قام الرئيس البرازيلي "جايير بولسونارو" بجولة خليجية، زار خلالها كلًا من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك خلال الفترة 26-31 أكتوبر 2019م. وأسفرت هذه الزيارة عن مجموعة من النتائج المهمة، التي من شأنها المساهمة في تقوية العلاقات البرازيلية مع السعودية والإمارات، إضافة إلى أنها ستمثل محطة بالغة الأهمية في مسيرة تطور العلاقات بين البلدان الثلاثة.
أولًا: أهمية زيارة الرئيس البرازيلي:
مثلت زيارة الرئيس بولسونارو، للسعودية ودولة الإمارات نقلة نوعية في تاريخ تطور العلاقات البرازيلية مع البلدين الشقيقين، وتنبع أهمية الزيارة من اعتبارات عدة منها:
1-توقيت الزيارة: جاءت جولة الرئيس بولسونارو الخليجية في ظل توقيت غاية في الأهمية، حيث كانت الأولى له في المنطقة العربية منذ توليه مهام منصبه في الأول من يناير 2019م. مما يُمثل إدراكًا للأهمية المتعاظمة لمكانة السعودية والإمارات على الساحتين الإقليمية والدولية. وتُعد زيارة الرئيس البرازيلي للسعودية هي الزيارة الثانية لرئيس برازيلي، حيث جاءت بعد مرور عشر سنوات على أول زيارة، على الإطلاق، لرئيس برازيلي"لولا دا سيلفا" للمملكة، وذلك في عام 2009م.
إضافة إلى أن زيارة الرئيس البرازيلي كانت متزامنة مع الاحتفال بمرور أكثر من خمسين عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة والبرازيل، وذلك في عام 1968م، وفي عام 1973م، افتتح البلدان سفاراتهما في برازيليا وجدة، ثم أعقب ذلك نقل السفارة البرازيلية من جدة إلى الرياض في عام 1986م.
وبالمثل، كانت زيارة رئيس البرازيل للإمارات هي الثانية لرئيس برازيلي منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حيث سبق أن قام الرئيس البرازيلي الأسبق "لولا دا سيلفا" بزيارة الإمارات في ديسمبر 2003م.
إضافة إلى ذلك، تزامنت زيارة رئيس البرازيل لدولة الإمارات مع احتفال البلدين بمرور 45 عامًا على انطلاق العلاقات الدبلوماسية رسميًا بينهما، وذلك في عام 1974م، وقد افتتحت سفارة البرازيل في أبو ظبي في عام 1978م. وفي عام 1991م، افتتحت الإمارات سفارتها في برازيليا (لتكون بذلك أول سفارة إماراتية في أمريكا الجنوبية). وفي مارس 2017م، افتتح الشيخ "عبد الله بن زايد"، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، المبنى الجديد للقنصلية العامة للإمارات في ساو باولو.
2-ثقل الوزن السياسي والاقتصادي: عكست زيارة الرئيس البرازيلي، حرص بلاده على تنسيق المواقف والرؤى مع السعودية والإمارات، بحكم الدور المحوري الذي يلعبه البلدان في كثير من الملفات والقضايا السياسية والاقتصادية والأمنية، إقليميًا وعالميًا، إضافة إلى جهودهما المبذولة من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وتنظر البرازيل إلى المملكة والإمارات كشريكين مهمين، وتسعى إلى تعزيز علاقتها معهما، خاصة في مجال التجارة والاستثمار؛ كما تنظر إلى البلدين كبوابة لتعزيز علاقتها الاقتصادية مع دول الخليج، وكذلك قارة آسيا ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، وذلك بحكم موقعهما الاستراتيجي الحيوي.
