array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 120

3 تحديات تواجه الاقتصاد الخليجي واستدامة التنمية رهن بأصول وإنتاج متجدد الشراكة الخليجية-الأمريكية: النهوض باقتصاد المعرفة وتوطين تكنولوجيا الصناعات العسكرية

الخميس، 08 حزيران/يونيو 2017

اجتمع بالمملكة العربية السعودية يوم 24 مايو 2017م، الماضي رؤساء أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وجاءت هذه القمة للتأكيد على العلاقات المتميزة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج بشكل عام وبينها وبين المملكة بشكل خاص، فهل يجب على دول الخليج استثمار هذه العلاقات المتميزة اقتصاديًا ومعرفيًا وتكنولوجيًا؟ وهل يجب على القادة الخليجيين الاستفادة من هذه العلاقة المتميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية في التسريع من تنويع مصادر الثروة والدخل استعدادًا لمرحلة ما بعد النفط؟

سبق وأن دعا المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز – رحمه الله - للتحول من "التعاون" إلى "الاتحاد"، وذلك كردة فعل لما يجري في دول المنطقة، وإن كانت دول الخليج الست لم تستعد لمثل تلك الدعوة، ولم تكن جاهزة، وكان على رأس هذه الدعوة محاولة تحقيق الوحدة النقدية، وتنفيذ بنود الاتحاد الجمركي، حيث بدأت دول الخليج تبحث عن صيغة تقود إلى تحقيق هذا الاتحاد، ولكن يبدو أن الظروف الإقليمية والدولية لم تمكن دول الخليج من تحقيق مثل تلك، واكتشفت دول الخليج أن القطاع الخاص لا يتجاوز دوره المنفذ للتشريعات فقط، بل كان خلال الفترة الماضية بعيدًا كل البعد عن دور المبادر في صياغة التشريعات التي تتعلق بالتنمية الاقتصادية والتي تقود إلى التكامل الاقتصادي وكلها كان يحتكرها القطاع العام. ويعد ذلك أحد العوامل الرئيسية التي وقفت عائقًا أمام تحقيق قرار التحول إلى الاتحاد الخليجي، وهو تكامل مطلوب وأساسي بين القطاعين الخاص والعام في كل دولة من دول المجلس. لذلك نجد أن التجارة البينية في دول الخليج هي أقل حتى من التجارة العربية البينية بين الدول العربية عام 2010م، تصل النسبة إلى 8,3 % بين الدول العربية، بينما تنخفض النسبة بين دول الخليج إلى 6 %، وإن كانت التجارة البينية ارتفعت من 60 مليار دولار عام 2010م، إلى 146 مليار دولار عام 2014م، نصيب السعودية منها 74.7 مليار دولار، بينما نجد النسبة بين دول الآسيان تصل إلى 25,5 % ولكنها ترتفع بشكل كبير بين دول الاتحاد الأوروبي تصل إلى 67,4%.

وتعتبر المصالح الاقتصادية أقوى صيغة يمكن أن تقود إلى الاتحاد الخليجي، فالمشاركة في صياغة التشريعات التي تتعلق بالتنمية الاقتصادية بجانب الشراكة الكاملة مع القطاع الحكومي تذيب الفوارق بين القطاعين وهي طريق للقضاء على الفساد في القطاع الحكومي.

ولكن يحتاج القطاع الخاص ممثلا في الغرف التجارية الخليجية إلى منحه صلاحيات كاملة لمراجعة برامج التنمية الاقتصادية لتطوير هذا القطاع إلى شراكة كاملة بين القطاعين العام والخاص، وهذه الصلاحيات تفوض القطاع الخاص بإدارة ثروات دول الخليج التي يمكن أن تواجه ممانعة من بعض الجهات السياسية.

ووفق التصنيفات الدولية صنفت وكالة ( إم إس سي آي ) السعودية وقطر والإمارات إلى درجة الأسواق الناشئة بسبب نشاط البنية التحتية التي تتولاها الحكومات في هذه البلدان، وهناك تقرير جيد عن أداء دول الخليج، يشير إلى الأداء الجيد في النمو الاقتصادي المتصاعد، لكن الانتعاش يتركز بشكل رئيسي في أسواق العقار، بجانب المبادرات الحكومية المستمرة والمعززة للبنية التحتية الاجتماعية، ويمكن أن يقفز حجم الاقتصاد الخليجي إلى ثلاثة تريليونات دولار  بنهاية عام 2020م.

