array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 115

يـريـــد بـيـــع صـداقـــة أمـريـكـــا لـمـــن يـدفـــع ومـؤيـــد لـقـانـــون جـاســـتـــا ترامـــب فـــاز بنظريـــة الخـــوف وأصـــوات العامـــة لا المتعلميـــن

الثلاثاء، 10 كانون2/يناير 2017

يدخل ترامب البيت الأبيض في العشرين من يناير/كانون الثاني القادم ليصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأميركية. ويصنف ترامب بأنه قريب من اليمين المتشدد في الحزب الجمهوري، وليس لديه برنامج سياسي واقتصادي واضح ومفصل بل بتعهدات فضفاضة بفك الارتباط بشبكة من التحالفات الدولية يراها مكلفة لبلاده وبإعادة النظر في السياسة الخارجية الأمريكية لمواجهة التحديات الاقتصادية الداخلية التي تواجهها واشنطن.

والعالم العربي بصفة عامة ودول مجلس التعاون الخليجي بصفة خاصة يتطلع إلى طبيعة السياسة الخارجية التي سيتبعها دونالد ترامب بعد كل تصريحاته المثيرة للجدل، ويتساءل هل ستتحول هذه التصريحات إلى سياسات ومواقف وخطط تدفع بمزيد من الصراعات والتوترات في المنطقة العربية أم أنها ستعمل على الحد منها؟

في الواقع لم يكن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية مفاجأة على الأقل بالنسبة لي شخصيًا، فقد اعتمد ترامب في حملته الانتخابية على التأثير في نوعية خاصة من الناخبين من خلال القراءة الجيدة للواقع الذي يعايشه هؤلاء الناخبين من جهة، ودراسة الجوانب النفسية والسلوكية لهم من جهة أخرى. اعتمدت حملة دونالد ترامب على دراسة عميقة لهذه السوق الانتخابية، واستطاع تقديم استراتيجية تقوم على سياسات تواصلية فعالة أمكن لها أن تغزو عقول الناخبين الأميركيين وتربح أصواتهم. ويبدو أن هذه الاستراتيجية تعتمد على نظرية "الخوف"، التي سطع نجمها هذه السنة بقوة، حيث أعطت أكلها مع حملة البريكسيت البريطانية التي استطاعت إقناع الإنجليز بمغادرة السفينة الأوروبية خوفًا من موجات الهجرة واللجوء.

المثير في الأمر أن هذه الانتخابات عرفت إقبالًا جماهيريًا كبيرًا للتصويت في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية. وبالرغم من فوز ترامب وحسمه لسباق الانتخابات الرئاسية، نجد أن العديد من المثقفين الأمريكيين لا يرون أن ترامب مؤهل للرئاسة، وبالتالي الحديث عن السقوط في الهاوية وبداية اندحار الولايات المتحدة الأمريكية. هذا الأمر يجعل البعض يفكرون بالهجرة خارج الولايات المتحدة الأمريكية، في حين أن بعض الولايات المؤيدة للديمقراطيين على شاكلة كاليفورنيا عرفت احتجاجات واسعة وأعمال شغب مطالبة بالانفصال على غرار (Brexit) بتسمية حركتهم (GALEXIT).

بدا خطاب ترامب للنخب المثقفة بسيطًا ومسطحًا واستفزازيًا، ولكنه كان مدروسًا ليخاطب مشاعر عدد كبير من بسطاء الشعب الأمريكي الذين يميلون إلى تصديق الرجل ويؤمن كثيرون منهم بما يقوله ترامب عن المرأة والأجانب ولكنهم لا يصرحون به، ووجدوا في ترامب لسان حالهم. تعهد دونالد ترامب بجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، وباستردادها لمكانتها الريادية مرة أخرى من خلال استخدامه شعارMake America Great Again. كما أنه تعهد بإعطاء الأولوية للأمريكيين على حساب المهاجرين الذين هاجمهم أكثر من مرة في خطاباته متهمًا إياهم بتمييع المجتمع الأمريكي وبأخذهم لوظائف الأمريكيين. كما أنه تعهد بوقف تدفق المسلمين نحو أمريكا.

