تعاني دول الخليج من خلل إنتاجي نتيجة الاعتماد المطلق والمتزايد على ريع صادرات النفط، و بعدما أن حذرت الدراسات من نضوب النفط بدأت تحذر من دخول دول الخليج مرحلة جديدة ليس فقط الانتقال من مرحلة تذبذب أسعار النفط ،بل مرحلة انخفاض أسعار النفط التي تقود إلى انخفاض الإيرادات، أي أن دول الخليج دخلت مرحلة حرجة لم يعد أمامها سوى اللجوء إلى تنمية الأنشطة الاقتصادية غير النفطية على أسس الاستقلال الاقتصادي الخالي من الدعم، مع التوجه نحو إصدار ميزانيات صفرية بلا عجز أي الضغط على المصروفات وفق آليات تقشفية بدلا من الاستدانة وتسييل الاحتياطي العام أو الاحتياطيات الخارجية.
ما تمر به دول المجلس هو خلل يتجلى في تركيب الناتج المحلي الإجمالي والحسابات القومية الأخرى، لأن مصدر هذه المداخيل ريع تصدير ثروة طبيعية انخفضت أسعارها وليس إنتاجية الأفراد والمؤسسات والشركات، والذي لا يمكن فصله عن الخلل السكاني الذي برز منذ الطفرة النفطية الأولى عام 1973م.
خصوصًا وأن دول المنطقة تواجه تحديات جوهرية في إقليم مضطرب أمنيًا، وهو بسبب الخلل في البنية الاقتصادية وحتى السياسية في دول المنطقة وهنا تأتي أهمية تفاعل الحكومات مع فئات الشعب لقيادة حراك مستقبلي سيؤدي إلى تغيرات على أساس فهم تحليلي يرى من الخطأ النظر إلى كل من وجه الخلل على أنها قضية مستقلة، أي يجب أن يتجه هذا التفاعل وهذا الحراك المشترك إلى معالجة أوجه الخلل في وحدة عضوية متماسكة الأبعاد، متضافرة العناصر، ومن الخطأ أيضًا معالجة أوجه الخلل المزمنة على أنها ظواهر جامدة وثابتة يستحيل أن يطرأ عليها أي تغيير، بل المطلوب معالجة ما هو ثابت خصوصًا في أوجه الخلل المزمنة وهي كثيرة في دول المجلس من خلال رؤية نقدية تطويرية جامعة.
حيث نجد تباطؤ النمو الكلي في أكبر اقتصاد خليجي في السعودية وصل إلى 1.9 % عام 2016م، لتراجع النمو في القطاعين النفطي وغير النفطي، حيث سجل القطاع الخاص غير النفطي أبطأ نمو سنوي له منذ عام 2003 م، ونما بنسبة 3.6 %.
المتحول الرئيسي على مستوى الخلل الاقتصادي هو بروز مصاعب اقتصادية عميقة تتمركز أساسًا في عدم قدرة إيرادات النفط المنخفضة على تلبية المتطلبات خصوصًا في ظل جدلية التحولات التي تعصف بالمنطقة والتي يجب تجاوزها في المرحلة المقبلة، العجز القياسي في الموازنات خصوصًا في أكبر اقتصاد خليجي في السعودية يكشف الحاجة الملحة إلى بناء اقتصاد لا يرتهن للنفط، وتقليص الدعم عنوانا للإصلاح الاقتصادي خصوصًا بعدما تراجعت مساهمة النفط في السعودية بـ 73 % من مجمل إيرادات عام 2015م، متراجعًا عن نسبته التي كانت تقارب التسعين في المائة، مع ارتفاع نسبة الإيرادات غير النفطية 29 % عام 2015 م، لتبلغ 43.5 مليار دولار، ( إجمالي دول المجلس 195.8 مليار دولار) ما يشكل 27 % من مجمل إيرادات الميزانية، وبعجز قدره 15 % من الناتج المحلي الإجمالي ليصل الناتج 653 مليار دولار.
