فرضت بريطانيا واقعا خليجيا مفككا، لولا أن الملك عبد العزيز تمكن من خلال دبلوماسيته في اللعب على وتر التوازنات الدولية، من أجل ضم الحجاز إلى دولته، مستثمرا ضعف الدولة العثمانية، التي قضت على الدولة السعودية الأولى، حينما أرادت توحيد الجزيرة، بينما تمكنت دولة الإمارات العربية،على يد الشيخ زايد في توحيد الإمارات السبع في دولة اتحادية واحدة، كنموذج أثبت نجاحه، وهي حاجة يمكن أن تنطبق على دخول دول الخليج في اتحاد مماثل.
كانت دول الخليج مصدر أطماع للدول الإقليمية المجاورة، وبعد توقف الحرب العراقية ـ الإيرانية، بدأت أطماع صدام حسين تتجه نحو دولة الكويت، تحت ذرائع وحجج لا أساس لها، متجاوزا كل المبادئ والقيم التي تربط دول الخليج بالعراق، بل غاب عنه حتى التفكير الاستراتيجي، وهي طبيعة نظم حكم الفرد،لم يستوعب بأن منطقة الخليج منطقة محظورة، ليست فقط على العراق، بل حتى على الدول الكبرى، وهو ما تدركه إيران أيضا، لذلك هي تحاصر دول الخليج عبر مشروع ثوري، يتم تصديره عبر وكلاء وميليشيات مسلحة، الذي تعتبره السعودية إرهاب دولة أكثر خطورة من إرهاب المجموعات كداعش، وتعتبر مواجهته أولوية.
منذ أن دعمت الولايات المتحدة الثورة الخمينية، ولم تدعم الجماعات اليسارية، التي يمكن أن تتحالف مع روسيا، تمكنها من الوصول إلى المياه الدافئة في الخليج العربي، ومن الغريب حاولت الولايات المتحدة في نفس الوقت في إقناع الرئيس البكر بمواجهة مشروع الثورة الخمينية التي دعمتها، بعدما طالبت الثورة الخمينية أهل العراق القيام بثورة مماثلة، والانضمام للثورة الخمينية، لكن لم تجد الولايات المتحدة عند البكر قبولأ بمواجهة الثورة الخمينية، لأنه كان رجل عسكري، ويعرف الآثار التي يمكن أن تنعكس على العراق، نتيجة مجابهة دولة كبرى مثل إيران، وأن الحرب لا منتصر فيها، خصوصا وأن العراق مقبل على نهضة صناعية وتعليمية لا يود وقفها.
عرضت واشنطن على نائبه صدام ما عرضته على البكر، ووجدت فيه البضاعة الرائجة، فدعمت انقلابه على البكر بعد الثورة الخمينية بأربعة أشهر، وبدأت مرحلة المواجهة مع إيران التي تريدها الولايات المتحدة لمدة ثمان سنوات أكلت الأخضر واليابس، ودمرت الجيشين الإيراني والعراقي، وأوقفت النهضة العراقية وهو فخ نجحت في نصبه للدولتين.
كرر صدام حسين نفس الخطأ، والتجربة نفسها مع الكويت، ولم يأخذ العبرة من نوايا المواقف الأمريكية، عندما أعطته الضوء الأخضر لاحتلال الكويت تلميحا لا تصريحا، وقادت بعد احتلاله الكويت تشكيل التحالف العالمي لإخراج صدام حسين من الكويت، على إثر تلك الحملة امتصت الفوائض الخليجية التي أنفقت على هذه الحرب العبثية.
وبعد أحداث 11 سبتمبر اعتمدت الولايات المتحدة على إيران هذه المرة في غزو أفغانستان والعراق باعتراف أحد المسؤولين الإيرانيين عام 2003 م، في مؤتمر في الدوحة عندما قال لولا إيران لما تمكنت الولايات المتحدة من غزو البلدين.
