اختيار الاغتيال القيادي كوسيلة لإسقاط النظام
عملية اغتيال أعضاء القيادة وعلى رأسهم الرئيس بشار الأسد كانت أحد الاحتمالات المتوقعة في بداية الانتفاضة الشعبية, وكان هذا الاحتمال سيؤدي إلى إحداث تغيرات جذرية في مسيرة التطورات في سوريا, فالمجموعة الحاكمة التي تمتلك زمام السلطة وإدارة الأزمة ربما لا تتعدى عددا قليلا ، لذلك فإن عملية التخلص من الشخصيات القيادية ستكون مجدية في كل الأحوال, وعمليات الاغتيال القيادي لها مردودات معنوية حيث أن التصفية الجسدية للقيادة العليا ستشير إلى قدرة المعارضة على التغلغل في مراكز السلطة وانتهاك حصانتها لتهديدها من الداخل، وعمليات اغتيال القيادات تعني حدوث فراغ قيادي مفاجئ وخطير يؤدي عادة إلى زعزعة النظام ، وحتى لو تمكن النظام من تجاوز أزمة الاغتيال على المدى الطويل فإن التعامل مع أزمة الاغتيالات على المدى القصير يشكل تحدياً خطيراً لأمن النظام, وفي نظام دكتاتوري يكون لعمليات الاغتيال القيادي تأثيرات واسعة قد تؤدي إلى سقوط النظام بشكل كامل , ورغم الاعتقاد بمحدودية جدوى هذا الاختيار في المثال السوري لكون النظام السوري لا يقوم على شخص واحد بل على "مجموعة حكم" تحتوى في غالبيتها على أعضاء من عائلة الحكم وأعضاء من طائفة الحكم حيث وفي حالة حدوث اغتيال الرأس فإن النظام سيكون قادراً على إحلال البديل خلال فترة قصيرة ، لذلك فإن عملية الاغتيال القيادي (أي اغتيال رأس النظام فقط) لن تكون مجدية لدرجة كبيرة في وضع النظام السوري، دون شمولها عدد كبير من قيادات النظام الأمنية والعسكرية مما يحول دون حدوث "عملية استبدال قيادي" سريع لتعويض الخسائر في القيادة.
وقد خضع النظام لاختبار الاغتيال في يوليو / تموز 2012 م، بعد عملية اغتيال بتفجير عبوة ناسفة داخل مقر قيادة النظام الأمنية في مبنى مقر الأمن القومي والتي ذهب ضحيتها عدد كبير من قيادات النظام الأمنية والعسكرية من ضمنهم وزير الدفاع ووزير الداخلية وبعض قيادات الأجهزة الأمنية. ولكن تمكن النظام وخلال فترة قصيرة من تعيين البدائل للقيادات التي تم تصفيتها، ولم يعرف حتى اليوم بالتحديد الجهة أو الشخص الذي نفذ أو خطط لعملية الاغتيال الجماعي هذه، ولكن من المرجح أن يكون المسؤول (أو المسؤولين) عنها من ضمن الدائرة الداخلية للنظام، وممن يوثق بهم للتواجد في موقع اجتماع سري عالي المستوى وفي أكثر المقرات الأمنية حماية وأمناً، ولا يستعبد أن يكون عنصر حماية لأحد كبار المسؤولين الأمنيين أو العسكريين.
ومن العادة أن ترتفع احتمالات عمليات الاغتيال القيادي مع انخفاض قدرات النظام وقرب احتمال هزيمته أو سقوطه، وفي الحالة السورية ورغم مرور النظام بهذه المرحلة الحرجة خلال السنوات الثلاث الماضية، لم تظهر معلومات تشير إلى حدوث محاولات عمليات اغتيال تستهدف الصف القيادي للنظام، فالنظام على ما يبدو تمكن من تأمين قياداته من محاولات الاغتيال.
