يعتبر البعد الاقتصادي أبرز محاور السياسة الخارجية فى العلاقات الخليجية اللاتينية خلال الأعوام القليلة السابقة، والتى تشهد تطورًا ونموًا متسارعًا عامًا تلو الآخر، مدفوعًا بشكل خاص بحاجة دول أمريكا اللاتينية للطاقة وأموال المستثمرين الخليجيين لتنشيط الاقتصاد سواء في الاستثمار في البنى التحتية أو في مجالات الاقتصاد المختلفة. فى مقابل حاجة دول الخليج لتحقيق أمنهم الغذائي في ظل تغيرات عالمية كبيرة. بالاضافة الى سعي المستثمرون الخليجيون لتنويع استثماراتهم من خلال استكشاف أسواق جديدة في مناطق مختلفة من العالم وتأتى أمريكا اللاتينية في مقدمتها.
ومن ثم نمت معدلات التبادل التجارى بين الجانبين بصورة كبيرة. فعلى سبيل المثال فإن التجارة الخارجية غير النفطية بين الإمارات ودول أمريكا اللاتينية ارتفعت من 304 ملايين دولار في عام 2000 م، إلى 6.7 مليارات دولار عام 2015م.كما أن حجم التبادل التجاري بين البرازيل والمملكة العربية السعودية وصل الى 5.5 مليار دولار.
كما حدث تطور أيضًا في نوعية السلع المستوردة من الدول اللاتينية فلم تعد تقتصر فقط على المواد الخام والسلع الغذائية مثل الذهب والنحاس واللحوم وقصب السكر والفواكه، بل امتدت إلى السلع الصناعية والتكنولوجية مثل الهواتف والسيارات.
ومع نهاية عام 2016م، نستطيع التأكيد على أن خطوات التقارب الخليجي ـ اللاتيني أصبحت أكثر ثباتًا ووضوحًا. وأن كلاهما أصبح أكثر انفتاحًا على الآخر ومعرفة بفرص التبادل التجاري والاستثماري المشترك، استنادًا إلى دوافع ومصالح حقيقية من تنمية العلاقات الاقتصادية بينهما. ومن ثم العام المنصرم قد شهد زيارات رسمية عديدة بين دول المنطقتين. كما شهد عقد عشرات الاتفاقيات الثنائية. ورغم ذلك يشير الخبراء والمتخصصون بأن ما تحقق حتى الآن ما زال دون مستوى إمكانيات الطرفين، وأن المستقبل سيحمل مزيدًا من تطور العلاقات الاقتصادية الخليجية ــ اللاتينية.
- دوافع التوسع في التعاون الاقتصادي
كان عام 2016م، عامًا شديد الخصوصية فى تطورات المشهد الاقتصادي في كلتا المنطقتين. فقد استمر انخفاض أسعار السلع الأولية سواء البترولية، أو المنتجات الزراعية، أو المعادن. وهو ما سبب أضرارًا كبيرة للاقتصاديات القائمة على تصدير هذه السلع.
رسم توضيحي 1يبين التراجع في أسعار السلع الأولية بين عامى 2011 – 2016
وقد طال هذا الضرر الدول الخليجية ـ واللاتينية على السواء، ولكن بدرجات متفاوتة. ومع أن الأوضاع المالية والاقتصادية بل والاجتماعية والأمنية بقيت مستقرة في الدول الخليجية. أدى انخفاض أسعار السلع الأولية في الدول اللاتينية الكبرى مثل البرازيل والأرجنتين وفنزويلا، إلى ركود اقتصادي وعجز في ميزانية الدول وتراجع كبير في معدلات النمو، ومعدلات تضخم مرتفعة وانخفاض في قيمة صرف العملات المحلية أمام الدولار. واحتجاجات وتغير في الأنظمة السياسية.
وقد أصبح من أهم مقاصد الحكومات اللاتينية، هو إنهاء حالة الركود الاقتصادي. وهذا يعني البحث عن مستثمرين من الخارج.