الولايات المتحدة ليست صديقة لأحد، وأكبر مثال على ذلك أنها كانت تقدم استشارات لكلا البلدين أثناء الحرب العراقية الإيرانية، من أجل تدمير قوة البلدين، وأنهت قوة العراق بعد غزوه، وهي تريد الآن استنزاف قوة إيران في العراق وفي سوريا وفي بقية المنطقة، وهو ما يؤكده قائد الجيش الأميركي مارتن ديمبسي من تحذير إيران التي قد تستغل تخفيف العقوبات للإنفاق العسكري، وصوت مجلس الأمن بالإجماع على إبقاء لجنة الخبراء التي تراقب الحظر على طهران.
انقضى العام الأول على سقوط الموصل، ولم يتم بناء جيش عراقي وطني قادر على خوض المعركة ضد الإرهابيين، والتحالف الذي تشكل لمحاربة داعش بقيادة الولايات المتحدة يتفكك، والعراق أيضا يتفكك، خصوصا وأن المسؤولين عن القرار الأول في العراق غير مؤمنين بموضوع المصالحة الوطنية، بعد أن أصبحت سياسة العبادي لا تختلف عن سلفه المالكي في تهميش السنة والأكراد، بعد ضغوط شديدة مورست تجاهه من قبل أتباع إيران، التي لم تسمح له بإقامة علاقات مع دول عربية مهمة مثل السعودية، وفشل الرئيس معصوم في تنفيذ مشروع المصالحة الوطنية، وسط استمرار الخلافات والشكوك بين الشيعة والسنة والأكراد.
ولا يزال المالكي حاضرا في المشهد العراقي، يخلط الأوراق في ذكرى سقوط الموصل، ويتهم أطرافا سنية باستهداف التجربة الشيعية، وكأنها تجربة ناجحة، وحتى العبادي بدلا من تمرير قانون الحرس الوطني إرضاء لإيران وأتباعها من الحشد الشعبي، فإنه يصر على الحشد الشعبي، ويعتبره الدولة، استمرارا لسياسات المالكي التابعة لإيران.
المصالحة السعودية ـ الإيرانية مقرونة بتخلي إيران عن إرهاب الدولة ودعم ميليشيات الحرب بالوكالة في المنطقة
أمريكا وجدت ضالتها في صدام حسين ودعمت انقلابه ضد أحمد حسن البكر لتنفيذ مخططات الحروب العبثية
سقوط الرمادي وتأجيل معركة الأنبار ضمن الصراع بين أمريكا وإيران ,والإصلاحات في طهران بعيدة المنال
إيران ضغطت على العبادي لمنع التقارب مع السعودية وفشل معصوم في تنفيذ المصالحة الوطنية والمالكي في المشهد
الولايات المتحدة ليست صديقة لأحد, أنهت قوة العراق وتستنزف إيران في العراق وسوريا وبقية دول المنطقة
تعامل السعودية عاقل مع متغيرات المشهد الإقليمي والنظام الدولي ولن تقبل بالميليشيات المسلحة المدعومة من إيران
أثار قرار الرئيس أوباما بأنه لا يملك استراتيجية كاملة لمحاربة داعش، أثارت موجة انتقادات واسعة، لكن يجب ألا نستغرب من مثل ذلك التصريح، وهو تصريح يقع ضمن استراتيجية أمريكا المتعمدة، من أجل تحقيق استراتيجية أمريكية معدلة على أنقاض الموت والدمار، ونجد عشائر الرمادي يستقبلون قرار أوباما بعد سقوط الرمادي في يد داعش، وهروب القوات العراقية بإرسال المدربين بامتعاض فيما هم يطالبون أوباما بالتسلح.
أعلن قائد عمليات الأنبار إلى تأخير معركة الرمادي تنفيذا لأجندات خارجية، بعدما أعلن هادي العامري رئيس الحشد الشعبي تأجيل معركة الأنبار نيابة عن العبادي، ويعتبره البعض الرئيس الحقيقي للعراق، ويمتلك الحشد الشعبي ما لا يمتلكه الجيش من العتاد العسكري، ويصرف لأفراده رواتب، بينما تم قطع الرواتب عن الشرطة في الأنبار، ومنع عنهم السلاح وحتى المساعدات التي وصلت العراق من أمريكا ومن الدول العربية لمساعدتهم لم يتم تسليمها لهم.