ارتباط موازنات دول الخليج ارتباطًا مباشرًا بأسعار النفط ولكنها أبعد ما تكون عن الاستدامة المالية في ظل انخفاض أسعار النفط كما في الشكلين 1و2 فيما لا يزال الدخل غير النفطي محدود ولا يتجاوز 53 مليار دولار في السعودية وبلغ دخل الزكاة عام 2015م، نحو 14 مليار دولار أي ما يقارب 2 % من الناتج المحلي الإجمالي بينما لا تقل هذه النسبة عن 15 % في معظم دول العالم بل ترتفع في دولة نفطية كالنرويج إلى 25 % أي أغلب الموازنة العامة لمعظم دول العالم تعتمد بشكل شبه كلي على هذه الضرائب على الشركات وهذا يتطلب إنشاء قاعدة إنتاجية قوية منافسة قادرة على دفع الضرائب ما يعني أنها شركات أرباحها عالية.
شكل (1)
المصدر: مؤسسة النقد العربي السعودي
شكل (2)
المصدر: مؤسسة النقد العربي السعودي
الأمن الإقليمي والعربي مرتبط بتحقيق التكامل الاقتصادي:
التحديات بين دول مجلس التعاون الخليجي تتشابه، مثل انخفاض أسعار البترول، وهيمنة العمالة الوافدة على الاقتصادات، لذلك جاء اللقاء التشاوري السادس عشر في جدة 1 /6/2016 م، بين قادة دول المجلس والذي خرج بالموافقة على إنشاء هيأة الشؤون الاقتصادية والتنموية بالإجماع، لما لمسوه من تأخر تنفيذ القرارات المعتمدة خلال السنوات الماضية من عمر المجلس منذ إنشائه في 1981م.
الهيأة تحل محل اللجان واللقاءات السابقة بين دول الخليج لكنها لا تصل إلى المأمول، ومتابعة تنفيذ رؤية الملك سلمان الخاصة بتعزيز العمل الخليجي المشترك، خصوصًا بعدما أثبتت دول المجلس بأنها صخرة أمن واستقرار وازدهار من أجل أن تصبح سادس أقوى قوة اقتصادية في العالم بحلول عام 2030م، خاصة وأن هذه الهيأة ستكون لها صلاحيات البت في المواضيع وإيجاد الحلول وطرحها على القادة مباشرة لإقرارها، حيث الفكرة من إنشاء الهيأة هي اتخاذ القرارات اللازمة لتطبيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس.
عوائق الاتحاد الجمركي والعملة الموحدة هما أبرز تحديات التكامل الخليجي، وهي بحاجة إلى العمل بشكل متكامل لخلق تكتل اقتصادي قوي عالميًا، حتى يتواكب مع متطلبات الاقتصادات ككتلة اقتصادية واحدة، حتى تتحرك دول المجلس حركة واحدة سيكون لها وقع كبير في جلب الاستثمارات والنهوض باقتصاديات موحدة ومتميزة.
بذلك يدرك قادة دول الخليج أن الأمن الإقليمي والعربي مرتبط بتحقيق التكامل الاقتصادي، لذلك نجد الشيخ محمد بن راشد يصرح بأن الملك سلمان يقود حراكًا خليجيًا وعربيًا لترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة، والوقوف أمام التدخلات الخارجية كافة.
واتفق وزراء التخطيط والتنمية في دول مجلس التعاون على خطة استراتيجية خليجية مشتركة بعيدة المدى لما بعد 2030 تتوافق مع الرؤية السعودية استعدادًا لمرحلة جديدة من العمل الخليجي المشترك وضرورة إيجاد آليات تعزز التنمية تحقق التكامل الإنمائي الخليجي المشترك وتطوير رؤية موحدة لتفعيل العمل الجماعي ويتمحور العمل حول جوانب مهمة في العمل التنموي الخليجي المشترك، ومنها وضع استراتيجية خليجية للتنمية البشرية، وتعزيز التعاون في مجال المشاريع التنموية الكبرى المشتركة، وتحسين ترتيب دول المجلس في المؤشرات التنموية الدولية.
