array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 120

زيارة ترامب للسعودية لها دلالات مهمة تتعلق بإعادة التوزان للدور الأمريكي نحو إعادة صياغة للعلاقات الخليجية الأمريكية في مواجهة الإرهاب

الخميس، 08 حزيران/يونيو 2017

في العشرين من مايو الماضي قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارة، يمكن وصفها بالتاريخية، للمملكة العربية السعودية وهي أول دولة خارجية يزورها الرئيس الأمريكي منذ تقلده مهام منصبه في يناير الماضي كالرئيس الـ45 للولايات المتحدة الأمريكية.

تأتي هذه الزيارة في إطار سعي الإدارة الأمريكية الجديدة إلى ترسيخ العلاقات الاستراتيجية، التي استمرت أكثر من نصف قرن، بين الجانبين الخليجي والأمريكي بشكل عام. حيث تعود بداية تلك العلاقات إلى لقاء الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في فبراير عام 1945م، حيث ساهم هذا الاجتماع في وضع أساس العلاقة الاستراتيجية بين الدولتين. وعلى مدار عقود شكلت العلاقات القوية بين الجانبين دعامة رئيسية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط كما لعبت تلك العلاقات دورًا مهمًا في تحقيق الاستقرار الإقليمي في المنطقة.

وحملت هذه الزيارة دلالات مهمة كما حكمها هدف استراتيجي محوري. وفيما يتعلق بالأخير فقد تمثل في التعامل مع القضايا الأكثر تعقيدًا في المنطقة وفي مقدمتها ملف الإرهاب، وعملية السلام في الشرق الأوسط. فبعيدًا عن سياسة أوباما تجاه المنطقة وتصريحات ترامب أثناء حملته الانتخابية فمن المؤكد أن الشرق الأوسط وأزماته يشغلان حيزًا مهما في سياسة ترامب الخارجية.

وبشكل عام يُشكل الإرهاب ومحاربته أحد المصالح الأمريكية الثابتة في الشرق الأوسط، ورغم كونه أحد المصالح الأمريكية الثابتة في المنطقة، إلا أن طبيعة وأدوات هذا الاهتمام تغيرت من مرحلة لأخرى، كما أن السنوات الأخيرة وفي ضوء سياسة الرئيس باراك أوباما تجاه المنطقة وما صاحبها من فتور وتوتر مكتوم في العلاقات الخليجية- الأمريكية بشكل عام، فقد تأثر هذا الملف سلبًا والتي كان أحدثها صدور قانون "جاستا"، ورغم التصريحات الانتخابية للرئيس دونالد ترامب، إلا أن زيارته للمملكة تكشف عن توجه جديد نحو إعادة صياغة علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع دول الخليج بشكل عام والمملكة بشكل خاص، خاصة أن ملف الإرهاب حظي باهتمام خاص خلال تلك الزيارة، وعلى هذا الأساس تناقش هذه المقالة ؛ إلى أي مدى تلك الزيارة وما أسفر عنها من نتائج خطوة نحو إعادة صياغة علاقات الطرفين تجاه ملف الإرهاب.

1-دلالات زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية:

حملت هذه الزيارة دلالات مهمة على أكثر من زاوية فقد تضمنت إشارات مهمة فيما يتعلق بمكانة المملكة العربية السعودية، كما أكدت على تطوير اقتراب أمني جديد في مجال مكافحة الإرهاب، وكذلك إعادة للتوزان للدور الأمريكي في المنطقة. وسنعرض لكل من تلك المحاور على النحو التالي:

أ.تأكيد مكانة المملكة العربية السعودية كقوى إقليمية معتدلة

جاءت هذه الزيارة تكريسا لأهمية المملكة العربية السعودية ودورها الإقليمي، وبهدف إعادة التوازن إلى العلاقات الخليجية- الأمريكية بشكل عام والسعودية بشكل خاص وذلك في ضوء الفتور وانعدام الثقة الذي أصاب تلك العلاقات في السنوات الأخيرة.