وفى المقابل مثل انخفاض سعر النفط تنبيه هام للدول الخليجية لضرورة العمل بقوة أكبر في تجاه استثمارات الصناديق السيادية في الخارج. بل وتوسيع دائرة الاستثمار الخليجي خارج دوائرها التقليدية في أوروبا والولايات المتحدة، وطرق مناطق جديدة وتمثل ذلك فيما يلي:
- أولاً: الدوافع اللاتينية:
كان وصول الأحزاب اليسارية إلى الرئاسة في معظم الدول اللاتينية مع بداية الألفية سببًا في تحريك بوصلة السياسة الخارجية اللاتينية نحو دول الجنوب وفي مقدمتها الدول العربية. وقد كانت السنوات العشر الماضية فرصة كبيرة لاكتشاف كل طرف للقدرات الاقتصادية والفرص الاستثمارية للآخر.
ومع بداية العام الحالي 2016م، بدأت تلوح في الأفق ملامح تحول في طبيعة الأنظمة السياسية اللاتينية نحو اليمين وهو ما يعني تبني سياسة اقتصاد السوق. كان ذلك في أكبر وأهم دولتين في المنطقة الأرجنتين والبرازيل، حيث جاءت الانتخابات الرئاسية في الأرجنتين بالرئيس اليميني موريسيو ماكري. وفي البرازيل تم إقالة الرئيسة اليسارية ديلما روسيف ليخلفها نائبها اليميني ميشيل تامر لمدة عامين. كما فاز تيار اليمين في الانتخابات التشريعية في البرازيل أيضًا. وقد أبدى البلدان توجهًا واضحًا نحو جذب الاستثمارات الخارجية كأحد أهم السبل لمواجهة أزمة الركود الاقتصادي.
وقد كان هذا واضحًا في زيارة السيدة مارتا جابريلا ميكاتي نائبة الرئيس الأرجنتيني لثلاث دول خليجية هي السعودية، والإمارات، وقطر في أكتوبر من العام الجاري. حيث صرحت من الدوحة بأن "الأرجنتين تمر حاليًا بمرحلة من التغيرات والسبب الرئيسي للزيارة أننا نبحث عن شركاء استراتيجيين عن طريق الخروج إلى العالم والبحث عن شركاء عالميين".
كما افتتح الرئيس الأرجنتينى منتدى الأرجنتين للأعمال والاستثمار، في مارس الماضي، بهدف التعريف بالفرص الاستثمارية في مختلف القطاعات الاقتصادية بدولة الأرجنتين ومن أهمها الطاقة والزراعة والسياحة. واستعرض في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية، رؤية بلاده لجذب الاستثمارات الأجنبية للسنوات الأربع القادمة، باعتبارها الوسيلة الأهم لإنعاش الاقتصاد الأرجنتيني. والدول الخليجية تمثل بالنسبة للدول اللاتينية مصدرًا رئيسيًا للاستثمارات، وخاصة مع انحسار تدفق رؤوس الأموال الأمريكية نظرًا لارتفاع سعر الفائدة في البنوك الأمريكية.
في زيارته للسعودية مطلع العام الجاري، صرح الرئيس المكسيكي انريكي بينيا نييتوأن هناك فرص استثمارية واعدة في المكسيك وخاصة في قطاعات الطاقة والصناعة والسياحة والتجارة والبنية التحتية والخدمات والنقل، وهي القطاعات التي يمكن لها المساهمة في تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين.وأوضح أن بلاده تعتبر سوقًا ناشئة مليئة بالفرص أمام الاستثمارات السعودية.
وقد ظهر هذا التوجه أيضًا في تصريح لوزير المالية الاكوادوري من الدوحة في شهر مارس، الذي أكد على أن جميع الإستثمارات في بلاده مفتوحة أمام الإستثمارات الأجنبية وخاصة الخليجية، مشيرًا إلى وجود فرص إستثمارية في القطاع السياحي والمناجم، والطاقة، والزراعة.
