتاب بعنوان "الاقتصاد السياسي للإصلاح في مجال الطاقة: توازن الوقود الأحفوري والطاقة النظيفة في منطقة الخليج" بقلم جياكومو لوشياني، وربيعة فروخي، ليُلخص ورشة عمل عُقدت في اجتماع مركز الخليج للأبحاث في عام 2012م، وأوضح المؤلفون أن تغير المُناخ يتطلب استجابات عالمية مُنسقة يتعين خلالها جميع الدول، بما في ذلك كبار منتجي النفط في دول الخليج العربية، تنفيذ سياسات تستهدف احتواء انبعاثات الغازات الدفيئة. وبالرغم من ذلك فإن جميع السيناريوهات الواقعية تُشير إلى استمرار الاحتياج العالمي للوقود الأحفوري، وبالتالي، تواجه دول مجلس التعاون الخليجي مُعضلة التطوير المُستمر واستخدام موارد الوقود الأحفوري لديها، أو زيادة الاعتماد على مصادر مُنخفضة الكربون، مثل الطاقة النووية أو الشمسية أو طاقة الرياح.
ونشرت "إيمان جريدي باتشيليري" في الكتاب السنوي لدول الخليج العربي لعام 2016م، مقالًا عن "سياسات الطاقة المُتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي: التحديات والآفاق"، حيث خلُصت إلى أن عدة عوامل مثل النمو السكاني، وزيادة التوسع العمراني، والحاجة الماسة إلى استخدام تكييفات الهواء وتحلية المياه، وكذلك الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، تدفع دول مجلس التعاون الخليجي إلى حرق كميات مُتزايدة من إنتاجها من المواد الهيدروكربونية، أو أن تُصبح مستوردة للغاز الطبيعي من أجل الحفاظ على تنميتهم الاقتصادية السريعة.
وشهد عام 2018م، إصدار مُجلد بعنوان "تحولات الطاقة في الخليج: أسئلة أساسية حول الطاقة النووية" بقلم علي أحمد. وكان ذلك المُجلد هو نتاج ورشة عمل عُقدت في ملتقى الخليج للأبحاث لعام 2016م. وأوضح الكاتب أن العديد من دول الشرق الأوسط، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، يشرعون في التخطيط أو إنشاء أو توسيع برامج الطاقة النووية. ويختلف الأساس المنطقي الرسمي لكل دولة في استثمارها في الطاقة النووية، لكنها ترتكز في كافة دول مجلس التعاون الخليجي إلى حاجتهم المُلحة إلى تحسين أمن الطاقة من خلال تقليل الاعتماد على النفط والغاز الطبيعي في توليد الكهرباء وتحلية المياه. ويُركز المجلد على عدة مجالات رئيسية، من بينها اقتصاديات الطاقة النووية، والأمن النووي، وإمكانات التعاون الإقليمي.
التعاون الإقليمي والدولي في مجال الطاقة
ولقد أبدى مركز الخليج للأبحاث اهتمامًا خاصًا للتعاون في مجال الطاقة، تماشيًا مع مهمته الأوسع نطاقًا في تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، عبر اجتماعات إقليمية أو ثنائية او عبر تقديم الأوراق البحثية.
وبرز أول مثال من نوعه في هذا المجال خلال عام 2008م، في كتاب نُشر تحت عنوان "تعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي: الأبعاد السياسية والاقتصادية والطاقة". وهذا الكتاب هو نتاج ورشة عمل عُقدت بالتعاون مع المعهد الإيطالي للشؤون الدولية في عام 2006م، وسلط الكتاب الضوء على المُبادرات المُحتملة لتحقيق الاستقرار في الأسعار واحتواء التقلبات في سوق النفط، في إطار الانشغال العالمي بمدى توافر إمدادات النفط والارتفاع السريع في أسعار المعدن الأسود. وضمت المقترحات التي طُرحت تعزيز التعاون في إنشاء مخزون نفط استراتيجي.
