لفترة من الزمن كان السؤال الذي يشغل العالم هو متى يصل إنتاج النفط إلى ذروته؟ فإذا بالسؤال الآن هو متى يصل الطلب على النفط إلى ذروته؟ ومتى يبدأ في التراجع؟ وبأية سرعة؟ تلك الآن هي الأسئلة المحورية التي تواجه مستقبل صناعة النفط في الخليج !!.
إن الجدال لمحتدم وقد فتحت أبواب النقاش على مصراعيها، حيث يسود الغموض حول المستقبل ويؤثر بشكل مباشر على استراتيجيات صنع القرار في دول الخليج، وذلك على مستوى الحكومات والشركات على حد سواء.
السيناريوهات المتوقعة للطلب على النفط
تقوم العديد من المؤسسات والمعاهد بصياغة سيناريوهات تختلف في نتائجها اختلافًا كبيرًا. وهناك مجموعتان رئيسيتان من السيناريوهات المقترحة، وذلك اعتمادًا على كونها قد بنيت على أساس من التنبؤ (forecasting) أو التنبؤ العكسي backcasting)). أما التنبؤ فيعني البدء من الظروف الراهنة وصياغة فرضيات منطقية تتعلق باتجاه وسرعة التغيير لمجموعة من المعايير أو المؤشرات، وصولاًً إلى رؤية للمستقبل تقوم على الاستقراء. بينما التنبؤ العكسي يعني البدء من رؤية مفترضة للمستقبل، أو هدفًا يتعين بلوغه في موعد محدد، والعمل على القيام بما يستلزم تحقيق ذلك الهدف. وليس من المستغرب أن النهجين يفضيان إلى نتائج متباينة جذريًا.
وتعد السيناريوهات الأكثر تداولا في هذا الشأن تلك التي تقدمها وكالة الطاقة الدولية في إصدارها السنوي "توقعات الطاقة العالمية World Energy Outlook ". وهناك ثلاثة سيناريوهات عادة ما يتم طرحها كل عام، اثنين منهم يعتمدان منهج التنبؤ، أما الثالث فيعتمد على التنبؤ العكسي. وتستند منهجيات التنبؤ على افتراض عدم تغير سياسات الطاقة الحالية (سيناريو السياسات الحالية)، وعلى الافتراض الآخر بأن الحكومات سوف تعمل على تنفيذ السياسات التي سبق وأن أعلنوا عنها أو وعدوا بتنفيذها (سيناريو السياسات الجديدة). ويطلق على منهجية التنبؤ العكسي "سيناريو 450"، حيث يفترض أن مستوى الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري (greenhouse gases) والمتراكمة في الغلاف الجوي لن تتخطى 450 جزءًا في المليون، وهو المستوى المكافئ لاستمرار ظاهرة الاحتباس الحراري (أي ارتفاع متوسط درجات الحرارة على مستوى العالم) في حدود 2 درجة مئوية.
ونُفصِل في الجدول التالي التغيرات الأساسية في الطلب على الطاقة وفقًا لمصادر الطاقة:
جدول رقم 2.2: الطلب الرئيسي على الطاقة على مستوى العالم -وفقًا لمصادر الطاقة والسيناريو المتوقع:
|
السياسات الجديدة |
السياسات الحالية |
سيناريو 450 |
|||||
|
2000 |
2014 |
2025 |
2040 |
2025 |
2040 |
2025 |
2040 |
الفحم |
2316 |
3926 |
3955 |
4140 |
4361 |
5327 |
3175 |
2000 |
النفط |
3669 |
4266 |
4577 |
4775 |
4751 |
5402 |
4169 |
3326 |
الغاز |
2071 |
2893 |
3390 |
4313 |
3508 |
4718 |
3292 |
3301 |
الطاقة النووية |
676 |
662 |
888 |
1181 |
865 |
1032 |
960 |
1590 |
الطاقة الهيدروجينية |
225 |
335 |
420 |
536 |
414 |
515 |
429 |
593 |
الطاقة الحيوية * |
1026 |
1421 |
1633 |
1883 |
1619 |
1834 |
1733 |
2310 |
مصادر أخرى للطاقة المتجددة |
60 |
181 |
478 |
1037 |
420 |
809 |
596 |
1759 |
المجموع |
10042 |
13684 |
15340 |
17866 |
15937 |
19636 |
14355 |
14878 |
نسبة الوقود الأحفوري |
80 % |
81% |
78% |
74% |
79% |
79% |
74% |
58% |
انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون |
23.0 |
32.2 |
33.6 |
36.3 |
36.0 |
43.7 |
28.9 |
18.4 |
*تشمل الاستخدامات التقليدية للكتلة الحيوية والتطبيقات الحديثة للطاقة الحيوية.
