array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 144

أمريكا وقضايا الخليج عام 2019: وعود ترامب تلاشت قبل أن يجف حبر اتفاقياتها

الإثنين، 02 كانون1/ديسمبر 2019

يصعب الحديث عن حالة العلاقات الخليجية-الأمريكية في عام شهد العديد من الأزمات التي وضعت المنطقة قاب قوسين من حرب شاملة، وكشفت في الوقت ذاته العديد من نقاط الضعف مثل غياب منظومة الأمن الإقليمي وضبابية العلاقة بين دول المنطقة والولايات المتحدة. وقد دلت على ذلك الهوة الكبيرة بين واقع تلك العلاقات من جهة وحاجة المنطقة ودولها والأخطار التي تحيق بها من جهة أخرى، ومما زاد في تلك الهوة غياب الحراك الدبلوماسي الذي يعول عليه كثيرًا في زمن الأزمات. هذه الورقة تمثل محاولة لإلقاء نظرة على واقع العلاقات الأمريكية-الخليجية وأهم منعطفاتها هذا العام، مع استعراض لأدائها في أهم قضايا المنطقة ونختم بمحاولة إستقراء لما يمكن أن تكون عليه في العام القادم، والله الموفق.

 

  1. العلاقات الأمريكية-الخليجية بين عظم التوقعات وخيبة الآمال

هذا العام هو الثالث في عمر إدارة الرئيس دونالد ترامب التي صاحبت بدايتها الكثير من الآمال والأحلام تطلعًا لقيامها بمبادرات جديدة نحو العديد من قضايا المنطقة التي عانت الإهمال في إدارة الرئيس السابق أوباما. ومما زاد في مساحة الأمل أن الزيارة الخارجية الأولى للرئيس ترامب كانت إلى الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية حيث عقد قمة ثنائية مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ، تبعتها قمتان متعددة الأطراف مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وأخرى مع قادة الدول العربية والإسلامية توجت بصدور إعلان الرياض الذي تعاهد بموجبه المجتمعون على ثلاثة مبادئ أولها تأكيد الشراكة بين الولايات المتحدة والدول العربية والإسلامية في مواجهة التطرف والإرهاب, وتعزيز التعايش والتسامح بين مختلف الدول والأديان والثقافات, والتصدي للأجندات المذهبية والطائفية والتدخل في شؤون الدول.

 

لكن الآمال والطموحات وتلك الشراكة الموعودة مالبثت أن تلاشت قبل أن يجف حبر الاتفاق بسبب واقع المنطقة المنقسم على نفسه وغياب الفهم للمنطقة ومشكلاتها في واشنطن، فكانت النتيجة دخول العلاقات الأمريكية-الخليجية في دوامة الخلافات بين دول المنطقة، بدلاً من أن تعمل على جمع كلمة تلك الدول حول شراكة حقيقية تسعى لتحقيق الأمن والمصالح المشتركة ومواجهة المخاطر المحدقة.

 

  1. عوامل الضعف في أداء السياسة الأمريكية في المنطقة

هناك عدة عوامل أثرت سلبًا في مسار العلاقات الخليجية-الأمريكية في العام الحالي، كان من أهمها:

  1. العوامل الداخلية: كما ذكرنا في مقال سابق[1] بأن السياسة الأمريكية أساسها محلي وذلك بسبب الدور الكبير الذي تلعبه العوامل الداخلية مثل الرأي العام وقوى الضغط والإعلام ومصالح الشركات الكبرى في تشكيل السياستين العامة والخارجية. فعلى سبيل المثال يعتبر التيار الديني المحافظ الذي ينظر إلى المنطقة من خلال تفسيره الخاص للعهد القديم وأهمية قيام إسرائيل كمقدمة لظهور المسيح عليه السلام من أهم القوى الفاعلة في تشكيل العلاقات مع المنطقة، ويلتقي في ذلك مع اللوبي الإسرائيلي صاحب الحضور القوي في واشنطن اللذان يجعلان الحفاظ على أمن إسرائيل أولوية السياسة الخارجية في المنطقة. يأتي بعد ذلك الدور الكبير الذي تلعبه قوى الضغط التابعة للشركات العملاقة ومن أهمها شركات الطاقة والإنتاج الحربي.