- ثانيًا: الدوافع الخليجية:
من المتوقع أن تزيد حجم الاستثمارات الخارجية للصناديق الخليجية لتبلغ 3.4 تريليون دولار. وقد أظهرت السنوات الأخيرة وخاصة بالنسبة للدول ذات المحافظ الاستثمارية الكبرى مثل السعودية والإمارات وقطر مدى الحاجة لعدم تركيز استثماراتها في منطقة معينة في العالم نظرًا لما يشمله ذلك من مخاطر على تلك الاستثمارات ، كما أن الأوضاع الأمنية غير مستقرة في منطقة الجوار العربي. لذا يصبح من المنطقي أن يبحث المستثمرون الخليجيون عن البلدان والمناطق ذات السياسات المستقرة والملائمة للاستثمار والنمو. ولا شك أن دول أمريكا اللاتينية تتمتع بهذه المواصفات حيث تشكل وجهة جاذبة لرؤوس الأموال والاستثمار.
ومنطقة دول أمريكا اللاتينية تعتبر منطقة واعدة ولديها فرص استثمارية كبيرة، وسوق واسع يبلغ عدد سكانه نحو 400 مليون نسمة، والأهم لديها بيئة جاذبة وآمنة لحماية الاستثمار الأجنبي من خلال قوانين الاستثمار والضرائب.
من جهة أخرى، دول مجلس التعاون تعتمد على استيراد الأغذية، إذ تشكل الأغذية المستوردة نحو 80% من إجمالي استهلاكها، وتحتل دول الخليج المراتب الـ20 إلى الـ33 الأولى من بين 113 دولة وفقًا لمؤشر الأمن الغذائي العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي عام 2016م.
ومن ثميبدو أن التعاون مع الدول اللاتينية أصبح توجهًا اقتصاديًا ضروريًا في السياسة الخارجية لدول الخليج وبالتحديد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ودولة قطر.
- مظاهر نمو التعاون الاقتصادي الخليجي ـ اللاتيني خلال 2016
ظل البعد الجغرافي وغياب المعلومات بين الجانبين حاجزًا قويًا أمام التبادل التجاري والاستثماري على مدار العقود الماضية. وهو الواقع الذى قامت بعض الدول الخليجية واللاتينية العمل على كسره خلال العقد الأخير. وقد شهد عام 2016م، تقدمًا ملحوظًا لكسر هذا الحاجز من قبل الطرفين بامتياز من خلال مجموعة من الفعاليات والمنتديات ومجالس الأعمال والمؤتمرات وتبادل الزيارات الرسمية، والتى من شأنها تعزيز تبادل المعلومات بين المستثمرين ورجال الأعمال والشركات للتعرف على فرص الاستثمار والتجارة ومن ثم الانفتاح اقتصاديًا على الآخر.
فى يناير 2016م، عٌقد منتدى الأعمال الإماراتي المكسيكي في دبي على هامش زيارة الرئيس المكسيكي إلى الدولة، ودعا الرئيس المكسيكي إنريكي بيينا نيتو في كلمته بالملتقى، المستثمرين الإماراتيين إلى الاستفادة من الفرص المتاحة في بيئة الأعمال في بلاده من خلال إنشاء شراكات استراتيجية اقتصادية جديدة بين قطاعي الأعمال الإماراتي والمكسيكي.
وفي شهر يونيو من العام الجاري عُقدت أولى دورات الملتقى الثقافي بين دول أمريكا اللاتينية والدول العربية في رأس الخيمة. وهو ملتقى يهدف إلى القاء الضوء على الفرص التجارية والاستثمارية المتاحة لدى الطرفين، وجذب الاستثمارات الخارجية خاصة المشروعات الصناعية والزراعية والاتصالات والمعلومات والطاقة والنقل والتشييد والبناء والسياحة والترويج لمشروعات استثمارية محددة يتم بحثها مع مستثمرين من الجانبين.
كما شهدت دبى خلال يومى 9 و10 نوفمبر انعقاد المنتدى العالمي للأعمال لدول أمريكا اللاتينية لعام 2016 تحت شعار "روافد جديدة لنماء دائم"،وهو يعد فرصة هامة جدًا لبناء شراكات جديدة وطويلة الأمد بين الدول الخليجية ودول أمريكا اللاتينية.