وبالفعل ارتفعت التجارة البينية لدول المجلس من 60 مليار دولار عام 2010م، إلى أكثر من 146 مليار دولار عام 2014م، نصيب السعودية منها 74.7 مليار دولار، كذلك ارتفعت التجارة البينية العربية من 163 مليار دولار عام 2010م، إلى 227 مليار دولار عام 2013، كما ارتفعت التجارة البينية بين دول التعاون الإسلامي بنسبة 223 في المائة خلال 10 سنوات في عام 2015 إلى 878 مليار دولار استحوذت دول الخليج على نسبة 35 % من هذه التجارة بنحو 307.3 مليار دولا.
التغيرات الاقتصادية تتطلب بناء قطاع صناعي خليجي متكامل ورفع التنافسية، واستهداف توطين سلسلة إمداد توطين الطاقة، وتسريع وتيرة نمو الصناعات الوطنية بالتركيز على قطاعات الطاقة المتجددة التي ستكون أهم المصادر لسد الحاجة في طلب الطاقة، إضافة إلى الصناعات العسكرية والطبية.
في النهاية الأمر يحتم على دول المجلس العمل بجدية وتنافسية، ولذلك من الضروري دعم سلسلة الإمدادات للمصانع الكبرى لتكون شاملة لكل المكونات المصنوعة في دول الخليج كافة.
التصنيع بمدخلاته يحفز النشاط الاقتصادي، ويوفر مزيدًا من الفرص الوظيفية والاستثمارية في القطاعات الأخرى، مثل البناء، وقطاع التجزئة، على جانب تحفيز النمو في قطاعات خدمية أخرى مثل التمويل والمواصلات.
توجه دول المجلس لتكوين تكتل أكبر سادس اقتصاد في العالم:
عقد الاجتماع الأول لهيأة الشؤون الاقتصادية والتنموية بدول مجلس التعاون في 10/11/2016م، بالرياض وحدد خمس أولويات أساسية للارتقاء بالعمل الاقتصادي الخليجي المشترك، وتحقيق نقلة نوعية بعد وضع جميع القرارات موضع التنفيذ واعتماد الآليات اللازمة لذلك.
وسبق أن كشف تقرير صادر عن شركة أرنست ويونغ عن محفزات النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي أنه في حال حافظ الاقتصاد الخليجي على معدل نمو سنوي قدره 3.25 % خلال السنوات الـ 15 المقبلة من الممكن أن يصبح سادس أكبر اقتصاد في العالم بحلول 2030 م، قد يقترب من حجم الاقتصاد الياباني عندما تقرر أن تكون سوقا واحدة بدلا من ستة أسواق منفصلة.
وبالنظر إلى تطور الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الذي ارتفع من 835.6 مليار دولار عام 2007م، إلى 1.1 تريليون دولار عام 2008 م، ثم انخفض عام 2009م، إلى 868.5 مليار دولار واستقر عند 1.6 تريليون دولار عام 2014 م، ثم ينخفض مرة أخرى نتيجة انخفاض أسعار النفط إلى 1.398 تريليون دولار عام 2015 م، وقد سبق أن حقق الاقتصاد الخليجي عام 2012م، المرتبة الـ 12 عالميًا متقدمًا مرتبة واحدة عن عام 2011م، وحققت دول مجلس التعاون في هذه السنة فائضًا قدره 502 مليار دولار.
جدول ( 1 )
تطور الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي وإيرادات النفط مليار دولار
السنة |
الناتج الإجمالي |
إيرادات النفط |
2004 |
482 |
260 |
2005 |
609 |
261 |
2006 |
735 |
366 |
2007 |
836 |
401 |
2008 |
1.100 |
556 |
2009 |
868 |
278 |
2010 |
1.350 |
334 |
2011 |
1.435 |
514 |
2012 |
1.577 |
562 |
2013 |
1.641 |
539 |
2014 |
1.640 |
463 |
2015 |
1.378 |
251 |
المصدر: من إعداد الباحث اعتمادًا على عدد من المصادر بجانب بيانات مجلس التعاون الخليجي وصندوق النقد الدولي
شكل (3)
العلاقة بين تطور الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي وإيرادات النفط
كان تذبذب ناتج أكبر دولة في مجلس التعاون الخليجي السعودية حيث نجد أن الناتج المحلي يمثل نصف ناتج إجمالي دول المجلس حيث ارتفع من 467 مليار دولار عام 2008 إلى 744 مليار دولار عام 2012م، واحتلت السعودية المرتبة الـ 18 عام 2014م، بناتج محلي 746 مليار دولار ثم انخفض نتيجة انخفاض أسعار النفط إلى 632 مليار دولار عام 2015م، وتراجع مركز السعودية إلى المركز الـ 20.