الأمر المهم هنا هو أن السياسة العامة في الولايات المتحدة شهدت حالة غير مسبوقة من التخبط والتقلبات هذا العام التي ألقت بثقلها على السياسة الخارجية والموقف الأمريكي من القضايا الخارجية ومنها المنطقة. ولعل أهم مؤشرات ذلك، المواقف المنفردة التي اتخذها الرئيس ترامب تجاه كوريا الشمالية الذي جاء من دون مشورة كوريا الجنوبية واليابان، وكذلك مواقفه من حلفاء الولايات المتحدة في حلف الأطلسي وتهديده بالخروج من الحلف إذا لم تقم تلك الدول بزيادة إنفاقها العسكري، بالإضافة إلى تأييده لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي. لكن القرار الأخطر الذي اتخذه كان إلغاء الاتفاق النووي مع إيران من دون حساب دقيق لتبعاته وآثاره على أمن المنطقة واستقرارها. هذه المواقف وأمثالها كثير، أرسلت رسالة واضحة إلى الأصدقاء والمنافسين بأن الولايات المتحدة حليف لا يمكن الاعتماد عليه وهي الحالة التي وصفها أحد المسؤولين العرب بقوله: "المتغطي بأمريكا عريان".

  1. العامل الجيو-استراتيجي: التنافس بين القوى العالمية على المنطقة ومقدراتها عامل مهم في السياسة الأمريكية تجاه الخليج في الماضي والحاضر. هذا التنافس بدأ يأخذ أبعادًا جديدة وبوجوه قديمة وجديدة، من ذلك روسيا التي أثبتت وجودها في القضية السورية من خلال تحالفها مع إيران، كذلك بروز دور الصين من خلال مشروعها الاستراتيجي المتمثل بإعادة بناء طريق الحرير الذي يربط بينها وبين الأسواق العالمية ومصادر الموارد الأولية التي تحتاجها وأهمها الطاقة والمعادن، ولعل من أهم الخطوات التي حدثت هذا العام كانت توقيع إتفاقية للتعاون في بناء طريق الحرير بين أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد والرئيس الصيني والتي جاءت في " محاولة تعزيز خيارات الكويت الاستراتيجية، بتوضيح المصالح المشتركة مع الصين في جلب الاستقرار للمنطقة، ثم بإخراج علاقاتها من خانة الإملاءات الخليجية والأمريكية وإعادتها إلى خانة المفهوم المشترك للأمن الإقليمي."[2] وهي خطوة جريئة لكنها بحاجة إلى تنسيق مسبق مع دول المنطقة والشركاء بسبب أبعادها الاستراتيجية.

 

الملاحظ هنا هو إن إدارة الرئيس ترامب بدت، في ظاهر الأمر، غير مبالية من بوادر التواجد الروسي أو الصيني في المنطقة، ومن ذلك قول الرئيس معلقًا على سؤال حول إمكانية إستفادة الروس من سحب القوات الأمريكية من سوريا: "بأن روسيا إذا أرادت أن تتواجد في سوريا فلها ذلك"، وهذا الموقف مخالف لرأي المؤسسات الأمنية الأمريكية الأمر الذي زاد في ضبابية السياسة الأمريكية تجاه العالم والمنطقة.

  

