لم تشهد المنطقة العربية صراعات خلال تاريخها كتلك التي تشهدها حالياً، فالصراعات الحالية تهدد بقاء الأمة العربية ودولها التي عرفها التاريخ منذ آلاف السنين، ولم يحدث التكالب والتهافت على الأمة العربية كما يحدث الآن فالصراعات دامية ومتشابكة وتحركها أصابع خارجية وتنفذها أياد محلية أو مجهولة، في ظل عدم اهتمام دولي بقدر ما هو رغبة دولية في جر المنطقة العربية إلى حروب طائفية وعرقية ومذهبية غير مسبوقة، أي ترغب القوى الكبرى في العالم جر المنطقة إلى أتون حروب الجيل الرابع وهذه الرغبة من جانب القوى الكبرى والإقليمية لها أسبابها التي يرون أنها في مصلحتهم حتى وإن كانت على حساب بقاء الشعوب العربية ذاتها، فهناك شعور إيراني بالعزلة والاضطهاد التاريخي بسبب القومية أو المذهبية ، وبغض النظر عن حقيقة وواقعية هذا الشعور من عدمه،هي تريد أن تكون السيادة لقوميتها الفارسية على المنطقة تحت غطاء مذهبي يمكن الولي الفقيه أو المرجع الشيعي الأعلى من تحريك الشارع الإسلامي، والسيطرة على الدولة الإسلامية تحت شعارات براقة وإن كانت وهمية والسبب الحقيقي هو تمكين إيران من المنطقة بأسرها على حساب الشعوب العربية سواء السنية أو الشيعية التي ظلت متعايشة طيلة التاريخ الإسلامي.
الولايات المتحدة الأمريكية وجدت ضالتها في ما يسمى بثورات الربيع العربي لتمزيق الدول العربية وإعلاء شأن إيران بعد أن قدمت طهران نفسها للغرب على أنها تمثل الإسلام المعتدل الذي لا يعرف الجهاد ولا يفرخ التنظيمات الإرهابية الجهادية في حين تدعم طهران هذه التنظيمات وتقف خلفها لتشويه صورة الإسلام السني وبالفعل نجحت في تحقيق ذلك إلى حد كبير فهي الحاضنة والممولة لهذه الجماعات الإرهابية و مثال القاعدة وداعش ليس ببعيد.
واشنطن لديها مشكلة متعددة الزوايا مع العالم العربي والإسلامي، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي كان لزاماً عليها أن توجد العدو البديل، أو العدو الوهمي الذي هو جزء من السياسة الأمريكية التقليدية، فكان أمامها العالم الإسلامي خاصة العربي بعد أن احتلت أفغانستان والعراق بعد أحداث 11 سبتمبر، كما إنها تريد توفير الأمن الكامل والمطلق لإسرائيل على حساب جيرانها العرب وأن تجعل الدول العربية الكبرى في حالة انكفاء أو حالة صراع، أو حالة من التفتت والتشرزم لكي تكون إسرائيل القوة المسيطرة على الشرق الأوسط.
وظلت واشنطن فترة تبحث عن وريث لها في المنطقة بعدما حسمت أمرها للتوجه شرقاً إلى بحر اليابان والصين، ووجدت مبتغاها في إيران التي أبرمت معها الاتفاق النووي والذي أصر الرئيس الأمريكي أوباما على إبرامه بكل السبل قبل نهاية ولايته الثانية باعتباره الإنجاز الأمريكي الوحيد في عهده وإن كانت واشنطن قد قامت بعملية تمويه طويلة الأمد في خلافاتها مع إيران التي لم تكن في الحقيقة خلافات حقيقية بقدر ما هي عملية تمويه كبرى، فالولايات المتحدة تفاوضت مع الثورة الإيرانية بعد شهرين من قيامها في الجزائر حسب رواية زينجو برنجسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس كارتر ، وليس خفي فضيحة إيران غيت والتي اشترت من خلالها إيران أسلحة إسرائيلية في حربها ضد العراق في ثمانينيات القرن الماضي.
وتوجت الولايات المتحدة الأمريكية علاقتها مع إيران بالاتفاق النووي مؤخراً والذي بموجبه ستكون إيران حتماً دولة نووية عسكرية في غضون 15 عاماً فقط ، وكل ما في الأمر أن الاتفاق النووي أجل ظهور إيران النووية العسكرية لكن لم يعطل هذا المشروع الذي سوف يوجد حالة من الخلل في التوازن الاستراتيجي والعسكري لصالح إيران تلك الدولة التي لا تؤمن بالتعايش السلمي ولا تلتزم بسياسة حُسن الجوار.
يظل الأمن القومي العربي مسؤولية عربية في المقام الأول، وكما أن الحفاظ على استقرار المنطقة وتثبيت الأمن فيها واستكمال مراحل التنمية مسؤولية عربية وقرار عربي، ومن الضروري أن تعي الدول العربية المخططات الموضوعة لإشغال وإنهاك هذه الدول وتوجيه ثرواتها وجهودها إلى وجهة غير التنمية والتطور ورفاهية شعوبها إما بإشغالها في ذاتها بخلق الصراعات الداخلية، أو بالتوتر الإقليمي وإيجاد بؤر ملتهبة على حدود الدول العربية الكبرى والمؤثرة.
الأمر يتطلب وقفة عربية لتنقية الأجواء وإنهاء الخلافات والاتفاق على بدء مرحلة عربية جديدة من التعاون في مختلف المجالات طبقاً للمزايا النسبية لكل دولة وتفعيل دور الجامعة وتعديل ميثاقها وتفعيل اتفاقياتها حتى تظل الدول العربية على الخريطة الجغرافية التي نعرفها.