الإعلام العربي، يظل أداة للتواصل والإخبار، وكذلك الأداة الأخطر في بث الفرقة بين أبناء الأمة، وهناك أدلة كثيرة من التاريخ والحاضر تؤكد ذلك، وزادت خطورة هذا التأثير السلبي بعد انتشار الإعلام الجديد بما فيه الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي المدعوم بالتكنولوجيا الرقمية، أو الإعلام الديجيتالي واسع الانتشار الذي خرج عن سيطرة السلطات الحكومية، إضافة إلى استخدامه في ترويج الشائعات عبر إعلام رخيص التكلفة وعابر للحدود، وسهل الاستخدام.
وفي ظل هذه الممارسات الإعلامية العربية الخاطئة التي تفرق ولا تجمع في كثير من الأحيان، تبنت مؤسسة الفكر العربي طرح علاقة الإعلام ومراكز الأبحاث في التكامل العربي كمحور رئيس لمؤتمر فكر 16، في إطار تبنيها لقضايا التكامل العربي انطلاقًا من نهج طموح وضعه رئيس المؤسسة سمو الأمير خالد الفيصل ويتم تنفيذه بالشراكة مع الجامعة العربية وتعمل المؤسسة على ترجمته في مؤتمرها السنوي، وكذلك في التقرير العربي الدوري، وجوائز الإبداع، وأعتقد أن هذا التوجه يمثل التحرك العربي الوحيد الجاد في طرح ونقاش لقضايا التكامل العربي.
على صعيد الإعلام، لا يوجد اهتمام عربي جماعي بدراسة دوره وتأثيره، وتقويمه من أجل المساهمة في التكامل أو على الأقل وقف تأثيره السلبي على إضعاف النظام العربي، وفي اعتقادي أن طرح هذا المحور المزدوج حول الإعلام ومراكز البحث يأتي في موعده، فرغم أن الدول العربية لديها العديد من المراكز البحثية المهمة إلا أنه لا يستفيد منها الإعلام أو صانع القرار، ففي حين تعتمد هذه المراكز على التخصص الدقيق، نجد الإعلام يقوم على العموميات، فالإعلامي يتحدث في كل شيء وبوجه عام ما يجعله يسقط أحيانًا في فخ التسطيح والتعميم، بينما يكتب الباحث في تخصصه الدقيق ويظل ما يكتبه حبيس الأدراج أو على الأرفف، كما أن الإعلام يشهد إنفاقًا سخيًا يصل إلى حد البذخ، في حين هناك تقتير في الإنفاق على البحث، بل وشبه شح في ميزانيات هذه المراكز خاصة غير الحكومية أو غير المدعومة من الحكومات أي المستقلة، وفي الوقت الذي يسيطر فيه الإعلام الجديد على العقول ويشكل الرأي العام، تعاني المراكز البحثية من عدم الاهتمام أو ضعف الثقة من جانب صانع القرار المعني بالدراسات التي تتمخض عن هذه المراكز، أو من تهميش وسائل الإعلام لمنتجها لكون وسائل الإعلام تبحث عن الجماهيرية، بينما مخرجات المراكز في الغالب دراسات جادة وليست جاذبة للجمهور ومن ثم لا تجذب الإعلان أي لا تحقق الربح، لذلك يجب أن تتولى جامعة الدول العربية إنشاء كيان للمراكز البحثية، أو رابطة تحت مظلتها للاستفادة منها، ولتفعيل التنسيق والتعاون والتلاقي بين هذه المراكز ومن ثم تعظيم المردود والفائدة، خاصة أن هناك تجمعًا لمراكز الفكر العالمية ويعقد أعضاء هذا التجمع اجتماعًا سنويًا دوريًا تحت مظلة المنتدى الأمني لمؤسسات الفكر (Think Tank Security Forum).
كما أن هناك تصنيف دولي سنوي تجريه جامعة بنسلفانيا الأمريكية بالتعاون مع الأمم المتحدة لتقييم أداء مؤسسات الفكر حسب أهميتها وانتاجها ومدى تأثيرها في صناعة السياسة العالمية، ومن ثم تخلق التنافس فيما بينها الذي يحقق في النهاية التجويد في العمل.
ومن الضروري أن يستفيد صانع القرار والإعلام من الدراسات البحثية الجادة التي تنتجها هذه المراكز قليلة العدد في الدول العربية، ففي حين يوجد لدى الدول العربية 405 مراكز، يوجد في إيران وإسرائيل وتركيا وقبرص 155 مركزًا، وعندما نجد مصر أكبر دولة عربية تضم مراكز بحثية بها 35 مركزًا، نجد أن إيران بها 59 مركزًا، وإسرائيل 58 مركزًا، وتركيا 32 مركزًا (حسب إحصائية عام 2015م)، بل أن إنفاق الدول العربية على المراكز البحثية بصفة عامة متدني جدًا وكذلك الإنفاق العربي على البحث العلمي بصفة عامة حيث يبلغ إجمالي ما تنفقه الدول العربية على البحث العلمي لا يتجاوز 535 مليون دولار سنويًا، فيما تنفق إسرائيل على هذا المجال 774 مليون دولار سنويًا.
في الختام، إذ نتمنى لمؤتمر مؤسسة الفكر المقبل النجاح، نأمل أن تتبنى مؤسسات العمل العربي المشترك إعادة تقويم دور الإعلام ومراكز البحث والعمل على توجيهها لخدمة قضايا الأمة، وندعو الأكاديميين والباحثين والإعلاميين للعمل الجاد الذي يحقق التكامل العربي وليس الانكفاء والتخندق خلف قضايا أحادية تفرق ولا تجمع.