وتُعد السعودية والإمارات شريكان تجاريان رئيسيان للبرازيل في منطقة الشرق الأوسط؛ فالسعودية هي أكبر شريك تجاري للبرازيل في المنطقة، وقد وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 4.4 مليار دولار في عام 2018، وتمد السعودية، البرازيل بنحو 33 بالمائة من وارداتها من النفط، بينما تعتبر المملكة هي سابع أكبر مستورد للمنتجات الزراعية البرازيلية على مستوى العالم، وهو ما دفع البرازيل إلى تعيين ملحق زراعي بالسفارة البرازيلية بالرياض في يناير 2018. وباعتبار السعودية والبرازيل عضوين في مجموعة العشرين، فيقوم البلدان بتبادل الرؤى وتنسيق المواقف بشأن القضايا المالية والاقتصادية العالمية.
فيما تُعد الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري عربي للبرازيل، بحجم تبادل تجاري يبلغ 2.5 مليار دولار، واستثمارات تقدر بنحو 5 مليارات دولار (مما يضع الإمارات في المرتبة الأولى عربيًا على مستوى التعاملات الاستثمارية مع البرازيل). إضافة لما تمثله الإمارات من نموذج تنموي ناجح في منطقة الشرق الأوسط، كما إنها تعتبر مركزًا تجاريًا وماليًا رئيسيًا في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى كونها مصدرًا مهمًا للطاقة المتجددة، وفي الوقت نفسه، لدى البرازيل خبرة واسعة في هذا المجال، حيث يتم إنتاج 68 بالمائة من الطاقة المستهلكة بمدينة ساو باولو من مصادر الطاقة المتجددة.
في ضوء ما سبق، استهدفت جولة الرئيس البرازيلي الخليجية، فتح أسواق جديدة للسلع والمنتجات البرازيلية، بما في ذلك لحوم الأبقار والدواجن والسكر والذرة والقهوة. وهو ما يتماشى مع هدف الحكومة البرازيلية المتمثل في تعزيز الصادرات وزيادة الاستثمارات السعودية والإماراتية فيها. كما أن الزيارة تصب في هدف آخر تسعى الحكومة البرازيلية لتحقيقه ألا وهو: الترويج لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي تعكف على تنفيذه في الوقت الراهن، بما يتضمنه من اتخاذ الخطوات اللازمة لتعزيز دور القطاع الخاص، وتحسين بيئة الأعمال التجارية للمستثمرين الأجانب.
على الجانب الآخر، يأتي الاهتمام السعودي والإماراتي بالبرازيل، انطلاقًا من إدراك البلدين لأهمية تعزيز الشراكات وتنويع الحلفاء الدوليين، مع مختلف القوى الكبرى وكذلك الصاعدة في العالم، وفي مقدمتها البرازيل، التي هي عضو في تجمع "بريكس" (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا)، وتعتبر القوة الإقليمية الكبرى في أمريكا اللاتينية، كما إنها أكبر دول القارة اللاتينية من حيث عدد السكان والمساحة لذلك فتمثل أحد الأسواق الحيوية في أمريكا اللاتينية، إضافة إلى أنها تاسع أقوى اقتصاد على مستوى العالم. فضلًا عن دورها الذي لا يمكن إنكاره، في تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول العربية ودول أمريكا اللاتينية، من خلال إطلاقها مبادرة القمة العربية اللاتينية، حيث استضافت على أراضيها القمة الأولى في عام 2005م، بينما عُقدت القمة الرابعة بالسعودية في عام 2015م.
وفي الوقت نفسه، كان هناك إدراك واضح من قبل السعودية والإمارات لدور البرازيل في دعم الجهود الحكومية المبذولة لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية في البلدين، خاصة ما يتعلق بهدف تحقيق الأمن الغذائي، في ظل المكانة المرموقة التي تحتلها البرازيل في مجال إنتاج الغذاء، حيث إنها تأتي في المرتبة الثانية عالميًا بين الدول المصدرة للغذاء، والمرتبة الأولى عالميًا كأكبر منتج ومصدر للقهوة والسكر وفول الصويا واللحوم الحمراء كالبقر واللحوم البيضاء كالدجاج، بالإضافة إلى توافر العديد من الفرص في المجال الزراعي بالبرازيل خاصة مع امتلاكها مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة والصالحة للزراعة، والتي تُقدر بنحو 79 مليون هكتار. وفي هذا الإطار، أعلنت، شركة "بي آر إف"، وهي أكبر شركة للدواجن في البرازيل، مؤخرًا، عزمها بناء مصنع في السعودية، على أن توجه معظم منتجات المصنع، الذي تقدر تكلفة إنشائه بـ 120 مليون دولار، إلى السوق السعودية.