وهناك أسباب عدة لهذا الفتور في علاقات الدولتين وفي مقدمتها إقدام إدارة أوباما على توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وكذلك إقرار قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" والذي يُعرف اختصارًا بقانون جاستا، مما أثر سلبًا على العلاقات بين الدولتين وكذلك تراجع الدور الأمريكي في العديد من ملفات المنطقة وفي مقدمتها الأزمة السورية. فعقب نهاية الحرب الباردة كانت الولايات المتحدة اللاعب الوحيد في الشرق الأوسط، إلا أنه خلال السنوات الأخيرة تغير المشهد حيث برز الدور الروسي بشكل فاعل في أزمات المنطقة وخاصة الأزمة السورية وهو ما يرجع في شق منه إلى سياسة أوباما المتخبطة تجاه قضايا المنطقة خاصة في أعقاب ثورات الربيع العربي.

وبالتركيز على قانون "جاستا" فتعد كلمة "جاستا JASTA" اختصارًا لعبارة Justice Against Sponsors of Terrorism Act أي "العدالة في مواجهة رعاة الإرهاب"،  هذا وقد أصدر الكونجرس هذا القانون منذ شهور والذي يعد تعديلاً على قانون مثيل صدر في عام 1967 ويعطي الحصانة لبلدان أخرى من الملاحقة القضائية في الولايات المتحدة.

 ورغم أن القانون لا يُشير بصورة مباشرة إلى المملكة العربية السعودية، إلا أنه يخوّل بالدرجة الأولى ذوي ضحايا هجمات سبتمبر 2001 م، من رفع دعاوى بحق المملكة كبلد دعم بشكل مباشر أو غير مباشر المجموعة التي نفذت العملية في الحادي عشر من سبتمبر.

وبذلك هذا القانون  يفتح الباب للدول المتضررة منه أو المعنية بشكل أو بآخر الرد بالمثل ومن بينها المملكة العربية السعودية، إذ يمكن لهذه الدول اللجوء إلى مبدأ المعاملة بالمثل، واتخاذ إجراءات بناء عليه. هذا وقد أسهم تصويت الكونجرس الأمريكي على قانون جاستا في تعزيز شكوك دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية حول دور الولايات المتحدة الأمريكية كضامن لأمن المنطقة وللاستقرار الإقليمي بها.

ومن ثم يبدو أن هذه الزيارة قد هدفت إلى إزالة هذا الفتور الذي ساعد العلاقات بين الدولتين، بالإضافة إلى تأكيد الشراكة الاستراتيجية، وهو ما اتضح من المناقشات التي تمت خلال القمم الثلاث التي عقدت أثناء الزيارة. وبالتركيز على القمة الخليجية – الأمريكية فقد تمثلت الموضوعات الرئيسية التي تمت مناقشتها في تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الدول الخليجية والولايات المتحدة الأمريكية، وبحث التصدي للتدخلات الإيرانية، ومواجهة الإرهاب وتمويله، وتشريع عمليات التسليح والمنظومة الدفاعية الصاروخية وتعزيز الجانبين الأمني والاقتصادي والتعاون التعليمي.

وفي السياق ذاته فخلال الآونة الأخيرة زادت الشكوك بشأن مدى التزام الولايات المتحدة بالأمن الإقليمي في ظل تأخر قرارات الإدارة الأمريكية بشأن مبيعات الأسلحة. وهو أمر تمت معالجته خلال الزيارة حيث أبرمت الولايات المتحدة أكبر صفقة مبيعات أسلحة مع السعودية بقيمة 350 مليار دولار على مدار 10 سنوات، وهي الصفقة الأضخم على الإطلاق في تاريخ الولايات المتحدة. وقال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إنها تستهدف مقاومة النفوذ الإيراني "الشرير". وعُرف عن ترامب انتقاداته للاتفاق مع إيران الذي خففت بموجبه العقوبات المفروضة عليها مقابل تقييد نشاطاتها النووية.