وفي شهر مايو لعام 2007م، نظم مركز الخليج للأبحاث بالتعاون مع مؤسسة العلاقات الدولية والحوار الخارجي ومعهد إغمونت الملكي للعلاقات الدولية مؤتمرًا في بروكسل حول المستقبل المحتمل للسياسات الجديدة لأمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي. وألزمت وثيقة "الورقة الخضراء" الصادرة عن المفوضية الأوروبية في مارس 2006م، الاتحاد الأوروبي بدمج قضايا الطاقة بشكل أكثر منهجية في السياسة الخارجية والأمنية المُشتركة، والتي وعدت أن أمن الطاقة لن يضر بالتزام الاتحاد الأوروبي بتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. واستعرض المؤتمر، في إطار تركيزه على أبعاد السياسة الخارجية لأمن الطاقة، على التفاعل والتناقض المُحتمل بين الترويج الدولي للديمقراطية ومتابعة أمن الطاقة.
وفي شهر نوفمبر لعام 2007م، نظم مركز الخليج للأبحاث قمة الشرق الأوسط وآسيا للطاقة في سنغافورة. وسلطت هذه القمة الضوء على الطلب المُتنامي بسرعة على واردات الهيدروكربون في آسيا، وما يترتب على ذلك من تزايد للترابط بين آسيا والشرق الأوسط. ويتطلب استخراج النفط والغاز حلولًا تكنولوجية معقدة واستثمارات هائلة، بينما يتطلب النقل المتزايد للطاقة عبر الحدود التعاون الدولي فقط. وركزت القمة على ضرورة تخفيف التوترات الجيوسياسية وإيجاد حلول مُبتكرة للنقل والتخزين الاستراتيجي. وفي عام 2009م، نُشر كذلك تقرير بعنوان "الهند ودول مجلس التعاون الخليجي ونظام الطاقة العالمي: استكشاف الترابط وآفاق التعاون".
وفي عام 2014م، نُشرت ورقة بحثية بقلم "فيجو فاركي ثياتوبارامبيل" و"علي فيزافي" بعنوان "تحويل صناعة النفط والغاز في القرن الحادي والعشرين في دول مجلس التعاون الخليجي: الفرص والتحديات". وسلطت الورقة الضوء على كيفية استثمار شركات النفط الوطنية في دول مجلس التعاون الخليجي في تطوير البنية التحتية للتنقيب عن النفط الخام والغاز الطبيعي وإنتاجهما وتكريرهما وتوزيعهما. لكن بعض دول مجلس التعاون الخليجي، رُغم ذلك، تُعاني من نقص حاد في الغاز الطبيعي التقليدي ولذلك تعتمد على الاستيراد لتلبية متطلباتها في وقت الذروة خلال فصل الصيف. وتضمنت الورقة تحليل نقاط القوة والضعف والفرص والمخاطر لصناعة النفط والغاز في دول مجلس التعاون الخليجي، وطرحت توصيات رئيسية في صورة فرص لصناعة النفط والغاز.
ونُشر في نفس العام كذلك ورقة بحثية بقلم "جياكومو لوشياني" تحت عنوان "إمكانية تكامل الطاقة في دول الخليج"، والذي افترض خلالها الكاتب أنه بالرُغم من بطء التعاون في قضايا الطاقة إلى حد ما بين دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن هذا التعاون قد يكون مفيدًا للغاية؛ حيث يُعد التعاون في مجال الطاقة رُغم كونه مفيدٌ للغاية، إلا أنه شديد الصعوبة، نظرًا لأن انخفاض التكلفة وتأمين الاحتياج المحلي للنفط هما أمران يُنظر إليهما على أنهما مكونان أساسيان للتنمية الوطنية، وهو ما يعني بالتالي سيادة الدولة.
ونُشر في عام 2015م، في أعقاب انهيار أسعار النفط في النصف الأخير من عام 2014م، كتاب بعنوان "خريطة الطاقة المُتغيرة في الخليج: التداعيات الاستراتيجية" بقلم جودت بهجت. وافترض الكاتب أن التقلبات الشديدة في أسعار النفط تُثير أسئلة استراتيجية هامة لكل من المستوردين والمُصدرين. وناقش المُتخصصون من الولايات المتحدة والشرق الأوسط وأوروبا وآسيا التطور السريع في خريطة الطاقة، بما في ذلك الطاقة المتجددة والطاقة النووية، إضافة إلى التحديات التي تواجه المنتجين، ومن بينها ثورة النفط الصخري، والمسائل القانونية. واستند الكتاب إلى فعاليات ورشة العمل التي عُقدت في اجتماع مركز الخليج للأبحاث لعام 2014م.