جدول ( 2 )
تطور الناتج المحلي الإجمالي السعودي وإيرادات النفط مليار دولار
السنة |
الناتج الإجمالي |
إيرادات النفط
|
2004 |
250 |
88 |
2005 |
300 |
134 |
2006 |
350 |
161 |
2007 |
385 |
138 |
2008 |
467 |
273 |
2009 |
370 |
116 |
2010 |
533 |
178 |
2011 |
679 |
275 |
2012 |
744 |
305 |
2013 |
755 |
270 |
2014 |
746 |
243 |
2015 |
632 |
118 |
المصدر: من إعداد الباحث اعتمادا على عدد من المصادر بجانب بيانات مجلس التعاون الخليجي وصندوق النقد الدولي
شكل (4)
العلاقة بين تطور الناتج المحلي الإجمالي السعودي وإيرادات النفط مليار دولار
ويلاحظ انخفاض إجمالي الصادرات السلعية لدول المجلس من 860 مليار دولار عام 2014م، إلى 554 مليار دولار عام 2015م، بنسبة انخفاض 35.6 % متأثرة بانخفاض أسعار النفط، بينما شكلت الصادرات السلعية غير النفطية لدول الخليج نحو 195.8 مليار دولار عام 2015م، صدرت منها السعودية 50.6 مليار دولار مرتفعة من 40.8 مليار دولار عام 2011م، مقارنة بصادرات عام 2014م، البالغة 206.6 مليار دولار بانخفاض 5.2 % وهو انخفاض محدود إذا قورن بانخفاض الصادرات السلعية التي انخفضت بنسبة 35.6%.
فيما لم تنخفض الواردات السلعية سوى 2.4 % لتبلغ 646 مليار دولار خلال عام 2015م، كما نمت التجارة البينية السلعية بنسبة محدودة بلغت 3.1 % لتبلغ نحو 50.8 مليار دولار مرتفعة من 49.3 مليار دولار عام 2014م، والتي ارتفعت من 32.9 مليار دولار عام 2011 م، والتي لا تمثل سوى 7.8 % من إجمالي قيمة الواردات عام 2015م، وهي أقل من نسبة التجارة البينية العربية التي هي عند 8 %، كما أنها ترتفع في الاتحاد الأوربي إلى نحو 63 % عام 2009م، وإلى 25 % في الآسيان.
إعادة هيكلة القطاع الخاص المحرك الرئيسي للاقتصاد:
ورفع مساهمة القطاع الخاص بالناتج المحلي الإجمالي من 40 % عام 2015م، إلى 65 % عام 2030 م، ولا يمكن معالجته بالسعودة الوهمية وأجور زهيدة، لذلك نجد أن هناك فجوة كبيرة بين القطاعين العام والخاص الذي يظل عقبة أمام أي تكامل، وهو ما يجعل التعاون بينهما مفقود بسبب محدودية القدرة التنافسية، فمثلا نجد 1.240 مليون موظف في القطاع العام رواتبهم تصل إلى 314 مليار ريال عام 2014م، تمثل 37 % من الميزانية، فيما رواتب أكثر من 10 مليون موظف في القطاع الخاص لا تتجاوز رواتبهم عن 23.4 مليار ريال، نسبة السعوديين لا تتجاوز 9 % فقط.
