array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 148

النفط الأهم في التبادل التجاري بين السعودية وأمريكا ما يتطلب تنشيط التجارة البينية

الأربعاء، 29 نيسان/أبريل 2020

تحميل    ملف الدراسة

خمسة وسبعون عامًا مرت على لقاء القمة التاريخي الذي جمع بين الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ رحمه الله ـ والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على البارجة الحربية كوينسي في قناة السويس في 14 فبراير عام 1945م.  ذلك اللقاء كان بمثابة نقطة تحول كبيرة في تاريخ البلدين والمنطقة لأنه جمع بين قياديتين تاريخيتين لكل منهما تطلعات وحسابات مختلفة. ذلك أن الملك عبد العزيز الذي يعتبر من القادة المتميزين في عصره والذي استطاع بقوة عزيمته وإصراره تحقيق أحد أهم المنجزات السياسية التي كانت تعتبر من المستحيلات لقرون من الزمن، ألا وهي توحيد الجزيرة العربية تحت مظلة نظام سياسي متميز جمع بين خصوصيات الجزيرة العربية وحاجة السكان والتوجهات المستقبلية لواقع المنطقة والعالم.  وقد تمكن من تحقيق ذلك كله على الرغم من شحة الموارد وصعوبة الأوضاع الداخلية والإقليمية التي واجهته.  وكان من أهم الدلائل على براعته القيادية سياسته الخارجية التي أدار بها العلاقات الدولية مع القوى الإقليمية والعالمية في الوقت الذي كان العالم يمر بمرحلة شديدة الدقة تمخضت عنها العديد من المتغيرات التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية التي كانت في مراحلها الأخيرة.  تلك الحرب التي دامت ست سنوات عجاف بلغت خسائرها البشرية ما يقارب السبعين مليون قتيل والتي بدورها أنهكت القوى العالمية التي كانت سائدة من قبل مثل بريطانيا وفرنسا وأزالت أخرى مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان ودفعت بقوى جديدة إلى الواجهةمن أهمها الولايات المتحدة التي أدرك رحمه الله أنها مرشحة لتلعب الدور الأكبر في مستقبل العالم والمنطقة على المدى المنظور.

 

يقابل ذلك الرئيس الأمريكي الذي كان في أوج قوته السياسية داخليًا حيث استطاع أن يحقق هو الآخر أمرًا لم يسبقه إليه أحد في تأريخ الولايات المتحدة ألا وهو الفوز بولاية رابعة في منصب رئاسة الجمهورية وذلك قبل أشهر قليلة من اللقاء[1].  أما خارجيًا فإنه كان منهمكا بتشكيل النظام العالمي الجديد الذي سوف يقود العالم في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية من خلال رؤيته القائمة على مبدأ "الشرطة الأربعة" في إشارة إلى الدول الأربع التي كان يعتقد أنها سوف تقود النظام العالمي الجديد بعد أن تضع الحرب أوزارها، وهي بريطانيا، والاتحاد السوفيتي، وجمهورية الصين بالإضافة إلى الولايات المتحدة.  ولإنهاء هذه الترتيبات عقد الرئيس روزفلت مؤتمر "يالطا" في شبه جزيرة القرم وذلك في 4-11 فبراير عام 1945م، مع رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرتشل وزعيم الاتحاد السوفيتي جوزيف ستالين، لذلك جاء لقاءه مع الملك عبد العزيز جاء بعد انتهاء ذلك الاجتماع بثلاثة أيام فقط، وهذه علامة واضحة على أهمية اللقاء بالنسبة للرئيس الأمريكي.

 