وقد ناقشت جلسات المنتدى على مدار يومين، سبل تعزيز التعاون التجاري والفرص الاستثمارية الجديدة، من خلال طرح أفكار للتعاون وإلقاء الضوء على الامكانيات والفرص الواعدة في اقتصاديات وأسواق المنطقتين. وذلك بمشاركة 800 مشارك من صناع القرار ورجال الأعمال وذلك من 32 دولة حول العالم. وعُقد خلال الحدث 120 اجتماع ثنائي بين المشاركين من الطرفين. وتضمن المنتدى 19 جلسة نقاشية متخصصة غطت معظم المجالات المعنية بتطوير الاستثمار والتجارة بين الجانبين، شارك فيها 32 متحدثًا من ضمنهم اثنين من رؤساء الدول السابقين، وأكثر من عشرة وزراء من الإمارات والدول اللاتينية.
ويُحسب للسياسة الخارجية الخليجية اهتمامها بإقامة علاقات دبلوماسية وتنفيذ زيارات رسمية مع كافة الدول اللاتينية بما فيها الاقتصاديات الصغيرة مثل كوستاريكا على سبيل المثال، والتي زارها وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد في فبراير الماضي. وكانت من قبل استقبلت أمير دولة قطر في 2010م. وبدورها تستعد الدوحة لاستقبال رئيس كوستاريكا في يناير المقبل.
- الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الخليجية/ اللاتينية خلال العام:
في يناير أبرمت الإمارات مع المكسيك 10 اتفاقيات ومذكرات تفاهم مشتركة. وقعها الرئيس المكسيكي إنريكه بينيا نييتو والشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة وحاكم دبي. منها مذكرة تفاهم بشأن التعاون السياحي، وأخرى بخصوص التعاون بين وزارتي الطاقة في البلدين، إضافة إلى اتفاقية لحماية وتشجيع الاستثمار.
كما وقعت المكسيك أيضا 7 اتفاقيات تفاهم مع الكويت خلال جولة الرئيس المكسيكي في مجالات التعاون الدبلوماسي، والثقافي والفني، والسياحي، وفي مجال الطاقة، والتعليم العالي، والخدمات الجوية، والمجال الصحي، والتعاون الاستثماري.
وفى إطار الجولة الرئاسية نفسها وقعت المكسيك عددًا من مذكرات التفاهم مع دولة قطر أيضًا. أما في زيارة الرئيس المكسيكي للسعودية في نفس الجولة الخليجية، فقد تم توقيع 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم وبرنامج تعاون فى المجال السياحي، والأمني في مجال الجريمة المنظمة العابرة للحدود في الدولتين، ومذكرة تفاهم في قطاع الطاقة بين البلدين، واتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب الضريبي، كما تم توقيع مذكرة تفاهم بين الصندوق السعودي للتنمية والمصرف الوطني المكسيكي للتجارة الخارجية، ووقع الجانبان برنامجًا للتعاون الفني في مجال المواصفات والمقاييس والجودة، واتفاقية للخدمات الجوية. بالإضافة إلى اتفاقيات عامة في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والتعليمية والعلمية والفنية والشباب والرياضة.
وفى بيونس ايريس في فبراير من هذا العام تم توقيع اتفاقية تأسيس مجلس الأعمال الإماراتي- الأرجنتيني. بهدف العمل على وضع خارطة طريق لتوطيد أواصر التواصل والتعاون بين القطاع الخاص في البلدين.
نمو الاستثمار الخليجي في مجالات التعاون المختلفة:
تتعدد مجالات التعاون الاقتصادي بين منطقتي الخليج العربي وأمريكا اللاتينية. فهى لا تقتصر فقط على التبادل التجاري بل تتسع لتشمل الاستثمار في مجال البنوك، والتصنيع والتدريب والخدمات السياحية، وغيرها.
لكن بصورة أساسية تقوم العلاقات الاقتصادية الخليجية اللاتينية على ثلاثة محاور رئيسية، هي: أولاً، الاستثمار في مجال الأمن الغذائي سواء من خلال استيراد السلع الغذائية الزراعية أو الحيوانية، أو من خلال زراعة الغذاء الخليجي أو الأعلاف المطلوبة في صناعة الانتاج الحيواني في الخليج على أراضي دول لاتينية.