ونجاح التكتل الاقتصادي الخليجي يتطلب تفعيلا للسوق الخليجية المشتركة، بما فيه الاتحاد الجمركي بين دول المجلس، وتفعيل التأشيرة السياحية الموحدة، ووضع برنامج زمني للعملة الخليجية الموحدة وبشكل خاص بعد تصريح رئيس البنك المركزي العماني الذي اعتبر صدور العملة الخليجية الموحدة مسألة وقت، وأهمية البدء بمشروع السكك الحديدية بين دول المجلس التي تساهم في عملية تسهيل تنقل السلع والبضائع.
بدأت تدرك دول مجلس التعاون التحولات العالمية المتسارعة التي تؤثر في ديناميكية الأسواق ومناخ الأعمال، إذ يعتبر حجم الاستثمارات المتراكمة في دول الخليج نحو 431 عام 2016م، منها 224 دولار الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السعودية وهي أرقام متواضعة نسبة إلى حجم الاقتصاد الخليجي خصوصًا أن المرحلة الحالية بدأت ملامح الثورة الصناعية الرابعة والتي لها أثر على القطاعات الرئيسية مثل الصحة والتعليم والاقتصاد وتطوير بنى وأطر قابلة للتطبيق عالميًا لتأسيس مرحلة جديدة من صناعات المستقبل ما يستدعي إلى ابتكار حلول ومبادرات رئيسية يتشارك فيها القطاعان العام والخاص إلى جانب المنظمات الدولية.
لم يعد التباطؤ قادر على استباق التغييرات المتسارعة في العالم مع ثورة الابتكارات التكنولوجية وتطورها بل ستتجاوز تلك التغييرات المتسارعة كل من لم يواكبها بل ويسابقها ويكون أسرع منها فلن يكون له مكان في المستقبل.
إعادة الهيكلة الشاملة تضع حجر الأساس الأول في الانطلاقة الجديدة للتنمية:
إعادة الهيكلة في المشروع التطويري الذي جاء بعد أشهر من تفعيل مركز قياس الأداء، كان محوره الكوادر البشرية بديلا عن الوظائف التقليدية المثقلة بالبيروقراطية وذات الإنتاجية المتدنية، بل تسببت في تعثر مشاريع كبيرة أدت إلى خسارة مستقبل التنمية المجتمعية، بينما تركز الهيكلة في التركيز على الكوادر البشرية التي تتميز بالإبداع والحلول غير التقليدية بإنتاجية عالية جدًا تدعمها مبادئ النزاهة والشفافية، لتؤكد على استمرار النماء بهوية حيوية، والتي أدت إلى نجاح 89 % من المشاريع مقابل 43 % للمشاريع المنفذة بطريقة تقليدية، لأنها ركزت المشاريع المنفذة بطرق غير تقليدية على منهجية المشاريع الجديدة في كيفية تجنب حالات التعثر التي كانت سائدة من قبل من خلال تطبيق مبدأ الاستباقية على معطيات المشروع الأولية للتنبؤ بالنتائج النهائية المتوقعة.
جاءت هيكلة العمل الحكومي وفق نمط التوجه العالمي نحو المرونة وإعادة الهيكلة المستمرة لتحقيق وخدمة الأولويات الوطنية، لذلك اتجهت الهيكلة إلى إلغاء المجالس العليا في الدولة وإنشاء مجلسين فقط أسهم في توحيد القرار وتسريع عملية وضع الاستراتيجيات، ورفع كفاءة الأداء، وتسريع الإجراءات.
تشير التغيرات للمراقبين بالإرادة القوية لتحقيق ما تصبو إليه الدولة، رحب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة موغنس ليكيتوف برؤية السعودية 2030حيث قال إنها تحدد مجموعة من الأهداف لتحقيق مجتمع نابض بالحياة واقتصاد مزدهر وأمة طموحة، وذلك من خلال برامج وخطط قابلة للتنفيذ، فيما أكد الخبير الدولي فيليب جود الشريك الإداري ومدير إدارة الاستثمارات في فيتش لإدارة الأصول بأن رؤية السعودية 2030تتحرك لبلوغ أعلى درجات العافية في اقتصاد السعودية، وفق برامج استراتيجية بعيدة النظر، لخلق واقع اقتصادي مغاير لما كان عليه سابقًا .