وهناك ثلاثة مصادر قادرة على تنظيم محاولات الاغتيال في سوريا هي:
محاولات اغتيال داخلية من قبل عناصر النظام. أي محاولات الاغتيال التي تخطط وتنفذ من قبل عناصر من داخل الدائرة اللصيقة بقيادات النظام ( عناصر الحماية والحراسة الشخصية للقيادة، أو عناصر فاعلة في النظام لها القدرة للوصول إلى الهدف دون عائق مثل وحدات الحماية الرئاسية أو وحدات الحرس الجمهوري), وهذا الاحتمال يعد من الأمور الممكنة التي تنتج عن التمرد السري لبعض عناصر النظام لتبني اختيار التصفية الجسدية للقيادة مدفوعة بدوافع مختلفة ومتعددة بناءً على طبيعة التطورات الجارية في البلاد ، فعمليات الاغتيال الداخلي قد يكون دافعها الصحوة الوطنية لبعض عناصر النظام والرغبة في تخليص البلاد من محنتها وتقديم نفسها كمنقذ للشعب، أو قد يكون مصدرها الخلافات الداخلية, أو الرغبة للاستيلاء على السلطة وتقديم نفسها كبديل للقيادة السابقة ، أو في حالة تدهور وضع النظام تكون الرغبة في استباق الأحداث وإزاحة القيادة التي يعد وجودها عقبة لإنهاء الصراع ، وقد تكون مدفوعة برغبة التخلص من العقاب أو الانتقام ومحاولة تأمين وضعها المستقبلي.
محاولات الاغتيال القيادي المعدة من قبل المؤسسات الأمنية أو العسكرية خارج الدائرة الداخلية. وتشمل محاولات الاغتيال التي يتم تنظيمها من قبل عناصر تابعة لإحدى المؤسستين (الأمنية أو العسكرية) وهذه المؤسسات، بسبب سعتها، تتضمن عددا كبيرامن العناصر المتمردة أو غير الموالية للنظام، والمستعدة، نظريا، للتخلص من قيادة النظام. مهمة هذه العناصر ستكون أصعب في تنفيذ مهمة الاغتيال لكونها بعيدة عن تواجد قيادة النظام، وبكونها لا تمتلك المعلومات الدقيقة عن أماكن تواجد أو حركة قيادات النظام.
وهناك محاولات الاغتيال التي تدبرها المعارضة ، وهنا يمكن القول أن هذا النوع من عمليات الاغتيال لازال محدودا لكون المعارضة لا تمتلك الامكانيات الاستخباراتية لتنظيم مثل هذا العمل أو الوصول إلى القيادات المستهدفة بيسر, ورغم حقيقة أن المعارضة كانت ومنذ انطلاق الثورة، مسؤولة عن عدد من عمليات الاغتيال التي استهدفت المسؤولين الرسميين السوريين وقيادات حزبية من حزب البعث الحاكم، ولكن أغلب من تم استهدافهم بعمليات الاغتيال من قبل فصائل المعارضة هم من مسؤولي الصفوف الوسطى من القيادة السياسية أو الأمنية أو الحزبية, ولم تمس هذه العمليات القيادات العليا.
ورغم عدم تجسد هذا السيناريو (سيناريو الاغتيال القيادي) خلال الفترة الماضية فإن الوضع داخل سوريا وداخل النظام لازال مفتوحا لجميع الاحتمالات، ولا يجب استبعاد أي احتمال في المستقبل القريب، لكون الظروف داخل الساحة السورية قابلة للتغيرات السريعة.
اختيار الانقلاب العسكري
كانت هناك آمال واسعة مع بداية الانتفاضة الشعبية أن تتحرك مجموعة عسكرية ضد النظام الحاكم وتقوم بالاستيلاء على السلطة لإنهاء أزمة البلاد, وكان هذا الأمل يؤسس على التاريخ الطويل لسوريا الذي شهد انقلابات عسكرية متعددة وعمليات تدخل المؤسسة العسكرية للتأثير على مجرى الأحداث تاريخيا, وقد ساد الاعتقاد بإمكانية حدوث انقلاب / تمرد عسكري ضد النظام خاصة منذ منتصف عام 2011 م, مع تصاعد ضغوط الاحتجاجات الشعبية على النظام، والتي كانت مصحوبة بالضغوط الخارجية, ولكن رغم ارتفاع حدة الاحتجاجات الشعبية وانتشارها لعموم أنحاء البلاد ، ورغم القسوة التي مارستها مؤسسات النظام الأمنية ضد أبناء الشعب ،ورغم بروز حالة التعاطف العام مع الاحتجاجات التي كان يسودها الطابع السلمي ، فإن المؤسسة العسكرية السورية لم تتحرك ضد النظام.