3- تتويج للجهود السابقة: جاءت زيارة الرئيس بولسونارو للسعودية والإمارات تتويجًا للجهود المبذولة من قبل الأطراف الثلاثة لتقوية أطر التنسيق والتعاون المشترك. فبالنسبة للعلاقات السعودية ـــ البرازيلية، كان هناك حرص من قبل كبار المسؤولين في البلدين على توطيد العلاقات الثنائية، وذلك من خلال عقد الاجتماعات واللقاءات رفيعة المستوى. وفي هذا الإطار، كان اللقاء الذي جمع الرئيس البرازيلي وولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" في يونيو الماضي على هامش اجتماعات قمة مجموعة العشرين في مدينة أوساكا اليابانية، نقطة انطلاق حقيقية نحو تعزيز العلاقات الثنائية، حيث شهد اللقاء مناقشة مجالات التعاون التي ينبغي أن تكون الركيزة الأساسية لترسيخ الشراكة بين البلدين.
بالإضافة إلى ذلك، فقد كان هناك تبادل للزيارات بين كبار المسؤولين السعوديين والبرازيليين، حيث قامت وزيرة الزراعة والثروة الحيوانية والغذاء البرازيلية "تيريزا كريستينا" ونائب وزير الدفاع البرازيلي "ماركوس ديغوت"، بزيارة المملكة في سبتمبر الماضي، وذلك بهدف تقوية الشراكة بين البلدين في مجالي الزراعة والدفاع. وفي الوقت نفسه، قام نائب رئيس مجلس الشورى السعودي بزيارة البرازيل في أكتوبر الماضي، من أجل تعزيز التعاون البرلماني بين الجانبين. وسبق أن قام كل من وزير الزراعة ورئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع الوطني بمجلس الشيوخ الاتحادي البرازيلي، بزيارة المملكة في عامي 2017 و2018م، على التوالي. وفي أبريل 2018م، تم إنشاء مجموعة الصداقة البرلمانية البرازيلية السعودية، وذلك في إطار مجلس الشيوخ الاتحادي.
وفيما يتعلق بالعلاقات البرازيلية الإماراتية، فقد شهدت دفعة قوية خلال السنوات الأخيرة، حيث قام وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، الشيخ "عبد الله بن زايد"، بزيارة إلى برازيليا، وذلك في مارس 2019م، وكانت الزيارة الأولى لوزير خارجية عربي منذ تولي بولسونارو رئاسة البرازيل. وسبق ذلك، زيارات أخرى رفيعة المستوى بين البلدين، شملت زيارة الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم" نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، للبرازيل في أبريل 2014م، إلى جانب زيارة نائب الرئيس البرازيلي آنذاك "ميشيل تامر"، الإمارات في عام 2013م.
وفي عام 2017م، قام وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، بزيارة برازيليا، حيث عقد عددًا من الاجتماعات رفيعة المستوى. وفي العام نفسه، زار وزير الزراعة والثروة الحيوانية والغذاء وكذلك وزير الطاقة والتعدين البرازيليين، الإمارات، كما التقى وزير الدفاع الإماراتي "محمد البواردي" بنظيره في البرازيل، حيث تم الاتفاق على إنشاء ملحق عسكري إماراتي في البرازيل. وزار رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع الوطني بمجلس الشيوخ الاتحادي، الإمارات في أبريل 2018م. كما تم عقد أول اجتماع للمشاورات السياسية بين البرازيل والإمارات في أبو ظبي، وذلك في شهر يوليو 2018م.