فيجب توجيه هذا النمو لصالح الاتحاد الذي بحاجة إلى سرعة اتخاذ قرارات في ظل وجود أجهزة مفرغة من العمل غير متوائمة مع نمو الاقتصاد الخليجي الذي بلغ حجمه عام 2002م، نحو تريليون دولار بينما بلغ بنهاية عام 2012م، نحو تريليوني دولار ثم انخفض في عام 2016م، إلى 1.6 تريليونات دولار يمثل 56 % من إجمالي الناتج العربي.

وعندما تتحول دول الخليج من التعاون إلى الاتحاد فهي مرشحة للتوسع والنمو الاقتصادي أكبر مما هي عليه الآن، ولكن لابد من تغيير هيكلي في بنية الاقتصاد الخليجي.

الفجوة بين الإمكانيات والطموحات:

تقع الأسواق بصفة عامة موقع القلب من الجسد بالنسبة للاقتصاد الوطني، فهي التي تقوم بالربط بين أطراف المعاملات الاقتصادية، وتبادل السلع والخدمات، وهي المسؤولة عن إتمام عملية تبادل المنافع بين المستهلكين والمنتجين، وبين مالكي خدمات عناصر الإنتاج وطالبيها، ومن خلالها أيضًا يتم توزيع عوائد العمليات الإنتاجية بين عوامل الإنتاج المختلفة.

لا يوجد اختلاف من الناحية الفكرية أو النظرية بين الأسواق الخليجية وغيرها من الأسواق في دول العالم المختلفة سواء المتقدمة منها أو الأقل تقدمًا، ولكن تكمن أوجه الاختلاف الحقيقة في الطموح ووضع الأهداف ومدى القدرة على تحقيقها من خلال استغلال المتاح أمامنا من إمكانيات. وتتمثل أحد المشاكل الاقتصادية التي تواجهها الأسواق الخليجية حاليًا في الفجوة ما بين الإمكانيات وبين الطموحات، فالوضع الحالي لا يعكس بكل تأكيد الاستغلال الأمثل للإمكانيات المتاحة أو التوقعات الممكنة للأسواق الخليجية، حيث يغلب على التعاملات في تلك الأسواق المضاربات، فتمثيل المعاملات الاستثمارية وتنويع المحافظ المالية نسبة ضئيلة في جملة معاملات الأسواق المالية في دول مجلس التعاون العربية.

وعلى الرغم من ارتفاع مستويات الدخل الوطني ونصيب الفرد من إجمالي الدخل الوطني في المنطقة، فإننا في نفس الوقت نلاحظ انخفاض في مستويات مشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي بصورة كبير في معظم دول الخليج، كما ترتفع مستويات الإنفاق الحكومي بصورة يصعب التحكم فيها، في حين أن الإيرادات العامة تأتي بشكل رئيسي من قطاع اقتصادي واحد هو النفط مما يشير إلى حساسية تلك الدول لتقلبات قطاع اقتصادي واحد، مما يحرمها من فوائد تنويع الاقتصاد بشكل عام.

تطوير أسواق المال شرط مسبق لنجاح تنويع هياكل الاقتصادات الخليجية

ومن أهم الشروط المسبقة لنجاح مساعي دول مجلس التعاون الخليجي نحو تنويع مصادر الدخل وتوسيع نطاق مساهمة القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية، هو تطوير النظم المالية، وخاصة أسواق المال سواء أسواق التمويل طويلة الأجل أي سوق رأس المال، أو أسواق التمويل قصيرة الأجل أي سوق النقود، وتنويع أدواتها، بما يتمشى مع احتياجات تأسيس الشركات من أموال، أو توسيع نطاق أعمالها، خاصة وأن القطاع المالي الذي يعمل وفق ضوابط الشريعة الإسلامية حقق نجاحات ملحوظة وأثبت جدارته إبان الأزمة المالية الأخيرة (2008م).