طرح ترامب نفسه أمام الناخبين الأمريكيين بديلاً ومرشحًا متمردًا على المؤسسة والقيادة السياسية التقليدية في بلاده. ترامب مضى في مهاجمة خصومه بشكل فظ وأظهر مكامن ضعفهم واستغل حالة غضب عند ناخب ناقم في بلد متعدد الأعراق.

ونجاح ترامب هو عبارة عن ترجمة لردة فعل من طرف فئة من المجتمع الأمريكي لا تمثل القاعدة الانتخابية للرئيس السابق باراك أوباما أو المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وإنما تمثل مجتمع البيض والذين يعتبرون ورثة مؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية، ويعتقدون بالتالي أن مكانتهم ومكانة الدولة الأمريكية ستنهار في ظل التطور العالمي الذي جعلها قطبًا من الأقطاب في العالم وليس القطب الوحيد المسيطر والمتحكم في العالم بمفرده، وترى أن تحكم من يعتبرونهم أقليات في السياسة الأمريكية ووصولهم إلى البيت الأبيض جعلهم يحسون بالإقصاء وهو ما جعلهم يصوتون لترامب. وهذه الفئة فقط والتي تقدر بـ 40% لم تكن لتكفي وحدها لإنجاح ترامب لو لم يدخل اللوبي اليهودي على الخط ويسانده، وهو فئة أخرى من المجتمع الأمريكي عرف بعدائه لباراك أوباما ولسياسته، ولا يقبل هو الآخر بالتطور العالمي الذي يعتبر أن المجتمع الإسرائيلي مخطئ ويجب معاقبته.

الآن يمثل فوز ترامب مرحلة جديدة في إعادة صياغة سياسة بلاده نحو منطقة الشرق الأوسط. ولا محالة سيغير الخارطة السياسية المحلية والخارطة السياسية الدولية على السواء. لهذا يوجد ترقب كبير في دول الخليج للمنهج الذي سيتبعه ترامب مع المنطقة.  

فهو لا يؤمن بالإسلام المعتدل، ولا يريد خوص حروب بالوكالة على حد قوله، بل وذهب أكثر من ذلك عندما قال إن على كل من يريد أن يساعد أمريكا أن يدفع المقابل وخصوصًا الدول الخليجية التي اتخذ منها موقفًا عدائيًا واضحًا، وهاجمها أكثر من مرة وخصوصًا بعض الدول الخليجية والعربية. كما أنه من أشد المؤيدين لقانون جاستا المتعلق بالدول الراعية للإرهاب والذي يتيح لأسر ضحايا هجوم الـ 11 سبتمبر مقاضاة بعض الدول الأجنبية. يشار إلى أن هذا القانون سبق وأن خلق أزمة كبيرة بين إدارة أوباما والسعوديين. فقانون "العدالة ضد رعاة الأعمال الإرهابية" أو القانون المعروف إعلاميًّا بقانون جاستا "Jasta law"، تقدم به السيناتور جون كورنين؛ عضو الكونغرس الأميركي عن ولاية تكساس ونائب زعيم الأغلبية عن الحزب الجمهوري. والغرض من هذا القانون هو توفير حق التقاضي ورفع الدعاوى المدنية على أوسع نطاق ممكن، بما يتفق مع دستور الولايات المتحدة، لتقديم المساعدة ضد الأشخاص والكيانات والدول -أينما كانوا وأينما وُجدوا -الذين قدّموا الدعم المادي والموارد بشكل مباشر أو غير مباشر للأشخاص أو المنظمات الأجنبية التي شاركت في أنشطة إرهابية ضد الولايات المتحدة. ووفق صياغة القانون، أصبحت الدول الأجنبية في غير مأمن من الملاحقة القضائية بواسطة المحاكم الأميركية، وأصبحت ملاحقتها داخلة في اختصاص القضاء الأميركي. ويرى مراقبون أن هذا القانون يستهدف نهب الأموال والمدخرات والأصول الخليجية لدى أمريكا، وترامب كان يطالب بثمن الحماية، ما يجعل من المحتمل وجود نوع من المقايضات والمساومات لدول الخليج في إطار القانون أو خارجه.