ويمكن تفسير ظاهرة غياب التحرك العسكري ضد النظام إلى آلية السيطرة الأمنية الفعالة التي تمكن من تطويرها النظام خلال فترة العقود الأربعة الماضية، وخاصة خلال فترة حكم الرئيس حافظ الأسد مما ضمن درجة ملحوظة من المناعة أو الحصانة ضد الانقلابات العسكرية، وفي كل الأحوال يتضمن سيناريو الانقلاب احتمالات متعددة ومختلفة المصادر والأساليب، ومن الممكن تحديد معالم بعضها، وهي:
انقلاب من داخل مؤسسة الحكم (انقلاب داخلي):
هذا النوع من الحركات الانقلابية ينبثق على الأغلب من وحدات "حماية النظام" بشكل تمرد على قيادات النظام السياسية والعسكرية، وهذا الاحتمال من الاحتمالات الواردة في جميع الأوقات. فقوات حماية النظام تكون عادة مهمتها الرئيسية توفير الحماية للنظام من التهديدات التي توجه إليه ، خاصة من المؤسسة العسكرية الوطنية (القوات المسلحة الوطنية / الجيش السوري) ومنع أو القضاء على التحركات الانقلابية وعمليات التآمر التي تقوم بها وحدات القوات المسلحة, لذلك فإن قوات حماية النظام تعد صمام الأمان لبقاء النظام في السلطة، في الوقت نفسه تشكل هذه القوات أكبر مصدر تهديد للنظام في حالة تمردها أو انشقاقها بسبب امكانياتها الواسعة وقدرتها على التحرك وبسبب معرفتها الدقيقة بمفاصل النظام, ورغم أن جزءًا كبيراً من قوات حماية النظام في سوريا تتبع خط الولاء الطائفي (أغلبية ضباطها من أبناء طائفة الحكم من الأقلية العلوية) فإن هذا الأمر لا يمنع احتمال تمرد قيادات هذه القوات على قيادة النظام لأسباب وحسابات شخصية أو لدوافع سياسة ووطنية .
انقلاب / تمرد وحدات من القوات المسلحة السورية :
رغم أن القوات المسلحة السورية هي أكبر حجما من قوات حماية النظام وبفارق عددي كبير ، وأوسع انتشاراً في أنحاء الدولة ، إلا أنها بعيدة عن مراكز السلطة الحساسة، ومواقع انتشارها الجغرافي بعيدة نسبيا عن مراكز قيادة النظام، مما يحول دون امتلاكها القدرة على التحرك السريع لتهديد النظام, إلى جانب ذلك تخضع هذه القوات عادة لمراقبة لصيقة من قبل أجهزة الاستخبارات العسكرية التابعة للنظام لانعدام عامل الثقة في ولائها للنظام، ومعظم قياداتها العسكرية مخترقة من قبل الأجهزة الأمنية للنظام، لذلك فإن هذه القوات لها دوافعها التي تؤهلها للتمرد على النظام ولكنها لا تمتلك القدرات اللازمة للقيام بعملية انقلاب عسكري ناجح يقود إلى إسقاط النظام.