وبالتالي إذا ما أرادت الدول الخليجية تنويع اقتصادها وتوسيع نطاق مشاركة للقطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية، وقيادة العملية الاقتصادية بالبلاد، فلابد من التصدي لمشاكل التمويل عصب النشاط الاقتصادي، ونسب نجاح المشروعات، وازدهارها، من خلال تطوير الأدوات اللازمة لذلك ومن أهم تلك الوسائل تقوية وتطوير أسواق المال، بشقيها التمويل طويل الأجل والتمويل قصير الأجل.

والجدير بالذكر أن معظم دول الخليج قد بدأت بالفعل الانتباه لتلك المشاكل ومن ثم وضع خطط طموحة لمعالجة تلك المشاكل من أجل بناء اقتصاد أكثر استقرارًا، فعلى سبيل المثال فقط وضعت المملكة العربية السعودية برنامج التحول الوطني 2020، والذي يهدف إلى تنويع مصادر الدخل، وخفض الإنفاق العام بنسبة 400%، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وتقليص الاعتماد على إيرادات النفط بعد تراجع أسعاره عالميًا، ودعمت هذا البرنامج في إطار رؤية المملكة 2030.

وتبرز أهمية أسواق المال عند الحديث عن هذه الخطط من خلال برامج الخصخصة أو التخصيصية، سواء قصد بها تحويل ملكية بعض المشروعات من الملكية العامة أو الحكومية، إلى الملكية الخاصة وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية في رأس المال، أو قصد بها إفساح المجال أمام دور أكبر للأفراد والمنشآت الفردية والشركات في الأنشطة الاقتصادية.

ووفقًا لرؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني، سوف يتم طرح 16 مؤسسة من مؤسسات القطاع العام إلى المستثمرين المحليين وسوف يلعب سوق المال الدور الرئيسي في ذلك عن طريق الطرح من خلال سوق الأوراق المالية السعودية عن طريق الاكتتاب العام كجزء من خطة لجذب 800 مليار دولار. ومن أكبر الشركات التي تسعى الحكومة لخصخصتها هي شركة أرامكو، حيث تعتزم الحكومة السعودية خصخصة جزء من أسهم شركة أرامكو الوطنية عبر طرح حصة منها بمقدار 5% من أسهمها في أسواق المال العالمية، وتقدر مؤسسات قيمة الطرح بنحو 125 مليار دولار.

ولاتزال التجربة السعودية مثالاً جيدًا  لتطوير أسواق المال حيث قررت السعودية الانفتاح على العالم من خلال قرار السماح للمؤسسات الأجنبية بشراء الأسهم مباشرة في عمليات الطرح العام الأولي، من خلال ما يعرف بالسوق الأولية،  والتي رغم أهميتها لا تحظى بنفس شهرة الأسواق الثانوية، (البورصات)، وهو ما سوف يساعد الحكومة في بيع حصص في عدد من أكبر الشركات الحكومية حيث ستسري هذه القرارات بداية من العام المقبل وفقًا لما أعلنته هيأة سوق المال السعودية، والجدير بالذكر أن السوق السعودي قد تم فتحه للاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، بشكل تدريجي ابتداء من 2015م، حيث تم السماح للمستثمرين الأجانب بشراء الأسهم السعودية وبشكل محدود.

الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط من خلال الاعتماد على الاقتصاد المعرفي

توجد في الواقع عدة تعريفات لمفهوم الاقتصاد المعرفي، منها أنه الاقتصاد الذي تعتمد فيه منشآت الأعمال على قوة الحاسبات الآلية، والعقول البشرية جيدة التعليم في زيادة القيمة المضافة وخلق الثروة، ويرى البعض أن الاقتصاد المعرفي هو الاقتصاد الذي تتعاظم فيه أهمية المعرفة بالمقارنة مع الموارد الطبيعية ورأس المال المادي، والعمالة غير الماهرة في عملية النمو الاقتصادي، وهو التعريف الذي تأخذ به دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وعلى الرغم من الاختلافات بين دول مجلس التعاون من حيث الحجم، والجوانب الديموغرافية والثروة، إلا أنها تواجه بنفس المشاكل والتحديات، فيما يتعلق بخلق الوظائف وتحقيق تنمية مستدامة، والتي يمكن حصرها على النحو التالي:

  1. صغر حجم مشاركة القطاع الخاص في توليد الناتج وتوفير فرص عمل خاصة بالنسبة للمواطنين، وهو ما يرتبط جزئيًا بحداثة عهد رجال الأعمال بممارسات الأعمال الحديثة.  وعلى الرغم مما تقدمه حكومات دول المجلس للقطاع الخاص من حوافز، وتوفير عناصر البنية التحتية، إلا أن القطاع بوضعه الحالي غير مهيأ للمساهمة بشكل فاعل في توفير فرص عمل كافية للداخلين الجدد من مختلف التخصصات الجامعية والعمالة الفنية والشهادات المتوسطة، أو المساهمة في عملية التنمية المستدامة. ورغم تباين مستوى التنوع الذي حققته دول مجلس التعاون إلا أن قطاع الطاقة، ونظرًا لكونه من القطاعات كثيفة رأس المال، لا يزال يمثل القطاع المسيطر على هيكل اقتصاديات دول الخليج العربية، وهو بطبيعته لا يوفر فرصًا واسعة للتشغيل، في الوقت الذي توجه فيه معظم إيرادات النفط إلى تمويل الإنفاق الحكومي المتزايد.
  2. ويتمثل التحدي الثاني في ضرورة إيجاد قطاعات غير نفطية قادرة على النمو الذاتي وتوفير مصدر دائم للتشغيل والنمو، خاصة عندما تنضب الثروة النفطية. وحتى بالنسبة للدول ذات الوفرة النفطية، فلا تزال مطالبة بتحقيق نوع من المساواة في توزيع الثروة بين الأجيال، ولا سبيل أمامها أفضل من إقامة أصول إنتاجية في قطاعات إنتاجية لها صفة الاستمرارية والاستدامة.
  3. كذلك تواجه دول مجلس التعاون بتحد ثالث ناشئ عن تقلب أسعار النفط العالمية كما هو حادث في الوقت الحالي، حيث تتراجع الإيرادات العامة، ويتقلص حجم الإنفاق الحكومي، والذي يؤثر سلبًا على معدلات نمو القطاعات غير النفطية، ويتراجع معدل التشغيل حتى في القطاع الحكومي.

لذلك فإن تنويع هيكل الاقتصاديات الوطنية يمثل مخرجًا ومواجهة حتمية مع هذه التحديات حيث يفتح الباب أمام فرص تشغيل مستدامة، ويقلل من الآثار السلبية لتقلبات أسعار النفط، ويحسن من فرص العمل أمام الأجيال القادمة، ويوسع قاعدة الإيرادات العامة للدولة، ويقلل من الاعتماد على الإيرادات النفطية، ولا يكون الاقتصاد الوطني عرضة للتقلبات الناشئة عن ظروف أسواق النفط العالمية.

الشروط اللازمة للتقدم نحو تنويع هيكل الاقتصاديات الوطنية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية:

أسفرت تجربة العقود الأربعة الأخيرة منذ الحقبة البترولية الأولى في العام 1974م، وحتى الآن، عن وجود قناعة مشتركة لدى دول مجلس التعاون بضرورة التحول إلى نمط حديث للتنمية، يتسم بالكفاءة والاستدامة، والبحث عن مصادر جديدة للنمو بعيدًا عن قطاع النفط. وتشير تجارب التنمية الناجحة في دول مثل كوريا الجنوبية وتركيا وماليزيا والبرازيل إلى أن استدامة التنمية رهن بإقامة أصول وقدرات إنتاجية متجددة تتمثل فيما يلي:

  1. تكوين أصول إنتاجية مادية في قطاعات إنتاجية حديثة خاصة في مجال الصناعات التحويلية عالية التقنية، ويأتي على رأسها الصناعات الالكترونية، بل ويمكن أن تتسع لتشمل مختلف مجالات عمليات التصنيع، بدءًا من الصناعات الاستهلاكية الخفيفة، إلى الصناعات الهندسية لإنتاج المعدات والأجهزة، وانتهاءً بالصناعات التشغيلية لإنتاج الآلات. وعلى دول مجلس التعاون استغلال ما بينها من صور للتكامل الاقتصادي في التنسيق فيما بينها نظرًا لما تتسم به بعض مراحل التصنيع من الاعتماد على الإنتاج الكبير، فضلاً عن وضع استراتيجيات طويلة الأجل لعملية التصنيع، وتجهيز ما يلزم من مدخلات بشرية أو مادية لضمان قيام مشروعات ذات كفاءة عالية.
  2. تكوين أصول إنتاجية بشرية أي تكوين رأس المال البشري الذي أصبح شرطًا ضروريًا لنجاح أي عملية تنمية حديثة في مختلف الأنشطة الإنتاجية، سلعية كانت أو خدمية والتي تعتمد على مدخلات وتقنيات حديثة، الأمر الذي يتطلب معه ضرورة إعداد كوادر بشرية مزودة بقدرات معرفية عالية، وتزويدهم بمهارات عمل عالية قادرة على التعامل مع آلات ومعدات متطورة لا يكفي لتشغيلها مهارات عملية تقليدية.

وهنا يصبح تطوير منظومة التعليم واحدة من الشروط المسبقة لنجاح إقامة مشروعات إنتاجية حديثة في مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي، ومن ثم تنويع هيكل الاقتصاديات الخليجية. ومع التحول في البيئة الاقتصادية والعولمة صار إنتاج ونقل العلوم والابتكار والتقنية إلى قطاعات الأعمال من المهام الأساسية للجامعات حتى يمكن أن تسهم بفاعلية في بناء اقتصاد قائم على المعرفة، فيما يعرف بالجامعة الريادية entrepreneurial university. وانبثق من هذه المهمة دورًا جديدًا للجامعات في نظام الابتكار الوطني، وتطوير الأعمال والاستثمار، ويبرز هذا الدور في الدول النامية على وجه الخصوص، مع حاجة قطاعات الأعمال إلى بناء قدراتها المعرفية والتقنية ورفع قدراتها التنافسية حتى تستطيع أن تجد لها مكانًا في الأسواق العالمية. 

ورغم أن المهام الرئيسية في معظم الجامعات على مستوى العالم تشمل الآن عمليات التعليم، والتدريب والبحث العلمي، إضافة لنشر التقنية الجديدة التي تنتجها الجامعات من خلال باحثيها والمراكز البحثية التابعة لها، وتحويلها إلى منتجات في الأسواق، إلا أن الوصول إلى هذه القناعات واجه عدة مصاعب كان من أبرزها: تباين ثقافات ومصالح الجامعات بالمقارنة مع الأعمال، ومصاعب نقل الابتكارات والتقنيات من المعامل إلى الصناعة، ومصادر تمويل إقامة شركات التقنية الجديدة. كذلك تشير التجارب الدولية إلى أهمية أن تتضمن سياسات الابتكار والانتفاع التجاري تسهيلات وإقامة مؤسسات وسيطة لنقل المعرفة الأكاديمية التي تنتجها الجامعات إلى قطاعات الأعمال (نقل التقنية)، وتشمل طرق نقل التقنية بيع أو تخصيص حقوق الملكية الفكرية، الترخيص، أو إقامة شركات التقنية وغيرها من صور التعاون بين الجامعات والأعمال، وتعاون الشركات مع النظام التعليمي.

استغلال الإنفاق العسكري وصفقات السلاح في نقل التكنولوجيا:

الواقع على الساحة العالمية للإنفاق العسكري، يشير إلى أن الدول المتقدمة تخصص ميزانيات ضخمة للصناعات العسكرية منذ نهاية الحرب الباردة، فهناك تصاعد متعاظم للإنفاق العسكري في معظم البلدان، بل وأصبح هذا الإنفاق يشكل عبئاً يرهق كاهل موازنات الدول الكبيرة والصغيرة على حد سواء. وعلى الرغم من أن الطفرة الاقتصادية التي شهدها الاقتصاد العالمي في التسعينيات من القرن الماضي كانت ثمرة مباشرة لانتهاء الحرب الباردة، حيث أن جزءًا أساسيًا من الأموال التي كانت تنفق على سباق التسلح، أخذت تتوجَّه نحو مشاريع تطوير البنى التحتية المادية والاجتماعية. غير أن تلك الحقبة الذهبية لم تستمر طويلاً. فنهاية الحرب الباردة لم تجلب السلام النهائي للعالم، وسرعان ما احتدمت التناقضات بين الدول، وانتشرت النزاعات وتفاقمت الصراعات ووقعت الحروب، وتسارعت عجلة سباق التسلُّح، سواء بين الدول الكبرى، أم بين دول نامية وفقيرة ذات دخول منخفضة ومتوسطة، في آسيا وإفريقيا بشكل واضح.

ولعل أبرز ما يشير إلى تعاظم الإنفاق العسكري على مستوى العالم ما ورد في أبحاث معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي (SIPRI). حيث تبين أن الفترة من (1989-2008م) قد شهدت ارتفاعًا لافتًا للنظر في النفقات العسكرية على مستوى العالم. وكان قصب السبق فيها بالطبع للولايات المتحدة التي شكَّل الإنفاق العسكري فيها قرابة نصف مجموع الإنفاق العسكري على مستوى العالم ككل حيث قُدِّر الإنفاق العسكري العالمي بنحو 1464 مليار دولار العام 2008م، بزيادة مقدارها 4 % بالأسعار الحقيقية، مقارنة بإنفاق العام 2007م، وزيادة بنسبة 45 % على فترة السنوات العشر 1999 – 2008م. وقد شكَّل ذلك قرابة 2,4 % من إجمالي الناتج المحلي العالمي، أو ما يعادل 217 دولارًا لكل فرد. وبقيت الولايات المتحدة الدولة الأكثر إنفاقًا في العام 2008م، حيث استأثرت بـ 41,5 % من الإنفاق العسكري الإجمالي في العالم، تلتها الصين بنسبة 5,8 %، ثم فرنسا وبريطانيا وروسيا بنسبة 4 – 4,5% لكل منها، ومن جانب آخر، فقد تطور مستوى الإنفاق العسكري في دول الخليج، فتشير المعلومات الواردة والمنشورة إلى تزايد وتيرة الإنفاق العسكري في دول مجلس التعاون الخليجي. وتشير إحصائيات 2007م، إلى أنه على سبيل المثال فقد بلغت نسبة الإنفاق العسكري في المملكة العربية السعودية كحصة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي 9.3%، وهي بذلك تحتل المرتبة الأولى عربيًا والثالثة عالميًا. وقد خصصت 25 % من موازنة 2016م، أي أكثر من 213 بليون ريال (57 بليون دولار أميركي) للقطاع الأمني والعسكري. وزاد الإنفاق العسكري والأمني للمملكة في العام 2015م، حوالي 20 بليون ريال (5.3 بليون دولار) إثر مشاركتها في عملية عاصفة الحزم التي قادت فيها المملكة تحالفًا عربيًا ضد الحوثيين في اليمن.

ومع انخفاض ايرادات النفط الناتج عن انخفاض اسعاره تبنت العديد من دول المجلس سياسات تهدف إلى إنشاء بعض الشركات الوطنية في قطاع الصناعات العسكرية، وذلك من أجل الحد من فاتورة الاستيراد وتضخمها في المستقبل، وهناك العديد من البدايات الناجحة للصناعة العسكرية في دول مجلس التعاون لدول الخليج وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد المملكة العربية السعودية قد بادرت مبكرًا في التوجه نحو التصنيع الحربي الداخلي، حيث تم إنشاء المؤسسة العامة للصناعات العسكرية، حيث تضم أكثر من 7000 موظف مدني وعسكري ولديها عدة مصانع في عدد من المجالات العسكرية. وتتوفر لدى المملكة عوامل النجاح في مجال التصنيع العسكري والتي تتمثل في القدرة البشرية والبنية التحتية لإنشاء مصانع حربية للأسلحة الثقيلة وقطع الغيار العسكرية، بالإضافة إلى توفر المال والعنصر البشري والعلاقات الجيدة مع الدول الصانعة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وتعتبر المملكة من أوائل الدول التي لها صناعات عسكرية وصيانة، كذلك تعتبر زيادة الإنفاق على التسليح من العوامل المحفزة لبناء القاعدة الصناعية العسكرية، وذلك لدورها في توفير فرص العمل والاكتفاء الذاتي من العديد من المعدات العسكرية. 