الولايات المتحدة التي أصبحت في قمة الهرم العالمي صارت بحاجة إلى إعداد العدة لدورها الجديد في قيادة العالم من خلال البحث عن تحالفات وشراكات جديدة خصوصًا مع الدول التي تتمتع بالمواقع الاستراتيجية والموارد الطبيعية مثل المملكة العربية السعودية. ومما زاد في أهمية اللقاء والحاجة الماسة إلى تطوير العلاقة مع المملكة شيوع بعض الأخبار آنذاك التي تقول بقرب حصول شحة عالمية في موارد النفط بسبب الحرب الكونية التي تسببت في زيادة كبيرة على الطلب نتيجة استهلاك القوى المتحاربة في المعارك الكبيرة التي طال أمدها، بالإضافة إلى ضعف الاستثمار في القطاع النفطي لانشغال الدول بالحرب، وكذلك الدمار الكبير الذي أصاب البنية التحتية والصناعية في معظم الدول المتقدمة في أوروبا وآسيا. لهذه الأسباب برزت المملكة العربية السعودية تلك الدولة الفتية التي تمتلك الموقع الاستراتيجي بالإضافة إلى وفرة الاحتياطي النفطي الذي تم اكتشافه في المنطقة الشرقية، وهي الأمور التي شكلت خلفية اللقاء التاريخي على البارجة الحربية "كوينسي" الذي يعتبر نقطة البداية للعلاقة الاستراتيجية بين الطرفين والتي دامت لحد الآن.

 

أحيط الاجتماع بغطاء من السرية وذلك بسبب الحرب المستعرة في معظم مناطق العالم، والأهم من ذلك أن روزفلت سبق وأن أعطى رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشيرشل الوعود بأن الولايات المتحدة لن تسعى لاستغلال حالة الإنهاك التي تعاني منها بريطانيا بسبب الحرب لتحقيق مكاسب استراتيجية في المستعمرات ومناطق النفوذ البريطانية وخصوصًا في تلك التي تقع شرق السويس والتي من أهمها منطقة الخليج الغنية بالموارد الطبيعية. ولعل ذلك كان السبب وراء الإعلان عن أن الاجتماع تناول موضوعًا واحدًا وهو الحاجة إلى توطين عشرة آلاف من اليهود الأوروبيين في فلسطين بسبب ما يتعرض له اليهود على أيدي النازيين في ألمانيا والفاشيين في إيطاليا.

التعاون في القطاع النفطي شكل خلفية الاجتماع:

اللقاء إذا لم يأت من قبيل الصدفة أو باب المجاملة السياسية بل سبقته تطورات عديدة في العلاقات الثنائية من أهمها النمو السريع للتعاون بين البلدين في تطوير الصناعة النفطية في المملكة.  لقد كان النفط أحد أهم الأسباب وراء مسارعة الولايات المتحدة إلى الاعتراف بالمملكة وتبادل العلاقات بين البلدين فور إعلان الملك عبد العزيز قيام الدولة السعودية الثالثة بعد إتمامه عملية توحيد الجزيرة في عام 1932م. يؤيد ذلك حصول شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال)[2] الأمريكية على حقوق التنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية في العام التالي.  قامت الشركة بعد ذلك بإنشاء تحالف شركات جديد تحت مسمى شركة كاليفورنيا العربية للنفط والتي أصبحت فيمابعد شركة النفط العربية-الأمريكية (أرامكو). حققت الشركة إنجازها الأكبر في الثالث من مارس 1938م، وذلك بتدفق النفط من بئر الدمام رقم 7.  هذا الاكتشاف شكل منعطفًا مهمًا في تأريخ المملكة بالإضافة إلى إنه ارتقى بالعلاقات بين البلدين إلى مستويات غير مسبوقة. بعد ذلك بعام وشهرين فقط رست ناقلة النفط (دي جي سكوفيلد) التابعة لشركة (سوكال) في ميناء رأس تنورة العميق لتحمل النفط السعودي إلى الأسواق العالمية، وقد دشن الملك عبد العزيز بنفسه تحميل الباخرة للتدليل على أهمية ذلك في مستقبل المملكة والباقي كما يقال أصبح جزءًا من التأريخ.

  