ثانيًا: نتائج زيارة الرئيس البرازيلي:
أسفرت زيارة الرئيس البرازيلي للسعودية والإمارات عن التوصل إلى عدد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم التي تتضمن مجموعة متنوعة من مجالات التعاون. وقد جاء الاهتمام بالتوصل إلى تلك الاتفاقات بالنظر إلى وجود قاعدة قوية من المصالح المشتركة التي تدفع في إتجاه تطوير العلاقات بين الدول الثلاث، فضلًا عن الإدراك بوجود مردود إيجابي على شعوب تلك الدول من توطيد العلاقات فيما بينهم. وفي هذا الإطار كان للزيارة عدد من النتائج الإيجابية، وذلك على النحو التالي:
1- على المستوى القانوني: شهد العاهل السعودي الملك "سلمان بن عبد العزيز"، والرئيس البرازيلي، في ختام زيارته للمملكة، تبادل 4 اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين حكومتي المملكة العربية السعودية، والبرازيل الاتحادية، وهي: اتفاقية تعاون في مجال الدفاع، اتفاقية بشأن تنظيم إجراءات منح مواطني البلدين تأشيرة زيارة، مذكرة تفاهم في مجال التعاون الثقافي، ومذكرة تفاهم في مجال جودة وسلامة وفعالية المنتجات الصحية.
وعلى هامش مشاركته في ملتقى الأعمال السعودي البرازيلي، شهد الرئيس بولسونارو التوقيع على 5 مذكرات تفاهم بين جهات سعودية وبرازيلية لتعزيز مجالات التعاون المشترك بين البلدين، وهي: مذكرة تفاهم بين الهيأة العامة للاستثمار ووكالة ترويج التجارة والاستثمار البرازيلية، مذكرة تفاهم بين الهيأة العامة للاستثمار وغرفة التجارة العربية البرازيلية، مذكرة تفاهم بين البرنامج الوطني لتطوير التجمعات الصناعية وغرفة التجارة العربية البرازيلية، مذكرة تفاهم بين الصندوق السعودي للتنمية وبنك التنمية البرازيلي، ومذكرة تفاهم بين وكالة الأنباء البرازيلية العربية وصحيفة "عرب نيوز".
وخلال الزيارة، صدر بيان مشترك عن "الشراكة الاستراتيجية بين السعودية والبرازيل في مجال الاستثمار"، حيث أعرب الجانبان عن دعمهما لتطلع صندوق الاستثمارات العامة لوضع خريطة طريق تهدف إلى بحث فرص الاستثمار المحتملة التي تعود بالنفع على البلدين، والتي تُقدر قيمتها بنحو 10 مليارات دولار، خاصة فيما يتعلق ببرنامج شراكة الاستثمار التابع لحكومة البرازيل.
وبالمثل، شهدت زيارة الرئيس البرازيلي للإمارات، التوقيع على عدد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم، التي تضمنت شراكات استراتيجية واقتصادية وتكنولوجية متنوعة، وهي: مذكرة تفاهم بشأن الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، اتفاقية للتعاون بين وزارتي الدفاع في البلدين بشأن التبادل والحماية المشتركة للمعلومات والمواد المصنفة، اتفاقية للتعاون والمساعدة الإدارية المتبادلة في المجالات الجمركية بين الهيأة الاتحادية للجمارك في الإمارات وجمارك البرازيل، وكذلك اتفاقية للتعاون بين البلدين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار.
أما مذكرات التفاهم فشملت مجالات: الحفاظ على التنوع البيولوجي، وتطوير منتجات الدفاع وتجارتها. كما تم التوقيع على مشروع مذكرة تفاهم بشأن إنشاء وتشغيل صندوق إماراتي ــ برازيلي للتعاون الاستراتيجي وتوسيع القدرات الإنتاجية لقطاع الدفاع. إلى جانب مذكرة تفاهم بشأن دعم الصادرات وإعادة التصدير بين إمارة أبوظبي والبرازيل. وكذلك مذكرة تفاهم بين دائرة التنمية الاقتصادية بأبوظبي وإيبيكس البرازيل تهدف إلى تبادل المعلومات حول بيئة الاستثمار والأعمال لتشجيع الشركات على الاستثمار في كلا البلدين.