ب.اقتراب أمني جديد في مواجهة الإرهاب

هل نحن بصدد تبني الإدارة الأمريكية لاقتراب أمني جديد في مواجهة الإرهاب؟

هنا تجدر الإشارة إلى أنه في بدايات شهر مايو تم طرح مسودة استراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مكافحة الإرهاب وهي الاستراتيجية التي من المتوقع أن تصدر خلال الأشهر القادمة.

وربما جاء طرح المسودة قبل الانتهاء منها نهائيًا لتُشكل التوجه الأمريكي تجاه قضية الإرهاب قبل زيارة المملكة العربية السعودية.

وقد أكدت مسودة الاستراتيجية على تحمل حلفاء الولايات المتحدة المزيد من الأعباء مع الإقرار بأن الإرهاب لا يمكن القضاء عليه نهائيًا حيث أكدت على أن "الولايات المتحدة ينبغي أن تتجنب الالتزامات العسكرية المكلفة" وجاء في المسودة: "نحتاج إلى تكثيف العمليات ضد الجماعات الجهادية العالمية وفي الوقت نفسه خفض تكاليف الدماء والثرورة الأمريكية في سعينا لتحقيق أهدافنا لمكافحة الإرهاب" وأيضًا: "سنسعى إلى تجنب التدخلات العسكرية ذات الكلفة الواسعة النطاق لتحقيق أهداف مكافحة الإرهاب، وسنتطلع بشكل متزايد إلى الشركاء لتقاسم مسؤولية التصدي للجماعات الإرهابية".

وكذلك أكدت مسودة الاستراتيجية على أن الخطر لا يقتصر على تنظيم داعش مشيرة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها عرضة لحظر تنظيم القاعدة بعد إعادة تشكيله، وجماعات أخرى، فضلاً عن متطرفين محليين نزعوا إلى التطرف عبر الانترنت.

هذا وقد أثار ترامب الجدل أثناء حملته الانتخابية بعد دعوته إلى فرض حظر مؤقت على دخول المسلمين الولايات المتحدة لدواعٍ أمنية. ولا يزال تشريع بشأن حظر دخول المواطنين من عدة دول ذات أغلبية مسلمة للأراضي الأمريكية محل نزاع أمام القضاء الأمريكي.

وكان لترامب تصريحات مثيرة للجدل بخصوص المسلمين، من بينها نيته إعداد قاعدة بيانات توثق معلومات عن جميع المسلمين في الولايات المتحدة، ما فسره البعض على أنه ربط بين الإسلام والعنف.

كما انتقد ترامب، في خطاب له أثناء الحملة الانتخابية العام الماضي، سياسيين لعدم استخدامهم "الإرهاب الإسلامي المتطرف".

لكن الملاحظ أنه قد غاب عن الاستراتيجية تعبيرات لجأ إليها ترامب أثناء حملته الانتخابية مثل "الإرهاب الإسلامي المتطرف" ليحل محلها الجماعات الجهادية والجهاد العالمي.  

كما يلاحظ وجود توجه أمريكي نحو عدم تحمل تكلفة مادية وبشرية مع مساعدة الدول الحليفة. هذا التوجه نحو تقديم المساعدة للدول الحليفة ترجم في تبادل الجانبين مذكرة تفاهم تقضي بإنشاء مركز خاص بمحاصرة تمويل الإرهاب وذلك قبل انعقاد القمة الخليجية- الأمريكية.

وتبرز أهمية هذا المركز الذي ستشرف عليه وزارة الخزانة الأمريكية في صعوبة الشق الخاص بمراقبة انتقال الأموال للجماعات الإرهابية مما يتطلب تعاون دولي أمني واستخباراتي، حيث يهدف المركز إلى مراقبة التحويلات المالية الصادرة أو الواردة من وإلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتبادل المعلومات المشتركة بهذا الشأن.