المصدر: وكالة الطاقة الدولية: توقعات الطاقة العالمية لعام 2017، صفحة رقم 64.
وكما يتضح من الجدول السابق، فإن سيناريو السياسات الجديدة لا يتوقع بلوغ الطلب ذروته قبل عام 2040م. وسوف يزداد الطلب على النفط من 4.26 مليار طن من النفط المكافئ في عام 2014م، إلى 4.75 مليار طن في عام 2025م، و5.4 مليار طن في عام 2040م، ويعد هذا تباطؤاً في معدل النمو إلى حد كبير مقارنة بمعدلات النمو في الماضي القريب، غير أنه لا يزال يعد نموًا إيجابيًا. وفي المقابل، ينخفض الطلب على النفط وفقا "لسيناريو 450 " (يتعين أن ينخفض إذا ما كان للهدف أن يتحقق) بين الانخفاض الذي بدأ بالفعل حالياَ وبين عام 2025م، إذ لا ينبغي أن يتجاوز 4.17 مليار طن من النفط المكافئ، ويأخذ في الانخفاض بمعدل أكبر بحلول عام 2040م، حيث لا ينبغي أن يتجاوز 3.32 مليار طن من النفط المكافئ. ومن الواضح الفارق الكبير بين ال 5.4 بليون طن المتوقعة في عام 2040 م، وفقًا لسيناريو السياسات الجديدة وبين ال 3.32 بليون طن المتوقعة وفقًا لسيناريو 450.
وكثيرًا ما تتهم وكالة الطاقة الدولية بكونها حذرة للغاية بشأن إمكانية التغيير في سيناريو السياسات الجديدة. لذا كان من المهم أن ننظر بشيء من التفصيل إلى الافتراضات الرئيسية والنتائج الجزئية لفهم كيف تم التوصل إلى الاستنتاج القائل بعدم بلوغ الطلب على النفط ذروته قبل عام 2040. ويعد النمو الديموغرافي عاملاً رئيسًا وراء ذلك، خاصة في جنوب آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا، إلى جانب تزايد نصيب الفرد من الدخل في العديد من البلدان. وعلى الرغم من افتراض وجود فصل كبير بين الناتج المحلي الإجمالي والطلب على الطاقة (تنخفض كثافة الطاقة بنسبة 1.8٪ سنويًا)، فإن ذلك لا يكفي لوقف الزيادة في الطلب على الطاقة والانبعاثات الكربونية المترتبة على ذلك.
الشكل 2.1 – مسارات الناتج المحلي الإجمالي العالمي، والطلب على الطاقة، والانبعاثات المرتبطة بالطاقة- وفقًا للسيناريو المقترح.
وفقا لسيناريو 450، ينمو الناتج المحلي الإجمالي تقريبًا دون أي زيادة في الطلب على الطاقة على الإطلاق، وهو الأمر الذي بكل تأكيد يصعب للغاية تحقيقه.
ووفقًا لسيناريو السياسات الجديدة، فإن الطلب المتزايد على الطاقة يتم ايفاؤه في المقام الأول عبر مصادر الطاقة النظيفة، ومن بين أنواع الوقودالأحفوري، يحتل الغاز الطبيعي أهمية أكبر بكثير من النفط أو الفحم، ومع هذا فهناك توقع أيضًا بزيادة الطلب على الفحم والنفط.