اختيار الانتصار العسكري للثوار
مع تقدم الزمن وازدياد تعقيدات الموقف العسكري على الأرض أصبح احتمال الانتصار العسكري الحاسم للثوار على قوات النظام أمراً بعيد المنال، فهذا الاختيار كان واقعيا في فترة معينة من عمر الثورة السورية، ولكن مع مرور الزمن ودخول عناصر جديدة إلى مسيرة الثورة أصبح هذا الاختيار صعب التحقيق ضمن الظروف القائمة، وهناك عوامل متعددة مستجدة تقود إلى الاستنتاج بعدم إمكانية تحقيق هذا الهدف، ويمكن أن نشير إلى البعض منها:
إن هذا الاختيار لا يمكن تحقيقه دون استهداف العاصمة دمشق وجعل سقوط العاصمة محور العمليات العسكرية, لكن طالما احتفظ النظام بالقدرة على السيطرة على العاصمة ومؤسسات الدولة الحيوية فيها فإن النظام لا يعتبر ساقطا من الناحية القانونية والعملية, وحتى في حالة وجود "عاصمة بديلة" فإن فقدان النظام السيطرة على دمشق قد تكون بداية العد التنازلي الفعلي لسقوط النظام ككل وفقدانه السيطرة على باقي أجزاء البلاد, وسيناريو العاصمة البديلة (افتراضا في منطقة الساحل ذات الكثافة السكانية العلوية كاللاذقية أو طرطوس) لن يسعف النظام من السقوط, ولكن قد يشجع اختيار تفتيت الدولة إلى كيانات طائفية وتعدد العواصم ومراكز ممارسة السلطة, لذلك فإن اختيار الانتصار العسكري (أي دحر النظام عسكريا) يمكن أن يتجاوز هدف اسقاط العاصمة ، مع جميع المشاكل والتعقيدات التي سترافق هذا الاختيار.
هذا الاختيار، ونتيجة التجارب التي شاهدناها في مناطق متعددة من العالم، لا يعد الخيار المفضل لأطراف داخلية أو خارجية لكونه يعد "خيارا دمويا" و "خيارا تخريبيا" سيترك خلفه أعداداً كبيرة من الضحايا البشرية ويقود إلى الدمار المادي للبنية التحتية.
خيار العمل العسكري المختلط (عمل عسكري داخلي – خارجي متلازم)
وهنا نشير بشكل أساسي إلى ما يسمى بـ "الخيار الليبي" حيث شكل الدعم العسكري الخارجي والتدخل العسكري الفعلي وخاصة الاسناد الجوي مصحوباً بعمليات الثوار الليبيين داخل البلاد الآلية التي قادت إلى سقوط النظام الليبي وانتصار الثوار. خيارات العمل العسكري المختلط تتحدد بسيناريوهات قليلة قد لا تتجاوز في إطارها العام الثالث فقط، وفي جميع الحالات التي يمكن تصورها يتطلب السيناريو، أي سيناريو تحت هذا الافتراض، وجود اتفاق مسبق بين القوى الخارجية وبعض القوى العسكرية داخل الأراضي السورية للتحرك لإسقاط النظام بوسائل الضغط العسكري ومنها:
الأول ـ القيام بعمل عسكري داخلي بدعم عسكري إقليمي: وهذا الخيار تم تطبيقه فعليا من قبل إيران بهدف إنقاذ النظام السوري من الانهيار عبر إصدار الأوامر لوحدات "حزب الله اللبناني" لعبور الحدود الدولية والمشاركة في العمليات العسكرية إلى جانب قوات النظام, فالتدخل العسكري الإيراني "غير المباشر" فتح الأبواب لأي دولة إقليمية أخرى قادرة وراغبة بالتدخل عسكريا في الصراع السوري, ولكن احتمالات تدخل الدول الإقليمية الأخرى عسكريا لإسقاط النظام السوري أصبحت مع مرور الوقت ضئيلة جداً, فالتدخل العسكري التركي أو الأردني في النزاع أصبح مستبعداً مع مرور الوقت, والتدخل العسكري الإسرائيلي غير وارد خاصة بهدف إسقاط النظام أو تمكين الثورة من الانتصار.
الثاني ـ القيام بعمل عسكري داخلي بدعم عسكري دولي تحت غطاء قانوني دولي أو بدونه ( من مجموعة من الدول أو من قبل دولة كبرى): وهذا الاختيار مرفوض من معظم الدول الكبرى القادرة على الإيفاء بمتطلبات العمل العسكري في سوريا, فالولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون استبعدوا احتمال التورط بأي عمل عسكري بهدف إسقاط النظام السوري, ولم تسع أي من هذه الدول لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يبيح التدخل العسكري الخارجي في الصراع السوري, ولم تعلن أي دولة كبرى نيتها للتدخل خارج إطار قرارات الشرعية الدولية, لذلك فإن هذا الخيار يعد مستبعدا في الوقت الراهن.