2-على مستوى الفاعليات المنظمة: تضمنت زيارة الرئيس البرازيلي، تنظيم بعض الفاعليات المهمة، حيث شارك في فعاليات منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" (دافوس في الصحراء)، في نسخته الثالثة، والذي عقد خلال الفترة من 26-31 أكتوبر 2019م، ونظمه صندوق الاستثمارات العامة السعودي، بمشاركة قيادات وكبار مسؤولي دول وكبريات الشركات العالمية، بهدف المساهمة في بحث ومناقشة ملفات ومحاور ترسم ملامح مستقبل الاستثمار العالمي.
كما شارك الرئيس بولسونارو في ملتقى الأعمال السعودي البرازيلي الذي عُقد بمجلس الغرف التجارية السعودية في 30 أكتوبر 2019م، والذي شكَّل منصة فريدة لتسليط الضوء على الفرص الاستثمارية غير المكتشفة في البلدين.
وفي الإمارات، حضر الرئيس جايير بولسونارو "منتدى الأعمال الإماراتي البرازيلي" تحت شعار "خلق فرص الأعمال بين البرازيل والإمارات ومد الجسور إلى آسيا"، والذي عقد يوم 27 أكتوبر 2019م، واستقطب أكثر من 300 من كبار ممثلي القطاع التجاري والقطاع الخاص من الجانبين، لاستكشاف فرص الاستثمار في البلدين في مجالات الأغذية والزراعة، الاستشارات المالية، الرعاية الصحية، الإمداد اللوجستي، البنية التحتية، الدفاع، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وقطاعي النفط والغاز.
ثالثًا: مستقبل العلاقات البرازيلية مع السعودية والإمارات
اكتسبت الزيارة التي قام بها الرئيس جايير بولسونارو للسعودية والإمارات، طابعًا عمليًا عكس عمق الشراكة البرازيلية مع البلدين الخليجيين، ولم تقتصر نتائجها على الجوانب الاقتصادية فقط، بل شملت المجالات الأخرى السياسية والاستراتيجية والأمنية أيضًا. ومن الواضح أن الفعاليات التي تم تنظيمها خلال زيارة الرئيس البرازيلي للسعودية والإمارات، إلى جانب اتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تم إبرامها خلال هذه الزيارة بين عدد من الجهات والمؤسسات الخاصة والحكومية، سوف يكون لها بالتأكيد انعكاساتها الإيجابية على اقتصادات الدول الثلاث، في ظل علاقات التكامل وليس التنافس القائمة بين الاقتصاد البرازيلي وكذلك السعودي والإماراتي.
وفي هذا الإطار، من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة تكثيف التعاون بين الجانبين السعودي والبرازيلي في بعض المجالات التي تحظى باهتمام الجانبين، وهي: الاستخدام السلمي للطاقة النووية، التعاون الثقافي، استخدام الفضاء الخارجي، والرياضة.كما حدد الجانبان عدة مجالات ذات أهمية مشتركة للتعاون والاستثمار، مثل: القطاعات الزراعية، الصناعية، الطاقة والتعدين، البنية التحتية، النقل، والعلوم والتكنولوجيا والابتكار. ومن المرجح أن تُسهم الزيارة في زيادة حجم الاستثمارات السعودية في البرازيل، وكذلك تشجيع المشاركة السعودية في برامج الامتيازات البرازيلية والخصخصة.
وفي السياق ذاته، حرص الرئيس البرازيلي خلال مشاركته في إحدى جلسات منتدى مبادرة "مستقبل الاستثمار"، على الترويج للفرص الاستثمارية في قطاع السياحة بالبرازيل، في ظل امتلاكها لنحو 100 جزيرة يمكن تحويلها لمقاصد سياحية.كما رحب الجانبان بالإعلان عن بدء مفاوضات تجنب الازدواج الضريبي، وتيسير الاستثمار لتوسيع التدفقات الاستثمارية بين البلدين.