ثانيًا، الاستثمار في مجال الطاقة بشقيها التقليدي (في شركات النفط) أو المتجددة مثل الطاقة المائية أو الشمسية أو الحيوية. أما المحور الثالث، وهو الاستثمار في مجال النقل سواء كان جويًا من خلال تنشيط الرحلات الجوية المباشرة، أو بحريًا من خلال بناء وتطوير الموانئ في الدول اللاتينية، بهدف تسهيل وتطويرالتبادل التجارى وانتقال الاستثمار والتعاون الاقتصادي بصورة عامة والتغلب على صعوبة البعد الجغرافي بين المنطقتين.
- الاستثمار في مجال الأمن الغذائي
تسعى بعض الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية والإمارات وقطر إلى امتلاك أراض زراعية واسعة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية بالإضافة إلى أمريكا، لإنتاج الأرز والقمح والذرة والشعير وأعلاف الحيوانات، بدلا من استيرادها أو زراعتها محليًا.
وتتصدر كل من الإمارات والسعودية قائمة المستثمرين من منطقة الشرق الأوسط في هذا المجال الذي يساعدهما على مواجهة المتغيرات المحتملة في مجال الأمن الغذائي، وذلك من خلال امتلاك الأراضي أو تأجيرها خارج حدودهما وزراعتها بما يحقق جدوى اقتصادية عالية، بالاضافة إلى اكتفاء ذاتي ما كان له أن يحدث من خلال الامكانيات البيئية المحدودة للدول الخليجية.
كما تمتلك الدوحة استثمارات في مجال الأمن الغذائي في أمريكا اللاتينية، وقد أعلنت مؤسسة الغرفة الاستثمارية القطرية رفع أسهمها في "مجموعة أديغوارغو" المتخصصة في المجالات الزراعية والصناعات الغذائية، في كل من أسواق البرازيل والأرجنتين والأورجواى.
كما انطلقت مفاوضات قطرية-أرجنتينية وقطرية- برازيلية لشراء أراض زراعية شاسعة لزراعة الحبوب. ويقود هذه المفاوضات برنامج خاص بتأمين الغذاء والاستثمار الزراعي تبلغ قيمته مليار دولار، وتأسس سنة 2008م، وهو أحد الأذرع الاستثمارية لسلطة الاستثمار القطرية.
- التعاون في مجال الطاقة
تتميز كثير من دول أمريكا اللاتينية بتنوع كبير في مصادر الطاقة سواء التقليدية أو المتجددة مثل البرازيل والمكسيك وشيلي والأورجواى والأرجنتين. وقد صُنفت البرازيل والمكسيك وتشيلي من أهم 10 دول استفادت من الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة خلال عام 2015م.
ونظرًا لأهمية هذه الصناعة بالنسبة لمستقبل النمو الاقتصادي في الدول اللاتينية فقد سعت حكومات معظم تلك الدول على توفير مناخ قانونى جاذب للاستثمارات الأجنبية فى هذا المجال بالتحديد.
والمكسيك على سبيل المثال تستهدف تحقيق نسبة 35% من الطاقة المتجددة بحلول عام م2021، وهو ما يعني فرص استثمارية كبيرة أمام رؤوس الأموال الخليجية للاستثمار في هذا المجال سواء فى تصميم وبناء محطات الطاقة أو تطويرها وتشغيلها وتخزينها.
وخلال عام 2016م، استحوذت شركة «بلو بولت ليمتد» المملوكة بالكامل من جهاز أبو ظبي للاستثمار (آديا) في فبراير الماضي، على حصة نسبتها 36 % من «فنيكس باور البيرو» لتوليد الطاقة في البيرو، كجزء من صفقة لتحالف تجاري قيمته 786 مليون دولار.
وكان العقد الأول بين جهاز أبو ظبي للاستثمار وصندوق البيرو الاستثماري بدأ عام 2013م، خلال المعرض المتنقّل للاستثمار في البيرو، والذي نظّمه «مكتب البيرو للتجارة والاستثمار» في الإمارات.
كما أجرت شركة هينتي أويل" المملوكة لمجموعة قطرية هذا العام مفاوضات للحصول على حق إمتياز إدارة وتطوير حقلين نفطيين في الإكوادور بحجم إستثمارات تتجاوز 2 مليار دولار، وأشار إلى أن تلك الشركة تدير وتطور الآن حقلاً ضخمًا في الإكوادور بنجاح بالغ، وإذا ما نجحت المفاوضات يصبح عدد الحقول التي تديرها هناك 3 حقول نفطية.