ومن جانبها فقد أشارت مستشارة ترامب المساعدة لشؤون الأمن الداخلي "دينا باول" عن أملها في أن تكون المذكرة "الأوسع شمولا من نوعها على صعيد الالتزام بعدم تمويل التنظيمات الإرهابية التي تراقبها وزارة الخزانة الأمريكية مع جميع نظرائها".

وبذلك فيمكن تفهم دور هذا المركز في مساعدة الدول الخليجية في مراقبة مصادر تمويل الإرهاب الذي يعد العقبة الأكبر في مواجهة الظاهرة الإرهابية في الوقت الراهن.

ج.تعزيز مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة

تبرز أهمية تلك الزيارة في إعادة التوازن في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة وذلك في ظل التراجع الشديد لهذا الدور لصالح أطراف إقليمية ودولية مما أثر سلبًا على مساحة النفوذ الأمريكي في المنطقة لصالح النفوذ الروسي. كما جاءت تلك الزيارة كإعادة صياغة للعلاقات الأمريكية مع الشركاء الأساسيين في المنطقة.

ومن ثم فإن هذا التحرك يأتي في سياق الوعود التي أعلنها ترامب أثناء حملته الانتخابية والمتعلقة بعودة الولايات المتحدة كقوة مؤثرة على المستوى العالمي وفي الشرق الأوسط.

2.خصوصية ملف الإرهاب في المنطقة ودور المملكة العربية السعودية

يُشكل التهديد الإرهابي الملف الأخطر الذي تواجهه دول المنطقة في الوقت الراهن، ورغم أن هذا التهديد ليس جديدًا، إلا أن التطورات الإقليمية والدولية في السنوات القليلة الماضية تركت بصماتها على ظاهرة الإرهاب الدولي فأصبحت أكثر تعقيدًا وأكثر خطورة. حيث تعاظمت خلال السنوات الأخيرة حدة التهديدات الإرهابية التي تواجه الدول العربية، خاصة مع ظهور أنماط جديدة من التنظيمات الإرهابية. ثم جاءت ثورات الربيع العربي لتضفي مزيدًا من التعقيد على المشهد في المنطقة، فبدا تغيير في الجغرافيا السياسية للمنطقة مصحوبا بدرجة كبيرة من العنف بأبعاد جديدة، حيث فتحت التغيرات الباب أمام القوى المتخذة من العنف موطئ قدم لها في المشهد الاستراتيجي في المنطقة العربية. 

ورغم أن البعض يرى أن الإرهاب كـأحد مصادر تهديد الأمن القومي العربي هو مصدر ثانوي وليس أساسيًا نظرًا لأن الأحداث الإرهابية التي شهدتها المنطقة العربية منذ ثورات الربيع العربى ما زال يمكن احتواؤها بما لا يهدد الأمن القومي لدول المنطقة، وأن التباطؤ فى مواجهتها يمكن أن يؤدي إلى تفاقمها وذلك فى حالة ارتباطها بمنظمات الإرهاب الدولى. إلا أن التحولات التي شهدتها المنطقة العربية فيما يخص الإرهاب غيرت هذا الواقع ليتحول الإرهاب لمصدر أساسي  لتهديد الأمن القومي العربي بمفهومه الواسع.

وفي هذا الإطار تم طرح العديد من المشروعات الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب، ومن أهمها: التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر 2014م، والتحالف العسكري العربي لدعم الشرعية في اليمن وذلك في مارس 2015م؛ والقوة العربية المشتركة في الفترة ذاتها، كما أعلنت المملكة العربية السعودية في ديسمبر 2015، عن تشكيل تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب.