  1. المتغيرات في قطاع النفط الأمريكي: النفط له أهميته في العلاقات التي تأتي من ثلاث عوامل، أولها أن أمريكا هي أكبر بلد مستهلك للطاقة في العالم حيث تستهلك حوالي 20 مليون برميل نفط يوميًا (خمس الإستهلاك العالمي تقريبًا) ولذلك تنفق ما مقداره 400 مليار دولار سنويًا على النفط بأسعاره الحالية، مقارنة بعشرة ملايين برميل تمثل إستهلاك ثاني بلد وهو الصين. لهذا السبب تؤثر أسعار النفط في وضع الإقتصاد الأمريكي وفي الحالة المعاشية للمواطن بصورة مباشرة، كما وأن سوق النفط العالمية تجري تعاملاتها بالدولار حصريًا الأمر الذي يؤثر على عملية العرض والطلب على الدولار ووضعه في السوق العالمي، ولعل هذا يمثل أحد العوامل التي تدفع بالولايات المتحدة إلى التأكيد على أهمية حرية الملاحة في الخليج الذي تمر عبره أكثر من ربع حاجة السوق العالمي من البترول ونسبة لايستهان بها من الغاز الطبيعي. العامل الثالث كان تنامي القدرة الإنتاجية لشركات النفط والغاز الأمريكية نتيجة تطوير عمليات إنتاج النفط والغاز الصخري وتطوير أساليب الحفر العميق في البحار والمحيطات. هذه الزيادة أدت إلى حالة إكتفاء السوق الأمريكية، مما دفع البعض إلى الإعلان عن الرغبة في فك الإرتباط بين الولايات والخليج، وهذه نظرة مع إنها أقرب ما تكون إلى السذاجة السياسية، إلا أن العديد من أصحاب الشأن صاروا يرددونها من دون أن يكون هناك رد على هذه الأفكار من قبل اللوبي الخليجي المشغول هو الآخر عن مثل هذه القضايا التي تمس أمن المنطقة ودورها العالمي.

 

  1. غياب النظرة الاستراتيجية وتغليب العمل بردود الأفعال: تمر السياسة الخارجية الأمريكية بأزمة حقيقة سببها حالة الإنقسام الحاد في المجتمع ومؤسسات الدولة. هذه الحالة أصبحت أزمة بعد التسريبات الأخيرة حول المكالمة بين الرئيس ترامب والرئيس الأوكراني التي كشفت سعي البيت الأبيض لإبعاد المؤسسات الدبلوماسية والأمنية عن ممارسة دورها في العلاقات الخارجية خصوصًا في بعض القضايا التي تهم الرئيس ومنها العلاقات الخليجية-الأمريكية التي تجري إدارتها من خلال دائرة ضيقة في البيت الأبيض تشمل الرئيس ترامب ومستشاره المقرب جاريد كوشنر. أن هذا الإهتمام على أعلى المستويات يمكن أن ينظر إليه على أنه دليل على أهمية المنطقة والحاجة لإتخاذ مبادرات جريئة بعيدًا عن السياقات الروتينية، لكن المشكلة هي أن ما حصل كان العكس لأن البيت الأبيض تنقصه الخبرة والدراية بالمنطقة، خصوصًا بعد مغادرة وزيري الدفاع والخارجية السابقين ورئيس موظفي البيت الأبيض جون كيلي ومستشاري الأمن القومي السابقين، لذلك جاءت القرارات والمواقف تجاه المنطقة متعجلة وآنية ولا تدل على وجود استراتيجية واضحة، الأمر الذي تسبب في تصاعد حدة الصراع في المنطقة بدلاً من تحقيق أي تقدم نحو الأمن والاستقرار والتنمية. وهنا لابد من الإقرار بأن دول المنطقة ساهمت بطريقة أو بأخرى بوصول الأوضاع إلى ما وصلت إليه بسبب غياب النظرة الاستراتيجية وضعف الأداء الدبلوماسي مقارنة بحجم المشكلات القائمة.
  1. الموقف الأمريكي من أزمات المنطقة: الأزمات التي تدور رحاها في المنطقة ليست بخافية على أحد، وهي لا تشكل تهديدًا لدول المنطقة فحسب، بل للسلم والأمن العالميين. لقد كان الأمل في أن تقوم الولايات المتحدة بدور المساعد في تشكيل رؤية إقليمية مشتركة وإيجاد قاعدة واسعة لمعالجة تلك الأزمات، لكن العوامل التي ذكرناها سابقًا أثرت بصورة مباشرة في العديد من قضايا المنطقة ودور الولايات المتحدة فيها:

  