الثالث ـ القيام بعمل عسكري داخلي مدعوم بدعم عسكري مختلط إقليمي ودولي: وهذا الخيار هو ما تم اتباعه في تجربة دعم الثورة الليبية, فتدخل قوات حلف شمال الأطلسي (الولايات المتحدة ، بريطانيا ، فرنسا ، وأخرون) كان مصحوبا بدعم عسكري قدمته دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتحديد دولة قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة, ولكن المثال الليبي تمتع بغطاء الشرعية الدولية عبر استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يقوم على أحكام الباب السابع من الميثاق الذي يبيح استخدام القوة (تحت شروط محددة) ويلزم جميع الدول الأعضاء في المنظمة الدولية بتقديم الدعم والتسهيلات لتنفيذ بنود القرار, وفي الوضع السوري الراهن يعتبر تكرار هذا السيناريو أمرا غير وارد أو محتملا, فالدول الكبرى غير راغبة بالتدخل العسكري ، ولم تسع أبداً لتطوير غطاء قانوني دولي لهذا الاختيار ، لذلك فإن اختيار العمل العسكري المختلط الذي طبق في التجربة الليبية لا يعد اختيارا فعليا في ظل الظروف القائمة.
الاختيار الدبلوماسي الدولي
سيناريو نقل السلطات التنفيذية إلى "هيأة حكم" (صيغة اتفاقإطار جنيف 1)
البيان الختامي الصادر عن "مجموعة العمل من أجل سوريا" في جنيف في 30 يونيو / حزيران 2012م، ورد فيه رسالتين رسميتين وجههما الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى رئيسي الجمعية العامة ومجلس الأمن بتاريخ 5 يوليو / تموز 2012م, وتضمنت الوثيقة صيغة التسوية المتوقعة للأزمة السورية, وتعد المادة (أ) من أهم مواد اتفاق جنيف 1, وجاءت كما يلي:
"(أ) إقامة هيأة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية وأن تمارس هيأة الحكم الانتقاليةكامل السلطات التنفيذيةويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى ويجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة"
أي أن المادة أقرت بوجوب نقل "كامل" السلطات التنفيذية إلى "هيأة حكم انتقالية" تتولى مهمة ممارسة هذه السلطات، وبناءً على هيكلية النظام السياسي السوري فإن رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية في البلاد.
واستناداً إلى نصوص دستور الدولة السورية الجديد الذي تم إقراره في فبراير 2012 م، فإن رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذيّة ينتخب لمدة سبع سنوات قابلة للتمديد لمرة واحدة، واشترط أن يكون سوريًا بالولادة ومن أبوين سوريين بالولادة وغير متمتع بأي جنسية أخرى وغير متزوج بغير سورية وألا يكون قد صدر ضده حكم قضائي "شائن" كما أوجب أن يكون المرشح حاصلاً على توقيع 35 نائبًا من مجلس الشعب للترشح, والدعوة للانتخابات تتم عبر رئيس مجلس الشعب الذي يدعو للانتخابات الرئاسيّة خلال فترة من شهرين إلى ثلاثة أشهر من ولاية الرئيس الموجود في السلطة، ويعتبر فائزًا من يحصل على الأغلبية المطلقة سواءً من الدورة الأولى أو بعد دورة الإعادة، وكحال مجلس الشعب ففي حال عدم انتخاب الخلف يستمرّ الرئيس المنتهية ولايته على رأس السلطة حتى انتخاب خلفه، كما اعتبر الدستور رئيس الجمهورية غير مسؤول عن أعماله في إطار ممارسة صلاحياته التي نصّ عليها الدستور إلا في إطار "الخيانة العظمى", وقد حددت نصوص الدستور واحد وعشرين "سلطة تنفيذية" يمارسها رئيس الجمهورية بشكل حصري وهي:
- تسمية نوابه وإعفاؤهم وتفويض بعض صلاحياته لهم.
- تسمية رئيس الوزراء والوزراء ونوابهم ، وقبول استقالتهم وإقالتهم.
- رسم السياسة العامة للدولة بالتعاون مع مجلس الوزراء المعين من قبله.
- إصدارالقوانين وردها إلى مجلس الشعب، فإذا أعاد المجلس إقرارها بأغلبية الثلثين اعتبرت نافذة دون توقيعه. المادة لم تحدد مدة بقاء القانون لدى الرئيس دون ردّ أو إصدار قبل اعتبارها نافذة.
