ارتبطت دول الخليج العربية والولايات المتحدة الأمريكية بعلاقة استراتيجية متينة في مجالات النفط والغاز والاقتصاد تخطت ثمانية عقود، حيث ترجع بواكير هذه العلاقة إلى بداية ثلاثينات القرن العشرين، وتحديدًا عام 1931م، مع اكتشاف النفط في المملكة العربية السعودية، ومنح الملك عبد العزيز آل سعود ـ يرحمه الله ـ حق التنقيب عن النفط لشركة أمريكية، واكتشاف كميات كبيرة من النفط في البحرين عام 1932م، وتبع ذلك وصول شركة ستاندرد أويلStandard Oil of California للخليج عام 1933م، لتبدأ المنطقة بذلك تحولاً على الصعيد الإقليمي، حيث باتت المجهز الرئيسي للطاقة على الصعيد العالمي.
ويشكل اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي فرانكلن دي روزفلت بالملك عبد العزيز آل سعود على الطّرادة الأمريكيّة «كوينسي» حيث ربَط ذلك الاجتماع نفط الشّرق الأوسط بالأمن القومي الأمريكي ارتباطًا دائمًا، وساعد أيضًا على تشكيل أحد أبرز العلاقات الاستراتيجية في القرن العشرين، حيث توفّر السعودية النفط بأسعار منخفضة للأسواق العالميّة مقابل الأمن الذي توفره الولايات المتحدة الأمريكيّة لمنطقة الخليج العربي.
وغني عن البيان، فإن تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" ببغداد في العاشر من سبتمبر عام 1960م، يُعد تحولاً تاريخيًا في علاقات دول الخليج العربي تجاه الولايات المتحدة والدول الغربية بشكل عام، وذلك كنتيجة مباشرة للهيمنة التي كانت تمارسها آنذاك شركات النفط العالمية، مما دفع بالدول المنتجة للنفط ومن بينها دول الخليج العربي للتخلص من هذا الاحتكار، حيث شاركت المملكة العربية السعودية والكويت، في تأسيس المنظمة، ثم سرعان ما انضمت لهما قطر عام 1961م، ثم الإمارات عام 1967م.
وشكلت حرب السادس من أكتوبر 1973م، نقطة تحول في العلاقات الخليجية - الأمريكية إذ استخدمت دول الخليج العربي ولأول مرة في التاريخ سلاح النفط كوسيلة فعّالة للضغط على إدارة صنع القرار في الولايات المتحدة من خلال حظر تصدير النفط مقابل وقف تزويد إسرائيل بالسلاح لترجيح كفتها على حساب القوات المصرية، ونجح السلاح الخليجي في تحقيق أهدافه وتحوّلت دفة تحديد الأسعار والتحكم في السوق النفطي العالمي إلى يد الدول المنتجة وفي مقدمتها دول الخليج العربي.
وانعكست عوائد النفط الضخمة التي حصلت عليها دول الخليج العربية بعد تصحيح أسعار النفط من 5 دولارات إلى (13) دولارًا في منتصف سبعينات القرن الماضي في شكل نوع جديد من الشراكة الخليجية - الأمريكية المرتكز على تطوير القدرات الأمنية والعسكرية لدول الخليج العربية، ثم التعاون في مجالات الحفر والتنقيب وتكنولوجيا النفط والغاز مع كبريات الشركات الأمريكية للعمل بالخليج العربي، ويتفق الجانبان الخليجي و الأمريكي على أن قضية الأمن الخليجي لا تختلف إطلاقًا عن الاقتصاد الخليجي، فلهما أولوية مشتركة في أجندة العمل المشترك، فباستقرار الأمن ينمو الاقتصاد، وبنماء الاقتصاد يتعزّز الأمن.