لذلك هناك شركات عالمية ستحول البترول إلى الطاقة لتحقيق رؤية السعودية 2030، التي تنقل السعودية إلى مستقبل اقتصادي واعد، بل إن التحول في السياسات الاقتصادية السعودية سيكون تأثيره الكبير في سوق الطاقة، كما إن مشاريع المصب في السعودية ستحقق نموًا اقتصاديًا كبيرًا، ما جعلها تحتل مكانة مميزة وريادة عالمية في مجال تصنيع وتصدير السلع والمنتجات النفطية، خصوصًا بعد الخطط التطويرية التي يجري الاستعداد لتنفيذها في أرامكو خاصة الخصخصة الجزئية لزيادة موارد الشركة وقدراتها المالية، حيث تتصدر اكسون موبيل وبي بي وسينوبك الشركات العالمية الراغبة في أسهم أرامكو، وهناك توقعات بارتفاع عائدات السعودية من البتروكيماويات أربعة أضعاف بحلول 2040م، خصوصًا وأن أرامكو تتبنى رؤية مستقبلية تقوم على تطوير الصناعات التحويلية وزيادة الابتكار.
هل يمكن أن تتحول المنطقة إلى آفاق ثورة صناعية:
من الصعب أن تكون دول الخليج وعلى رأسها السعودية رهينة دخل وحيد، فيما أن السعودية وبقية دول الخليج تمتلك مقومات اقتصادية عديدة معطلة وغير منتجة أو تبقى منتجات أساسية وغير ذات قيمة مرتفعة، رغم أن صناعة البتروكيماويات ارتفع إنتاجها 250 % خلال عقد من الزمن، حيث تستهدف رفع طاقتها الإنتاجية في مجال البتروكيماويات بما نسبته 10 % سنويًا من الإنتاج العالمي لتصبح ثالث أكبر مصدر للبتروكيماويات على المستوى العالمي، ومن المتوقع أن يبلغ إجمالي السعودية من البتروكيماويات والمواد الكيماوية والبلوريمات بنحو 115 مليون طن في نهاية 2016م، أي بزيادة تبلغ 250 % عما كانت عليه في عام 2006م، حسب إحصاءات مؤسسة النقد ( ساما ) حيث بلغ قيمة الصادرات خلال عام 2014م، نحو 38.2 مليار دولار، بعدما بلغ حجم الاستثمارات في المصانع البتروكيماويات السعودية نحو 150 مليار دولار.
وتعتبر الصناعات البتروكيماويات محرك رئيسي للاقتصاد بل تعتبر عمق الاستثمار العالمي في صناعة البتروكيماويات، لكن توفير الطاقة بأسعار مدعومة نقطة ارتكاز أساسية في رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي مما يعزز الميزان التجاري للمملكة بدلا من الاكتفاء بتصدير منتجات أساسية تم توفير الطاقة لها بأسعار مدعومة، حيث رفعت الدولة سعر مليون الوحدة الحرارية من 75 سنت إلى دولار ونصف وهي أقل من الأسعار العالمية التي تصل إلى 5 دولارا ت لكل مليون وحدة كما أن سعر برميل النفط تحصل عليه سابك بنحو 3 دولارات لكل برميل، حيث قدر الدعم الذي تقدمه السعودية للاقتصاد الوطني أكثر من 100 مليار دولار والذي يمكن أن يدعم خزينة الدولة في حال تحررت الصناعات وتم فطمها من الدعم، وهو ما نجده في شركة سابك التي هي ثاني أكبر شركة تحقق أرباحًا عالية نسبة إلى مثيلاتها من الشركات بسبب أنها تأخذ النفط بالأسعار العالمية، ولن تستمر في التصدير باعتبار منتجاتها مرحلة من مراحل التصنيع وليست مرحلة نهائية.