أهداف أميركا في العراق نستقيها من تصرح الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيأة الأركان الأمريكية المشتركة عن عزم واشنطن في إقامة قواعد عسكرية أخرى في العراق على غرار قاعدة الأنبار التقدم التي سوف تؤوي ألـ 450 الإضافيين الذين وافق أوباما على إرسالهم إلى العراق إلى جانب ثلاثة آلاف عسكري موجودين منذ رحيل القوات الأمريكية أي أنها بدأت تجني ثمار عودتها إلى العراق بطلب الشعب العراقي بعدما رحلت القوات الأمريكية عام 2011م.
كما استخدمت داعش ورقة لتعديل استراتيجية أوباما، الذي واجه انتقادات متزايدة في داخل أمريكا، بعدما أمر بسحب القوات الأمريكية عام 2011م، التي تواجدت من أجل تنفيذ استراتيجية أمريكية من أجل الانتشار في مناطق الشرق الأوسط، وهو الآن يستعيد هذا التواجد عبر إنشاء قواعد جديدة في العراق.
إذا سقوط الرمادي، وتأجيل معركة الأنبار، هي ضمن الصراع القائم ما بين إيران والولايات المتحدة، فهل تتعايش إيران مع الوجود الأمريكي في العراق؟، كما أنه يزعج هذا التعاون السعودية ويجعلها تراقب هذا التعاون الذي سيكون على حساب مواصلة إيران تمددها في المنطقة.
وعندما احتل صدام حسين الكويت، أعلن عن حقيقة الغزو بأن بغداد استعادت الكويت، باعتبارها المحافظة الـ 19 التابعة للعراق، ولم يتنبه صدام حسين للجلسة الطارئة التي عقدها مجلس الأمن، وطالبه بالقرار 660 بالانسحاب من الكويت، وأنها ستكون بداية انهيار دولة العراق، توالت بعد ذلك العقوبات، وبدء عملية درع الصحراء لتحرير الكويت، شاركت فيها إلى جانب القوات السعودية قوات مصرية وسورية بالإضافة إلى قوات باكستانية وقوات عالمية متحالفة، وصل عدد الجنود إلى مليون جندي، استنزفت موارد دول الخليج، عانت بعدها دول الخليج من جمود التنمية لفترة طويلة، خصوصا بعدما صاحبها هبوط أسعار النفط المصدر الرئيسي للدخل.
في 22 فبراير 1991م، قبل صدام حسين بالاقتراح الروسي بالانسحاب من الكويت، لكن السعودية وأمريكا رفضتا وشككت في نواياه، وفي 26 فبراير انسحب صدام حسين من الكويت بتدمير حقول النفط،عندها أعلن الرئيس جورج بوش في اليوم التالي بتحرير الكويت، واستمرت العقوبات مفروضة على العراق، حتى تم اتهام العراق بحيازته أسلحة محرمة قبل غزوه في عام 2003 م، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م،وهو غزو لم تكن السعودية توافق عليه بل عارضته بشدة.
تم تسليم العراق لإيران على طبق من ذهب، لم تحلم إيران بهذا التسليم، الذي كانت تطمح له تاريخيا، وكانت تقف لها الدولة العثمانيةبالمرصاد، وبدأت إيران تتجه إلى تشكيل تحالف صهيوفارسي للإجهاز على القومية العربية، التي هي أداة الإسلام ومادته، لأن نبي الإسلام عربي، واللغة العربية هي اللغة الرسمية لهذا الدين الحنيف.
وكأن هذا المشروع ينقض إعادة تشكيل الإسلام العالم على أسس نظرية الاستخلاف للإنسان التي ترتكز على أسس القيم والمصالح دون تمييز بين دين أو جنس أو قومية، قائم على أسس التعاون المشترك وفق أسس العدل والتنافس.
لم يجد أعداء الدين الإسلامي سوى تشكيل هذا التحالف الصهيوفارسي رغم العداء الظاهر في الإجهاز على العرب، قبل أن تقوى شوكتهم، خصوصا بعد الاضطرابات التي ضربت المنطقة العربية في عام 2011م، ويعيش العراق الآن احتجاجات وحراك تظاهري يستهدف استعادة وإصلاح الدولة، وهذه المرة ثورات ضد الفساد الطائفي تمتد من العراق إلى لبنان بدعم المرجعية الدينية على السيستاني من أجل تحرير العراقيين أنفسهم من الوصاية الإيرانية.