وجدير بالذكر، فقد شكلت حماية نفط دول الخليج العربي أحد ركائز السياسة الأمريكية وتجلت في تعهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في مطلع ثمانينات القرن الماضي بالتصدي لأي عملية تعيق انسيابية تدفق النفط بسلاسة إلى السوق العالمية، وهو ما أكد عليه الرؤساء الأمريكان الذين جاؤوا من بعده، بمن فيهم الرئيس الحالي دونالد ترامب.
إذًا فإن علاقات الولايات المتحدة بدول الخليج العربية تتسم بأنها علاقات استراتيجية ترتكز بصفة رئيسة على مقولة النفط مقابل الأمن، أي أن دول الخليج وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية تؤمن انسيابية سلسلة لتوفير النفط وبأسعار متزنة، وبالمقابل توفر الولايات المتحدة الأمريكية مظلة أمنية تحمي دول الخليج من التهديدات والمخاطر الخارجية لاسيما من دول الجوار، وتجلى ذلك بصورة بارزة للعيان عند الاحتلال العراقي للكويت في عام 1990م، فبادرت الولايات المتحدة لحماية مصالحها النفطية في المنطقة إلى الإسراع في إخراج العراق بعد معركة عاصفة الصحراء في مطلع عام 1991م، وذلك للمحافظة على تدفقات النفط . وكذلك كان النفط أحد أسباب احتلال الولايات المتحدة للعراق في مارس عام 2003م.
وشهدت العشرية الأولى للقرن الواحد والعشرين حدوث عدد من المتغيرات في مسار العلاقة النفطية بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي بدأت تؤثر على شكل العلاقة بينهما، ومساراتها المستقبلية، وفيما يلي توضيح لهذه المتغيرات:
المتغير الأول- انخفاض الواردات الأمريكية من نفط الشرق الأوسط:
تبنت الولايات المتحدة في السنوات الخمس عشرة الأخيرة استراتيجية ترتكز على تخفيض وارداتها النفطية من الشرق الأوسط بما في ذلك من المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج العربي، حيث قامت الولايات بتنويع مصادر استيراداتها النفطية لتشمل دولاً مثل المكسيك وفنزويلا ونيجيريا والمملكة المتحدة والنرويج وأنغولا والجزائر وكولومبيا.وكان حصاد هذه الاستراتيجية انخفاض وارداتها من النفط الخام السعودي الذي وصل إلى(1.3) ملايين برميل يومًيا مقارنة بـــــ(2.2%)مليون برميل يوميًا عام 2003م، أي بنسبة انخفاض تقدر بنحو(90%)، وباتت كندا اليوم تشكل المورد الرئيس للنفط الخام للولايات المتحدة، حيث استوردت منها الأخيرة نحو (3.3) ملايين برميل يوميًا تمثل نحو (41%) من إجمالي الواردات الأمريكية من النفط الخام للعام 2016م، وهي نسبة تفوق نسبة صادرات جميع دول منظمة الأقطار المصدرة للنفط " أوبك" مجتمعة مع الولايات المتحدة.
المتغير الثاني- انتقال الولايات المتحدة من مرحلة استيراد النفط إلى مرحلة تصديره:
ألغت الولايات المتحدة في أواخر عام 2015م، الحظر الذي فرضته على تصدير نفطها قبل أربعين عامًا، وبذلك تحولت الولايات المتحدة من بلد مستورد للنفط إلى بلد مصدر للنفط، حيث صدرت الولايات المتحدة أول شحنة من نفطها بعد إلغاء حظر أربعة عقود، حيث غادرت شاحنة نفط تابعة لشركة "كونوكو فيليبس" الأمريكية مدينة كوربوس كريستي في ولاية تكساس قاصدة أحد الموانئ الإيطالية، حيث ستستلم شركة "فيتول" السويسرية الهولندية ما تحمله من النفط والمكثفات، وأن الولايات المتحدة ستقوم بتوريد شحنة نفط واحدة على الأقل لشركة "فيتول"، وهي إحدى أكبر الشركات المتخصصة بتجارة النفط. وتصدر الولايات المتحدة النفط الخام أيضًا إلى جزيرة كوراكاو في البحر الكاريبي، حيث يجري استخدامه لتخفيف النفط الفنزويلي الثقيل بقصد تكريره.