العلاقات السعودية ــ الأمريكية في مرحلة الحرب الباردة

ما إن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها حتى نشبت حرب من نوع آخر وهي "الحرب الباردة" وهي تسمية للصراع على مواقع النفوذ في العالم بين المعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة والشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي.  بموجب هذه السياسة سارعت الولايات المتحدة إلى إنشاء حلف الأطلسي ليشكل مظلة الحماية الأمريكية للقارة الأوروبية وتحصينها أمام المد الشيوعي. ولأهمية المنطقة وضرورة الحيلولة دون وقوعها في حبائل الشيوعية اقترحت الولايات المتحدة إنشاء "حلف بغداد" الذي جمع العديد من دول المنطقة مثل العراق وإيران والباكستان وتركيا حيث قادت بريطانيا هذه الفكرة. لكن الولايات المتحدة أعادت حساباتها تجاه الفكرة بسبب موقف معظم دول الحلف من القضية الفلسطينية.  المملكة وقفت موقف المعارض من الحلف لأنها كانت تخشى من أن يكون وسيلة لتنامي دور الحكم الهاشمي في العراق على نطاق المنطقة، ولذلك شكلت جبهة مع مصر للتصدي لتلك التوجهات، لكن أهمية المملكة بالنسبة للسياسة الأمريكية تجلت من خلال التوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين عام 1951م، التي تعهدت بموجبها الولايات المتحدة بتوفير السلاح والتدريب للقوات السعودية.  أما بالنسبة للمنطقة فقد تبلورت تلك السياسة بإعلان مبدأ ايزنهاور عام 1957م، الذي تعهد بموجبه الرئيس الأمريكي في خطاب له أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأمريكي بالتزام الحكومة الأمريكية بالتواجد في المنطقة باعتبار ذلك السبيل الوحيد لحمايتها من الخطر الشيوعي.

 كان من نتيجة مبدأ آيزنهاور اعتماد سياسة التوازن في المنطقة بين العراق والسعودية من جهة وإيران من جهة أخرى وكان ذلك حتى قيام ثورة 14 تموز (يوليو) 1958م، في العراق وخروج العراق من المعادلة وانحيازه للمعسكر السوفيتي.  لكن زيادة أعباء الحرب الأمريكية في فيتنام فرضت على الإدارة الأمريكية آنذاك تركيز الجهود العسكرية على تلك الحرب، لذلك برزت فكرة الاستعانة بالوكلاء المحليين في المحافظة على المصالح الأمريكية في العديد من مناطق العالم ومنها الخليج، وقد بذل شاه إيران وساعدته في ذلك شركات السلاح الأمريكية جهودا في إقناع الرئيس نيكسون ووزير خارجيته كسينجر بأنه الوحيد القادر على أداء الدور المطلوب في المنطقة، لذلك أصدر الرئيس نكيسون أوامره لشركات السلاح بضرورة توفير ما تحتاجه إيران لكي تقوم بمهمة حماية المصالح الغربية في منطقة الخليج.

شهد عام 1979م، دخول القوات السوفيتية إلى أفغانستان الأمر الذي جعلها في موقع يشكل تهديدًا مباشرًا للمصالح الأمريكية في الخليج، لذلك كان رد الرئيس جيمي كارتر سريعًا حيث أعاد المقاربة الأمريكية في الخليج إلى سابق عهدها، حيث شرح ذلك في خطابه إلى الأمة بعد ثلاثة أسابيع من الغزو السوفيتي قائلا بأن ذلك الغزو يشكل تهديدًا لمنطقة الخليج التي تحوي ثلثي احتياطي النفط العالمي.  وقد قام بترجمة ذلك واقعيًا في السنة التالية عندما وضع المبدأ العام للسياسة الأمريكية في الخليج والذي عرف بمبدأ كارتر حيث قال: " ليكن موقفنا واضحا أشد الوضوح إن محاولة أية قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج سوف تعتبر عدوانًا على مصالح الولايات المتحدة الحيوية وسوف نقوم بمواجهة أي عدوان مثل هذا بكل الوسائل المتاحة ومنها القوة العسكرية". 

  الاحتلال السوفيتي لأفغانستان أعاد منطقة الخليج عامة والمملكة خاصة إلى أولويات السياسة الخارجية الأمريكية وقد ترجمت هذه الأهمية من خلال الدور الفاعل الذي لعبته المملكة في مواجهة الغزو السوفيتي لأفغانستان حيث شكلت الولايات المتحدة جبهة ضمت المملكة والباكستان لتقديم الدعم اللوجستي للقوات الأفغانية المقاومة للغزو السوفيتي.