هناك مجمع صدارة للصناعات البتروكيماوية الذي يحتوي على 26 مصنع عملاق يعتبر ثاني إنجاز تاريخي بعد شركة سابك وتحقق 17 مليار دولار سنويًا هو حجم زيادة إيرادات الناتج المحلي المحقق من صدارة وحقق مجمع صدارة وفورات ب12 مليار دولار سنويًا كانت تتكبدها خزينة الدولة بسبب الاستيراد.
صناعة الكيماويات على موعد مع نمو ضخم وفرص كبيرة تتحقق في ظل استراتيجيات جديدة تتماشى مع التغيرات في المنطقة والدور المحوري لقطاع الكيماويات في إضافة قيمة كبيرة على صعيد مشهد الطاقة العالمي العام للحفاظ على التنافسية والنمو، في مواصلة تطوير منتجات أكثر تميزًا وأعلى قيمة.
وسيشهد عام 2017م، ارتفاعًا في صناعة الكيماويات حيث ستنتج 9 من بين 15 مصفاة من مصافي أرامكو السعودية الكيماوية وبنسب تحويل يمكن أن تصل إلى 20 % من الخام المعالج الإجمالي، وتطوير منتجات أكثر تميزًا وأعلى قيمة، والاستمرار في استحداث العلامات التجارية المميزة القوية ومواصلة الارتقاء
فيما تنخفض مساهمة القطاعات الاقتصادية الأخرى في الناتج المحلي الإجمالي وعلى رأسها قطاع التعدين الذي يعتبر أحد أهم مكونات القطاع الصناعي إذا أراد المجتمع أن يحقق ثورة صناعية، حيث تعد السعودية الدولة الأكبر في استيراد مكورات خام الحديد، حيث استوردت خلال عام 2015م، أكثر من 4.77 مليون طن، فيما يبلغ احتياطي خام الحديد في السعودية مليار طن، خصوصا وأن الخبراء في مجال الجيولوجيا والتعدين أكدوا أن تنامي الطلب الصناعي والتقني على المعادن الاستراتيجية بمعدل 10 % سنويا خلال العشرين عاما المقبلة.
يبدو أن انخفاض أسعار النفط وتأثر ميزانية الدولة من العجز بأن تنتقل من موقع ملتقى خطوط التجارة والحضارات إلى موطن الصناعات، ويمكن أن ينقل رأس الخير السعودية إلى ثورة الصناعات التعدينية وأن تتحول إلى الركيزة الثالثة للاقتصاد السعودي خصوصًا بعدما أنفقت الدولة على البنية التحتية بنحو 34.7 مليار دولار، وترتبط بالمناجم بأطول قطار تعدين في العالم، بوسط وشمال السعودية يبلغ طوله 1500 كيلو متر بطول ثلاثة كيلو مترات وينقل في الرحلة الواحدة ستة عشر ألف طن، وأزاح 27.7 ألف شاحنة عن الطرقات.
انطلقت قاطرة الصناعات التعدينية العملاقة في المملكة وهي إحدى ركائز الاقتصاد الوطني إضافة إلى قطاع البترول والبتروكيماويات وأن يسهم في الناتج المحلي الإجمالي بما يصل إلى 66 مليار دولار، بل الرؤية الثاقبة للسعودية على قطاع التعدين العملاق بل تخطته لتشمل قطاعات تنموية جديدة تسهم في تنويع الاقتصاد السعودي وتوطين الإمدادات وتوليد عشرات الألوف من الوظائف وفتح باب مجالات الاستثمار والابتكار، ومن هذه القطاعات الجديدة قطاع الصناعات والخدمات البحرية التي تتيح توطينًا نوعيًا لأعمال مهمة جدًا للمملكة والمنطقة والعالم، تشمل بناء منصات إنتاج البترول البحرية وأجهزة الحفر والسفن إضافة إلى توفير خدمات الصيانة لهذا القطاع الحيوي.