ومن المتوقع بأن تتجاوز صادرات الولايات المتحدة من النفط الخام خلال العام 2017م، إنتاج أربع دول من أعضاء منظمة "أوبك"، وربما تزيد بوتيرة أكبر إذا التزم ترامب بتعهداته بتخفيف القيود المفروضة على عمليات الحفر وتعظيم الإنتاج. ويتوقع أن تبلغ مبيعات أكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم ما يصل إلى 800 ألف برميل يوميًا من النفط في الخارج خلال العام 2017م. أما صادرات الولايات المتحدة فقد بلغت 527 ألف برميل يوميًا في الأحد عشر شهرًا الأولى من عام 2016م.
المتغير الثالث- اكتشاف النفط الصخري :
شهدت الولايات المتحـدة في السنوات الأخيرة، اكتشاف كميات ضخمة من النفــط الصخريShale Oillفي الأراضي الأمريكية، والذي أدى إلى تربع الولايات المتحدة ولأول مرة في التاريخ على عرش الإنتاج العالمي من النفط الخام والذي وصل إلى (13.7) مليون برميل عام 2015م، متخطية المملكة العربية السعودية (11.9) مليون برميل وروسيا (11) مليون برميل. وقد ساهمت زيادة الإنتاج النفطي الأمريكي من الزيت الصخري من (5.6) مليون برميل يوميًا عام 2010م، إلى (9.6) مليون برميل عام 2015م، في زيادة عرض النفط على الصعيد العالمي مما كان له دور فاعل في هبوط أسعار النفط في النصف الثاني من عام 2014وعام 2015م، مما أثر كثيرًا على إيرادات دول الخليج العربي من تصدير النفط والتي تقلصت كثيرًا ، وكانت لها آثار كبيرة على الموازنات العامة لها والتي شهدت عجوزات خلال الأعوام 2015و2016م.
وفي ظل التوقعات بزوال فائض المعروض من النفط من الأسواق العالمية في عام 2017م، نتيجة لاتفاق دول الأوبك بتخفيض الإنتاج بمعدل (1.1) مليون برميل لمدة ستة أشهر، والتوقع بتمديد العمل باتفاق تخفيض الإنتاج خلال النصف الثاني من العام الحالي، سيصبح عندئذً المحدد الرئيسي للأسعار هو تكلفة المنتجين الهامشيين وهم في هذه الحالة شركات إنتاج النفط الصخري الأمريكية، وتقدر هذه التكلفة حاليًا بنحو 55 إلى 60 دولاراً.
وغني عن البيان، فإن سعر تعادل النفط الصخري الأمريكي أصبح المحدد الرئيسي لأسعار النفط، ومن المتوقع أن يظل هذا السعر بين 55 و60 دولارًا للبرميل، مما يُبقي أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية ما بين (50-55) دولار للبرميل خلال العام الحالي.
إن بقاء أسعار النفط عند مستوياتها الحالية قد وجه ضربة موجعة لمنتجي النفط الصخري الأمريكي والذي بات جزءًا كبيرًا منه غير مجد من الناحية الاقتصادية، ولذلك انخفض حفر الآبار الجديدة بنسبة تراوحت بين (23و70%) في بعض الشركات الأمريكية.
ويمكن القول بأنه من الخطأ الاعتقاد عند الكثيرين بأن الحد من الحساسية الأمريكية تجاه الاضطرابات النفطية المحتملة، يتطلب تقليص واردات الولايات المتحدة من النفط، من خلال زيادة إنتاجها المحلي. فتلك الحجة -من وجهة نظرهم- تغفل طبيعة وآلية عمل سوق النفط العالمية، فالنفط لا يُباع إلا في سوق عالمية، وسعره يتحدد في السوق العالمية طبقًا لمعطيات العرض والطلب العالميين، وأي اضطراب في السوق من شأنه تقليل الإمدادات سيشمل المستهلكين كافة، فحتى لو انخفضت واردات الولايات المتحدة من نفط دول الخليج العربي إلى الصفر، فستتأثر الولايات المتحدة بالاضطرابات التي ستحدث في السعر العالمي.
