قام الرئيس الصيني شي جين بيانغ في شهر يناير الماضي بزيارة لثلاث دول إقليمية في الشرق الأوسط ، المملكة العربية السعودية، ومصر،وإيران ، وقبل زيارته بأسبوع أصدرت الحكومة الصينية في الثالث عشر من يناير الماضي ولأول مرة ورقة عن سياسة الصين العربية (China's Arab Policy Paper) " وفي خطابه في الجامعة العربية الثاني والعشرين من يناير من العام الحالي أوجز الرئيس الصيني الأهداف الصينية في التعاون مع العالم العربي بقوله " في يونيو 2014م، طرحت في الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي المنعقد في بكين فكرة التشارك الصيني ــ العربي في بناء الحزام والطريق، بحيث يتم تشكيل معادلة تعاون "1+2+3"المتمثلة في اتخاذ مجال الطاقة كالمحور الرئيسي ومجالي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمارات كجناحين و3 مجالات ذات تكنولوجيا متقدمة تشمل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقة الجديدة كنقاط اختراق " ، ويظهر دور العامل الاقتصادي كمحور أساسي في العلاقات الصينية –العربية والتوجه غربًا .
الصين ثاني أكبر شريك للعرب
تعتبر الصين اليوم حسب ما ذكره الرئيس الصيني ، ثاني أكبر شريك تجاري للعالم العربي ، وتم إبرام عقود مقاولات جديدة بين الصين والدول العربية 46.4 مليار دولار ، وتم استئناف المفاوضات الخاصة بمنطقة التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، وأقيم مركزان لمقاصة العملة الصينية في الدول العربية وتم تشكيل صندوقين للاستثمار المشترك وافتتح رسميًا المركز الصيني العربي لنقل التكنولوجيا، واتفق على إنشاء مركز للتأهيل للاستخدام السلمي للطاقة النووية، وفي المعرض الثاني لإكسبو الصيني العربي، تم التوقيع على مشروعات بقيمة (183 ) مليار يوان صيني، حيث أصبح المعرض إطارًا مهمًا للتشارك الصيني العربي في بناء الحزام والطريق.
لقد أقامت الصين علاقات شراكة استراتيجية مع ثماني دول عربية، وتم الاتفاق بين الصين وست دول عربية في بناء الحزام والطريق، كما انضمت سبع دول عربية إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية كدول أعضاء مؤسسة. وقد أفاد نائب وزير التجارة الصيني، \ تشيان كه مينغ، بأن حجم التجارة الإجمالي بين الصين والدول العربية قد بلغ في عام 2014 م، 251.2 مليار دولار، وأن رصيد الاستثمار الصيني المباشر في الدول العربية قد بلغ في نفس العام، عشرة مليارات دولار، بينما وصل رصيد الاستثمارات الفعلية للدول العربية في الصين 3.1 مليار دولار أمريكي. وتسعى الصين لأن يصل حجم التبادل التجاري بينها والدول العربية في العقد القادم إلى ( 600 ) مليار دولار وأن يصل حجم الاستثمار الصيني أيضا إلى (60 ) مليار دولار أمريكي .
تنافس أمريكي شرقا فتحولت الصين غربا
إن توجه الصين غربًا اتجاه أورآسيا والشرق الأوسط يأتي في الوقت الذي تتجه فيه الولايات المتحدة شرقا، كما عبرت عن ذلك وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هلاري كلنتون، أن مستقبل الجغرافيا السياسية يُقرَر في آسيا، وليس في أفغانستان أو العراق، ويجب أن تكون الولايات المتحدة في قلب الحدث قائلة" لقد أصبحت منطقة آسيا والمحيط الهادئ محركا أساسيا للسياسة العالمية. تمتد من شبه القارة الهندية إلى شواطئ الأمريكيتين الغربية وتضم –المحيط الهادئ والمحيط الهندي- يتعزز الترابط بينهما أكثر فأكثر من خلال الشحن والاستراتيجية . يعيش فيها نحو نصف سكان العالم. وتضم عددا كبيرا من المحركات الأساسية للاقتصاد العالمي ، وكذلك البلدان التي تتصدر قائمة الدول المسببة لانبعاثات غازات دفيئة . وفيها أيضا العديد من حلفائنا الأساسيين ، والقوى الناشئة المهمة مثل الصين والهند وأندونيسيا ."
ولكن بالنسبة للصين فإن مستقبل الجغرافيا السياسية لها هي أورآسيا والشرق الأوسط وأفريقيا حيث مصالحها الاقتصادية ، مستلهنة نظرية سبيكمان " من يسيطر على حافة اليابس يسيطر على أورآسيا ومن يسيطر على أورآسيا يسيطر على بقية العالم ، وهي الاستراتيجية التي حكمت الصراع الأمريكي – السوفيتي في الحرب الباردة ، وأهميتها للصين كقوة كبرى ، مصادر الطاقة وطرق التجارة، ولذلك أخذت الصين ببناء طريق الحرير الجديدة لتربط تجارتها عبر آسيا الوسطى إلى أسواق الشرق الأوسط وأوروبا ولأهمية ذلك أخذت القوة البحرية الصينية تطارد القرصنة البحرية في القرن الأفريقي وخليج عدن لحماية خطوط تجارتها ونقل الطاقة إليها .
الأسطول الصيني في البحر المتوسط
إن التحول المهم في الاستراتيجية الصينية وجود بعض قطع الأسطول الصيني في البحر المتوسط ، ولأول مرة تتوجه الفرقاطتان Linyi و Weifang من البحر الأسود ترافقهما بعض قطع الأسطول الروسي وتجريان مناورة بحرية في البحر المتوسط في مايو 2015م، هذه المناورة التي تعتبر الأولى للصين جذبت انتباه المحللين الاستراتيجيين لتوجه الصين الجديد، القوة البحرية لحماية المصالح الاقتصادية، حيث أن البحر المتوسط هو الذي تنتهي إليه طريق الحرير ـ بل أبعد من المناورة ذاتها فقد أسهمت الصين في صيانة بعض الموانئ على شواطئ المتوسط مثل ميناء Piraeusفي اليونان .
إن الأهمية التي تعطيها الصين للطاقة التي تحصل عليها من دول الخليج العربي ـ وتزايد أهمية شرق البحر المتوسط بعد اكتشاف البترول والغاز الطبيعي عليه، جعلها تهتم بتواجد قوتها البحرية، فالمناورة البحرية الروسية –الصينية في البحر المتوسط، كانت قد سبقتها عام 2014م، المناورة البحرية الصينية-الروسية، مايو 2014م، في الميناء البحري لمدينة شنغهاي شرق الصين، بمعنى أن الصين أصبحت مناوراتها تمتد من شرق أورآسيا إلى غربها حيث البحر المتوسط.
وكانت الصين قد أجرت في عام 2010م، مناورات عسكرية بين القوات الجوية التركية والصينية في وسط تركيا، وكانت أول مناورة تجريها الصين مع دولة عضو في حلف الناتو، وبذلك فإن الوجود الصيني والروسي في البحر المتوسط ينهي الاحتكار الأمريكي لوجود أسطولها السادس في البحر المتوسط. إن الوجود البحري الصيني ينظر إليه من زاوية مصالحها الاقتصادية، ولكن أيضا من زاوية أمنها الداخلي، فمنطقة جنوب وشرق البحر المتوسط تعاني من عدم استقرار سياسي، ومن خلال وجود قوتها البحرية تراقب تطورات الأحداث لما لها من تبعات عليها فهناك 20 مليون مسلم قي الصين وهناك مشكلات تعاني منها الأقلية المسلمة، وبسبب الاضطهاد الصيني للمسلمين الصينيين، تشكل الحزب الإسلامي التركستاني الذي تقاتل بعض عناصره في سوريا، وهو امتداد للحركة الإسلامية لتركستان الشرقية، والذي تعتبره الحكومة الصينية تهديدًا عليها.
ولذلك نلاحظ أن القوة البحرية مرتبطة بمصالح الصين في المنطقة العربية، اسطولها في المحيط الهندي ومطاردة القرصنة ويمتد وجوده إلى البحر المتوسط.
من الاقتصاد والقوة العسكرية للاستراتيجية الثقافية
ويظهر أن الصين تحاول تحقيق مصالحها الاقتصادية بتعزيزها بالقوة البحرية وبيع صفقات الأسلحة وخاصة الصواريخ البلاستية فإنها أخذت أيضا تهتم بالجانب الثقافي، فالصين استقبلت 14 الف طالب عربي للدراسة فيها، وتم تأسيس أحد عشر معهدًا من معاهد كونفوشيوس في الدول العربية، واتفقت الصين مع الحكومة الأردنية على تأسيس الجامعة الاردنية ــ الصينية وهو طموح ثقافي صيني كبير وتسعى لتنظيم الحوار الثقافي وترجمة الكتب العربية للصين، هذه الاستراتيجية الشاملة للصين تعكس مدى اهتمامها بتحقيق مصالحها في الغرب الآسيوي ، وليس الصدام مع الولايات في شرق آسيا، فالصين تعي أن اليابان شنت هجومها على بيرل هاربها كحرب استباقية في صراع المصالح الاقتصادية اليابانية –الأمريكية في المحيط الهادي، ولكن الصين لا ترى صداما مع الولايات المتحدة شرقا لأن جل مصالها في الغرب الآسيوي، بدأت بتشكيل منظمة شنغهاي للتعاون وعلاقاتها مع دول آسيا الوسطى الإسلامية حتى البحر المتوسط ، فراغ تركته الولايات المتحدة تستغله بكين.
البرجماتية الصينية والقلق الأمريكي
إن الصين تتمتع بالبرجماتية الدبلوماسية، فرغم الخلافات بين الدول الإقليمية في الشرق الأوسط، فقد شملت زيارة الرئيس الصيني هذه الدول الثلاث التي ذكرت رغم خلافاتها، لأن الصين أكبر مستورد للبترول في العالم، فالصين استوردت ستة ملايين برميل يوميًا عام 2014 م، ومن المتوقع أن يصل استيرادها 13 مليون برميل يوميًا مع عام 2035م، وفي عام 2015 م، كانت المملكة العربية السعودية أكبر مصدر للنفط للصين، ولكن الصين أيضًا تسعى لتعميق علاقاتها الاقتصادية مع إيران ودعمها للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وزيادة التعاون الأمني والاستخباراتي معها ـ ففي سنوات الحصار على إيران تفوقت الصين على الاتحاد الأوروبي في حجم التبادل التجاري، فقد كان حجم التبادل بينهما 3 مليارات دولار قفز عام 2014م، إلى 50 مليار دولارا ؟ ولكن بعد الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1، فقد أخذت الشركات الأوروبية تغزو إيران للحصول على الاستثمارات، وزيارة الرئيس الإيراني لبعض الدول الأوروبية، فرنسا وإيطاليا، يدخل في هذا المجال، وهذا يجعل الصين أكثر اهتماما لتعميق علاقاتها مع العالم العربي ويظهر من اهتمامها الثقافي، لتعزيز العلاقات الثقافية دعمًا للتعاون التجاري وتحقيق أمن الطاقة والتعاون العسكري من خلال صفقات السلاح؟ وهذا يقلق إسرائيل والولايات المتحدة. وهذا ما أشار إليه صموئيل هنتنجتون في كتابه صدام الحضارات من تحذير واشنطن من التحالف بين الحضارة الكفوشيوسية والحضارة الإسلامية؟ لأنهما في نظر هنتنجنون الخطر على الحضارة الغربية؟