وبالتركيز على التحالف الأخير الذي يضم نحو 40 دولة إسلامية فيهدف إلى: "محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره أيًا كان مذهبها وتسميتها" ويعمل على محاربة الفكر المتطرف. ويملك التحالف غرفة عمليات مشتركة مقرها الرياض تنسق كافة الجهود لمواجهة الإرهاب من خلال مبادرات فكرية وإعلامية ومالية وعسكرية، وترتكز هذه الجهود على القيم الإسلامية ومبادئ الشرعية والاستقلالية والتنسيق والمشاركة، بالإضافة إلى حقوق الإنسان.

وقد جاء الإعلان السعودي عن تشكيل التحالف تأكيدا للمكانة الإقليمية والدور السعودي في تحقيق الاستقرار في المنطقة. كما أن القرار السعودي باستمرار الحملة العسكرية في اليمن رغم الضغط الأمريكي في اتجاه وقف إطلاق النار يؤكد هذا الأمر.

على الجانب الآخر، يُشكل محاربة تنظيم داعش والإرهاب بشكل عام أحد محاور ومجالات اهتمام السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، حيث أكد ترامب أن أحد أهداف سياسته الخارجية هي احتواء هذا التطرف مؤكدًا أن الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م، كان السبب وراء ظهور تنظيم داعش. حيث اتهم أوباما بدعم داعش مشيرًا إلى أن الحل يكمن في مواجهة داعش عسكريا.

3-نحو إعادة صياغة للتعاون الأمريكي في مجال مكافحة الإرهاب:

كشف "بيان الرياض" الصادر في ختام القمة العربية الإسلامية ـ الأمريكية عن إعلان نوايا لتأسيس "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" بحلول 2018م، بهدف تحقيق الأمن والسلم في المنطقة والعالم.

وحسب البيان: "ثمن القادة المشاركون في القمة الخطوة الرائدة بإعلان تأسيس تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي في مدينة الرياض والذي ستشارك فيه العديد من الدول للإسهام في تحقيق السلم والأمن في المنطقة والعالم". وأوضح أنه "سيتم استكمال تأسيس ذلك المركز، وإعلان انضمام الدول المشاركة خلال عام 2018"م.

البيان الختامي للقمة رحب، أيضًا، بـ "استعداد عدد من الدول المشاركة في التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب لتوفير قوة احتياط قوامها 34 ألف جندي لدعم العمليات ضد المنظمات الإرهابية في العراق وسوريا عند الحاجة".

كما أعلن عن بناء "شراكة وثيقة" بين قادة الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة لمواجهة التطرف والإرهاب وتحقيق السلام والاستقرار إقليميًا ودوليًا".

والتساؤل المطروح هنا هو: هل هناك إعادة صياغة للتعاون الخليجي الأمريكي في مجال مكافحة الإرهاب؟ ورغم صعوبة تحديد إجابة قاطعة على هذا التساؤل، إلا أنه يمكن الاستدلال بمجموعة من المؤشرات التي تدل على هذا التوجه، ومنها:

-       خلال أربعة أشهر من وجوده في البيت الأبيض، ثبت عدم واقعية تصريحات ترامب الانتخابية خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي والمصالح الأمريكية في المنطقة. واتضح أن تلك التصريحات إما أنها تنم عن عدم إدراك طبيعة تلك العلاقات وحجم المصالح الأمريكية؛ النفط ومبيعات الأسلحة والاستثمارات والتعاون الأمني والاستخباراتي وغير ذلك، أو أنها للدعاية الانتخابية؛ وهذا أقرب إلى الصواب، حيث تدارك ترامب سريعًا طبيعة أوراق الضغط التي تملكها دول المنطقة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية سواء تعلق ذلك بدورها المحوري في تحقيق الاستقرار في سوق الطاقة العالمي أو كم الاستثمارات السعودية الضخمة في الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك دورها في محاربة الإرهاب.

وبذلك يجب عدم الرجوع كثيرًا لتلك التصريحات الانتخابية وتقييم أداء الرئيس الأمريكي على أدائه، فهو يقدم فرصة فعلية لتعاون بلاده مع دول المنطقة وهو أمر يجب أن تسعى دول المنطقة لاستغلاله.