وتتفاوت توقعات الخبراء المختصين باقتصاديات النفط بشأن الخسائر الاقتصادية التي قد تنجم عن اضطراب الإمدادات النفطية من منطقة الخليج العربي، ولكن أفضل التقديرات تشير إلى أن تخفيض (1%) من العرض والإنتاج سيسفر عن زيادة قدرها 8% في سعر النفط العالمي. وطبقًا لذلك التحليل، فإن نقص الصادرات النفطية بمقدار عشرة ملايين برميل يوميًا، أي ما يعادل (100%) من حجم الصادرات السعودية أو (60%) من الصادرات عبر مضيق هرمز، سيتسبب في مضاعفة أسعار النفط، وتقليص الناتج القومي الإجمالي للولايات المتحدة بنسبة (3%)، والتي تعادل (550) مليار دولار أمريكي.
وتأسيسًا على ما تقدم سيبقى الأمن الطاقوي ركيزة أساسية في بنية علاقات الولايات المتحدة مع دول الخليج العربي، وتعمل الإدارة الأمريكية الحالية التأكيد على أهمية هذه الركيزة بوصفها إحدى الثوابت الراسخة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة إزاء منطقة الخليج العربي، وهو ما قد يكون تم الـتأكيد عليه في القمة الخليجية الأمريكية التي عقدت أثناء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرياض نهاية شهر مايو 2017م.
ولعل من المفيد الإشارة إلى أن ما يُدّرس في جامعة هارفارد أن سعر النفط وكمية إنتاجه هي من ركائز الأمن القومي الأميركي والتي لا تجيزه الولايات المتحدة الأمريكية لأحد بما فيهم المنتجين للنفط وأصحابه، وهذا هو الذي يدفع الإدارة الأمريكية الجديدة إلى التمسك بموضوع المحافظة على الأمن الطاقوي، لاسيما وأنها تعرف حق المعرفة بأن النفط الصخري لن يتخطى عشر الإنتاج العالمي من النفط الخام قبل العام 2026م.
وعليه، فستبقى مسألة تعزيز العلاقات الأمريكية الخليجية على رأس أولويات الإدارة السياسية في كل الجانبين لاسيما الولايات المتحدة لأن ذلك يخلق لها شعور أقوى بأمن الطاقة لاسيما وأننا نعرف بأن إنتاج دول مجلس التعاون الخليجي من النفط الخام يبلغ حوالي(17,5 ) مليون برميل يوميًا، وهو ما يشكل قرابة ربع الإنتاج العالمي، وهو يمثل ركيزة أساسية في تحديد سعر النفط.وتعتبر المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الخليج العربي اقتصادية، إذ أن الاحتياطيالمؤكد لدول مجلس التعاون الخليجي من النفط يقدر بنحو(495,3) مليار برميل من النفط الخام أي ما نسبته(33%) من الاحتياطيات النفطية المؤكدة على الصعيد العالمي والمقدرة بنحو(1492,6) مليار برميل في نهاية عام 2016م. كما سجل إنتاج الغاز الطبيعي المسال في دول مجلس التعاون حوالي (409.6) مليار متر مكعب، برميل في عام 2015م، بالإضافة إلى ثاني أعلى احتياطي من الغاز الطبيعي بعد روسيا والذي يقدر بنحو (41.7) مليار متر مكعب.