  1. أزمة العلاقات الأمريكية-الإيرانية: كانتالطريقة التي عالجت بها إدارة الرئيس ترامب أزمة البرنامج النووي الإيراني نموذجًا على التفكير الآني الذي لايحسب للأمور حساباتها البعيدة. ذلك أن الرئيس ترامب أعلن الانسحاب من الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول دائمة العضوية وألمانيا منفردًا ومن دون تشاور الشركاء الأساسيين في الاتفاق. لقد كان من السهل على الرئيس إقناع المجموعة الدولية بضرورة إعادة النظر في الإتفاق النووي بسبب النتائج السلبية التي ترتبت عليه وأدت إلى تردى الأوضاع في المنطقة. وإذا لم يكن الانسحاب كافيًا فقد تبعته عقوبات اقتصادية قاسية على إيران وكل من يتعامل معها خصوصًا في قطاع الطاقة. لقد كانت الغاية من ذلك جلب إيران إلى طاولة المفاوضات[3]، لكن الشيء الذي لم يحسب ترامب حسابه هو أن إيران قد لاتكون راغبة بالتفاوض حسب شروطه المعروضة، لذلك لجأت الى التصعيد العسكري لعلمها أن ترامب لا يريد إشعال حرب جديدة خصوصًا وأنه مقبل على إنتخابات رئاسية قد يخسرها إذا ما اختار الحرب. لقد شكلت خطوات إلغاء الاتفاق وفرض العقوبات من دون إدراك للتبعات الخطيرة التي يمكن أن تترتب عليها، عملية مقامرة خاسرة وتصعيد خطير جعلت المنطقة وأمنها مفتوحة على المجهول. إن الأوضاع القائمة إذا لم تتم معالجتها فلربما تترتب عليها نتائج سلبية على أمن المنطقة ومستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة.

 

  1. الموقف من الحرب في اليمن: قادت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات تحالًفا دوليًا للتصدي للانقلاب الحوثي المدعوم من قبل إيران على الشرعية في اليمن عام 2015م. لقد كان الموقف الأمريكي المعلن مؤيدًا للتحالف وداعمًا له من خلال تقديم الدعم اللوجستي والمعلوماتي مع أن ذلك كان مخالفًا لقرارات الكونغرس الداعية إلى إيقاف الدعم للحرب في اليمن. لكن هذه المواقف الظاهرة هي جزء من الصورة، لأن الولايات المتحدة قامت ومن خلال العلاقات الثنائية والمحافل الدولية بالتعامل مع الحوثيين ليس بوصفهم خارجين على الشرعية الدولية بل تعاملت معهم على أنهم طرف في المعادلة اليمنية يمكن التعامل معه، ومن أوضح الأمثلة على هذه السياسة اللقاءات التي عقدها مؤخرًا مساعد وزير الخارجية ديفيد شينكر مع الحوثيين، حيث قال بأنه "يجري مباحثات مع الحوثيين لإيجاد حل مقبول للأزمة في اليمن"، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات عن طبيعة الدور الأمريكي في تلك الأزمة.
  2. الأزمة الخليجية: تفجرت الأزمة بين دول الخليج في نفس الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تسعى إلى تشكيل تحالف إقليمي يضم دول الاعتدال العربي وإسرائيل يتولى مسؤولية الأمن في المنطقة والتصدي لما تسميه النفوذ الإيراني. لذلك جاء تفجير الأزمة بين دول الخليج ليكون السهم الأول في نحر تلك المبادرة، والغريب في الأمر هو أن الرئيس ترامب سارع إلى الدخول على خط الأزمة والعمل على تصعيدها، لكنه مالبث أن تراجع عن ذلك وصار يدعو إلى حلها من خلال الحوار، ولكن من دون تقديم مبادرات جادة ولتشكل دليلاً آخر على تخبط السياسة الأمريكية في المنطقة.

