array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 115

التحول من اقتصاد ريعي إلى إنتاجي خيار التنمية المستدامة الضرائب ورفع الدعم:نحو إستراتيجية اقتصادية جديدة

الثلاثاء، 03 كانون2/يناير 2017

  • في توجه غير تقليدي للمملكة العربية السعودية، وكذلك في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، في إدارة اقتصاد البلاد: هناك ميل نحو فرض ضرائب، ورفع الدعم، أوعلى الأقل تقليصهعن سلع وخدمات ضرورية دأبت الدولة على توفيرها، كجزء من وظيفتها الاجتماعية وبطريقة غير انتقائية، يستفيد من دعمها مَنْ يستحقه ومَنْ ليس في حاجة لذلك الدعم! مجتمعات المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون لدول الخليجي، أخذت بنظام الاقتصاد الحر، الذي لا يأخذ بالضرائب، إلا في أضيق الحدود، ويترفع عن المساس بدخول المواطنين... بل يأخذ بسياسة اقتصادية أقرب لمعايير الرفاهية، منها توفير السلع والخدمات الضرورية بمقابل مدعم، مع تحمل مسؤولية توفير الوظائف للموارد البشرية، وتفعيل سياسة تنموية طموحة في توفير خدمات استراتيجية، مثل: التعليم، والصحة، وتشييد البنى التنموية التحتية، منها على سبيل المثالالطرق السريعة والخدمات البلدية والسدود والمطارات،والإنفاق بسخاء على صروح صناعية، ومشاريع خدمية وزراعية، وتوفير منتجاتها بأسعار مدعمة.. مع فرض ضرائب جمركية زهيدة على مستلزمات الإنتاج المحلي والسلع المستوردة من الخارج.  

نظرياً، بل وحتى أخلاقياً: ليس هناك ضير من تطوير نظام ضرائب يدعم مالية الدولة للإنفاق على التزامات وظيفتها الاجتماعية.. والقيام بأعباء مسئوليتها الأمنية الدفاعية.. وكذا تمويل توفير البنى التحتية اللازمة لتفعيل برامج التنمية... بالإضافة إلى متطلبات تحويل اقتصاد البلد من اقتصاد ريعي، غير تنموي، يعتمد أساساً على استخراج سلعة اقتصادية، رغم استراتيجية دورها المحوري في اقتصاديات عالم اليوم (النفط). النفط، كما هو معروف مادة للطاقة ناضبة، ومتناقصة الاحتياطي، ومتدنية القدرة الإنتاجية، في أفضل الأحوال. كما أنه مع تزايد إمكانات التوسع في إنتاج النفط من مناطق غير تقليدية تذهب استثمارات كبيرة إليها كلما زاد سعر النفط. بالإضافة إلى المنافسة الشرسة التي يواجهها النفط من مصادر بديلة للطاقة المتجددة، بل وحتى تقدم تكنولوجية ومصادر إنتاج النفط نفسه، من مصادر غير تقليدية، مثل المنافسة الحالية لما يسمى بالنفط الصخري.  

 

التحول من اقتصاد ريعي يعتمد على إنتاج سلعة واحدة تعاني من مرونة كبيرة في تقلبات سعرها، نتيجة لظروف سوق الطاقة العالمية غير المستقرة، التي تنتابها دورات من الرواج والركود، تبعاً لتطورات السياسة الدولية وظروف النمو غير المستقرة في الدول المستهلكة ( الصناعية الغنية)، إلى اقتصاد إنتاجي (تحويلي) يزيد من ثروة البلاد الحقيقية، هو في حقيقة الأمر خيار اقتصادي استراتيجي ضروري لتفعيل تنمية حقيقية مستدامة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والمملكة العربية السعودية بوصفها أكبر منتج للنفط في العالم، تتمتع بميزة تنافسية قد تكون حصرية عالمياً في سوق النفط العالمية، بوصفها تملك أكبر احتياطي معروف منه.. وأقل تكلفة في إنتاج البرميل منه.... كما أن المملكة تأتي في المقدمة بوصفها أكبر مستهلك للنفط في العالم، مقارنة بعدد السكان.


إلا أن أي نظام للضرائب، يحتاج إلى إعادة صياغة للعقد الاجتماعي القائم، الذي يقوم أساساً، على اتفاق ضمني لتوزيع موارد المجتمع الاقتصادية والسياسية والقيمية، بين طرفي العقد الرئيسيين (الحكومة والمجتمع).. أو بين المجتمع ككل، الذي أنشأ الدولة ونَصّبَ الحكومة، كما تقول نظرية العقد الاجتماعي التقليدية.. وكما هي الممارسة في كثير من دول العالم الصناعي الغنية والمتقدمة والنامية، المستقرة سياسيًا والمطردة النمو، بالذات في دول الشمال. 


في ثقافة المجتمعات الغربية، فلسفةً وممارسةً، هناك مقولة تلخص العلاقة بين المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تتشكل - بمجملها - ثروة المجتمع. هذه المقولة تُصاغ، في شكل معادلة، تقول: لا ضرائب بدون تمثيل ( NoTaxsation Without Representation ). بمعنى: أن من يفرض الضرائب هم أساساً المواطنون الذين فوضوا، عن طريق التمثيل، (النخبة الحاكمة) لفرض الضرائب للإنفاق منها، لما فيه مصلحة المواطنين. الضرائب، إذن: ليست قيمة اقتصادية بحتة، لكنها نظام مقايضة تقتسم بموجبها الحكومة والمجتمع، موارد الدولة السياسية (السلطة)، بينما يحتفظ المجتمع، في كل الأحوال، بملكية الثروة (أدوات الإنتاج)، بالإضافة إلى كونه مصدر السيادة المطلقة. 


بالإضافة، إلى ما تقدم، أي نظام ضريبي فعّال وكفوء،يجب أن يبتعد عن شبهة الجباية، التي كانت سائدة في مجتمعات ما قبل الدولة القومية الحديثة، وفي المقابل: يقترب ليكون ركيزة متينة لإقامة مجتمع منتج قادر، بفاعلية وكفاءة، على تحمل نفقات التنمية، بأقل تكلفة ممكنة، وبأكبر عائد متوقع. الجباية لا يمكن أن تضطلع بدور تنموي في الاقتصاد الوطني في المجتمعات الحديثة، المعقدة والمتشابكة أوضاعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.


الجباية، لا يمكن أن تشجع قيام صناعة تحويلة متقدمة في المجتمع، وبالتالي تحول دون نمو حقيقي لاقتصاد المجتمع، وذلك لأن نظام الجباية يقوم أساساً على اقتصاد ريعي، غير منتج وغير قابل للنمو، ذلك أن نظام الجباية يحدد ثروة المجتمع في أضيق حدود العمل الفردي غير المنتج، في كثير من الأحوال، وفي أضيق صور النشاط الاقتصادي بدائيةً. بالإضافة إلى أن نظام الجباية له تأثير سلبي في تفشي ظاهرة التضخم وصعوبة الخروج من دائرتها المفرغة الخانقة، لاستمرار ارتفاع أسعار السلع والخدمات، نظرًا لمحدوديتها، بل أحياناً لندرتها، خاصةً إذا تم اشباع الكثير منها عن طريق الاستيراد من الخارج، مما يضاعف الضغط على العملة المحلية، فتتفاقم مشكلة التضخم، والإحساس بوطأتها من قبل غالبية المواطنين الكاسحة. هذا التضخم المتصاعد لأسعار السلع و الخدمات، في المجتمعات التي تأخذ بنظام الجباية يقابله طلب متزايد على السلع والخدمات، ينتج عنه انخفاض القدرة الشرائية للأفراد بسبب تزايد تعريفات الضرائب وتعددها، مع جمود الأجور إن لم يكن تناقصها... الأمر الذي يتسبب في ارتفاع البطالة، نظرًا لمحدودية فرص العمل، والاتساع المتصاعد في معدلات الطاقة البشرية المنتجة (المُحتملة) من فئة الشباب القادر على العمل، ولا يجده، نتيجة للزيادة المضطردة للسكان، ولضيق أفق النشاط الاقتصادي.

 

اقتصاد ريعي يقوم أساساً على نظام ضريبي يعتمد أسلوب الجباية، من شأنه أن يزيد من أعباء الدولة الاقتصادية لشح الموارد، وذلك لأن موارد الجباية لا يمكن أن تشكل دخولاً حقيقية لموارد الدولة المالية، تنفق منها على أوجه صرف ميزانيتها، مهما بولغ في ضخامة مبالغها، ومهما كانت طرق جمعها كفء وفعالة، نظرًا للسلبيات التي سبق ذكرها.  وأخيرًا، وليس آخرًا: نظام الجباية لا يمكن له أن يتماشى مع توقعات المواطنين تجاه مسؤولية الحكومات في الوفاء بالحد الأدنى من الخدمات، مثل التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، بل حتى أحيانا يقود إلى قصور استراتيجي في أهم وظائف الدولة، ألا وهي: المسؤولية الأمنية الدفاعية مما يساهم سلبياً بالمساومة على أمن البلد وسيادتها، ومن ثٓمّ الإضرار بشرعية النظام السياسي، نفسه.   


أما إذا أرادت أي دولة أن تتبع سياسة اقتصادية تقوم أساساً على قاعدة الحرية الاقتصادية وفقاً لقوى السوق، من أجل تحفيز سياسية تنموية، للاستفادة من موارد البلاد الحقيقية والمحتملة، عليها أن تُعَيّن دورًا للحكومة في العملية الاقتصادية، في أضيق الحدود..تتوسع فيه ملكية أدوات الإنتاج.. ويقتصر دخل الحكومة، على الإنفاق على وظائفها ومهامها المحدودة، بصورة قد تكون حصرية، على موارد الضرائب، المفروضة على نشاطات العملية الإنتاجية والسلوكيات الاستهلاكية في المجتمع. كما يتعين على الحكومة أن تترفع عن أي دورٍ لها في ملكية وإدارة ثروات البلاد الطبيعية، وتترك ذلك للأفراد، مكتفية بما تتحصل عليه من ضرائب، من جراء نشاط فعّال وحر لرأس المال، سواء كان وطني أو خارجي، لاستثمار موارد البلاد الطبيعية، والاستفادة القصوى من الميزة التنافسية لاقتصاد البلاد... وبالتبعية: توفير إشباع حقيقي وفعّال لحاجات الناس من السلع والخدمات، بأسعار منافسة وعادلة، مع تطوير نظام إنتاجي مجزٍ للأجور، يرتبط مباشرة بالنظام الضريبي، ومعدلات النمو المطردة.


عند تطوير مثل هذه الاستراتيجية الاقتصادية، بشقيها السياسي والاجتماعي.. والأخذ بتطبيقها على أرض الواقع، يصبح الحديث عن خفض الدعم أو حتى رفعه، عن السلع والخدمات الرئيسية، غير ذي موضع أو حتى مجالاً للنقاش حوله. كما أن الدولة، بموجب مثل هذه الاستراتيجية، يرتفع عنها حرج مسؤولية إدارة القوةالبشرية في المجتمع.. ولن تعد مسؤولة مباشرة، عن مشاكل البطالة والتضخم.. أو عن وجود مظاهر للفقر في المجتمع، إلا في أضيق الحدود، تحددها خيارات سياسية واجتماعية تنافسية.. وتكتفي الحكومة، عن بعد، بإحداث التوازن في العملية الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية، عن طريق تحكمها وسيطرتها على السياسة النقدية والمالية، بالتدخل الحاسم والمؤثر، في الدورات الاقتصادية المتتالية، التي تفصل بين فترات الرواج المتتابعة، وتتخللها فترات ركود توقيفية وفاصلة، من حقبة اقتصادية إلى حقبة اقتصادية أخرى متقدمة.


الأخذ بمثل هذه الاستراتيجية الاقتصادية غير التقليدية والطموحة يتطلب تعديلات أو إضافات في صياغة نظام الإدارة العليا، ليتلاءم مع أي توجه نحو الأخذ بنظام ضريبي، ينص بوضوح على تحديد الجهة التي تمتلك أدوات الإنتاج.. ودور الحكومة في العملية الاقتصادية.. وتحديد آليات فعّالة، للمساءلة والحساب والشفافية، لضمان تحول اقتصادي واجتماعي، يتسق مع التحول المجتمعي تجاه مرحلة متقدمة، يتقلص فيها دور الدولة في العملية الاقتصادية، ويُكبح بفاعلية جماح الفساد.. وتُفتح آفاقٌ أكثر رحابةً للمبادرات الفردية، ورأس المال، لتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية التنمية، في البلاد.

 

مع الاحتفاظ، في كل الأوقات، بقيمة ومكانة الوظيفة الاجتماعية للدولة لحماية الطبقات الأقل حظاً في المجتمع... بالإضافة إلى التأكيد على سيطرة الدولة على السياسة النقدية والمالية، في البلاد بتحكم المؤسسات المالية الرسمية (مؤسسة النقد أو المصرف المركزي)، في عرض النقود.. ومراقبة قيمة ووضع العملة الوطنية، مقابل العملات الحرة، دون التدخل بصورة مباشرة في قوى السوق.. وإصدار أذونات الخزانة أو السندات السيادية، لمواجهة أي عجز في الميزانية.. واتباع سياسات تحفيزية للسوق، مثل الأخذ بآلية التيسير الكمي ( Quantitative Easing )، من أجل استعادة الانتعاش للسوق ( Recovery ) بإعادة الروح للحياة الاقتصادية في فترات الركود ( Recession)، للحيلولة دون وصول اقتصاد البلاد لمرحلة الكساد ( Depresssion ).. وكذا التحكم في سعر الفائدة، والإشراف على المؤسسات المالية غير الرسمية العاملة في الدولة (المصارف والبورصة وأسواق المال والسندات).. وأخيرًا: التحكم في النظام الضريبي في الدولة، لجعله مواكبًا لمعدلات نمو مطردة.

 

أما الكلام عن نظام ضريبي أو الجدل في رفع الدعم عن سلع وخدمات ضرورية دأبت الدولة على التكفل بتوفيرها بأسعار متدنية، دون البدء جديًا في تفعيل استراتيجية اقتصادية "ثورية" وجريئة، تستند إلى ظهير دستوري وسياسي وقانوني، يواكب التوجه نحو إحداث نقلة استراتيجية، فكرية وفلسفية وأخلاقية وعملية، لأوضاع وإمكانات البلاد الاقتصادية الحقيقية والمحتملة، إنما كمن يضع العربة قبل الحصان.


العربة لا تتحرك والحصان مربوطًا خلفها.. كما أن الحصان، بوضعيته مربوطاً خلف العربة، لا يقوى على تحريكها... دعك من دفعها.

مجلة آراء حول الخليج