استجابة للتحديات القائمة في المنطقة العربية، وفي ظل القلق من انعكاس تداعيات هذه التحديات على مستقبل المنطقة، توجد مؤشرات إيجابية للمواقف العربية المشتركة يصاحبها تحركات على الأرض للدفاع عن قضايا الأمة بوضوح وبصوت عال، ولعل التحرك العربي تجاه سوريا ولبنان والمحاولات الجادة لإعادة الدولتين إلى الحاضنة العربية من الخطوات المهمة التي طال انتظارها بعد أن امتدت حالة الاختطاف القسري للدولتين على يد ميليشيات مسلحة ،وتدخل خارجي سافر، فرض حالة وصاية عنوة على دول عربية ذات سيادة وأعضاء في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، وقد ترجمت هذه المواقف الزيارات العربية رفيعة المستوى إلى سوريا ولبنان، إضافة إلى عقد مؤتمر دعم سوريا بالعاصمة السعودية الرياض في 12 يناير الماضي لبحث إيقاف العقوبات الدولية المفروضة على سوريا منذ عهد نظام بشار الأسد، وأيضًا بحث إعادة إعمار سوريا وضخ المزيد من المساعدات لدمشق، إضافة إلى الجهود المحمومة لإنهاء الحرب الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، واستكمال اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، وإعادة النازحين إلى القطاع، والبدء في إعادة الإعمار مع التوقف عن مطالب إسرائيل بتهجير سكان قطاع غزة تحت دعاوى مختلفة، فليس من العقول العودة بالتاريخ إلى الوراء ، أي إلى نكبة جديدة على شاكلة نكبة 1948م، وفيما يتعلق بحل القضايا العربية العالقة أيضًا توجد محاولات جادة لإيقاف الحرب المدمرة في السودان التي أدت إلى تمزيق أوصال هذ البلد المهم للأمة العربية وتهجير معظم سكانه، مع تثبيت أمن البحر الأحمر.
تحركات الدبلوماسية العربية والخليجية النشطة تؤكد جدية المساعي العربية المبذولة منذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية على غزة بعد السابع من أكتوبر 2023م، ومن اللافت أيضًا انعقاد قمة دول مجلس التعاون الخليجي في مطلع ديسمبر الماضي بالكويت والتي تمخض عنها بيان ختامي موسع قد يكون من أشمل بيانات القمم الخليجية والعربية حيث تضمن154 بندًا تناولت كافة القضايا الخليجية والعربية والإقليمية والدولية ، ويُحسب لهذا البيان أنه سمى جميع القضايا التي تناولها بأسمائها الواضحة وعبر بدقة عن واقع القضايا المطروحة ، وقدم مقترحات ورؤى ومواقف حيالها.
البيان تناول القضايا الداخلية الخليجية، وأكد على تناول قضايا مهمة للشأن الخليجي العام فقد أكد على " التنفيذ الكامل والدقيق والمستمر لرؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الخاصة باستكمال الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الأمنية والدفاعية المشتركة وتنسيق المواقف بما يعزز تضامن واستقرار دول المجلس والحفاظ على مصالحها ويجنبها الصراعات الإقليمية والدولية ، ويلبي تطلعات مواطنيها وطموحاتهم ، ويعزز دورها الإقليمي والدولي من خلال توحيد المواقف والسياسات وتطوير الشراكات الاستراتيجية مع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والدول الشقيقة والصديقة"، وفي الحقيقة ما جاء في هذا البند يمثل رؤية واقعية لدول مجلس التعاون فهي تجمع بين (الوحدة الاقتصادية والأمنية والدفاعية)، إضافة إلى التعامل ككتلة خليجية موحدة مع العالم، حيث أن الهاجس الأمني والدفاعي يمثل أولوية خليجية، بالتوازي من التوجه الاقتصادي الذي هو محور الرؤى الوطنية الخليجية ؛ لذلك أتت هذه الجهود لتركز على رؤية الملك سلمان لضمان استمرار المسيرة دون تعثر ولتكون مسيرة متوازنة تنطلق بجناحي الأمن والتنمية، وكذلك أكدت القمة على مواصلة الجهود للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد طبقًا لمقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وبناءً على ذلك فإن أمام مجلس التعاون رؤيتين مهمتين يمثلان استراتيجية محددة المعالم لاستمرار المجلس وتحقيق الوحدة الاقتصادية والأمنية المأمولة في ظل منطقة ملتهبة تتقاذفها تيارات متصارعة ومتناقضة ، والاتحاد الخليجي وتقويته وتأمين الجبهة الداخلية والإقليمية هو صمام الأمان.
القمة الخليجية أكدت على استقرار أسواق الطاقة عالميًا، وتبني النهج المتوازن دون إقصاء لمصادر الطاقة وابتكار تقنيات لإدارة الانبعاثات مع التركيز على ركائز نهج الاقتصاد الدائري للكربون الأربعة، وأكدت على أهمية الاستراتيجية الخليجية للأمن السيبراني.
أفرد البيان الختامي للقمة مساحة واسعة للقضايا العربية والإسلامية والتعامل بالتوازي مع مختلف حلقات العلاقات العربية والإسلامية والدولية، والتأكيد على الترابط بين هذه الحلقات وتأثير كل حلقة على الأخرى.
تمثل مخرجات قمة دول مجلس التعاون ركيزة مهمة للأمن الإقليمي العربي ويجب البناء على مخرجاتها بالتعاون مع جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة من أجل إبعاد شبح الضرر بالأمن العربي من بوابة الأفكار الإسرائيلية ودول الجوار غير العربي.