ومن جانب آخر فقد سارت دولة الإمارات العربية المتحدة في ذات الاتجاه وفق استراتيجيتها الجديدة الخاصة بالصناعات العسكرية وذلك من خلال بناء قواعد صناعات عسكرية وتشجيع الشركات الوطنية للدخول في هذه الصناعة. وبالتالي فإن الاهتمام بقطاع التصنيع العسكري يندرج ضمن منظومة متكاملة للتطوير الصناعي مثل كوريا الجنوبية والهند وغيرها. وبالتالي فإن فرص بناء شراكات قوية مع هذه الدول قائمة مما يعزز من فرص نجاح هذا القطاع الوليد في دولة الإمارات العربية المتحدة وتتوفر له فرص النجاح. 
وبالتالي فإن الصناعات الحربية تعد أحد قطاعات الإنتاج الصناعي الرئيسية في دول المجلس، حيث تعد ذات أهمية اقتصادية كبيرة توفر العائد اللازم لتمويل التنمية نفسها. ولقد بدأ التعاون بين دول المجلس قبل أكثر من ثلاثة عقود في مشاريع مشتركة للإنتاج العسكري تجلت بداياتها في الهيأة العربية للتصنع الحربي في مصر التي اتخذت من مصر مقرًا لها. حيث تم إنشاء تسع شركات ولكل شركة مصنع خاص بها، حيث بدأت بعدد من المشاريع في عدة مجالات مثل: صناعات قذائف مدفعية ودبابات، وصواريخ (أرض – جو)، و(أرض-أرض)، محركات طائرات، ناقلات جند، إلكترونيات عسكرية، رادارات، وسائل اتصالات عسكرية، وصناعة وتجميع الطائرات. إلا أن هذه التجربة انتهت بزيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات إلى القدس وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، بعد ذلك شكلت كل من المملكة العربية السعودية، العراق، الكويت، قطر، والإمارات مؤسسة عربية أخرى للإنتاج العسكري اتخذت من الإمارات مقرًا لها برأسمال قدره 8 مليارات دولار، إلا أن هذا المشروع لم يكتب له النجاح. ومن هنا بدأت كل دولة من دول مجلس التعاون السعي لتطوير صناعاتها العسكرية وفق رؤيتها. 

لا شك أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تواجه عدة معوقات في مجال التصنيع العسكري ولعل أبرز هذه المعوقات تتمثل في عدم توطين التكنولوجيا حيث يعتبر من أهم التحديات التي تواجه الصناعات العسكرية إلا أن الحرص على توفير السبل لتوفير توطين تكنولوجيا الصناعة وتوفير الخبرات يعد من العوامل الداعمة لإقامة المشاريع الصناعية، نظرًا لتوفر العديد من مقومات الصناعة الأخرى. كذلك من بين معوقات الصناعة العسكرية تتمثل في نقص الإمكانيات والخبرات الفنية اللازمة للمنافسة في مجال التصنيع، إلا أن فرص حل مثل هذه الإشكالية تتمثل في إقامة مراكز الأبحاث والتطوير وتبادل الخبرات بين دول المجلس والاستفادة من العلاقات الجيدة مع الدول الصناعية والتعرف على الميزات المتوفرة في كافة دول المجلس التي تدعم التوجه نحو الصناعة العسكرية. كذلك من بين معوقات التصنيع العسكري في دول مجلس التعاون هو قانون برنامج المساعدات الأمريكية لبعض الدول العربية. حيث يجبر هذا القانون الدول العربية التي تتلقى مساعدات أمريكية من عدم شراء أسلحة ومعدات غير أمريكية.  ويمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تتخذ التجربة التركية نموذجًا للنهوض بالاقتصاد ككل والنهوض بقطاع الصناعة العسكرية بشكل خاص. فالتجربة التركية في النهوض بالدولة والمجتمع تعد أحد أهم النماذج في المنطقة وفي العالم الإسلامي، حيث شهدت في السنوات الماضية طفرة اقتصادية واجتماعية متسارعة، وضعت تركيا بين أكبر الدول العشرين في العالم.