وفي عام 2015م، تضمن اجتماع مركز الخليج للأبحاث ورشة عمل تحت عنوان "الطاقة بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي" نظمتها سارة فاخشوري، رئيسة شركة «اس بي بي انيرجي إنترناشيونال» لاستشارات الطاقة، وجودت بهجت، الأستاذ الجامعي في شؤون الأمن الوطنية في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا في جامعة ناشينول ديفنس (جامعة الدفاع الوطني). وركزت الورشة على المصالح المُشتركة بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي خاصة في ظل الانخفاض الحاد لأسعار النفط منذ منتصف عام 2014م. واستعرضت مدى أهمية التعاون بين إيران ومنتجي النفط العرب (ومنتجين آخرين، مثل روسيا والنرويج وفنزويلا والمكسيك وغيرهم) في تسريع انتعاش أسعار النفط.
وتضمن الكتاب السنوي للخليج لعام 2016م، مقالًا عن الظروف التي شهدتها أسعار النفط في عامي 14/2015م، تحت عنوان "النفط في دول مجلس التعاون الخليجي" بقلم جياكومو لوشياني، حلل خلاله الكاتب كيف أن حرب الأسعار التي بدأت منذ مؤتمر الدول المصدرة للبترول "أوبك" في 27 نوفمبر 2014م، واستمرت في عام 2015م، كذلك، لا تُظهر أي علامة على أن سوق النفط العالمي سيشهد أي توازن قريب. وأضاف أن إنتاج النفط الخام واصل تجاوز مستوى الطلب العالمي، ما تسبب في استمرار دفع أسعار المعدن الأسود في اتجاه هبوطي.
وفي عامي 2014 و2016م، نشر مركز الخليج للأبحاث تقريرين لقطاع الطاقة في المملكة العربية السعودية يوثق الدور المحوري للمملكة في خريطة الطاقة العالمية والتطور السريع لهياكل الطاقة المحلية بالمملكة.
التطورات الأخيرة
تواصل دول مجلس التعاون الخليجي إيلاء أهمية كبرى لقضايا الاستدامة الاقتصادية والطاقة في إطار الاتجاه النشط نحو عزل الكربون واحتواء ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي. ويشهد عام 2020م، نشر مجلد بعنوان "متى يُمكن اعتبار اقتصادات النفط مُستدامة؟" بقلم جياكومو لوشياني وتوم مورنهوت، والذي صدر عن ورشة عمل عُقدت في ملتقى مركز الخليج للأبحاث لعام 2018م. واستعرض مؤلفوه مستقبل الطلب على النفط والغاز والاستراتيجيات المحتملة لمصدري الهيدروكربون من أجل التخفيف من أو القضاء على الانبعاثات المرتبطة بإنتاج واستخدام الهيدروكربون، وذلك من خلال الاعتماد المتزايد على مصادر الطاقة المتجددة، وتجميع الكربون وعزله، والتحول نحو إنتاج وتصدير الهيدروجين بدلا من الهيدروكربون.
وتسببت جائحة كورونا في انهيار الطلب العالمي على النفط والغاز، والذي كان من المتوقع أن يصل إلى ذروته الحتمية ثم انخفاض الطلب عليهما. ونوقشت تداعيات الجائحة في مؤتمر افتراضي بعنوان "الطاقة في الخليج ما بعد كوفيد 19" عُقد في أبريل 2020م، وشارك به بعض أبرز خبراء الطاقة في العالم. وسُرد تلخيص الاجتماع الذي عُقد بموجب قواعد تشاتام هاوس في تقرير تم نشره في وقت لاحق بوقت قصير.
وبينما سيتجه العالم نحو التعافي من هذا الفيروس، إلا أنه من الواضح أن تلك الأزمة ستخلف بعضًا من الآثار العميقة على حركة التجارة الدولية بشكل عام، وحركة التجارة في منتجات الطاقة بشكل خاص. لذا، فمن المُرجح أن تُذكر تلك الفترة دائمًا بأنها نُقطة تحول في التاريخ، وهي تلك الفترة التي تحتاج إلى تنفيذ أفكار جريئة، مثل تلك التي طرحها برنامج الطاقة التابع لمركز الخليج للأبحاث على مدار السنين الماضية.