- إعلان الحرب والسلم والتعبئة العامة.
- إعلان حالة الطوارئ وإلغاؤها لمدة مفتوحة، بمرسوم يقرّه مجلس الوزراء.
- اعتماد السفراء الأجانب وتعيين السفراء السوريين لدى الخارج.
- قيادة الجيش والقوات المسلحة بما فيها إصدار جميع "القرارات والأوامر اللازمة لممارسة هذه السلطة".
- تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين.
- رئاسة المجلس الأعلى للقضاء.
- إبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية.
- إصدار العفو الخاص ومنح الأوسمة ومخاطبة الشعب.
- حل مجلس الشعب.
- اقتراح القوانين.
- إعداد وإصدار القوانين خارج دورات انعقاد مجلس الشعب أو أثناء انعقادها "في حالات الضرورة" على أن يكون للمجلس حين انعقاده إلغاؤها، فيما يعرف باسم "المراسيم التشريعية".
- جميع الإجراءات السريعة التي يراها مناسبة في حال تعرض البلد للخطر.
- تشكيل اللجان والجمعيات الخاصة.
- استفتاء الشعب، ولا يجوز للمحكمة الدستوريّة العليا الاعتراض حتى لو كان موضوع الاستفتاء مخالفًا للدستور.
- تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا، التي من واجباتها محاكمته.
- إحالة الوزراء إلى المحاكمة.
- اقتراح تعديل الدستور، بناءً على طلبه أو ثلث أعضاء مجلس الشعب.
أما الوزارة، فإنها مسؤولة أمام رئيس الجمهورية ومجلس الشعب، وعلى خلاف دستور 1973فقد نصّ الدستور الحالي على أنه من واجب الوزارة القسم أمام رئيس الجمهورية؛ وقد حدد الدستور الشروط الواجبة في الوزير كعدم جواز الجمع بين الوزارة وعضوية مجلس إدارة إحدى الشركات غير أنه فسح المجال أمام الجمع بين عضوية الوزارة والنيابة. كما نصّ على أن الوزارة تعتبر مستقيلة لدى بداية ولاية رئيس الجمهورية ومجلس الشعب, وعند استقالة رئيسها أو أغلبية أعضائها، وبيّن أن الوزير هو المسؤول عن وزارته, أما صلاحيات مجلس الوزراء مجتمعًا، فهي اقتراح القوانين بما فيها حصر اقتراح الموازنة العامة للدولة، وإقرار الخطط الاقتصادية وإصدار القرارات الإدارية في تنفيذها وتوجيه عمل الوزارات وإقرار المعاهدات الدولية وعقد القروض ومتابعة تنفيذ القوانين في ختام فصول مناقشة سلطات الدولة، وهناك ذكر للوحدات الإدارية التي تتبع مبدأ اللامركزية الإدارية والمعروفة في سوريا باسم المحافظات.
لذلك فإن الصيغة التي جاءت في اتفاقية جنيف 1 هدفت إلى تجريد رئيس الجمهورية من جميع سلطاته، دون الإشارة إلى إقالته، أي أن الرئيس السوري بشار الأسد قد يتمكن من الاستمرار بمنصب رئيس الجمهورية، ولكنه سيكون منصبا دون سلطات فعلية، لكون "كامل" هذه السلطات كان يفترض تحويلها إلى "هيأة حكم انتقالي" غير مسؤولة أمام رئيس الجمهورية وتتمتع بالاستقلالية التامة، وهذا يعني تجريد النظام من السلطة وزواله الحتمي والتدريجي.