المثير للقلق الخليجي أيضًا احتفاظ حزبه (الحزب الجمهوري) بالسيطرة على مجلسي النواب والشيوخ، فهو صاحب قانون "جاستا" وقد يعطي تقدم الجمهوريين بالكونجرس دفعة قوية لقوانين أكثر عدائية، ودفعة لتفعيل قانون "جاستا" بعد خروج أصوات تنادي بالتراجع عنه عبر تعديله. من جهة أخرى فإن دونالد ترامب قد أعلن تحالفه مع كل خصوم الخليج ومصادر التهديد لهم، ابتداء من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مرورًا ببشار الأسد، وصولًا إلى بنيامين نتنياهو، ما جعل البعض يرجح تبني ترامب لسياسات عدائية وترجيحه للحلول العسكرية، وتخوف البعض الآخر من مزيد من الدماء والصراعات في الشرق الأوسط وسياسة الابتزاز العلني، وبل وذهب آخرون الى أنه ربما يعلن ترامب معادلة النفط مقابل الأمن، ويعزز سياسات بوتين التوسعية. ويستند هؤلاء جميعًا الى ما  وجّه ترامب  من تصريحات شاذة وعدائية لدول الخليج كان أشرسها مطالبة دونالد ترامب لبعض دول الخليج- بدفع المال لأمريكا لقاء حمايتها من الزوال، على حد زعمه، وقال "ترامب" في 27 مارس 2016م: "إنه ينبغي على الدول التي تتمتع بحماية الولايات المتحدة أن تدفع ثمن هذه الحماية، حتى الدول التي تملك موارد ضخمة، وأضاف "ترامب" لصحيفة "نيويورك تايمز": إنه قد يوقف استيراد النفط من الخليج ما لم تشارك الأخيرة بجيشها في قتال تنظيم "الدولة الإسلامية"، أو تعوض الولايات المتحدة عن الجهود التي تبذلها في محاربة التنظيم." وادعى ترامب "إنه ينبغي على الدول التي تتمتع بحماية الولايات المتحدة أن تدفع ثمن هذه الحماية، لن تبقى هذه الدولة طويلًا دوننا.. لا نسترد مقابل ما ننفقه من خدمات ضخمة نقوم بها لحماية العديد من الدول. "

وختامًا، إنه من المبكر جدًا الحكم على أداء دونالد ترامب كرئيس وما سيفعله تجاه المنطقة، لأن هناك استراتيجيات بعيدة المدى تبنى عليها السياسة الأمريكية. كما أن الأمر يتعلق أيضًا بمجموعة من المؤسسات المعاونة للرئيس الأمريكي، ولا أحد يعلم ما يمكن أن تفعله سنوات ترامب الأربع القادمة في البيت الأبيض. ولكن المهم هو أن عهدًا جديدًا من النهج الجمهوري المعروف باعتماده على وسيلة الحرب سوف يرسم تأثيره العميق في داخل الولايات المتحدة، ومنطقة الشرق الأوسط عمومًا. والمؤلم أن الشرق الأوسط لم يعد يحتمل عقدًا آخر من الحروب الإقليمية وموجة أخرى من الدول الفاشلة، وليس بإمكان أوروبا تحمل موجة أخرى من اللاجئين. وأملي أن يختلف ترامب الرئيس عن ترامب المرشح، أي أن ترامب الرئيس سيكون أكثر التزامًا واعتدالاً من ترامب المرشح، بما أنه هو رئيس كل الأمريكيين ورئيس لأكبر وأهم دولة في العالم.

 

مجلة آراء حول الخليج