 

ما لبثت العلاقات السعودية ــ الأمريكية أن واجهت التحدي الأكبر الذي تمثل بغزو الرئيس العراقي السابق صدام حسين للكويت وتهديده للسعودية الذي شمل إطلاق الصواريخ بعيدة المدى على المدن السعودية ومنها الرياض واحتلال مدينة الخفجي الواقعة على الحدود السعودية الكويتية. ما إن دخلت القوات العراقية الكويت حتى سارعت الإدارة الأمريكية بإرسال 15 ألف جندي إلى المملكة للتصدي للقوات العراقية.  عملت الولايات المتحدة بعد ذلك على إنشاء تحالف دولي سياسي وعسكري ضد الغزو العراقي وكانت اولى العمليات المعركة التي خاضتها قوات التحالف الدولي ضد القوات العراقية التي احتلت مدينة الخفجي. بعد الانتصار في تلك المعركة نجحت قوات التحالف في إجلاء القوات العراقية من الكويت وإعادة الحكم الأميري لها بعد معارك طاحنة.

غزو العراق للكويت كان كارثة بكل معنى الكلمة ليس فقط بسبب الخسائر البشرية التي أصابت دول المنطقة وخصوصًا العراق والكويت والمملكة بالإضافة إلى الدمار الكبير الذي أصاب البنية التحتية في تلك الدول وعموم منطقة الخليج، بل لأن الحرب كشفت العديد من المشكلات التي عانت منها المنطقة ولاتزال ولعل من أهمها الانهيار الكامل لمنظومة الأمن الإقليمي واستبدال ذلك بمنظومات أمن محلية هشة لم تثبت أي فاعلية في مواجهة المشكلات التي حصلت فيما بعد، كما أن منظومة الأمن الأمريكية أثبتت أنها انتقائية ولم ترتق إلى مستوى الشراكة المطلوبة التي تستجيب لحاجة وتطلعات دول المنطقة وفي مقدمتها المملكة.  

   العوامل المؤثرة في العلاقات السعودية-الأمريكية

بدأت العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بداية جادة مبنية على معادلة بسيطة من المصالح الاقتصادية المتمثلة بالنفط والعوامل الجيوسياسية.  وكان ترتيب العلاقة من قبل الطرفين يشكل استجابة لاحتياجاتهما مع الفارق الكبير بين الدولتين آنذاك لكون المملكة دولة الناشئة في منطقة تعج بالمشكلات.  والآن وبعد خمسة وسبعين عامًا على بداية العلاقة حصلت العديد من المتغيرات في البلدين والعالم تجعل من اللازم إعادة تشكيلها لكي تتناغم مع تطور المصالح المشتركة والحاجيات الآنية والمستقبلية للطرفين. وفيما يلي من السطور سوف نشرح أهم المتغيرات التي طرأت على وضع الولايات المتحدة والمملكة والعالم المحيط بالعلاقة.

  المملكة العربية السعودية أولا كانت بمثابة دولة ناشئة تعوزها الإمكانيات ولا تنقصها المشكلات الداخلية والإقليمية، لكنها اليوم تطورت ونمت لتصبح قوة اقتصادية وسياسية إقليمية وعالمية تحتل موقعًا في مجموعة الدول العشرين، بالإضافة إلى دورها القيادي على المستويات الخليجية والعربية والإسلامية. تعتبر الزيادة السكانية من دلائل التطور الذي شهدنه المملكة حيث كان عدد سكان المملكة عند قيامها في الثلاثينات يقدر بأكثر من مليوني نسمة، أما اليوم فإن عدد السكان يقارب 30 مليون نسمة.  ولعل من أوضح الدلائل على تطور المملكة ذلك النمو الكبير الذي حققه الاقتصاد السعودي حيث تحولت المملكة من دولة فقيرة لا تمتلك أي مصادر الإنتاج عند قيامها إلى قوة اقتصادية عالمية تحتل موقعًا متقدمًا في مجموعة العشرين التي تضم أكبر القوى الاقتصادية العالمية.  يدل على ذلك النمو الكبير في الناتج المحلي السعودي الموضح في الرسم البياني أدناه.

 

رسم بياني يمثل الناتج المحلي السعودي للعقود الخمسة الماضية مع القيمة المتوقعة للعام 2020

 

 

أما بالنسبة للولايات المتحدة فإنها تعتبر القوة الأكبر اقتصاديًا وعسكريًا، لكنها في نفس الوقت تمر بمرحلة مراجعة وإعادة حسابات على ضوء التحديات الجديدة التي تواجهها ومنها التغير الكبير في طبيعة الاقتصاد العالمي وظهور عوامل جديدة أدت إلى إضعاف سيادة الدول وزيادة اعتمادها على بعضها البعض.  ولعل من أهم المتغيرات التي حصلت على الاقتصاد الأمريكي في العقد الأخير وكان لها الأثر المباشر على العلاقات السعودية-الأمريكية ذلك التطور السريع في صناعة النفط الأمريكية.