احتمالات / سيناريوهات تخلي الطائفة العلوية عن دعم النظام
في ظل ضمانات وحماية كافية ستكون قيادات الطائفة الدينية والاجتماعية مستعدة للتخلي عن عائلة الأسد من أجل إنقاذ الطائفة،ولكن هذا الأمر قد لا يكون واقعيا في ظل استمرار قدرة النظام على البقاء وقدرته على مقاومة الضغوط وعدم وجود علامات أو إشارات على قرب انهياره , ولذلك فإن عملية حشد تأييد الطائفة العلوية للمساعدة لإسقاط النظام لا تعد اختياراً قائماً في المرحلة الراهنة, وهذا الاختيار قد يكون واقعيا في حالة حدوث بعض التطورات السياسية أو الميدانية التي قد تدفع باتجاه تبلور هذا الاختيار ومنها:
- ارتفاع كبير في ضحايا أبناء الطائفة العلوية بسب القتال المستمر واعتماد النظام بشكل كبير على عناصر الطائفة في مواجهة الثوار مما يولد حالة استنزاف خطير لأبناء الطائفة ويحمل الطائفة أعباء ًكبيرة قد تضطر لرفض الاستمرار في تقديم الدعم لتجاوز كلفة التضحيات والقدرة على استيعابها لفترة طويلة أخرى.
- إيمان قيادات الطائفة بعدم امكانية النظام من البقاء والاستمرار والتيقن من كون سقوط النظام أمر حتمي وهو "عملية وقت فقط".
- في حالة تخلي الداعمون الخارجيون عن توفير الدعم والغطاء للنظام (إيران، روسيا، ...) مما يعني احتمال سقوط النظام بشكل سريع.
- إذا أحرز الثوار تقدماً ميدانياً كبيراً نحو العاصمة أو نحو منطقة الساحل (جبل العلويين) مما يهدد النظام بشكل مباشر، أو يهدد قلب التواجد العلوي الجغرافي في سوريا.
- حدوث حركة انشقاق أو تمرد ضمن دائرة السلطة في دمشق مما يهدد بقاء النظام أو قدرته على الاستمرار.
- حدوث تدخل عسكري خارجي واسع بهدف اسقاط النظام.
وخلال عام 2013 م، أي بعد مرور ما قارب عامين على انطلاق شرارة الثورة السورية، برزت إشارات بوجود درجة ملحوظة تدل على تململ ضمن قيادات الطائفة العلوية في سوريا، وتبلور بعض الأفكار التي تعارض الأسلوب الذي يتبعه الرئيس السوري في إدارة الأزمة في البلاد, فخلال شهر مارس / أذار عام 2013 م, عقدت ما تسمى "المعارضة العلوية" مؤتمرا في القاهرة للتعبير عن دعمها للتغير في سوريا والتأكيد على عدم تبعية الطائفة العلوية في سوريا لنظام الرئيس بشار الأسد, وقد صدر عن المؤتمر وثيقة اطلق عليها اسم ـ"إعلان القاهرة" التي شددت على ضرورة عدم الخلط بين الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد وبين النظام الحاكم باعتبار هذا الخلط "خطأ سياسيا وأخلاقيا", و تبع هذا المؤتمر مؤتمر ثان عقد باسطنبول في نوفمبر من العام نفسه، والذي حاول تأكيد المبادئ التي تم اقرارها في مؤتمر القاهرة السابق وأهمها وجوب الفصل بين النظام والطائفة، وعدم توريط الطائفة بجرائم النظام, ولكن لا يبدو أن هذه المؤتمرات لعناصر "المعارضة العلوية" في الخارج كان لها صدى كبير في داخل سوريا أو ضمن أروقة قيادات الطائفة العلوية داخل البلاد.
وفي أغسطس 2014م, تم رصد حملة "علوية" معادية للنظام برزت في صفحات وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك، كان موضوع المشاركين هو التساؤل حول التراجع الكبير والأخير لقوات النظام أمام الثوار في عدة مناطق في سوريا، أهمها القلمون وريف حماة وريف حمص وريف دمشق, ولكن الموضوع الأهم والأبرز كان التعبير عن السخط الكبير في ارتفاع أعداد القتلى في صفوف قوات النظام وميليشياته خلال الـفترة الأخيرة ، ولكون أغلب هؤلاء الضحايا هم من شباب الطائفة العلوية في البلاد , وأكدت مصادر "العربية نت" التي كانت تتابع التطورات على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي في تقريرها عن إطلاق ناشطين من الطائفة العلوية حملة، تحت مسمى "الكرسي إلك والتابوت لولادنا"، تعبيراً من أبناء الطائفة العلوية عن الاستنكار لإسلوب النظام في التحكم في أبناء طائفته العلوية وتوجيههم إلى مرامي القتال ضد الثوار على الجبهات الأولى، "في حين ينعم آل الأسد وحاشيته بعيش كريم آمن".