السعودية والمنطقة وصلت إلى نقطة تطور يتعذر عندها مواصلة الاعتماد على محرك اقتصادي واحد، وتطوير القطاع الخاص غير المعتمد على النفط، بما في ذلك قطاع الكيماويات، أصبح ضرورة استراتيجية للسعودية ولبقية دول الخليج الأخرى، خصوصًا وأن هناك استراتيجيات جديدة ستمكن قطاع الكيماويات من التحرك السريع ليتبوأ مكانته في صناعة الطاقة الكلية، وهناك فرص استثمارية في مشروعات البتروكيماويات الأساسية المتكاملة الضخمة نظرًا للمييزات التي تتمتع بها أنواع اللقيم التي رسمت ملامح التطور لقطاع الطاقة في منطقتنا والمشمول في استراتيجية التكرير والمعالجة والتسويق، حيث يعتبر قطاع الكيماويات من العوامل الاقتصادية الاجتماعية التي تحفز تحقيق أهداف التنمية التي تشتمل عليها رؤية المملكة 2030.
تتجه الدولة نحو التركيز على التكامل بين التكرير والكيماويات من أجل تحقيق توازن وتكامل أفضل لقطاعي التنقيب والإنتاج والتكرير والمعالجة والتسويق لتحقيق التكامل عبر إضافة القيمة من خلال المرافق والخدمات والبنية التحتية المشتركة لتحقيق مستوى أعلى من التكامل، حتى تنتقل إلى الجانب الثاني من الاستراتيجية في تحقيق النمو والتنافسية والمحافظة عليها التي تشتمل على السلع المتميزة والكيماويات المتخصصة خصوصًا وأن هذا المجال بحاجة إلى التوسع بشكل كبير جدًا.
الجانب الثاني من الاستراتيجية حيث تهدف الدولة من إنشاء شركة صدارة للكيماويات وهي مشروع مشترك بين أرامكو مع داو كيميكال ومشروع أرولانكسيو مشترك بين أرامكو مع شركة لانكسس الألمانية، بل هناك شراكات بين أرامكو وسابك لدراسة تحويل النفط إلى مواد كيماوية عالية القيمة، بالإضافة إلى استحواذ الشركة على تقنية كونفيرج بوليرا من شركة نوفومير.
وهناك جانب ثالث من الاستراتيجية المتمثلة في الابتكار والتقنية من أجل الارتقاء بالعمليات واستحداث منتجات وقطاعات جديدة، بالإضافة إلى أن هناك جانب رابع في التركيز على الكفاءات والمهارات التي تدير المرحلة المقبلة.
أسست دول الخليج الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات يمثل قطاع التكرير والمعالجة والتسويق للمواد الهيدروكربونية في الخليج العربي تأسس عام 2006م، يضم ما يزيد على 250 شركة من الشركات الأعضاء من قطاع الكيماويات والقطاعات المشابهة التي تنتج 95 % من الكيماويات في منطقة الخليج حيث تشكل هذه الصناعة ثاني أكبر قطاع تصنيع في منطقة الخليج تنتج سنويًا منتجات تقدر بنحو 108 مليارات دولار.
ومن المتوقع أن يساهم القطاع الصناعي في إجمالي الناتج المحلي إلى 20 في المائة في عام 2020م، وهو قطاع يحقق نمو مستدامة ورفع النسبة من 10 في المائة المحققة في عام 2013م، حيث يعتبر التحول الوطني عام 2020م، مقدمة واختبار لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030م، التي تستهدف إعادة هيكلة اقتصاد الدولة ورفع أداء مؤسساتها وتنويع مصادر الدخل ورفع إنتاجية المجتمع.
السعودية تستطيع أن تكون أكثر اعتمادًا على خطوط أنابيب البيانات أكثر من اعتمادها على خطوط الأنابيب في المستقبل خصوصًا وأنها تمتلك الموقع المتوسط بين قارات العالم من خلال تحويل نفسها إلى حاضنة تكنولوجيا إقليمية ومركز قدرات لمجموعات أمريكية مثل فيسبوك وجوجل باعتبار السعودية القوة المهيمنة في المنطقة وقادرة على تحويل الاقتصاد المعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع لزيادة إيرادات الحكومة غير النفطية من 43 مليار دولار إلى 266.66 مليار دولار بحلول عام 2030م، ورفع مساهمة القطاع الخاص من 40 % إلى 65 % من الناتج المحلي الإجمالي.