array(1) { [0]=> object(stdClass)#13107 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

العرب والحرب التجارية الأمريكية ـ الصينية

الأربعاء، 29 أيار 2024

يشهد العالم في المرحلة الحالية أوجهًا متعددة للصراع بين أطراف كثيرة وحول قضايا مختلفة، لكن بينها قاسم مشترك رئيسي يتمحور حول انتهاء مرحلة وتأسيس أخرى من تاريخ العلاقات الدولية، والبدء في إرساء قواعد النظام الدولي الجديد الذي ينتظره العالم، وهذه الحالة ليست جديدة أو طارئة على تاريخ المجتمع الدولي  فقد تكررت من قبل كثيرًا، بل اتخذ صورًا أكثر عنفًا ودموية كما كان  الصراع  العنيف والمسلح منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى  ما قبل منتصف القرن العشرين بسنوات قليلة وانتهى بحربين عالميتين في النصف الأول من القرن العشرين ، حيث فشلت منظمة عصبة الأمم وعجزت عن احتواء الصراع الدولي آنذاك، وخلفت الحرب العالمية الأولى 37 مليونًا من الضحايا بينهم 17 مليونًا من القتلى و20 مليونًا من المصابين، وتجاوزت خسائر الحرب العالمية الثانية مقتل 40 مليون مدني و20 مليون عسكري، ونأمل ألا تقع الحرب العالمية الثالثة مع وجود الكم الهائل من الأسلحة النووية والبيولوجية الفتاكة، والتكنولوجيا المتقدمة والحروب السيبرانية المنتشرة في دول كثيرة.

ورغم التلويح باستخدام السلاح النووي في الوقت الحاضر خاصة في ظل انفجار الصراع المسلح بين روسيا وأوكرانيا وتدخل الغرب والشرق غير المباشر في دعم الطرفين المتحاربين، إلا أن "الردع "النووي قد يحسم الأمر بعدم المواجهة النووية التي لن يكون فيها كاسب، بل سيكون العالم كله هو الخاسر بما فيه الأطراف النووية، حيث تمتلك 9 دول 14 ألف رأس نووي، إضافة إلى 30 دولة تملك قدرات نووية وقد تكون قادرة على امتلاك أسلحة نووية.

 لكن برز سلاح آخر قد يكون له تأثير أكبر في حروب المستقبل وهو سلاح "الاقتصاد" الذي دخل في حلبة الصراع خلال العقدين الأخيرين أي بعد صعود الصين كقوة اقتصادية مؤثرة على الساحة العالمية وأخذت منتجاتها تغزو أسواق الدول الرأسمالية وفي مقدمتها الأسواق الأمريكية، ما دعا الأخيرة لاتخاذ سلسلة إجراءات للحد من تدفق هذه المنتجات إلى أسواقها، ولجأت إلى فرض التعريفات الجمركية والرسوم لمواجهة هجوم الغزو التجاري الصيني، بينما تستمر بكين في التوسع لتصدير المنتجات الأرخص سعرًا وارتياد أسواقًا جديدة، وزادت من حجم مبادلاتها التجارية مع الدول الرأسمالية خاصة دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الأسواق الناشئة في الدول النامية بإفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، وعززت هذا الانتشار بمبادرة الحزام والطريق لضمان وصولها إلى الكثير من دول العالم برًا وبحرًا، وسيظل هذا السجال مستمرًا بين محاولات التمدد التجاري الصيني، والمواجهات الأمريكية التي تعلم أن القوة الاقتصادية هي مفتاح التفوق الصيني وأحد أهم أدوات النظام العالمي الجديد الذي أخذ يتشكل ، وتمثل الصين أحد أهم أقطابه.

ويؤازر الصين في معركتها التجارية طبيعة الوضع العالمي الجديد الذي يبدو أنه خرج من تحت القبضة الأمريكية التي استمرت مهيمنة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وازدادت قوة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة مطلع تسعينيات القرن العشرين، حيث شهدت السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين تشكيل مجموعة تكتلات اقتصادية تضم دولًا صاعدة اقتصاديًا ومنها دول ضمن مجموعة العشرين الأغنى في العالم، بل منها دول نووية ، ومن بين هذه التكتلات الاقتصادية تجمع البريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، وتجمع الآسيان، وتكتل دول آسيا الوسطى، والتجمعات الاقتصادية في غرب وشرق إفريقيا، و الدول أعضاء هذه التكتلات تلتقي في كثير من المصالح والأهداف ، وهي ليست بالضرورة متوافقة مع المصالح الأمريكية، بل تسعى إلى فتح أسواق جديدة فيما بينها مع محاولات حثيثة لإزاحة الدولار الأمريكي عن عرشه العالمي الذي استمر عليه طويلُا بتشجيع التبادل بالعملات المحلية بين هذه الدول، خاصة أنها أقرب إلى التوافق مع الجنوب العالمي الذي تمثل الصين وروسيا أهم أقطابه.

وفي خضم هذه التطورات والصراعات والتي قد تؤدي في النهاية إلى تصاعد الحروب التجارية بين واشنطن وبكين، سوف تتأثر المنطقة العربية لا محالة، لذلك يجب الاستعداد بإجراءات جماعية وتعاون ثنائي بين الدول العربية المؤثرة لإيجاد أرضية صلبة لاقتصاد عربي قادر على الإنتاج والمنافسة والحصول على حصة من التجارة العالمية تناسب حجم الاقتصاد والموارد العربية الضخمة ؛ ما يتطلب تكثيف الاستثمارات العربية المشتركة والنهوض بقطاع الصناعة والزراعة وتحقيق طفرة في الصادرات العربية ، على أن يكون ذلك ضمن سوق عربية مشتركة تنظمها تشريعات جديدة ومرنة لتبدأ بتحقيق الاكتفاء الذاتي وتنطلق إلى التصدير والمساهمة في الاقتصاد العالمي وحتى لا تكون المنطقة العربية مفتوحة للواردات الخارجية وساحة للتنافس الدولي دون مساهمة عربية حقيقية في الإنتاج العالمي.  


 

مقالات لنفس الكاتب