وأشار التقرير إلى أنه تم توزيع منشورات مطبوعة كبداية لتنفيذ حملة في مدينة طرطوس الموالية للنظام حول أسلوب النظام في إدارة الصراع خاصة حول الخسائر البشرية التي تتكبدها المدينة والريف من خسائر في صفوف أبنائهم المتطوعين في جيش النظام وميليشياته من لجان الدفاع الوطني واللجان الشعبية، وأكّد ناشطو الحملة من خلال منشوراتهم مقتل ما يزيد عن 330 ألف مقاتل من صفوف النظام منذ بداية الثورة السورية بينهم 60 ألفاً برتبة ضابط بين قتيل وجريح.
وفي السياق نفسه ظهرت تقارير صحفية تشير إلى إطلاق مجموعة من الناشطين العلويين في سوريا حملة "صرخة" يدعون فيها الأهالي من الطائفة العلوية للتوقف عن إرسال أبنائهم للقتال إلى جانب النظام ووقف ما أسموه "الموت المجاني" المتواصل بين صفوف شباب الطائفة التي أقحمها النظام في حربه الطائفية, وأشارت الحملة إلى حقيقة أن الساحل السوري يدفع القسط الأكبر من قتلى القوات النظامية بتشييع عشرات الشباب المقاتل بشكل يومي, وبناءً على ما أورده التقرير تعتمد حملة "صرخة" أسلوب النشر عبر المنشورات والرسوم المطبوعة، بالإضافة إلى الكتابة على الجدران، وغيرها من الوسائل المتاحة, وتتوجه بشكل رئيسي إلى الأهالي من الطائفة العلوية في جميع مناطق تواجدها حسب ما قالت المسؤولة الإعلامية للحملة إيما سليمان مريود، في تصريحات لـصحيفة الشرق الأوسط، مبيّنة أن الهدف منهانشر التوعية بوجوب وقف الحرب الطائفية في سوريا، وعدم الاستمرار بزج أبناء الطائفة العلوية وتقديمهم كقرابين مجانية في الحرب الدائرة, وأن الحملة تعمل على التصدي للحرب الإعلامية الدعائية للنظام الذي "لا يزال يستغل مواكب الجنازات اليومية لزيادة الشحن الطائفي".
وفي حقيقة الأمر لا يمكن التخمين بشكل دقيق بمدى فعالية هذه النشاطات العلوية المعارضة لسياسة النظام، و مدى الضغوط الفعلية التي تولدها هذه الحملات على قرارات قيادة النظام ، ولا نعلم مدى التأييد الشعبي أو الجماهيري ضمن المجتمع العلوي في سوريا الذي تتمتع به هذه الحملات, ولكن مما لا يمكن تجاوزه هو الاقرار بحقيقة خطورة التململ الشعبي داخل الطائفة العلوية على مستقبل نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وخلال شهر أغسطس / آب 2014 م, وكرد فعل للمجازر وعمليات الإعدام العلني التي تعرضت لها قوات النظام وشبيحته المحاصرة في مطار الطبقة العسكري في شرق سوريا على يد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" ، ظهرت تقارير تشير إلى تعمق حالة التذمر في الشارع العلوي حيث أن غالبية الذين تم إعدامهم على يد المقاتلين الإسلاميين المتشددين هم من أبناء الطائفة العلوية, وبعد ذلكأسس مؤيدو النظام حملة أطلقوا عليها عنوان "وينن" أو "# وينن" هدفها مطالبة قيادة النظام السوري بمحاسبة المسؤولين عن ترك جنود مطار الطبقة العسكري لمصيرهم وهو الإعدام على يد عناصر داعش, وقامت السلطات الأمنية باعتقال المشرفين على الحملة لمنع انتشار حالة التذمر بين أبناء الطائفة العلوية, وجاءت هذه الحملة متزامنة مع حملة أخرى ركزت على أبناء الطائفة العلوية عبرت عن مظاهر التذمر والاستياء الواضح في الشارع العلوي وهي حملة «الشارع بدو يعيش»، التي أطلقها نشطاء من الطائفة