بسبب أن المرجعية العراقية ترفض ولاية الفقيه التي استوحى الفرس نظرية الإمام المعصومة التي تختطف الحق الرباني على غرار صكوك الغفران التي تقدمها الكنيسة لأتباعها، لكن الفرس تفوقوا على الكنيسة، حينما ربطوا نظرية الإمام المعصوم عبر ولاية الفقيه بالنفوذ السياسي لتمديد رقعة التشيع على حساب مناطق السنة، مما جعلها تبذر جذور تصنيف مفتعل سنة وشيعة في أوساط المسلمين، وإيران تنشر أفكارها من خلال مدارس ودور الأيتام في جنوب العراق مستنسخة مشروع التنصير.
لعب التحالف الصهيوفارسي على وتر هذا التقسيم، لتحقيق هيمنة اقتصادية وسياسية، عبر ارتهان إرادات الشعوب المتوحلة بمستنقعات الصراع المذهبي، عبر وكلاء لها في العراق وفي لبنان والبحرين واليمن، لكن كانت عاصفة الحزم لها بالمرصاد، وهي مرحلة جديدة مخالفة لمواجهة غزو الكويت، بتحالف دولي، في حين استطاعت عاصفة الحزم مواجهة وكلاء إيران في اليمن بتشكيل تحالف عربي إقليمي إسلامي بقيادة السعودية، أي أن أمن دول الخليج والدول العربية سيكون بيد أبنائه هذه المرة.
العراق الآن بين الهيمنة الإيرانية عبر وكلائها المتمثلين في الميليشيات العديدة في العراق، لتضمن إيران السيطرة على العراق، ولخلق ضمان التنافس بين تلك الميليشيات لخدمة الأجندة الإيرانية، لكن عاصفة الحزم حركت شجون العراقيين في استعادة الإرادة العربية، لأنهم خرجوا من تهور صدام حسين إلى الهيمنة الإيرانية التي تفرض أجندة غير وطنية همشت السنة والأكراد وهشمت العراق كبلد ووطن.
ونتيجة الضغط على العبادي ومحاصرته من قبل أتباع إيران في العراق، من أجل أن يستنسخ تجربة سلفه المالكي في إدارة الحكومة العراقية، وهناك مظاهرات جماهيرية تحرج التحالف الوطني الحاكم بعد تفاقم خلافاته الداخلية، خصوصا بعد رفض المجلس الأعلى مرشح ائتلاف المالكي لرئاسة التحالف الوطني الحاكم.
ومن أجل تهدئة خواطر المتظاهرين، أصدر العبادي قرارا بشمول المنطقة الخضراء في بغداد بمن فيهم الرئاسات الثلاث بالقطع المبرمج للكهرباء، بينما اتهم القيادي البارز في التيار الصدري الأعرجي حكومة المالكي وغيرها في العراق بإهدار نحو تريليون دولار منها 200 مليار دولار منح ومساعدات منذ عام 2004م، وقال لا توجد حسابات كيف تم إنفاق تلك الأموال ولا يوجد إنجاز على الأرض.
الملالي لا يزالون في حالة وهم، في حين إيران أصبحت تحت وصاية الدول الكبرى بعد التوقيع على الاتفاق النووي، ومن السخرية أن تصبح إيران قوة كبرى إقليمية تسعى لبسط سيطرتها ونفوذها على منطقة الشرق الأوسط،بل إن الاتفاق النووي أتى لدعم الاعتدال في إيران ضد المتشددين، لتتحول إيران إلى دولة طبيعية، والعودة بإيران إلى الحظيرة الدولية كما يدعي أوباما وهو ادعاء لم يقنع دول الخليج.
