من المعروف أن الوقود البترولي سلعة غير متجددة وقابلة للنضوب، وتشير كافة الدراسات العملية التي أجريت على قطاعات الطاقة في العالم العربي أن مستوى الكفاءة الحالية في إنتاج واستهلاك الطاقة لم يصل بعد إلى المستوى المقبول، وبالتالي فهناك تحدٍ واضح يتمثل في تطوير فرص استخدام أكثر كفاءة في معظم القطاعات الاقتصادية مع الاعتراف بوجود معوقات تواجه تحقيق ذلك مثل: نقص القدرة على الوصول إلى التكنولوجيات المطلوبة وبناء القدرات الفنية، وتدبير الموارد المالية بالإضافة إلى القضايا المؤسسية والمسائل المتعلقة بالسوق.
أيضًا، فرضت قضية دعم الطاقة نفسها على أجندة متخذ القرار في بلادي نظرًا للظروف التي مرت بها مصر مع تداعيات عجز الموازنة العامة المتزايد وتجدر الإشارة إلى أن جذور ملف دعم الطاقة ترجع إلى عام 2004 /2005م، حيث كان دعم الطاقة يمثل دعمًا ضمنيًا لايظهر في الموازنة العامة للدولة وإنما يعالج محاسبيًا في القوائم المالية لقطاعات الطاقة، ثم قامت الحكومة بإظهاره بالموازنة العامة كدعم صريح ابتداءً من عام 2005/2006م، لتبيان أن الاستمرار في هذا النظام ذو تكلفة اقتصادية واجتماعية كبيرة وذلك إذا تمت مقارنتة بما ينفق على دعم التعليم أو الصحة أو المرافق العامة كالنقل الجماعي ومشروعات توصيل المياه والغاز وشبكات الطرق والصرف الصحي. وفي ذات الوقت فإن مشكلة الديون المتراكمة والمتشابكة بين قطاعات الدولة وقطاعات الطاقة من جهة وبين الهيآت العامة والموازنة العامة للدولة والشركاء والمستثمرين الأجانب من جهة أخرى أصبحت تمثل تهديدًا حقيقيًا لتأمين احتياجات مصر من الطاقة كما تشكل عبئًا متزايدًا على الموازنة العامة للدولة ومن ثم فإن معالجة مشكلة دعم الطاقة لابد وأن تأتي في سياق سياسة متكاملة تتناول كافة الأبعاد.
مما تقدم، وفي ضوء الحاجة الى رسم استراتيجية للطاقة، فإن الأمر يتطلب ما يلي:
1- تحليل وتقييم الموقف الحالي لنعرف أين نحن الآن؟.
2- أين نريد أن نذهب؟
3- ما هي استراتيجية وكيفية الانتقال من الوضع الحالي إلى الوضع المرغوب فيه، من خلال عدة خطوات عملية قابلة للتطبيق في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وذلك على النحو التالي:
- وضع الرؤية العامة فيما يتعلق بمستقبل الطاقة.
- تحديد الأهداف العامة التي يمكن من خلالها تحقيق الرؤية.
- استنباط الأهداف الفرعية المحققة للأهداف العامة ومن ثم تحقيق الرؤية.
- رسم السياسات والمشروعات بالتفصيل ووضع برامج تنفيذية محددة للتنفيذ من حيث الفترة الزمنية والتكاليف والمسؤول عن التنفيذ ......الخ.
- تفعيل العمل بمؤشرات قياس الأداء وتصحيح المسار.
بعد أن انتهينا من اتباع المنهج العلمي في التحليل والتشخيص، علينا أن نسأل ما هي الدوافع لإصلاح منظومة الطاقة في مصر؟
الدوافع الرئيسية لإصلاح منظومة الطاقة في مصر هي الخطوط الحاكمة لتحرك الدولة في إصلاح منظومة الطاقة، وتتمثل تلك الخطوط فيما يلي:
- ترشيد حجم الدعم المقدم للطاقة مع مراعاة البعد الاجتماعي.
- حصول المستحق على دعم ومساندة الحكومة أيًا كان التوجه الاقتصادي للدولة، ولن يحصل على الدعم إلا المستحق فقط (دعم المستحق بدلاً من دعم السلعة)
- - دمج استراتيجيات وخطط وأهداف الطاقة المستدامة داخل استراتيجيات وسياسات وخطط
التنمية للدولة (زراعة – إسكان – نقل – صناعة .... الخ) لتكامل السياسات القطاعية للطاقة بصورة مناسبة مع سياسات التنمية الوطنية الشاملة وخاصة تلك المتعلقة بتحقيق استدامة عملية التنمية.
- التخطيط القائم على الأسس العلمية القابلة للتطبيق العملي.
مما سبق، نبدأ بالرؤية المستقبلية لقطاع الطاقة في مصر Vision
تمثل الرؤية العامة لقطاع الطاقة في مصر الحلم الذي تسعى الدولة المصرية في الوصول اليه (الوضع المرغوب)، وبناءً على تقييم الوضع الحالي لقطاع الطاقة في مصر وتوقعاتها المستقبلية، تم وضع الرؤية العامة للطاقة في مصر على أنها
"محور الارتكاز الرئيسي للتنمية المستدامة"
“Energy is the Pivot For the Sustainable Development”
يلي الرؤية الأهداف العامة لتنمية قطاع الطاقة في مصر:
1- تحويل قطاع الطاقة من عبء على الموازنة العامة للدولة إلى داعم لها.