 

إن أهمية النفط تأتي من خلال ثلاثة عوامل، أولها أن أمريكا هي أكبر بلد مستهلك للطاقة في العالم حيث تستهلك حوالي 20 مليون برميل نفط يوميًا (خمس الاستهلاك العالمي تقريبًا) ولذلك تنفق ما مقداره 400 مليار دولار سنويًا على النفط بأسعاره الحالية، مقارنة بعشرة ملايين برميل تمثل استهلاك ثاني بلد وهو الصين.  لهذا السبب تؤثر أسعار النفط في وضع الاقتصاد الأمريكي وفي الحالة المعاشية للمواطن بصورة مباشرة، ولهذا فإن القدرة على الحد من التقلبات الحادة في أسعار الطاقة تعتبر مسألة على درجة كبيرة من الأهمية، لأن أسعار النفط قد تكون الحد الفاصل بين نمو الاقتصاد أو دخوله في حالة كساد، وهذا يصدق بالطبع ليس على الاقتصاد الأمريكي فحسب بل جميع الاقتصاديات العالمية الكبيرة. ولذلك فإن القدرة على السيطرة على أسعار الطاقة لا تمثل مصلحة اقتصادية فحسب بل عامل من أهم عوامل السياستين الداخلية والخارجية في الولايات المتحدة.

  

ليست هذه هي المصلحة الوحيدة التي يوفرها النفط بالنسبة للسياسة الأمريكية فهناك العامل الاقتصادي الآخر المتمثل بالتأثير المباشر على قوة الدولار الأمريكي لأن سوق النفط العالمية تجري تعاملاتها بالدولار حصريًا الأمر الذي يؤثر على عملية العرض والطلب على الدولار ووضعه في السوق العالمي، ولعل هذا يمثل أحد العوامل التي تدفع بالولايات المتحدة إلى التأكيد على أهمية حرية الملاحة في الخليج الذي تمر عبره أكثر من ربع حاجة السوق العالمي من البترول ونسبة لايستهان بها من الغاز الطبيعي.

الارتفاع الكبير في أسعار النفط قبل عشر سنوات كانت له نتائج عرضية لم تكن بالحسبان من أهمها تشجيع الصناعة النفطية غير التقليدية مثل التنقيب في أعماق البحار وزياد إنتاج النفط والغاز الحجري (Shale oil and gas). كانت العمليات غير التقليدية تتطلب مستويات أسعار تتجاوز الستين دولار للبرميل، لكن مع مرور الزمن وزيادة الكفاءة في عمليات الإنتاج تدنت الكلفة إلى أقل من ذلك بكثير.  لذلك استمرت الزيادة في إنتاج النفط غير التقليدي على الرغم من التدني النسبي لأسعار النفط الخام.  الزيادة في إنتاج النفط غير التقليدي أدت إلى تدني اعتماد الاقتصاد الأمريكي على استيراد النفط والمشتقات النفطية من الخارج، كما هو مبين في الرسم البياني أدناه.  السؤال الذي يبرز هنا عن أثر ذلك كله على مستوى الاهتمام الأمريكي بالمنطقة في ضوء الزيادة في إنتاج النفط المحلي لأن البعض كان يتوهم بأن اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة كان سببه الأساسي عامل النفط، مع أنه عامل مهم إلا أنه لم يكن العامل الأساسي.

 

 

رسم بياني يوضح استيراد الولايات المتحدة من النفط والمشتقات النفطية[3]

 

النفط لا يشكل العامل الوحيد في العلاقات الاقتصادية بين المملكة والولايات المتحدة فهناك مصالح اقتصادية كبيرة مع المملكة وتشمل على قطاعات مهمة إضافة إلى قطاع النفط وهي التبادل التجاري ومبيعات السلاح والاستثمار. يوضح الرسم البياني أدناه الصادرات والواردات الأمريكية من المملكة وحجم التبادل التجاري بينهما خلال الأعوام العشرة الأخيرة.