-       تُشير التحليلات إلى ميل ترامب –كرجل أعمال- إلى تبني مفهوم الصفقة Deal في قضايا السياسة الخارجية، فالتدخل الأمريكي في أي منطقة في الخارج سيكون مرهونًا بمقدار ما يحققه هذا الأمر من منافع اقتصادية مباشرة للولايات المتحدة وللشعب الأمريكي، وقد برز هذا النهج في العديد من التصريحات حيث ابتعد عن المفاهيم المثالية السابقة والمتعلقة بأن الولايات المتحدة دولة كبرى ولها مصالحها لكنها لديها مسؤوليات والتزامات عالمية وعليها تنفيذ تعهداتها والوفاء بمسؤولياتها. وهذا جزء من جدل أكبر بين الواقعيين والمثاليين في العلاقات الدولية، فهل الدول تتحرك في سياستها الخارجية بما يضمن مصالحها أم وفقًا لمسؤولياتها.

ومن الواضح ميل ترامب لتبني النهج الواقعي في إعلاء المصالح الأمريكية خاصة تجاه منطقة الشرق الأوسط، من خلال التركيز على المصالح الأمريكية والتأكيد على أهمية الاستقرار واتخاذ مواقف متشددة من الحركات والجماعات الإرهابية والممارسة للعنف بعيدًا عن القضايا المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان. لذلك على دول المنطقة أن تستفيد من هذا النهج الواقعي بعيدًا عن الاستخدامات المتناقضة للأفكار المتعلقة بالتيار الليبرالي والتي كانت تستخدم في السابق بشكل أضر دول المنطقة وأسهم في بروز الإرهاب على هذا النحو الخطير وأدى إلى ظهور داعش على هذا النحو.

وفيما يتعلق بملامح التدخل الأمريكي المتوقع في مجال مكافحة الإرهاب فقد أكد ترامب على رغبته في عدم الانغماس في الصراعات الإقليمية خاصة في الشرق الأوسط وكذلك إعادة بناء الدور الأمريكي كفاعل رئيسي في النظام الدولي. حيث يميل ترامب إلى تحميل الإدارة السابقة مسؤولية التدهور الكبير الذي شهدته المنطقة في ظل توجهها نحو التعاون مع التيارات الإسلامية والعمل على دعم الديمقراطية في المنطقة مما أدى إلى انتشار الحروب الأهلية وظهور تنظيمات إرهابية مثل داعش.

وفي ظل التطور الذي تم في العراق فيما يخص معركة تحرير الموصل فإن هذا يعنى أن محاربة داعش خلال الفترة القادمة ستركز أكثر على سوريا وهو ما يتطلب تنسيق أمريكي عسكري مع كل من روسيا وتركيا ، ولأن هزيمة داعش تتطلب تدخلا بريًا؛ وهو أمر لن يقوم به، سيعتمد على قوات الدول الإقليمية.

 

 

خاتمة

كافة المؤشرات كما عكستها نتائج تلك الزيارة تؤكد أننا بصدد مرحلة جديدة في العلاقات الخليجية الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب، وهو أمر يجب استثماره، مع عدم التعويل كثيرًا على تصريحات ترامب الانتخابية فهو أكثر ميلاً الآن لتحقيق مصالح بلاده بعيدًا عن أي اعتبارات أو تصريحات.

فهناك فرصة مهمة للتعاون الخليجي الأمريكي ومن شأن هذا التعاون التعامل الإيجابي مع عدد مهم من الملفات العالقة وفي مقدمتها الملف الإيراني والتعاون نحو الحد من الدور الإيراني وتدخلها السافر في شؤون دول المنطقة. كما أن الولايات المتحدة يمكنها القيام بدور في الأزمة السورية وهو أمر أيضًا يجب العمل على تحقيقه والاستفادة منه.  

مقالات لنفس الكاتب