استهل الرئيس الأمريكي جولته الأولى خارج البلاد بثلاثة مؤتمرات قمة , تم عقدها في السعودية بدايةً من 20 مايو 2017م، وتضمن ذلك مؤتمر قمة بين الرئيس ترامب وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ومؤتمر لاحق بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مؤتمر القمة العربية الإسلامية ـ الأمريكية الذي جمع 56 من الزعماء العرب والمسلمين. وقد ولدت هذه الزيارة آمالا عريضة، نظرًا لنطاقها الواسع وحقيقة أن ترامب اختار السعودية كمحطته الأولى في مستهل جولاته، كما أنها حققت نتائج مهمة جدًا على صعيد العلاقات السعودية / الخليجية ـ الأمريكية، وهذه النتائج رسمت خارطة طريق مهمة لمستقبل العلاقات الخليجية / الأمريكية، وبددت الكثير من الهواجس حيال السياسة الأمريكية التي كانت موجودة في دول المنطقة والتي خلفتها سياسة الرئيس الأمريكي السابق أوباما والتي لم تكن مريحة لدول الخليج وكثير من دول المنطقة.
من قبل استقبلت دول مجلس التعاون رئاسة ترامب على نحوٍ إيجابي بوجهٍ عام، وأعربت عن تفاؤل يشوبه الحذر تجاه مستقبل الأمور. فمن جانب، وضع انتخاب رئيس جديد لأمريكا نهاية أوباما الذي كان يُنظر إلى ولايته في منطقة الخليج على أنها جلبت المزيد من المشاكل. فبالرغم من محاولته نشر الأمل في بادئ الأمر نحو حقبة جديدة من السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط كما جاء في خطابه بجامعة القاهرة عام 2009م، إلا أن الحماس انخفض بسبب حذر أوباما وتردده، بل ومنهجه الساذج حيال التحديات الحقيقية التي تواجه المنطقة. وفي الحقيقة، تعتقد دول مجلس التعاون أن السياسات الأمريكية السابقة مسؤولة جزئيًا عن توفير تربة خصبة للتطرف المنسوب إلى الإسلام والمتمثل في جماعات مثل داعش، ومسؤولة أيضًا عن السماح لإيران بتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط على حساب استقرار المنطقة، بالإضافة إلى فتح الباب أمام النفوذ الروسي في الشرق الأوسط الأمر الذي لا يوحي بأي جانب إيجابي.
من جانب آخر، تشير المؤشرات إلى أن إدارة ترامب ستنتهج أسلوبًا مختلفًا عن السابق فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية محل اهتمام دول مجلس التعاون، ومنها مواجهة التطرف والإرهاب بكل صوره، وسياسات إيران التوسعية، ومنهج واشنطن الذي اتسم بالفتور حتى الآن تجاه التعاون الاستراتيجي مع دول المجلس على كافة المستويات كوسيلة لوقف استمرار حالة عدم الاستقرار والعنف الراهنة. وقد أكد المسؤولون السعوديون بأن المملكة وأمريكا يشتركان في بعض وجهات النظر ، بل تتطابق رؤيتيهما حيال قضايا هامة تؤثر في العلاقة بينها.
وفي هذا الصدد، ارتفعت التوقعات من نتائج مؤتمرات القمم الثلاثة في الرياض إضافة إلى الاجتماعات الأولية التي عُقدت في واشنطن، عندما التقى سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود مع الرئيس ترامب في مارس 2017م، أو عندما استقبل الرئيس ترامب ولي العهد الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في 15 مايو. وبالرغم من أنه لا توجد توقعات بحل جميع المشكلات أو الاتفاق على السياسات التفصيلية من كافة الجوانب، إلا أن دول مجلس التعاون توقعت أن تكون البيانات الصادرة من الإدارة الأمريكية الجديدة أكثر واقعية وتحديدًا. حيث ترى دول الخليج العربي أنه قد مضى عهد الخطابات الرنانة الجوفاء والوعود الكاذبة، وأن التحديات في الشرق الأوسط أكثر وضوحًا وواقعية وإلحاحًا.