ويقينًا، فإن الموارد الهيدكربونية الهائلة لدول الخليج العربية، تشكل مركز اهتمام دائم للولايات المتحدة الأمريكية والتي لا تمتلك سوى (36,3) مليار برميل من الاحتياطيات النفطية في مطلع عام 2017م. في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر مستهلك للنفط الخام في العالم إذ بلغ حجم استهلاكها السنوي نحو(19,3) مليون برميل يوميًا بنهاية عام 2016م، تستورد نحو (7,3) مليون برميل يوميًا من الأسواق الخارجية ضمنها (1,5) مليون برميل يوميًا من دول الخليج العربي وفقًا لإحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأميركية لعام 2016م.
كما تُعد دول مجلس التعاون الخليجي شريك تجاري مهم جدًا للولايات المتحدة الأميركية، خلال الثلاثين سنة المنصرمة، وقد تم تأسيس منتدى الحوار الاقتصادي الخليجي الأمريكي عام 1985م، ليكون بمثابة القوة الرئيسة التي تبحث من خلالها دول الخليج العربية والولايات المتحدة سبل زيادة التبادل التجاري والاستثماري بما يعزز العلاقات التجارية والاقتصاد. وقد ساهمت جولات الحوار الاقتصادي الخليجي الأمريكي التي عقدت خلال العقود الثلاثة الأخيرة في ارتفاع حجم التبادل التجاري الخليجي الأمريكي من قرابة عشر مليارات دولار عام 1986م، إلى (88) مليار دولار عام 2016م، والجدول التالي يبين ذلك.
جدول(1) التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة (1986-2016) مليار دولار
السنة |
الصادرات السلعية |
الواردات السلعية |
التبادل التجاري السلعي |
1986 |
4362 |
5086 |
9448 |
1990 |
12376 |
6189 |
18565 |
1995 |
10379 |
10380 |
20759 |
2000 |
17406 |
9767 |
27173 |
2005 |
33031 |
22391 |
55422 |
2010 |
37435 |
34673 |
72108 |
2016* |
26600 |
51300 |
77900 |
Source: Gulf Organization For Industrial Consulting(GOIC),Gulf Statistical Profile, Various Years.
https://www.bea.gov/international/index.htm#trade *
وعلاوة على الثقل الذي تمثله دول الخليج العربي في الجغرافيا الاقتصادية للنفط والغاز على الصعيد العالمي، فإن استثمارات الصناديق السيادية لدول الخليج العربي لها ثقلها الكبير في الاقتصاد الأمريكي، حيث تقترب قيمة الأصول المالية لهذه الصناديق من تريليوني ونصف دولار في أواخر 2016م.
وجدير بالذكر لا تزال التوقعات على المدى الطويل لأسواق دول مجلس التعاون الخليجي إيجابية ولن تتأثر إلى حد كبير بتراجع أسعار النفط. ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، فإنه من المتوقع أن يرتفع الطلب على النفط في عام 2040م، إلى (104.4) ملايين برميل يوميًا، مقارنة مع المستوى الحالي عند (90) مليون برميل يوميًا , علمًا بأنه لتلبية هذا الطلب، فإن جميع الأنواع كالنفط التقليدي من دول مجلس التعاون الخليجي وإيران والعراق، والنفط غير التقليدي مثل: الزيت الصخري من الولايات المتحدة ومصادر أخرى؛ نفط البحر العميق في البرازيل؛ النفط الرملي في كندا؛ والنفط من منطقة القطب الشمالي ستكون مطلوبة، مع الإشارة إلى أن النفط غير التقليدي يحتاج إلى سعر 60 دولارًا للبرميل، وبما أن الأسعار الحالية للنفط لا تدعم تطوير هذه الموارد، وهناك بالفعل مؤشرات على التباطؤ في الاستثمار في طرق الإنتاج غير التقليدية، فإنه من المتوقع أن يستقر سعر النفط عند مستوى عادل في المدى الطويل
وأمام هذا المشهد، فإن الكلام الذي يردد كثيرًا من خلال وسائل الإعلام المختلفة عن النفط الصخري كبديل أو منافس أمر غير واقعي مع الأخذ بنظر الاعتبار الكلفة المرتفعة نسبيًا لإنتاج برميل من النفط الصخري قياساً بالإنتاج التقليدي للنفط في دول الخليج العربي والذي تتراوح كلفة إنتاج البرميل الواحد منه ما بين 5 إلى 13 دولار للبرميل. يتطلب الأمر أسعار مرتفعة للنفط تتخطى الـــ (60) دولاراً لضمان إنتاج كميات تجارية من النفط الصخري الأمر الذي لا يخدم مصالح بعض الجهات لاسيما الدول المستوردة.