رغم أن سيطرة الملالي لا زالت متماسكة، والإصلاحات في إيران من الفرضيات البعيدة، وروحاني في السنة الثالثة من حكمه لم يتمكن من تنفيذ أي محاولة إصلاحية، ولا يزال الاقتصاد الإيراني قابعا تحت وطأة العقوبات، والتي أدت لتفاقم الأوضاع نتيجة للفساد الذي يقوده الملالي لتقوية نفوذهم عبر فيلق القدس الذي يقوده قاسم سليماني، ويشرف ويسيطر على الشبكات الإيرانية خارج إيران، ودعم نظام الأسد من خلال تجنيد المرتزقة من لبنان وأفغانستان وطاجيكستان والعراق تبقى المصالحة بين السعودية وإيران وهم مثلما تتمنى واشنطن من أجل عودة الاستقرار إلى المنطقة ومواجهة الإرهاب، بينما ترى السعودية أولوية محاربة إرهاب دولة إيران المتمثل في الميليشيات المنتشرة في المنطقة العربية التي تحارب بالوكالة.
وكما وقفت واشنطن أمام صدام حسين عندما أراد السيطرة على منطقة الخليج، لن تسمح لإيران أن تبسطهيمنتها على منطقة الخليج عبر الحرب بالوكالة، يتضح هذا بعد منع واشنطن من إيقاف السفينة الإيرانية التي أرادت الوصول إلى الحوثيين عندما أرسلت المدمرة روزفلت،والتي أبحرت تحت ضجة إعلامية لاختبار قوة التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، فهل وعت إيران الدرس؟ رغم ذلك لن تراهن السعودية إلا على مواقف أكثر جدية مثلما هي تولت بنفسها قيادة عاصفة الحزم لإيقاف ميليشيات الحوثي وعلي عبد الله صالح في اليمن.
إن التعاطي مع الاتفاق النووي باعتباره أحد عناصر معادلة جديدة تؤثر في مسارات المنطقة، وبدلا من جنوح إيران نحو التهدئة، والتسويات، وإبداء مجموعة من الحلول، اتجه الحرس الثوري نحو مزيد من إرباك المشهد الإقليمي، من أجل إطالة عمر الاضطرابات المندلعة في المنطقة، خصوصا في المناطق الساخنة التي تعتبرها مناطق تابعة للهيمنة الإيرانية في الكويت والبحرين.
بدأت إيران في إرباك المشهد الإقليمي بتصريح نوري المالكي نائب الرئيس العراقي تجاه السعودية عندما طالب بوضع السعودية تحت الوصاية الدولية، كرد على المجتمع الدولي الذي وضع إيران تحت الوصاية الدولية، تهدف تلك التصريحات الاستفزازية إلى تأكيد فصل بغداد عن محيطها العربي لتحصل على موافقة أميركية، وضرب أي تقارب عراقي سعودي خصوصا بعد الاحتجاجات الشعبية ضد المحاصصة وضد الفساد التي تتهم السعودية بأنها خلف تلك الاحتجاجات، أو على الأقل عاصفة الحزم التي تقودها شجعت تلك الاحتجاجات.
تلك التطورات أتت بعد التفاهم الأمريكي الإيراني في العراق بعد توقيع الاتفاق النووي مؤخرا، أدى إلى رفع الفيتو الأميركي عن فصيلين من الحشد الشعبي مدعومين من إيران هما عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله من المشاركة في تحرير الأنبار مقابل رفع تحفظ هذين الفصيلين عن مشاركة الطيران الأميركي، مع الإبقاء على تحفظهما بشأن رفض وجود قوات أميركية، حتى تسمح إيران لأمريكابإقامة قواعد عسكرية ثابتة في العراق، واكتفى كارتر وزير الدفاع الأميركي إلى أن المشاركة السنية في الحملة على الرمادي أساسية لنجاحها.
تلك التطورات تفرض على السعودية السعي بشراسة إلى منع طهران من تثبيت الهيمنة على العراق، بعدما كشفت تلك التطورات عن المؤامرة الحقيقية التي قادها المالكي في عهده عندما سمح بتسليم ستة ألوية بأسلحتها لداعش، بعدها أعلنت داعش عن الدولة الإسلامية، ما يمثل انتقام المالكي من ثورات السنة في الأنبار، ضد تهميش المالكي للسنة، واتهامهم بالإرهاب، ولا يزال السيناريو مستمرا لتهميش السنة في العراق.