- التعاون فى الخدمات اللوجستية
تعتبر مجالات الطيران والخدمات اللوجستية والموانئ الأكثر جذبًا لاهتمام المستثمرين الخليجيين في هذه المنطقة وفقًا لتوجهات جهود دول مجلس التعاون لتحقيق الانتشار الأوسع عالميًا.وقد أعلنت شركة طيران الإمارات الناقل الرئيسي في دبي مؤخرًا عن اتفاقية لتبادل الرموز مع الخطوط الجوية البرازيلية "غول" مما يسمح للمسافرين بموجبها حجز رحلات على متن طائرات الشركتين بحجز واحد ويعزز ربط مختلف مناطق البرازيل بمنطقة الخليج.
أما شركة موانئ دبي العالمية والتي تعد أكبر المستثمرين الخليجيين في أمريكا اللاتينية، حيث تقدر استثماراتها في أمريكا اللاتينية بنحو 4 مليارات دولار. وقد حصلت الشركة في شهر يونيو 2016م، على عقد امتياز تطوير ميناء للمياه العميقة لمدة 50 عامًا في بوسورجا في الإكوادور والتي تقع قرب غواياكيل العاصمة التجارية للبلاد.
وفى يونيو الماضي استقبل الرئيس الأرجنتيني رئيس مجموعة موانئ دبي العالمية، وأكد الرئيس خلال اللقاء أنه يتطلع إلى تعزيز الشراكة مع موانئ دبي العالمية لدعم دورها في خدمة اقتصاد الأرجنتين، من خلال استثماراتها في صناعة الموانئ والخدمات البحرية. وأبدى الرئيس ماكري اهتمامًا كبيرًا بالاطلاع على خطط الشركة المستقبلية لمواكبة النمو المتوقع في اقتصاد الأرجنتين. والتى بلغت استثماراتها في بيونس آيرس نحو 250 مليون دولار في السنوات العشرين الماضية. وقد بدأت موانئ دبي العالمية -بيونس آيرس بالعمل على تعزيز شراكتها مع ميناء جبل علي في دبي، حيث استطاع الشريكين تصدير الشحنة المشتركة الأولى من الأرجنتين إلى الإمارات في الأول من يونيو 2016م.
تكتلات لاتينية جديدة تتجه نحو الخليج
ظهر تكتل المحيط الهادئ " باسيفيك ألاينس " (شيلي وكولومبيا والمكسيك والبيرو)، ويهدف إلى تعميق أطر التعاون الاقتصادي وجعل الدول الأربع الأعضاء بمثابة منطقة حرة، لانتقال رؤوس الأموال والعمالة البحرية. ومرشح أن تنضم له في المستقبل القريب الأرجنتين وكوستاريكا. وعلى خلاف تحالف الميركوسور الذى يتبنى سياسات حمائية، يقوم تكتل الباسفيك على فكرة الانفتاح على أسواق العالم.
وخلال جلسة "تكتل المحيط الهادئ إعادة التفكير بالروابط التجارية" التي عقدت خلال فعاليات المنتدى العالمي للأعمال لدول أمريكا اللاتينية 2016م، في دبي، صرح خوسيه لويس سيلفا مارتينوت، وزير التجارة والسياحة السابق في البيرو، بأن هنالك مجالات استثمار عديدة في اقتصاد البيرو، ولكن ما يحتاجه البلد هو رؤوس الأموال لاستغلال الفرص الاستثمارية المتاحة. وأن المستثمرين الأجانب سيتاح لهم إمكانية الاستثمار في جميع القطاعات في الدول الأربع الأعضاء في التحالف، لا سيما في البيرو حيث يتم معاملة رأس المال الأجنبي مثل المحلي، فضلاً عن حرية انتقال رؤوس الأموال والأفراد والعائدات الجيدة على الاستثمار.