ومن المتوقع أن يكون هناك اهتمام متزايد في الفترة القادمة من قبل الطرفين بتعزيز التعاون في المجال الأمني والدفاعي، في ظل توقيع البلدين على اتفاقية للتعاون في مجال الدفاع، واتفاقهما على استمرار التعاون في مجالات التدريب. وفي ظل توافق رؤى البلدين حول ضرورة تحقيق السلم والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، فقد أشاد الجانب السعودي بشجب الحكومة البرازيلية وإدانتها الهجمات الإرهابية على منشآت أرامكو السعودية في بقيق وخريص بالمملكة العربية السعودية، التي استهدفت أمن وإمدادات الطاقة الدولية والاقتصاد العالمي. كما ثمَّن الجانب البرازيلي الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة العربية السعودية لحفظ الأمن والسلم إقليميًّا ودوليًّا.
وفيما يتعلق بالإمارات، من المتوقع حدوث تطور كبير في مستوى التعاون التجاري والاستثماري بينهما، خاصة مع اتفاق البلدين على الارتقاء بالعلاقات الثنائية، وتعزيزها لتصل إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. ومن المرجح أن تشهد الفترة القادمة، توجيه الاهتمام بشكل خاص بتعزيز التعاون في مجالات الطاقة، الزراعة، البنية التحتية، النقل، الطاقة، الابتكار والذكاء الاصطناعي، والدفاع. هذا بالإضافة إلى أنه من المتوقع أن يُسهم الاستمرار في إجراء المشاورات السياسية بين البرازيل والإمارات، والتي بدأت في يوليو 2018م، في إحداث مزيد من التطور في العلاقات الثنائية والارتقاء بها إلى مستويات متقدمة على كافة الأصعدة.
علاوة على ذلك، هناك توقعات بحدوث انتعاش في حركة السياحة بين البلدين خلال الفترة القادمة، خاصة مع دخول اتفاقية الإعفاء المتبادل من التأشيرات مع البرازيل حيز التنفيذ في يونيو 2018م. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن هناك نحو 76 ألف برازيلي قاموا بزيارة الإمارات في عام 2018م. وفي المقابل، زار البرازيل نحو 6 آلاف مواطن إماراتي.كما يبلغ عدد رحلات الطيران المباشر بين الإمارات والبرازيل 19 رحلة أسبوعيًا، وهو ما يعكس قوة العلاقة بين البلدين ورسوخها.
ولا يمكن إغفال أهمية جانب آخر، من المرجح أن يحظى باهتمام كبير خلال الفترة المقبلة، ألا وهو: التعاون في مجال الدفاع، في ظل تأكيد الجانبين على أن التعاون الدفاعي يظل جزءًا رئيسيًا من الأجندة الثنائية، ليس من منظور تجاري فحسب، ولكن أيضًا من أجل بناء الثقة وترسيخها. وانسجامًا مع إنشاء ملحقية عسكرية لدولة الإمارات العربية المتحدة في برازيليا، أعلن الرئيس جايير بولسونارو إنشاء ملحقية عسكرية لجمهورية البرازيل في أبوظبي. كما أكد الجانبان مجددًا استعدادهما لتوطيد وتعميق آفاق التعاون في مكافحة الجريمة المنظمة والعابرة للحدود الوطنية، والتصدي للإرهاب.
في ضوء ما سبق، يمكن القول أن تعزيز العلاقات البرازيلية مع كل من السعودية والإمارات سوف يكون له انعكاسات إيجابية ليس فقط على شعوب البلدان الثلاثة، ولكن على شعوب الدول العربية ودول أمريكا اللاتينية بشكل عام. وفي ظل ضخامة التحديات التي تواجهها المنطقتان، فهناك حاجة ماسة لاستئناف عقد القمة العربية اللاتينية، لتكون فرصة جيدة لتنسيق الجهود والرؤى من أجل مواجهة التحديات المشتركة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*باحثة متخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية