*انطلقت بالقاهرة خلال الفترة من 6 إلى 8ديسمبر الماضي فعاليات مؤتمر فكر 14 الذي تنظمه مؤسسة الفكر العربي ، ونظمته في هذه الدورة بالتعاون مع جامعة الدول العربية بمناسبة الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيسها ، وبرعاية من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحضور رئيس المؤسسة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة، وصاحب السمو الملكي الأمير بندر بن خالد الفيصل رئيس مجلس إدارة مؤسسة الفكر العربي ، ونخبة يتجاوز عددها 400 مشارك من بينهم مسؤولين حاليين، ومسؤولين سابقين، وكبار المفكرين والباحثين من مختلف الدول العربية، و قد جاء المؤتمر تحت عنوان رئيسي وهو " التكامل العربي: تجارب، تحديات، وآفاق" وناقش ستة محاور رئيسية بجرأة وعمق ووضوح وفقاً لأصول البحث العلمي، وقد أرسى قواعد هذه الشفافية والعمق رئيس المؤسسة سمو الأمير خالد الفيصل الذي كان يتحدث بمنطق واضح، واستخدم مفردات في توصيف الواقع العربي غير مسبوقة في الخطاب السياسي العربي، وهذا ما تناوله خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في الجلسة الأولى لافتتاح المؤتمر الذي أوجز المعوقات والحلول.
*موضوع ومحتوى المؤتمر وفكرته العامة، وهي (التكامل العربي: تجارب. تحديات. وآفاق) جاء موفقاً كونه يركز على التكامل والتعاون من أجل البناء واستدراك ما فات وإنقاذ الحاضر والاستعداد لما هو آت .. لخدمة الأوطان والشعوب والأمة بعيداً عن الأيدلوجيات التي سادت في الماضي ثم بادت لعقمها قبل انهيارها وفشلها .. وعليه فإن المضمون جاء واقعياً وليس مغلفاً بكساء من الوهم الفكري الذي كان يبدو براقاً لكنه رسب في كل الاختبارات.
* الجلسة الافتتاحية كانت بمثابة حجر حطه السيل من عل ليحرك مياه البحرية العربية الهادئة المستكينة أو الراكدة، ما يؤكد أن كبار المسؤولين العرب يقفون بدقة على حقيقة الوضع العربي المتدني، ويدركون الأسباب، ولديهم رؤية أو وصفة للتعافي، ويقاسمهم في ذلك الباحثون والخبراء العرب في جميع الدول الأعضاء في الجامعة العربية تلك المؤسسة العربية الأم التي تجاوزت من العمر 70 عاماً ، واستمرت في كثير من الأحيان عرضة للانتقاد، ولم تحظ إلا بنذر يسير من الإشادة أغلبها بروتوكولية، ومع ذلك فإن التقصير ليس من الجامعة وأمانتها العامة، فالعمل العربي المشترك هو رهن بإرادة الدول والحكومات وليس الأمانة العامة المرابطة على الضفة الشرقية لنيل القاهرة وعلى حافة ميدان التحرير الذي شكل علامة مهمة في التغيير، وظلت الدعوات العربية المتكررة لتفعيل الجامعة هي دعوات موسمية
* تضمنت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي توصيف للتحديات التي تواجه الوطن العربي، وأوجز المهددات وقدم وصفة لتحقيق التكامل وتجاوز الأزمات واعتبر التحديات التي يمر بها الوطن العربي تشكل تهديداً وجودياً مباشراً لكيانات الدول وشعوبها، ولخص الحلول في عدة نقاط ، أهمها " زيادة تعزيز العمل الجماعي وبلورة رؤى مشتركة، والحرية الواعية المسؤولة، وإعطاء الأولوية القصوى لتطوير قطاع الصناعة في إطار تكاملي عربي، وتعزيز الاستثمارات العربية المشتركة للاستفادة من الموارد العربية الطبيعية والمادية والبشرية، وأهمية تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، مع ضرورة إنشاء القوة العربية المشتركة كأداة مهمة من أدوات التكامل العربي اللازمة للدفاع عن قضايا الأمة العربية حيث تتخذ مصر والسعودية خطوات جادة في هذا الصدد، ومحاربة الإرهاب والعنف الديني والمذهبي والفكر التكفيري الذي يهدد الوحدة الوطنية . ودعا الرئيس السيسي إلى تفعيل دور جامعة الدول العربية والمنظمة العربية للعلوم والثقافة، وزيادة الروابط بين الدول من خلال المؤسسات الحكومية والأهلية.
*جاءت كلمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل لتوصف الواقع العربي بدقة مستخدماً سموه مفردات تكاد تكون غير مسبوقة في الخطاب السياسي والثقافي العربي لما تحمله من شفافية وعمق ودلالات ونقد موضوعي بلغة أدبية رفيعة ومنها: عالم مضرب .. ومنطقة تلتهب .. وعرب تحترب .. / حاولنا الوحدة فانقسمنا .. واستوردنا السلاح فاقتتلنا .. واجتمعنا للتفاهم فاختلفنا .. أنظروا إلى الحال كيف أصبح .. وإلى الوضع كيف يجرح .. نتأثر ولا نؤثر .. ننظر ولا نرى .. نستهلك ولا نصنع .. ونُلدغ من كل جحر مرتين .. الأخ يقتل أخاه لماذا؟.. ولا يجد المواطن في الوطن ملاذاً .. تقاذفتنا المهاجر .. وتباكت لنا المحاجر .. وضحك العدو الساخر .. .. وتساءل سموه: أما لنا أن نستيقظ من الغفوة؟.. ونهب وننهض من الكبوة !.. وأجاب سموه: بلى والله .. لقد دعا الزمان .. واستصرخ المكان .. ونحن بعون الله قادرون .. وعن استعادة المجد مسؤولون .. فلنشمر عن السواعد .. ونعد الشباب الواعد .. ونسلحه بالعلم والمعرفة .. والجودة والإتقان والتقنية .. ولننبذ المكابرة وتبدأ المشاورة .. فما للعرب إلا العرب.
*استقبل المشاركون في الجلسة الافتتاحية، وبقية جلسات المؤتمر، ما تحدث به سمو الأمير خالد الفيصل بترحاب وسعادة كونها تأتي من رئيس المؤتمر ورئيس مؤسسة الفكر، وكونها تخاطب الوجدان العربي، وهموم واهتمامات النخب العربية من المفكرين الذين يشعرون بما آل إليه الواقع العربي من تهرئ ، لذلك طالبت النائبة اللبنانية السيدة بهية الحريري بضرورة إنشاء مفوضية عربية عليا لمكافحة الإرهاب يكون مقرها في دبي وأن تنطلق من خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي وأن يكون سمو الأمير خالد الفيصل أميناً عاماً أو رئيساً لهذه المفوضية، وجاء ذلك من شعور سموه بالخطر الذي يهدد الوجود العربي، وهذا ما جسدته كلماته، إضافة على أن الجميع يعرفون أن سمو الأمير خالد الفيصل حاكم إداري ناجح ، ومثقف له رؤية ثاقبة، وشاعر حالم يستطيع أن يحول الحلم إلى حقيقة ، وهذا ما فعله في منطقة مكة المكرمة وقبلها منطقة عسير ،ووزارة التربية والتعليم.
*بدا التقارب السعودي ـ المصري هو رهان الحاضر وأمل المستقبل، وهذا ما تضمنته كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي فيما يخص التحرك المشترك لتأمين الوطن العربي، وما جاء في كلمات سمو الأمير خالد الفيصل الذي وصف الرئيس السيسي بأنه الرئيس الموفق، والرئيس المتميز، والرئيس المنقذ.
*المفكرون والمسؤولون العرب بدوا وكأنهم قاطرة أو أداة طرق لتحريك المسؤولين العرب نحو التكامل والوحدة، ركزوا على الدور المرتقب والمرتجى من المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، فقد أشادوا بدور المملكة في دعم ومساندة شقيقاتها العربيات خاصة في الظروف الحالية وما ترتب على ما يسمى بثورات الربيع العربي، كما أنهم بدوا وهم يناشدون مصر سرعة العودة إلى دورها التاريخي والريادي في المنطقة، وأن الأمل معقود على عودة مصر إلى ما كانت عليه وأن تضطلع بدورها في التأثير على محيطها ومساعدة الأمة على تجاوز أزمتها، وهذا ما قاله رئيس الوزراء اللبناني الأسبق السيد فؤاد السنيورة على سبيل الاستشهاد والاقتباس.
* منهج الإعداد والتنظيم وإدارة الجلسات ضمن لهذا المؤتمر النجاح والتميز .. الدكتور هنري العويط مدير عام المؤسسة، والجهاز المعاون له أدار المؤتمر في كل مراحله بطريقة احترافية سواء من الإعداد إلى التنظيم، مروراً باختيار المتحدثين والخبراء، والمشاركين، وتنظيم ورش العمل وإدارتها، وانتهاءً باختتام المؤتمر وإعلان التوصيات وتوزيع التقرير العربي الثامن للتنمية الثقافية، مع الاستعانة بالشباب من مختلف الدول العربية في التنظيم، والشباب سفراء المؤسسة من عدة أقطار عربية، إضافة إلى الخدمات اللوجستية، كان كل ذلك بطريقة دقيقة أدت إلى نجاح هذا العمل بشكل ملحوظ.
*طريقة تنظيم ورش العمل أتاحت للمشاركين وضع مضمون التوصيات، والمؤتمر المقبل من خلال وضع أسئلة استشرافية حول محاور المؤتمر, جميع الأسئلة استخدمت علامة الاستفهام (كيف) كونها تطرح أسئلة مستقبلية تتطلب الإجابة في سلسلة مؤتمرات مؤسسة الفكر المقبلة، حيث تنظم المؤسسة مؤتمراً سنوياً في عواصم الدول العربية فقط عبر ورش عمل للخبراء الذين صاغوا أوراق العمل وطرحوا الأسئلة التي كانت منطلقات للحوار والنقاش ومن ثم النتائج.
*جاء الإعداد للمؤتمر مبكراً فبعد تحديد المحاور ومحتوى وموعد المؤتمر، فقد اختارت المؤسسة منسقي المحاور ومن ثم مقدمي الأوراق البحثية في وقت مبكر، ثم عقدت ورش عمل لكل المحاور قبل تنظيم المؤتمر بثلاثة شهور حيث تم عرض الأوراق البحثية على خبراء في تخصص مضمون الورقة وتم اختيار هؤلاء الخبراء بعناية من مختلف الدول العربية حتى تكون الآراء شاملة ولا تعبر عن دولة أو منطقة بعينها دون غيرها، وحتى تكون المحصلة النهائية شاملة لرؤية عربية متكاملة حول قضية التكامل العربي، فعلى ضوء مناقشات وورش العمل تم تعديل وتغيير الأوراق المقدمة من باحثين رفيعي المستوى في المحاور الستة.
مضمون محاور المؤتمر:
ــ إشكاليات الهوية العربية.
ــ التكامل العربي ومشروع الدولة الوطنية.
ــ الثقافة العربية في إقليم مضطرب.
ــ التعاون الأمني والعسكري في الوطن العربي.
ــ التكامل العربي: الأبعاد الاقتصادية.
ــ جامعة الدول العربية .. الواقع والمرتجى.
*جاءت أوراق العمل ضمن التقرير العربي الثامن للتنمية الثقافية. وفي اعتقادي أن هذا التقرير الذي جاء في حوالي 700 صفحة يستحق الاقتناء والقراءة بدقة لكل المهتمين بالواقع والمستقبل العربي في مجالات هذه المحاور، وهذا التقرير هو محصلة مشاركة عدد ستة منسقين، 24 باحثاً، 68 خبيراً، وسبعة منسقين تقنيين، مع العلم أن أسماء المنسقين والباحثين والخبراء هي أسماء مرموقة ومعروفة جيداً للرأي العام العربي وهم يمثلون أغلبية دول الوطن العربي ومن الصفوف الأولى لمفكريها، واستغرق الترتيب والإعداد لهذا المؤتمر فترة زمنية قد تزيد عن النصف عام، بمتابعة من سمو الأمير خالد الفيصل وسمو الأمير بندر بن خالد الفيصل، ومدير المؤسسة الدكتور هنري العويط وتمثل في حضور سمو الأمير بندر الفيصل جلسات ورش العمل المستقبلية، وحضور سمو الأمير خالد الفيصل وكوكبة من الأمراء، وكبار المسؤولين جميع جلسات المؤتمر والمتابعة الدقيقة مع الشفافية في الحوار.
*إذا كانت ورش العمل السابقة لانعقاد المؤتمر قد ضمت مقدمي الأوراق البحثية والخبراء، فقد ضمت جلسات المؤتمر طيفاً كبيراً من المشاركين، الذين يمثلون شرائح عربية متنوعة الاهتمامات والخلفيات الفكرية والثقافية ومن مسؤولين، مفكرين، أكاديميين، دبلوماسيين، وخبراء في مختلف المجالات، وتحدث في جلسة المؤتمر الأولى من هم على المنصة وهم: سمو الأمير خالد الفيصل، الدكتور نبيل العربي، فؤاد السنيورة، طاهر المصري، عمرو موسي ، أحمد بن حلي ، وتحدث من المشاركين 16 متحدثا بينهم سفير دولة الإمارات العربية بالقاهرة حيث تستضيف أبو ظبي القمة العربية المقبلة الذي رحب بقمة العرب في بلاده، والدكتور علي الدين هلال الذي قال ( نهاجم الجامعة العربية لأننا نحبها، ونهاجمها لأننا نتكأ)، وتحدث الدكتور نبيل عبد الفتاح عن الواقع والمأمول في التكامل العربي، وتحدث الشيخ صالح كامل ورجل الأعمال المصري محمد أبو العينيين عن رجال الأعمال وطالبوا بتفعيل قرارات القمم العربية على أرض الواقع بما يعزز حجم وقيمة التبادل التجاري العربي، وتحدثت الدكتورة هيفاء أبو غزالة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية رئيس قطاع الإعلام والاتصالحول الإعلام العربي المشترك، وتحدثت الإعلامية منى الشاذلي عن الإرهاب بلغة إعلامية مؤثرة، وتحدثت السيدة بهية الحريري عن خطورة الإرهاب على حاضر ومستقبل الدول العربية... كما تحدث بقية المتحدثين الستة عشر.
*شهدت جلسة الحديث عن الجامعة العربية مرثيات لصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السابق ـ يرحمه الله ـ حيث رسم السيد عمرو موسى صورة للأمير الراحل بالكلمات متذكراً مواقفه في دعم العمل العربي المشترك والدفاع عن قضايا الأمة لأكثر من 40 عاماُ، وتم تكريم سموه وقدمت الجامعة العربية درع التكريم لنجله سمو الأمير خالد بن سعود الفيصل
*تحدث مجموعة من المفكرين في الجلسة الختامية من بينهم الأستاذ الدكتور عبد الخالق عبد الله أستاذ العلوم السياسية بدولة الإمارات الذي امتدح المؤتمر وانتقده في آن واحد لكن جاء ثناؤه دقياٌ وكذلك انتقاده، هو وصف المؤتمر بأنه جاء جريئاً، شاباً، مستقبلياً، استثنائيا، عروبيًا. لكنه انتقد عدم تأهيل الشباب الذين شاركوا في ورش العمل وطالب بضرورة تأهيلهم، ودعا إلى الاستفادة من مخرجات هذا المؤتمر، فيما اعتبر المفكر اللبناني الدكتور رضوان السيد أن التكامل العربي أصبح ضرورة وليس ترفاً ودعا إلى سرعة المضي على طريق هذا التكامل، الدكتور مصطفى العاني رأى أن الجامعة العربية لم تقدم شيئاً خلال مسيرتها وأنها فشلت في تحقيق مهمتها.
*في إطار الوفاء أقامت مؤسسة الفكر العربي احتفالية تكريم لشخصيات عربية قدمت خدماتها لبلادها وللوطن العربي، وكذلك كرمت المبدعين والمتميزين العرب من الشباب، وشمل التكريم المستشار عدلي منصور الرئيس المصري السابق، والفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية في دولة الإمارات والقائد العام لشرطة أبوظبي، ثم تم تكريم أمناء الجامعة العربية العامين (الأحياء) فقد تم تكريم الشاذلي القليبي، عمرو موسى، ونبيل العربي، وكذلك تكريم المبدعين العرب الشباب، كما كرمت الجامعة العربية صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة ورئيس مؤسسة الفكر العربي، وكان قد تحدث في احتفالية التكريم صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن خالد الفيصل رئيس مجلس إدارة مؤسسة الفكر العربي الذي بذل مجهوداً كبيراً قبل وأثناء مؤتمر فكر 14.
*كان الشباب هم فرسان الجلسة الختامية حيث قدم شاب أو شابة توصيات كل محور من محاور المؤتمر.