وكما هو معروف فإن النفط يستخدم بشكل أساسي في قطاع النقل. ومن الصعوبة بمكان استبداله لتمتعه بميزة لا تضاهى بوصفه السائل ذو الكثافة الأعلى للطاقة (محتوى الطاقة بالنسبة للحجم). لذا من المهم التأكيد على أن سيناريو السياسات الجديدة يتوقع انخفاضًا في استخدامات النفط، ليس فقط في مجال توليد الطاقة وفي المباني (للتدفئة)، بل كذلك على مستوى سيارات الركاب. وفي الواقع يتوقع السيناريو تضاعف عدد سيارات الركاب المتداولة بين وقتنا الحالي وبين عام 2040م، وانخفاض الطلب على النفط فيما يخص تلك السيارات، لأسباب ترجع إلى تحسين الكفاءة وانتشار العربات الكهربائية، والمنافسة من جانب الوقود الحيوي. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الطلب على النفط من قطاعات النقل البحري، والشحن البري، والطيران، والبتروكيماويات هي فقط ما يمكن توقع زيادة الطلب الكلي على النفط منها.
تعد نقطة الطلب على البتروكيماويات نقطة هامة نظرًا لما تحمله تلك الصناعة من ثقل بالنسبة للتنويع الاقتصادي في منطقة الخليج. وعلى الرغم من أنه من الممكن نظريًا إنتاج البتروكيماويات من الفحم والغاز والكتلة الحيوية، فإن تكسير الهيدروكربونات السائلة سيظل دعامة أساسية لهذه الصناعة. فنحن نعيش في عصر الصناعات البلاستيكية، إذ يشهد الطلب على المنتجات البتروكيماوية زيادة سريعة، وسيظل على الأرجح مستمرًا في هذه الزيادة.
وهناك غير ذلك من السيناريوهات التنبئية، سواء كانت صادرة عن منظمات قومية أو دولية أخرى، أو عن شركات كبرى، وهي تصل إلى استنتاجات قد تختلف اختلافًًا طفيفًا، ولكن تظل النقاط الأساسية متشابهة:
- إن وجود تعداد أكبر من البشر ومتوسطات دخل أعلى تعني زيادة الطلب على الطاقة، وإن لم يكن بنسب متكافئة
- الطلب المتزايد على قطاعي النقل والبتروكيماويات سوف يؤدي إلى زيادة الطلب على النفط برغم تحسين كفاءة الطاقة وانتشار وسائل النقل الكهربائية.
ولقد تباينت الآراء بشدة بخصوص النقطة الأخيرة، فالبعض يرى أن مبيعات سيارات الركاب الكهربائية أو المهجنة [1]سوف تشهد زيادة سريعة للغاية خلال العقد المقبل، لتحل محل سيارات البنزين والديزل. فهناك اليوم نحو 1.2 مليون سيارة كهربائية متداولة (بما يشمل السيارات المهجنة) من بين إجمالي مليار سيارة، أي بنسبة 0.12 %. وهذه النسبة سوف تزداد بكل تأكيد، ولكن بأية سرعة؟ وتتوقع شركة إكسون موبيل زيادة إجمالي مخزون سيارات الركاب إلى 1.8 مليار بحلول عام 2040م، (وهو أقل مما ذكرته وكالة الطاقة العالمية)، وأن تشكل السيارات الكهربائية نحو 20% منها. وسوف يشهد العدد المطلق " absolute number " للناقلات المدارة بالبنزين أو الديزل تراجعًا طفيفًا بين عامي 2035 و2040. وتلك بالتأكيد رؤية متفائلة وفقا لمسوغاتها الموضوعية، لكنها غير كافية للإبقاء على ظاهرة الاحتباس الحراري تحت 2 ° مئوية، وحتى أقل من 1.5 درجة كما قُرر بالإجماع في الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف "COP21 " الذي تم عقده في باريس. وهكذا يسود عدم اليقين بشأن متطلبات المستقبل بشكل قوي، إذ ينبغي علينا الاختيار بين نهج واقعي استنادًا إلى ما نعرفه اليوم، وبين نهج مثالي مبني على ما ينبغي القيام به، وما سيكون مجديًا من الناحية التقنية تحت مظلة من سياسات الطاقة المحددة للغاية والمجمع عليها لإنقاذ العالم من الاحتباس الحراري.