الموقف من الأوضاع في العراق: شهد العراق هذا العام تصاعدًا في حدة التظاهرات الشعبية المنددة بالفساد والفشل الحكومي وما وصفه المتظاهرون بالهيمنة الإيرانية، وما يميز هذه التظاهرات إنها كانت وعلى الأغلب في المناطق الشيعية وترفع شعارات الطائفة بالإضافة إلى الشعارات الوطنية. ومما زاد الطين بلة أن القوات الأمنية تصدت لهذه التظاهرات بقوة مفرطة تسببت في مقتل أكثر من مائة متظاهر وجرح الآلاف في أيامها الأولى. ليس هدفنا هنا تحليل هذه الظاهرة، لكن الحقيقة هي أن أسبابها تعود ألى فشل حكومة عادل عبدالمهدي التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي شابها الكثير من التزوير والفساد لكنها وعلى الرغم من ذلك حظيت بالدعم الأمريكي، وقد عبر عن ذلك الدعم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء خلال التظاهرات الذي أبدى دعمه للعملية السياسية في العراق على الرغم من فشلها في تحقيق أدنى طموحات العراقيين. لقد أثبتت الولايات المتحدة فشلاً كبيرًا في تأسيس النظام الديمقراطي في العراق ولم تبذل أي جهد في محاربة الفشل والفساد عند شركائها السياسيين، لتصبح تجربة العراق دليلاً آخر على ضعف الدور الأمريكي في المنطقة وعجزه الناتج عن غياب النظرة البعيدة وتغليب الحلول الآنية.

  1. تذبذب الموقف الأمريكي في سوريا: أعلن الرئيس ترامب في شهر أكتوبر الماضي وبعد مكالمة مع الرئيس التركي أردوغان سحب قواته المتواجدة في شمال سوريا والتي كانت تقاتل جنبًا إلى جنب مع قوات سوريا الديمقراطية في الحرب على تنظيم داعش. هذه الخطوة سبق وأن اتخذها الرئيس قبل أكثر من عام ثم مالبث أن تراجع عنها بسبب استقالة وزير دفاعه ماثيس ومبعوثه للحرب على الإرهاب بريت ماكيغرك. ومرة أخرى أثار القرار العديد من التساؤلات عن حقيقه التزام الولايات المتحدة بوعودها لحلفائها أولا وعن جدية إلتزامها بالحرب على الإرهاب، لأن عملية الانسحاب التي تمت من دون إعداد مسبق، قد تنذر بعودة تنظيم داعش خصوصًا بعد الإعلان عن فرار المئات من المعتقلين عند قوات سوريا الديمقراطية والذين يتهمون بالانتماء لتنظيم داعش, والإعلان عن قتل أبوبكر البغدادي زعيم التنظيم في غارة أمريكية.
  1. نظرة إلى 2020

ليس من المتوقع أن تشهد العلاقات الأمريكية-الخليجية تطورًا كبيرًا في العام القادم لعدة أسباب ليس أقلها انشغال القيادة في الولايات المتحدة بالإنتخابات الرئاسية. لكن هذه النتيجة ربما تكون متعجلة، لأن أزمات المنطقة المتأججة لن تتوقف بانتظار أحد الأطراف بغض النظر عن أهمية ذلك الطرف، لذلك قد تأخذ الأمور منعطفات غير متوقعة، ومنها:

  1. انعكاس الوضع الداخلي الأمريكي على الأزمة: الشغل الشاغل لواشنطن هذه الأيام هو جهود الكونغرس الأمريكي لإقالة الرئيس ترامب بسبب محاولته إقحام أوكرانيا في الإنتخابات الأمريكية. التوقعات الأولية تشير الى أن الحزب الديموقراطي الذي يمتلك الأغلبية في مجلس النواب لديه الأصوات الكافية لإدانة الرئيس، لكن الإقالة تحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ الذي يمتلك فيه الحزب الجمهوري أغلبية وإن كانت بسيطة إلا أنها ولحد الآن مازالت تقف وراء الرئيس. هذه القضية على درجة كبيرة من الأهمية لأن أي بوادر في تغيير مواقف بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين من إقالة الرئيس قد تؤدي إلى منعطفات خطيرة داخلية وخارجية لصرف الأنظار عن الأزمة الداخلية أو بسبب انشغالهم بها عن غيرها، وليس هناك من قضية قابلة للتصعيد مثل منطقة الخليج.
  2. الاحتمال الآخر هو أن وجود رئيس أمريكي ضعيف تحوم حوله شبهات الإقالة قد يغري خصوم الولايات المتحدة بإنتهاز الفرصة لتحقيق مكاسب جيوسياسية في بعض المناطق المتنازع عليها. وهنا يبرز الاهتمام الروسي والصيني بالمنطقة، ولعل من أهم الدلائل على ذلك زيارة الرئيس الروسي فلادمير بوتين إلى الرياض وأبو ظبي ولقائه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ذلك اللقاء الذي تناول عدة ملفات مهمة تتعلق بالأمن في المنطقة والسياسة النفطية باعتبار البلدين من أكبر منتجي النفط في العالم. هذه الزيارة التي وصفها مراسل محطة CNN بأنها جولة منتصر، لأنها جاءت للإعلان عن إستعداد روسيا لملئ أي فراغ قد تتركه الولايات المتحدة، حسب رأي المراسل.
  3. إيران هي الأخرى تدرك حقيقة الأوضاع الداخلية في أمريكا ولذلك ربما تعتقد أنها تمثل فرصة مواتية لتحقيق مكاسب خارجية في ساحات الصراع الإقليمي. هذه الحالة قد تسبب ردة فعل عكسية لدى الأطراف الأخرى وتؤدي إلى تأجيج الصراع الإقليمي وخروجه عن حدود السيطرة.
  4. الأوضاع المتردية في المنطقة والمتمثلة بالإحتقان السياسي مع تراكم الأزمات داخل مجتمعات المنطقة وفيما بينها، تشكل بيئة خصبة للتطرف قد تؤدي إلى إعادة إنتاج الجماعات لإرهابي، ولعل المواجهة العنيفة للحراك السلمي في العراق، وديمومة الحروب في اليمن وسوريا والانسحاب الأمريكي من سوريا والتدخل التركي فيها، بالإضافة إلى مقتل زعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادي، كلها عوامل مساعدة تدفع بذلك الإتجاه.

الخلاصة: كان العام 2019م، مليئا بالأحداث الكبيرة على الصعيدين العالمي ومنطقة الخليج ومحيطها. هذه الأحداث التي شكلت وما تزال تحديات جسيمة لدول المنطقة والأمن والسلم العالمي ومثلت فرصة لإعادة النظر في منظومة أمن المنطقة من خلال حوار استراتيجي مع الشركاء الأساسيين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة. لكن ذلك ليس بالأمر الهين بسبب غياب الرؤية الاستراتيجية عند دول المنطقة والولايات المتحدة. إن غياب منظومة الأمن الإقليمي هي السبب وراء إدامة الأزمات وتقف حائلاً دون الوصول إلى حلول جذرية لها. ومما يزيد قتامة الصورة عدم وجود ما يشير إلى حصول تغيير في هذا المجال لا في دول الخليج ولا في واشنطن، لكن هذا يجب أن لايفسر بأي حال من الأحوال على إنه تخلي أمريكي عن المنطقة، فهذا غير وارد على المدى المنظور لأن الولايات المتحدة تدرك أهمية المنطقة، ولعلها تتجاوز القضايا الآنية وتصل إلى المقاربة المطلوبة للمنطقة إدراكًا منها لتلك الأهمية، وعلى رأي المقولة التي تنسب إلى تشرتشل: "كن على ثقة بأن الأمريكان سوف يفعلوا الشيء الصحيح ولكن ليس قبل أن يجربوا كل شيء آخر".

 

[1] د. غانم الجميلي،" الاستراتيجية الأمريكية قائمة على خيار التفاوض وليس الحرب" مجلة آراء حول الخليج العدد 141 سبتمبر 2019 الصفحة 65-69

[2] د. سامي الفرج في تصريح لصحيفة "القدس العربي" 16 أكتوبر 2019.

[3] د. غانم الجميلي, "الإستراتيجية الأمريكية قائمة على خيار التفاوض وليس الحرب" مجلة آراء, العدد 141 سبتمبر 2019 الصفحة 65-69

مجلة آراء حول الخليج