إن تزايد النفقات العسكرية على مستوى العالم يتصاعد باستمرار في جميع دول العالم، وبالتالي فإن غالبية الدول العربية تسير على ذات المنهج، فكل الإحصائيات والدراسات تشير إلى ارتفاع الإنفاق العسكري ويقتطع معدلات ملحوظة من إجمالي الناتج المحلي. وبالتالي تأتي أهمية توطين الصناعات العسكرية في الدول العربية وعلى وجه العموم في دول مجلس التعاون الخليجي، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص. وبالتالي فإن رؤية السعودية 2030 جاءت لتفسر أهمية توطين الصناعة العسكرية ولقد ركزت الرؤية على أن الأثر الإيجابي لتوطين الصناعات العسكرية لا يقتصر على توفير جزء من الإنفاق العسكري فحسب بل يتعداه إلى إيجاد أنشطة صناعية وخدمات مساندة كالمعدات الصناعية والاتصالات وتقنية المعلومات، مما يسهم في خلق فرص عمل ذات نوعية في الاقتصاد الوطني.

إن الهدف الاستراتيجي في رؤية المملكة هو توطين ما يزيد عن 50% من الإنفاق العسكري بحلول عام 2030، حيث تم البدء بتطوير بعض الصناعات الأقل تعقيدًا من قطع غيار ومدرعات وذخائر. ويتواصل المسار حتى الوصول لتوسيع دائرة الصناعات الوطنية حتى الوصول إلى الصناعات الأكثر تعقيدًا مثل صناعة الطيران العسكري وبناء منظومة متكاملة من الخدمات والصناعات المساندة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتصدير فائض الإنتاج إلى دول المنطقة. ولتحقيق ذلك فقد ركزت رؤية المملكة على خلق استثمارات مباشرة في هذا المجال مع إيجاد شراكات استراتيجية مع الشركات الرائدة في هذا القطاع من أجل نقل المعرفة والتقنية وتوطين الخبرات في مجالات التصنيع والصيانة والبحث والتطوير، وتأهيل وتدريب المواطنين للعمل في المجمعات الصناعية العسكرية. 

وبالتالي فإن بناء هذه الرؤية وفق المفاهيم أعلاه يسهم بلا شك في تشغيل الكثير من الموارد البشرية الوطنية التي يتم تأهيلها وبالتالي يسهم في تقليل نسب البطالة، كما يؤدي إلى تحقيق المردود الاقتصادي وذلك خلال خفض نسبة الأموال الضخمة التي تصرف على استيراد الأسلحة النوعية والذكية بالإضافة إلى كونه يساهم في زيادة حصيلة الدولة من فائض صادر الإنتاج إلى دول المنطقة. كما خصصت المملكة العربية السعودية في ميزانية العام 2017م، 191 مليار ريال، حيث تضمنت الميزانية مشروعات جديدة وزيادات لمشاريع قائمة لتوفير متطلبات الجهات العسكرية من التجهيزات والمعدات والتسليح والذخيرة ورفع القدرات العسكرية.

وفي الختام نجد أن هناك عدة مقومات وعوامل تدفع دول مجلس التعاون الخليجي عامة والمملكة خاصة في الاستفادة من علاقاتها المتميزة مع الولايات المتحدة يأتي على قمتها النهوض باقتصاد المعرفة ونقل وتوطين التكنولوجيا الناتجة عن شراء الأسلحة، ولو استطاعت دول الخليج تحقيق هذين الهدفين فإنها قادرة على تحسين الوضع الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة والاستعداد بقوة لمرحلة ما بعد النفط.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*رئيس مجلس أمناء جامعة الأعمال والتكنولوجيا بجدة ـ كاتب اقتصادي

 

مقالات لنفس الكاتب