الأسعار وإمدادات النفط
إذا ما كان مستقبل الطلب تعمه الشكوك والتساؤلات، فإن كذلك مستقبل الإمدادات يكتنفه الغموض. فالانشغال بمسألة وصول الإمدادات إلى الذروة اختفى تقريبًا من الساحة، بعدما أفسح التقدم التكنولوجي مجالات واسعة أمام مصادر الطاقة غير التقليدية. نحن نعلم أن الموارد النفطية هي بالتأكيد كافية لتغطية الطلب في المستقبل على مدى عقود قادمة، ولكننا لا نعرف بأي ثمن. فالموارد المختلفة لها تكاليف تعادل مختلفة، وقد تؤدي الأسعار المنخفضة جدًا إلى منع القيام بالاستثمار في الوقت المناسب حيث يكون هناك حاجة للإنتاج.
لقد مررنا لتونا بفترة من الزمن (حتى عام 2014م) عندما كانت الأسعار بالغة الارتفاع، وقد تجاوز النمو في الإنتاج النمو في الطلب. وأخذ المخزون في التراكم حتى انهارت الأسعار في نهاية المطاف. ونحن نشهد الآن محاولة من جانب الدول المصدرة للنفط (منظمة الأوبك وبعض الدول غير الأعضاء في الأوبك، بما في ذلك روسيا) للحد من الإنتاج وخفض مستوى المخزون، وذلك حتى يمكن للأسعار أن تعتدل. ومع ذلك، فإن إنتاج النفط من الصخر الزيتي في الولايات المتحدة ينمو بسرعة مرة أخرى، وتختلف الآراء اختلافًا حادًا عما إذا كان ذلك سيظل مستمرًا أم لا. وخلاصة القول إن المخزون لا يتناقص بالسرعة الكافية، وأن الأسعار لا تزال ضعيفة.
إذا ما ظلت الدول المصدرة للنفط متمسكة بالانضباط والالتزام باتفاقية نوفمبر 2016م، فلسوف تتحسن الأسعار إلى حد ما في نهاية الأمر، ولكنها بالتأكيد لن تصل إلى المستويات التي شهدتها في بداية العقد الحالي. وترى وكالة الطاقة الدولية وغيرها من المراقبين أن الاستثمار في الوقت الراهن أقل بكثير من أن يعمل على تطوير اكتشافات نفطية جديدة، مما قد يفضي إلى وقوع أزمة في العرض من بعد عام 2020م، وارتفاع الأسعار مرة أخرى بشكل سريع. ولكن ذلك يفترض استمرار الزيادة في الطلب على منوال ما حدث في الماضي القريب – الأمر الذي يتناقض مع فرضية وجود ثورة وشيكة في صناعة السيارات، وهي الفرضية التي قد تكون ضرورية لاحتواء تغير المناخ.
ولا شك أنه قد تم الاستخفاف عمومًا بالسرعة التي تسير بها الابتكارات العلمية في مجالات إنتاج النفط والغاز، فالاستيعاب السريع للتكنولوجيا المتقدمة داخل الصناعة قد أدى إلى انخفاض التكاليف، بمعنى أن الموارد التي كان يتكلف استغلالها في الماضي أسعارًا تفوق المئة دولار للبرميل، يمكن تطبيقها تجاريًا اليوم بتكلفة تتراوح بين 60 و70 دولار للبرميل. ولا يمكن للدول الكبرى المصدرة للبترول ممن تتمتع بمتوسط تكلفة إنتاجية أقل من بقية العالم، أن تقوم بتحديد إنتاجها فقط لتسمح لمنافسيها الأعلى تكلفةً بالحصول على سعر أفضل.
وقد بدأت الدول المنتجة للنفط في التكيف مع الأوضاع الجديدة، ويمكننا أن نرى بالفعل الآثار المترتبة على ذلك في استراتيجياتها المتعلقة بالإنتاج والأسعار. فحتى وقت قريب، ساد الاتجاه المتحفظ الموقف، حيث كان يُنظر إلى النفط باعتباره موردًا نادرًا ينبغي الاعتدال في استخدامه، والحرص على ترك ما يكفي للأجيال المقبلة. وقد تشكل هذا النهج الاستراتيجي من خلال مجموعة من النقاشات التي دارت بالفعل داخل منظمة الأوبك في الستينيات، وظلت مهيمنة حتى وقت قريب. وفي الواقع، يتوقع البعض (أو يأمل) أن الأسعار المنخفضة حاليًا أمرًا لا يمكن استمراره، لأن الإنتاج قد لا يواكب الطلب العالمي.