ومن ثمَّ، فبغية الحفاظ على دعم دول مجلس التعاون الخليجي المبدئي للإدارة الأمريكية الحالية، يعتمد على الولايات المتحدة في أداء دور فعال في الشرق الأوسط مع تعهد واضح بتحقيق السلام والاستقرار. وللمضي نحو هذا الاتجاه وتحقيقه، يتطلب أن يستند إلى منهج للسياسة الأمريكية على أربعة محاور رئيسة هي:
أولاً، تشترك كل من دول مجلس التعاون وأمريكا في التزام واسع النطاق بمكافحة الإرهاب بجميع صوره. ويعزز ذلك اشتراك دول المجلس واستمرارها في تقاسم التكاليف والمسؤوليات والأعباء في هذا الصدد. وقد صرح المسؤولون الأمريكيون أكثر من مرة أن دول مجلس التعاون من أفضل شركاء واشنطن في مكافحة الإرهاب.
ثانيًا، ثمة حاجة إلى تفعيل سياسة الاحتواء ضد إيران على كافة الأصعدة، بما فيها التوسع الإقليمي الإيراني ودعمها للإرهاب وبرنامج الصواريخ وسياستها النووية. وبخصوص الاتفاقية النووية مع إيران، ستدعم دول المجلس مطالب واشنطن مقابل الحاجة إلى تعديل الاتفاقية لتحقيق الهدف الأساسي وهو عدم تمكن إيران من إنتاج السلاح النووي. إلا أنه يجب أن ندرك ضرورة التزام طهران بالاتفاقية قلبًا وقالبًا، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى وقتنا هذا. وفي هذا الصدد، لا ترغب دول المجلس أن تنهي أمريكا الاتفاقية بدون تحديد بديل واضح. وبشكل عام، هناك حاجة ملحة إلى أن تتبنى إيران موقفًا بنَّاءً، وأن تتوقف عن دعمها للأطراف غير الحكومية التي تستخدم العنف مثل حزب الله، والحوثيين والمليشيات الطائفية في العراق وهو ما يهدم هيكل الدولة في الشرق الأوسط.
ثالثًًا، فيما يتصل بالنقطة السابقة، يجب التركيز على الحفاظ وتماسك هياكل الدولة في المنطقة وإيجاد طرق فعالة لاستئصال جذور المليشيات المسلحة غير الحكومية. ففي مرحلة ما بعد الربيع العربي، تعرضت دول الشرق الأوسط إلى ضغوط من هذه الجماعات، مما نتج عنه تفكك بعض الدول وتنامي الطائفية والتطرف. وإذا لم يتم تبني منهجًا جديدًا لمجابهة هذا التطور فسوف يضعف الأمل في بدء فصل جديد نحو السلام والأمن في المنطقة.
رابعًا، تبين أن التوسع الروسي في المنطقة عامل سلبي بوجهٍ عام، كما تؤكد الأعمال الوحشية التي تحدث في سوريا. ولكن قوة ونجاح روسيا كانا غالبًا نتيجة للمنهج الضعيف وغير الحاسم الذي تبنته أمريكا حتى هذه المرحلة. وقد كانت الضربات الصاروخية على سوريا بعد استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية إشارة مبدئية قوية على التحول في الموقف الأمريكي. ومن ثمَّ، تحتاج دول مجلس التعاون إلى الاطلاع على ما ستقدمه واشنطن في خطتها الإقليمية.
والمؤكد أن دول مجلس التعاون الخليجي متأهبة للاضطلاع بدورها والوفاء بالتزامها فيما يخص تلك القضايا. ولكن من أجل أن يحدث هذا، يجب أن تعطي إدارة ترامب شعورًا بأن ثمة تغييرات فعلية في استراتيجيات السياسة الأمريكية.
وفي نهاية المطاف، ستؤدي الخطة المشتركة لإعادة الأمن والاستقرار إلى الخليج إلى مزيد من الفوائد الاقتصادية والتجارية الملحوظة لكل من أمريكا، ودول مجلس التعاون، وسيمثل نجاحًا للطرفين. ولكن الفائدة الكاملة لن تتحقق إلى أن يتم تطبيق منهجًا أكثر فاعلية للسياسة الأمريكية تجاه المنطقة.