رسم بياني يمثل الصادرات والواردات وإجمالي ميزان التبادل التجاري بين المملكة والولايات المتحدة [4]

الواضح من الرسم البياني أعلاه أن الصادرات الأمريكية لم تتطور خلال السنوات العشر الماضية وبقيت تراوح بين العشرة إلى العشرين مليار دولار سنويًا، طبعًا هذه الأرقام لا تشمل مبيعات السلاح. وتبين المعلومات أعلاه قوة الترابط بين الصادرات السعودية وهبوط الصادرات النفطية الأمريكية مما يدل على أن النفط والمشتقات النفطية كانت تمثل العامل الأهم في ميزان التبادل التجاري بين البلدين، هذه المسألة بحاجة إلى وقفة جدية من قبل المسؤولين في البلدين للبحث في سبل تنشيط التجارة البينية وتوسيعها لتنمو خارج القطاع النفطي.

تشكل المملكة العربية السعودية واحدة من أهم واجهات مبيعات السلاح الأمريكي وترتبط المملكة بعلاقة قوية مع العديد من كبريات شركات تصنيع السلاح الأمريكي.  وتقدر مبيعات السلاح الأمريكي منذ توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي المشترك ولحد الآن بأكثر من 90 مليار دولار بحسب تقديرات وزارة الدفاع الأمريكية. وحديثًا قام الرئيس دونالد ترامب خلال زيارته الأخيرة للمملكة عام 2017م، بتوقيع اتفاقيات تصدير سلاح تبلغ قيمتها 350 مليار دولار على مدى السنوات العشر القادمة. [5] 

      

المصالح الأمنية والجيو-استراتيجية: كانت لعبة الشطرنج الدولية بين المعسكرين الغربي بقيادة أمريكا والشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي العامل الأول في العلاقات الأمريكية مع المنطقة، على الأقل في الجانب المعلن منها.  فالعلاقة الأمنية بين الولايات المتحدة وتواجدها العسكري والتزامها بالحفاظ على أمن المنطقة كان تبريره دائمًا الحيلولة دون وقوع المنطقة تحت سيطرة المعسكر الشيوعي.  وقد برزت هذه الحقيقة في العديد من المواقف الرسمية الأمريكية مثل مبدأ آيزنهاور، أو مبدأ نيكسون وكذلك مبدأ كارتر.  هذه المصالح كانت العامل الأهم طيلة فترة الحرب الباردة التي بدأت مع نهاية الحرب العالمية الثانية وانتهت مع تفكيك المعسكر الشرقي وإعادة رسم الخارطة السياسية العالمية وبداية فترة انفراد أمريكا بالريادة العالمية.  ما إن انتهت الحرب الباردة وتنفس العالم الصعداء حتى بدأت حروب وصراعات محلية في مختلف بقاع العالم لتنتهي بواحدة أكثر سخونة منها هي الحرب المعلنة على الإرهاب التي وضعت المنطقة في قلب الأحداث العالمية وأكسبتها اهتمامًا هي في أشد الغنى عنه. لكن المنطقة بدأت تشهد بوادر صراع جيوسياسي جديد مع ظهور قوى اقتصادية وسياسية عالمية تطمح إلى منافسة الولايات المتحدة على الموارد الطبيعية والأسواق.  هذه المتغيرات جاءت بسبب الزيادة في قوة التواصل والترابط بين مناطق العالم المختلفة وأدت إلى حصول تغيير في طبيعة المنافسة العالمية على الأسواق والموارد.  إن طبيعة الصراعات العالمية تجعل من الصعوبة التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور في المنطقة على مدى السنوات العشر القادمة لكن ذلك لا يمنع من الحديث عن أهم العوامل التي يمكن أن تؤثر في وضع العلاقات الأمريكية-الخليجية وأهم الدلائل والمؤشرات على ذلك.

العقد القادم سوف يشهد تغيرات كبيرة في موازين القوى الاقتصادية العالمية. الرسم البياني أدناه يوضح حجم الناتج المحلي للدول الثلاث عشرة الأولى اقتصاديًا بحلول عام 2030م، مقارنة مع أرقام 2018م، لنفس الدول. 