إن النهج الجديد الذي يتبعه منتجو النفط الرئيسيون يؤكد على أنه ينبغي إنتاج النفط منخفض التكلفة أولا. وهذا يعني أنه يجب الإبقاء على الأسعار منخفضة نسبيا، وتجنب الإمدادات المفرطة من مصادر باهظة الثمن، والحفاظ على وتيرة صحية للطلب. وهي استراتيجية يصعب تنفيذها، فمن الواضح أنها تصطدم بالقيود المالية لجميع الدول المصدرة للنفط، وإن كان ذلك بمستويات من الصرامة متباينة للغاية.
ولكن هل الأسعار هي السياسة الوحيدة التي تخضع للاختلاف؟ ففي البيئة الجديدة من وفرة الوقودالأحفوري، يأتي القلق من الاحتباس الحراري بوصفه العامل الرئيسي الذي يحد من الطلب العالمي، فالاعتماد المتزايد على الكهرباء المولدة من مصادر منخفضة الكربون يتكافأ مع الاتجاه المطرد نحو نزع الكربون من أنظمة الطاقة. إن النهج الأخضر لمستقبل الطاقة ينادي بالإسراع في التخلص من جميع أنواع الوقود الأحفوري، بل وكذلك رفض الطاقة النووية في كثير من الحالات.
ثلاث استراتيجيات رئيسية
ينبغي على منتجي النفط، بل وجميع أنواع الوقود الأحفوري، الدخول في منافسة من أجل الدفاع عن دورهم في توفير الطاقة على الصعيد العالمي. فثمة معركة تكنولوجية تدور حاليًا: حيث يقوم مؤيدو مصادر الطاقة المتجددة بالاستثمار على نطاق واسع في البحث عن حل لمشكلة تقطع الامدادات، وذلك عن طريق إنشاء الشبكات الذكية، وآليات الترابط، وتطوير تكنولوجيا التخزين. ويتعين على منتجي الوقود الأحفوري الدفاع عن تجارتهم، بالتركيز على ثلاث استراتيجيات بالغة الأهمية:
- احتواء الاستهلاك المحلي وتنويع نظم الطاقة المحلية بعيدًا عن الاعتماد الحصري على النفط والغاز والاتجاه نحو زيادة استخدام التكنولوجيا النظيفة.
- دمج صناعة المشتقات النفطية في سلسلة القيمة المضافة[2]، وخاصة التركيز على إنتاج البتروكيماويات بدلاً من الوقود0
- التشجيع بقوة على تفعيل تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه (CCS) للبرهان على أنه لا يزال في الإمكان استخدام مواردهم في عالم يتجه نحو نزع الكربون.
إن احتواء الاستهلاك المحلي أمر لا بد منه لأن النمط الحالي لاستخدام الطاقة يتسم بالهدر ويشكل خطرًا على القدرة التصديرية. ففي عالم يسوده اعتدال أسعار النفط، قد يكون من الضروري تصدير كميات أكبر نسبيا لتلبية الاحتياجات المالية للدولة، وقد تظهر المنافسة بين التصدير والطلب المحلي بسرعة. وعلى الرغم من أنه يمكن من الناحية النظرية إرضاء متطلبات الجانبين، إلا أن ذلك سيتطلب بالتأكيد زيادة الاستثمار وارتفاع تكاليف الإنتاج. وفي النهاية، تنشأ حلقة مفرغة تؤدي إلى انخفاض قدرة الدول الخليجية المنتجة للنفط على المنافسة وانخفاض الدخل لتلبية الاحتياجات الحالية والاستثمارية. إن الاتجاه نحو تنويع مصادر الطاقة النظيفة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية، ليس فقط استراتيجية حكيمة -لتجنب وضع البيض كله في سلة تكنولوجية واحدة - ولكنه يمثل تنويعًا قيمًا للاقتصاد، وخطوة نحو مستقبل أقل اعتمادًا على النفط والغاز.