وعليه، يمكن القول بأن التقدم التكنولوجي في مجال ثورة النفط الصخري لن تؤثر سلبًا على مجلس التعاون الخليجي للعشرين عامًا المقبلة على الأقل، بسبب ارتفاع تكلفة النفط الصخري، وبسبب النمو المتوقع لاستهلاك النفط في آسيا لاسيما دول كالصين والهند وكوريا. بل طبقًا لتقرير شركة آسيا للاستثمار، فإنه من المتوقع أن يتفوق معدل نمو استهلاك النفط في آسيا على استهلاك الغاز الطبيعي في الفترة نفسها، وهذا بالتأكيد سوف يدعم استدامة صادرات النفط الخام لدول مجلس التعاون الخليجي التي ستبقى على دورها المحوري كرائد في تصدير الطاقة عالميًا. وستمنع التكلفة العالية للانتقال من الاعتماد على النفط إلى الاعتماد على الغاز الصخري، بالإضافة إلى إنشاء إطار تنظيمي أكثر صرامة لعملية التكسير الصخري، بسبب المخاوف البيئية المتزايدة، وارتفاع الطلب الآسيوي، المشهد الحالي لموارد الطاقة من الاختلاف بشكل كبير.
ومن نافلة القول بأن أهمية النفط في دول مجلس التعاون ليست تكمن في مساهمته الكبيرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية فحسب، وإنما كذلك في الدور المستقبلي الذي سوف يلعبه في تلبية الاحتياجات العالمية بشكل عام. فوفرة احتياطاته، وتوفر البنى التحتية لمرافق تصديره القادرة على استيعاب الكميات الكبيرة المتوقع تصديرها منه في المستقبل، حيث تشير معظم توقعات المنظمات والهيآت المتخصصة بالطاقة في استشراف الطلب المستقبلي على الطاقة إلى أن معظم الزيادة في احتياجات العالم من الطاقة سيتم تلبيتها من أنواع الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) لعدة عقود قادمة، ومن المتوقع أن يحافظ الوقود الأحفوري على حصة (80%) في مزيج الطاقة العالمي في المستقبل. ومن المتوقع أن يستحوذ النفط والغاز وحدهما وسوف يشكلان ما نسبته 51% من إجمالي مصادر الطاقة المستهلكة بحلول عام 2035م.
وختامًا نقول، بأن عنصر النفط سيبقى يشكل ركيزة أساسية في العلاقات الأمريكية الخليجية خلال العشرين سنة القادمة سواء من خلال دوره المباشر في تلبية احتياجات السوق الأمريكية من النفط الخام الخليجي ذو السعر المعتدل، أو بطريقة غير مباشرة من خلال استخدام العوائد المالية المتأتية من تصديره في تعزيز التبادل التجاري بين الجانبين وتشجيع الصناديق الخليجية السيادية على استثمار المزيد من الأموال في الاقتصاد الأمريكي. كما وأن زيادة الإنتاج النفطي في الولايات المتحدة من الزيت الصخري ستلعب دورًا كابحًا لارتفاع أسعار النفط بصورة سريعة على الصعيد العالمي، حيث أن ارتفاع سعر النفط سيقود إلى زيادة الولايات المتحدة الأمريكية إنتاجها من النفط ، وهو ما سيدفع النفط للانخفاض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ الاقتصاد- بالمعهد الدبلوماسي ـ قطر