مخاوف إيران وخسائرها من التقارب الخليجى اللاتينى
على الرغم من أن التقارب الخليجي ـ اللاتيني خلال العام المنصرم كان في مضمونه تقاربًا تجاريًا واستثماريًا. إلا أنه أثار مخاوف إيرانية عديدة، جعلت إيران تقوم بجولتين متتاليتين لكل من رئيس الوزراء جواد ظريف والرئيس علي خامنئي إلى أمريكا اللاتينية خلال 2016م. وقد أبرزت وسائل إعلام إيرانية حالة القلق التي تشعر بها طهران من التقارب الأرجنتيني ـ الخليجي على وجه الخصوص وتحديدًا في خلال زيارة نائبة الرئيس الأرجنتينى للدول الخليجية الثلاث.
وتكمن المخاوف الإيرانية لأن الزيارة الأرجنتينية ومن قبلها استقبال الرئيس ماكري لأمير قطر تأتى فى ظل توتر شديد في علاقة طهران بحكومة ماكري اليمينية الجديدة. بعد انتهاء سنوات التحالف الإيراني ـ الأرجنتيني خلال حقب حكم عائلة كريشنر اليسارية. وتحركات الحكومة الأرجنتينية الجديدة لمحاصرة عدد من قيادات الحرس الثوري الإيراني، وبخاصة المطلوبين من قبل القضاء الأرجنتيني في قضايا الإرهاب وقضايا تفجيرات بوينس آيرس في التسعينيات.
خاتمة
منذ بداية التحولات السياسية في الدول اللاتينية نحو اليمين خلال العام الماضي والحالي، ثارت تساؤلات عديدة حول مدى أثر ذلك على توجهات السياسة الخارجية لتلك الدول. ولكن يبدو أن الإجابة جاءت أسرع مما توقعنا. فالحكومات اليمينية الجديدة جاءت بعد تراجع في شعبية الحكومات اليسارية إثر موجة من الركود الاقتصادى وزيادة عجز الموازنة وارتفاع معدلات التضخم نتيجة لزيادة الإنفاق الحكومي وارتفاع كلفة برامج الحماية الاجتماعية للفقراء. ومن ثم توجهت أصوات الناخبين نحو اختيار التيار اليميني باعتباره بديلا قد يخرجهم من الأزمة الاقتصادية ولكن بشرط عدم إلغاء سياسات الحماية الاجتماعية. ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن بقاء تيار اليمين في الحكم مرهون بقدرته على تحسين الأوضاع الاقتصادية وإيقاف نزيف التدهور والركود.
ومن ثم فإن إجابة السؤال المثار حول توجه السياسة الخارجية اللاتينية، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها تتجه بقوة نحو توطيد العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي وتحديدًا السعودية والإمارات وقطر أملاً في الحصول على استثمارات خليجية تساهم في إنعاش اقتصاديات الدول اللاتينية. وتساعدهم في تطوير مشروعات البنية التحتية باستثمارات خارجية. ففي سبتمبر الماضي على سبيل المثال أعلن الرئيس البرازيلى ميشيل تامر عن خطة لإنجاز 34 من مشاريع البنية التحتية في الفترة بين 2017-18، بما في ذلك بناء أربعة مطارات وطرق وسكك حديدية ومحطات توليد طاقة. وهو الأمر الذي ينطبق على العديد من الدول اللاتينية الأخرى.
وفي المقابل يأتي هذا التوجه اللاتينى منسجمًا مع الرؤى الخليجية للمستقبل الاقتصادي، المبني على توسيع مجالات العمل الاقتصادي والاستثمار وعدم الاعتماد الكلي على عوائد النفط. وهذا ما يفسر المبادرات الخليجية للتقارب مع الدول اللاتينية من خلال المؤتمرات ومجالس الأعمال والزيارات الرسمية وعقد الاتفاقيات الثنائية كما سبقت الإشارة.
ولكن وعلى الرغم من هذا ما زالت الفرص الممكنة في التبادل التجاري والاستثماري أكبر كثيرًا مما هو قائم بالفعل بين المنطقتين. ولا زال ما يمكن أن تقوم به الدبلوماسية الخليجية أقوى من ذلك خاصة وأن المناخ السياسي الآن مناسب جدًا لتوطيد العلاقات الخليجية اللاتينية وسد الطريق أمام المساعي الإيرانية هناك أكثر من أي وقت سابق.