ويعد دمج صناعة المشتقات النفطية في سلسلة القيمةً توجهًا استراتيجيًا كانت دول الخليج قد اتخذته بالفعل بنجاح كبير منذ عقود عدة. والبيانات المشار إليها فيما سبق تبرهن تمامًا على صحة ذلك التوجه: فقد تتراجع أهمية النفط كمصدر من مصادر الوقود أو ببساطة كمصدر من مصادر الطاقة، إلا أنه سيظل تحت الطلب بهدف إنتاج البتروكيماويات. وكلما كانت مجموعة المنتجات البتروكيماوية التي تصدرها دول الخليج أو تنتجها من خلال الشركات التابعة والخاضعة لها في الخارج أكثر تنوعًا وتطورًا، كلما كان مستقبلها الاقتصادي أكثر استقلالية بعيدًا عن مستقبل قطاع النقل. إن صناعة البتروكيماويات لهي صناعة كثيفة الاستهلاك لرأس المال، حيث يتم اكتساب الميزة التنافسية من خلال الاستثمارات واسعة النطاق. وهو مجال الاختصاص الذي يناسب دول الخليج بشكل خاص.
وأخيرًا، فمن المدهش حقا عدم تولية الدول الرئيسية المصدرة للوقود الأحفوري إلا قليلاً من الاهتمام إلى تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه (CCS). فلا تزال هناك حالة من الرضا بالأمر الواقع في العديد من الدول المنتجة للنفط تجاه عدد عن الممارسات غير المقبولة مثل حرق الغاز وإطلاقه في الهواء أو تسرب الميثان من خطوط الأنابيب. ويجري حاليًا تنفيذ مشروع واحد لاحتجاز الكربون وتخزينه في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، غير أن المرء كان يتوقع أن يرى استثمارات أكثر قوة ,وانتشارًا أوسع نطاقًا. ومن الواضح أنه لا يمكن إعمال تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه إلا لامتصاص انبعاثات الغاز الصادرة عن نقاط ثابتة، وبالتحديد في القطاع الصناعي - في حين أن استخدام النفط يتركز في قطاع النقل، حيث لا يمكن تصور إعمال تقنيات احتجاز الكربون، على الأقل بما يوجد لدينا من تكنولوجيا حاليًا. غير أن السعي إلى إزالة الكربون من مصادر الصناعة الرئيسية لن يكون بالإسهام الهين في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم.
وتتوقع جميع سيناريوهات إزالة الكربون فرض ضريبة سريعة التزايد على انبعاثات الكربون للحد من استخدام الوقود الأحفوري.
وقد وقفت كبرى شركات النفط الدولية والبلدان المنتجة إلى جانب الصفوف الساعية إلى إزالة الكربون من خلال فرض سعر على انبعاثات الكربون. ويقدم سيناريو السياسات الجديدة لعام 2016 تصورًا متواضعًا بفرض 50 دولارًا على الطن الواحد من انبعاثات الكربون في أوروبا وكوريا الجنوبية و35 دولارًا على الطن في الصين، وذلك بحلول عام 2040. بينما ينص سيناريو 450 على سعر 140 دولارًا على الطن في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD)، و125 دولارًا على الطن في الصين وروسيا.
ويرتئي التقرير الأخير الذي نشرته وكالة الطاقة الدولية والوكالة الدولية للطاقة المتجددة " IRENA" (آفاق تحول الطاقة لعام 2017)[3]، والذي يعد أكثر طموحًا من سيناريو 450 في سعيه لإزالة الكربون، إن أسعار الكربون ستكون 190 دولارًا على الطن من ثاني أكسيد الكربون. ومن المؤكد أن هذا المستوى الأخير لأسعار الكربون سيؤدي إلى تغيير الجدوى التجارية لعمليات احتجاز الكربون وتخزينه، كما أن الرهان على التكنولوجيا يعزز من مصداقية الإصرار على أن يكون سعر الكربون هو الأداة الاستراتيجية الرئيسية المتبعة في إزالة الكربون.
الهوامش:
[1] السيارة المهجنة هي التي تجمع بين مصدرين أو أكثر للطاقة.
[2]سلسلة القيمة Value Chain)) هو مصطلح يستخدم للتعبير عن سلسلة النشاطات التي تساهم في قيمة المنتج أكثر من تكلفته.