انتقم المالكي من السنة الثائرين ضده الذين كانوا سببا في إسقاطه، لكنه نجح في إثبات أن السنة إرهابيون، وهو جزء من مخطط تثبيت هيمنة المشروع الفارسي، وهيمنة الطائفة الشيعية على السلطة في العراق، مع استمرار المخطط في تهميش السنة، والهيمنة على مناطقهم، بعد تحريرها من داعش على أيدي الحشد الشعبي، مع مشاركة محدودة من السنة، من أجل أن تبدو الولايات المتحدة بأنها تدافع عن حقوق السنة في العراق.
تسعى السعودية بعد الاتفاق النووي، إلى استعادة الهويات الوطنية في كافة دول المنطقة، وستركز في الآونة الحالية على ساحتين هما اليمن ولبنان، وإعادة تكوين السلطة في هذين البلدين بالبناء على المرتكزات الفعلية للهوية الوطنية، وستعول على العراقيين في المطالبة باسترداد الإرادة العربية بعد انكشاف المخطط الصهيوفارسي في العراق.
تدرك السعودية أن الرهان الغربي على عودة إيران بشكل طبيعي إلى المجتمع الدولي ليست مجانية، ولها ثمن، لذلك تقف السعودية أمام دفع هذا الثمن، الذي سيكون على حساب الهويات الوطنية في المنطقة العربية، لأن إيران تستهدف جانبين رئيسيين في المنطقة العربية هما الهوية العربية والوطنية، والقضاء عليهما عن طريق خلق الصراع المذهبي والإثني عبر تشكيل ميليشيات تابعة لها تسيطر على الوضع الهش الذي فرضته لتفتيت الجسد العربي، حتى لا تقوم له قائمة، لكن عاصفة الحزم كانت استثناء، وستواجه هذا المخطط.
السعودية على يقين بأن إيران تصر على أن تكون جزءً من الفوضى في المنطقة، ولن تقبل السعودية أن تكون إيران مشاركا في خلق الشرعية والدولة الوطنية، التي تراها تتعارض مع مشروعها الفارسي الثوري، رغم أن 40 في المائة من الشعب الإيراني يعاني الفقر نتيجة العقوبات المفروضة على إيران من قبل المجتمع الدولي، ونتيجة ممارسات الملالي الذين يحرسون تنفيذ المشروع الفارسي في المنطقة، ولم يتوقعوا أن تقود السعودية تحالفا لمواجهة هذا المشروع.
وكما استثمرت المفاوضات النووية، هي أيضا تريد أن تستثمر قلق الغرب في إنجاح تلك المفاوضات، حتى لا تنهار، وحتى يدفع لها الغرب وخصوصا الولايات المتحدة الثمن على حساب دول المنطقة.
لكن السعودية ستقف لها بالمرصاد، أمام تسلم مثل هذا الثمن على حساب أمن المناطق العربية، ومواجهة حالة التفكك في الدول والمجتمعات، وستكون السعودية مدافعا شرسا عن الأمن العربي كتركيا التي دافعت عن مصالحها، ووقفت أمام محاربة داعش دون محاربة الأكراد الذين يهددون أمنها.
السعودية لن تقف أمام استراتيجية أوباما الجديدة التي يدعو لها بتعدد القوى في المجال الدولي والإقليمي، خصوصا بعد أفول قوة الولايات المتحدة المطلقة، حتى لا تتحمل تكاليف نيابة عن قوى عالمية وإقليمية، وتريد أن تتوزع التكاليف على الجميع، بدلا من أن تتحملها الولايات المتحدة بمفردها، ولكن يجب أن تكون تلك الاستراتيجية وفق قانون النظام الدولي ولن تقبل أن تكون على حسابها.
هناك تعامل سعودي عاقل في التعامل مع المتغيرات في المشهد الإقليمي والنظام الدولي، والخطير أن إيران تقرن التفكك الذي تمارسه عبر وكلائها وربطه بالإرهاب، لتحقيق هدف مركب، والتوصل إلى تحقيق تفككين، تفكيك دولي، وتفكيك مجتمعي، الذي يؤدي إلى التفتيت، وليس إلى التقسيم، حتى تمنع بروز قوى إقليمية عربية قادرة على مواجهتها، وهي تنفذ مخططات دولية بأجندات إيرانية.