كل الأدبيات السياسية والتاريخية والجغرافية تؤكد أن الدول العربية سواء في المغرب العربي أو مشرقه، نسيج واحد متشابك ومترابط منذ الفتح الإسلامي لإفريقيا وامتزاج القبائل العربية مع سكان دول المغرب الذين اعتنقوا الإسلام ونطقت السنتهم باللغة العربية، وزادت الأواصر مع توالي موجات الهجرة، والهجرة المعاكسة، وكان لأداء فريضة الحج والعمرة أبلغ الأثر في توطن الكثير من أبناء المغرب العربي في الجزيرة العربية ومصر على طريق الحج القديم، ورحبت دول المشرق بإخوانهم من دول المغرب كون بعضهم من العلماء الذين درسوا الدين الإسلامي وبرعوا في علومه ما جعلهم محل ترحيب من مصر والحجاز في ذلك الوقت، وهناك العديد من الأمثلة على ذلك، ثم توثقت العلاقات مع زيادة التبادل التجاري في العصر الحديث.
وأخذ هذا التلاحم يتجسد في مواقف تاريخية محفورة في الذاكرة العربية فكانت دول المشرق العربي الحاضنة لثورات التحرر المغاربي من الاستعمار في النصف الأول من القرن العشرين، وكانت ملازًا للقيادات الوطنية المغاربية وناصرت قضاياهم في المحافل الدولية والأممية، كما عملت الدول المشرقية دومًا على رأب الصدع الجزائري / المغربي حول إقليم الصحراء، وقادت المملكة العربية السعودية جهودًا هامة للتقريب بين الدولتين الكبيرتين وكان لهذه الجهود بالغ الأثر في الإعلان عن اتحاد دول المغرب العربي في 17/2/1989م، بمدينة مراكش والذي ضم خمس دول هي: المغرب، الجزائر ، تونس ، ليبيا، وموريتانيا، وكان يهدف هذا الاتحاد إلى تقوية علاقات الأخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها، وتحقيق تقدم ورفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها، لكن ليس دائمًا تأتي الرياح بما تشتهي السفن، فتسببت قضية الصحراء باتساع الهوة بين الجزائر والمغرب.
ثم جاءت مرحلة ما يسمى بثورات الربيع العربي التي عصفت باستقرار وأمن بعض الدول المغاربية ومنها من اقترب من التعافي ومنها مازال يعاني، فدولة تونس بدأت في التعافي السياسي والأمني بعد مخاض عسير إلا أنه لم يكتمل تعافيها الاقتصادي بعد، بينما مازالت ليبيا في دائرة الخطر الأمني والسياسي والاقتصادي والجيواستراتيجي بسبب الانقسام الداخلي بين الشرق والغرب حيث يوجد في الدولة الليبية الواحدة حكومتان واحدة في الغرب والثانية في الشرق وأيضًا برلمانان في الغرب والشرق، وأدى ذلك إلى انقسام شديد واكبه تدخل أجنبي متعدد الأطراف بين قوى كبرى عالمية وأخرى إقليمية، وتنافس على تقاسم الثروات خاصة النفط والغاز، وأصبحت ليبيا ملعبًا لتشابك المصالح بين أمريكا وروسيا، وكذلك دول الاتحاد الأوروبي وتركيا وغير ذلك من الدول الأخرى، والأمر الآخر الأكثر خطورة هو تسلل الجماعات الإرهابية العابرة للحدود والقادمة من مختلف دول العالم خاصة من دول جنوب الصراء، مع اتساع وتمدد ظاهرة الميليشيات المسلحة وفوضى انتشار السلاح والاتجار فيه، مع الاتجار بالمخدرات والبشر ، وزيادة رقعة التهريب، في ظل حالة استرخاء دولي لوجود ليبيا كدولة رخوة ومنقسمة حتى تستطيع الدول المتنافسة تحقيق مصالحها في ظل هذا التفتت وغياب جميع مظاهر الدولة وعدم سيطرتها على إقليمها.
وفي هذه الظروف التي تشهد تعدد الإشكاليات بين دول المغرب العربي سواء حالة عدم الوفاق الجزائري / المغربي، أو حالة الانفلات الأمني وغياب الدولة في ليبيا، والتعثرات الاقتصادية في تونس، وتوسع التدخل الخارجي، اتسعت الهوة وزادت مساحة الاختلاف، وهذا يؤشر لمخاطر وتحديات كبيرة على دول المغرب العربي، لذلك خصصت مجلة (آراء حول الخليج) هذا العدد لمناقشة واقع ومستقبل دول اتحاد المغرب العربي، في محاولة لوضع التحديات بين يدي صانع القرار والنخبة المعنية بمستقبل المنطقة ودولها الخمس لقرع ناقوس الخطر والتنبيه للمخاطر التي تنتظر جميع هذه الدول دون استثناء، والحث على ضرورة رأب الصدع وتجاوز الخلافات والوصول إلى الحد المقبول من التعاون والتكامل لصد محاولات التأثير الخارجي المقيت الذي يتبع سياسة الاستعمار القديم وهي (فرق تسد)، ولتحقيق ذلك ؛هناك دور لقيادات هذه الدول، والجامعة العربية، والاتحاد الإفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، والأمم المتحدة لنشر السلام وتحقيق الوفاق في منطقة المغرب العربي وإطفاء بؤرة ساخنة للهجرة غير الشرعية والإرهاب وفوضى السلاح، والميليشيات، ولإغلاق الطريق أمام التدخل الأجنبي السافر الذي يحقق مصالح دوله على حساب الشعوب دون مراعاة الأعراف والمواثيق الدولية، أو مراعاة حقوق الإنسان، بل كل ما يهم الدول الأجنبية نهب الثروات وعودة الاستعمار بشكل أو بآخر ولعل المشهد الليبي خير مثال لذلك، وإذا لم يتم تدارك هذه المخاطر والتحديات سوف تنتقل هذه الحالة إلى دول الجوار الأخرى خاصة مع وجود الوضع المأساوي في السودان.