2- التعامل مع الطاقة على أنها مادة إنتاجية وسيطة أكثر مما أنها وقود، مما يعني تعظيم القيمة المضافة ورفع كفاءة استخدام المشتقات البترولية والكهرباء، من خلال استخدامها كمواد إنتاجية وسيطة وعدم استخدامها كوقود، وتقليل الاستخدام غير الرشيد.
3-نقل الاعتماد إلى المصادر البديلة والمتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية والفحم والنووي في استخدامات التدفئة والإضاءة ووسائل الانتقال والتسخين المرحلي بمحطات توليد الكهرباء.
4- تخفيض الانبعاثات وتحسين البيئة.
5- تعظيم دور القطاع الخاص في إنتاج وتوزيع الطاقة.
6-ترشيد الدعم والعمل على وصوله إلى مستحقيه.
7- القضاء على الاختناقات ومنع حدوث أي أزمات.
الخطوة التالية هي رسم السياسات والمشروعات التنفيذية لعملية الإصلاح؟
من الممكن إصلاح قطاع الطاقة عمومًا بالاعتماد على جناحي السوق وهما العرض والطلب، حيث أن إصلاح جانب بدون آخر سيحد من كفاءة عمليات الإصلاح. ويتمثل جانب العرض في الحكومة عامة وقطاعات الطاقة خاصة الهيآت والشركات التابعين لها، حيث أنهم المخولين بإنتاج وإدارة شؤون الطاقة ........الخ. ويتمثل جانب الطلب في المستهلكين والمستفيدين من الطاقة ويتركز قطاع المستهلكين في :
أولاً : القطاع المجتمعي وهو الاستخدام المنزلي والسيارات.
ثانيًا : القطاع الخاص الاقتصادي سواء كانت محلات تجارية أو مصانع أو ورش حرفية .......الخ.
ثالثًا : الوحدات الحكومية والقطاع العام سواء كانت وحدات إدارية أو خدمية أو إنتاجية، وهنا تشمل السياسات الإصلاح على المديين القصير والبعيد.
أ. الإصلاح في الأجل القصير
يستهدف إصلاح جانب العرض في الأجل القصير:
- تخفيف عبء دعم الطاقة على الموازنة العامة للدولة بصفة عاجلة، وتحويلة إلى الخدمات العامة (تعليم – صحة – طرق – مواصلات عامة 00000الخ
- تخفيض المديونية على مؤسسات الدولة وخاصة المستحقة للشركاء والمستثمرين الأجانب ومن ثم توفير سيولة للإنفاق على مشروعات التنمية والتنقيب عن آبار جديدة وخاصة في المياه العميقة وحقول البترول، وكذلك إقامة مشروعات توليد الطاقة.
- توجيه المستخدمين إلى التحول نحو الطاقات البديلة مثل الغاز الطبيعي والكهرباء والفحم والطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
- تدخل الدولة لضمان التحول السريع من الطاقة التقليدية (بترول – كهرباء) إلى الطاقات البديلة وتحملها لفاتورة التحول خصمًا من فاتورة الدعم.
- تبني حملة تثقيف وتوعيه لشرح مزايا الترشيد والتحول للمواطن والدولة
ب. الإصلاح في الأجل المتوسط والطويل
تقوم سياسات إصلاح الطاقة في الأجل الطويل على نقل أعباء إنتاج الطاقة تمامًا من الحكومة إلى القطاع الخاص ونقل الاعتماد على المصادر التقليدية الناضبة إلى الموارد البديلة والمتجددة، بحيث يتم السماح للقطاع الخاص بالدخول في سوق إنتاج واستيراد الطاقة لتوزيعها وبيعها لكافة المستخدمين، مع إعطائه حوافز محددة وهي:
- إعفاء من الرسوم الجمركية والضرائب.
- تخصيص الأراضي بدون مقابل فترة إنشاء المشروع وبحد أقصي 3 سنوات ويلي ذلك تطبيق مقابل انتفاع لا يتعدي 1 $ / م2 لمدة 5 سنوات ويلي ذلك مراجعة السعر في ضوء الأسعار السائدة مرة كل 5 سنوات ولمدة 20 عامًا.
- إعطاء فرصة 12 – 24 شهر لمستخدمي المواد البترولية في الصناعة كوقود للتوجه للوقود البديل ( فحم – تدوير قمامة – وقود حيوي ).
- عدم قيام الحكومة بإمداد المصانع الجديدة بالمواد البترولية والكهرباء حتى تترك فرصة للقطاع الخاص للنمو والازدهار في هذا المجال.
- التأهيل لحوافز الكربون.
ونأمل أن تسهم هذه المقترحات في تحسن كفاءة استخدامات الطاقة في مصر وباقي بلداننا العربية التي تتطابق في معظمها نفس الإشكاليات والظروف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*وزير البترول والمعادن السابق ـ جمهورية مصر العربية