   

رسم بياني يمثل الناتج المحلي (GDP) لأكبر 13 اقتصاد في العالم بحلول عام 2030م، مع مقارنة بالأرقام لعام 2018م، لنفس الدول

 

نظرة بسيطة إلى أرقام الرسم البياني أعلاه توضح التالي:

-       أكبر المتغيرات التي سوف تحدث في العقد القادم هي تجاوز حجم الناتج المحلي للاقتصاد الصيني لنظيره الأمريكي.  حيث تقدر التقارير الاقتصادية حجم الاقتصاد الصيني بحلول 2030م، بما يقارب 40 ترليون دولار، في حين أن الاقتصاد الأمريكي سوف يقارب 25 ترليون دولار. اقتصاد بمثل هذا الحجم بحاجة ماسة إلى المواد الأولية وأولها الطاقة والمعادن، بالإضافة إلى الحاجة الماسة إلى الأسواق وطرق الوصول إليها.  مرة أخرى يبرز دور المملكة خاصة والمنطقة عامة التي سوف تكون محط الصين، كما كانت قبل 75 سنة أثناء ذلك اللقاء التاريخي.

-       العقد القادم سوف يشهد طفرة كبيرة وظهور قوي للاقتصاد الهندي الذي سوف يصبح الثالث عالميًا قبل حلول 2030م، ولن يطول به الزمن بعد ذلك حتى يتجاوز الولايات المتحدة ويحتل المرتبة الثانية عالميًا.  هذه النتيجة سوف يترتب عليها تنامي الدور الهندي في المنطقة والذي قد يدخل في تحالف مع الولايات المتحدة للتصدي لطموحات الصين ومحاولتها التمدد في مناطق النفوذ الأمريكي. لابد من الإشارة هنا إلى أن الهند تمتلك ميزات في تعاملها مع المنطقة من أهمها التأريخ الطويل الذي يمتد لقرون عديدة بالإضافة إلى الملايين من العمال الوافدين الذين يقيمون في دول المنطقة. الزيارة الأخيرة للرئيس ترامب إلى الهند قبل أيام قليلة أعادت إلى الواجهة العديد من الأفكار حول قيام تعاون أمريكي-هندي الغاية منه التصدي للتمدد الصيني الروسي.

يقابل ذلك كله تنامي التنسيق والتعاون بين كل من الصين وروسيا وحلفاءهما الإقليميين مثل إيران وباكستان، مما ينذر بدخول المنطقة في صراعات إقليمية بالنيابة عن القوى العالمية المتصارعة. وقد أخذت بوادر الصراع بالظهور من خلال موقف الهند المتشدد من مبادرة الصين لإعادة بناء طريق الحرير، الذي امتد إلى المنطقة بريًا من خلال الباكستان التي ربطت الصين بميناء جوادار الواقع على بحر العرب، بالإضافة إلى وصول أول قطار من الصين إلى العاصمة الإيرانية طهران في عام 2016م، بعد رحلة استغرقت 14 يومًا وقطع فيها أكثر من عشرة آلاف كيلومتر.  

هذه المتغيرات العالمية تثير تساؤلاً مهمًا عن دور الولايات المتحدة في حماية طرق التجارة العالمية ومنها الخليج العربي، وهو الدور الذي لعبته منذ الحرب العالمية الثانية. فهل من المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بحماية طرق التجارة التي تمر بها بضائع الدول المنافسة لها في الساحات الاقتصادية والاستراتيجية؟ وإذا قررت الولايات المتحدة تقليص دور قواتها البحرية في هذا المجال، فمن سيقوم بملء الفراغ وهل تمتلك الصين القدرة على ذلك؟ أم أن ذلك سوف يؤدي إلى حدوث فوضى في طرق التجارة العالمية وعلى الأقل على مدى المرحلة الانتقالية التي تسبق ظهور نظام عالمي جديد لحماية طرق التجارة؟  ثم هل ينتج عن ذلك تنامي دور القرصنة وعصابات الجريمة المنظمة في أعالي البحار؟

-       الدور البريطاني الجديد في المنطقة: يقول المثل الغربي "كلما تغيرت الأمور عادت إلى ما كانت عليه"، لقد كانت بريطانيا، لعقود طويلة وإلى زمن ليس بالبعيد، هي القوة المهيمنة على منطقة الخليج التي كانت تعتبر جزءًا من امبراطورية لا تغيب عنها الشمس. لكن هذه الامبراطورية خرجت منهكة من الحرب ولم يكن بمقدورها الصمود أمام طموح وتطلعات القوة الجديدة التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية ألا وهي الولايات المتحدة ولذلك لجأت إلى التخلي عن العديد من مناطق النفوذ ومنها منطقة الخليج. استطاعت بريطانيا استعادة شيئا من عافيتها، وهي اليوم تراجع حساباتها السابقة، خصوصًا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي ولذلك فهي بأمس الحاجة إلى قيام تحالفات سياسية وعلاقات اقتصادية خصوصًا مع دول الخليج التي تعتبر ثاني سوق لبضائعها خارج الاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة.  لعل السنوات القادمة من شأنها أن تثبت صحة المثل وذلك من خلال عودة قوية لبريطانيا إلى مناطق نفوذها السابقة في منطقة شرق السويس وفي مقدمتها منطقة الخليج، فهل سوف تأتي إلى المنطقة منفردة، أم أنها سوف تشكل شراكة مع الولايات المتحدة؟

الخاتمة

خلاصة القول بأن العلاقات السعودية-الأمريكية التي تشكلت على البارجة الحربية كوينسي قبل 75 عامًا، كانت بمثابة استجابة لحاجيات البلدين والعالم وقد تطورت مع تطور الأوضاع في البلدين والمنطقة حيث نمت لتشمل جوانب إضافية كان من أهمها التعاون الثقافي الذي تمثل بابتعاث مئات الآلاف من الطلبة السعوديين للدراسة والتدريب في الولايات المتحدة والاستثمار السعودي في الاقتصاد الأمريكي ومساهمة الشركات الأمريكية في بناء البنية التحتية في المملكة.  وقد استطاعت تلك العلاقة التي حققت العديد من النجاحات، وإن امتزجت ببعض الإخفاقات، أن تؤدي الدور المطلوب منها على العموم وإن كان بحدوده الدنيا. هذه العلاقة اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة تشكيل لكي تتماشى مع حاجة الدولتين الداخلية وما تواجهانه من الأخطار والفرص على الساحتين العالمية والإقليمية وفي مقدمتها الحاجة إلى منظومة أمن إقليمي قادرة على مواجهة أخطار الماضي والمستقبل مثل الحروب المعلوماتية والإليكترونية والجرثومية بالإضافة إلى الجريمة المنظمة وخطر التطرف.  هذه الأخطار العابرة للحدود تمس أمن وسيادة البلدين ومصالحهما الخاصة والمشتركة، وهي بحاجة إلى تعاون دولي وخبرات متقدمة.  لكن وللأسف، لم تحظ هذه القضية بالاهتمام المطلوب من الجانبين وخصوصًا الجانب الأمريكي الذي تعامل مع المنطقة في السنوات الأخير، وخصوصًا في إدارتي الرئيسين أوباما التي لم تمنح المنطقة الاهتمام المطلوب لانشغالها بما أسمته "التحول نحو آسيا"، وكذلك إدارة الرئيس الحالي ترامب التي تتعامل مع المنطقة من خلال تعريف ضيق جدًا للمصالح لا يتناسب مع ما في المملكة خاصة والمنطقة عامة من إمكانيات وما تواجهه من تحديات، كما وأنها أضرت بتعاملها من خلال تغليب ردود الأفعال والقليل من التصورات مع ضبابية النوايا وغياب الحوار الجدي. نأمل أن تشكل الفرص المتاحة في المنطقة، أو إن لم يكن ذلك فلعلها الأخطار الكبيرة المحدقة، الأسس لإعادة النظر بتلك العلاقة وبناءها على قواعد استراتيجية واضحة قبل فوات الأوان.

 

[1] الرئيس فرانكلين روزفلت انتخب رئيسا للمرة الأولى عام 1933 وفاز بولاية رابعة عام 1944. يعتبر الرئيس الأول والأخير الذي إنتخب لأكثر من ولايتين وكان ذلك قبل المصادقة على المادة الثانية والعشرين على الدستور والتي تنمع من إنتخاب الرئيس لأكثر من ولايتين من قبل الكونغرس عام 1947 والمصادقة عليها من العدد المطلوب من الولايات عام 1951.

[2] تغير اسم الشركة فيما بعد الى شركة "شيفرون"

[3] US Energy Information Institute (eia), https://www.eia.gov

[4] United States Census Bureauwww.census.gov/foreign-trade/balance/c5170.html

[5] https://www.cfr.org/backgrounder/us-saudi-arabia-relations

مقالات لنفس الكاتب