array(1) { [0]=> object(stdClass)#13112 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

5 إجراءات لتخفيف آثار التوترات التجارية والسوق العربية المشتركة تقلل الصدمات

الأربعاء، 29 أيار 2024

أدت التوترات التجارية بين القوى التجارية الكبرى خاصة الصين والولايات المتحدة الأمريكية، والتي طال أمدها، إلى تفاقم ركود التجارة العالمي على مدى السنوات الأخيرة، حيث تعرض التعاون التجاري المتعدد الأطراف بموجب نظام قائم على القواعد لضغط متزايد من الإجراءات الانفرادية والتدابير المضادة والمنازعات التجارية والصفقات التجارية الثنائية التي تركز على المصالح القصيرة الأجل والتحايل على الأطر المتعددة الأطراف.

وفي فترة تتسم فعلاً بالتوترات التجارية والانفرادية وتدهور المؤسسات، يبرز خيار التكتل الإقليمي كاستراتيجية بديلة، تسعى معظم الدول لإحيائها مجددًا، سعيًا لتخفيف الأضرار التي قد تنجم عن الحروب المستعرة بين القوى التجارية أو لحماية مصالحها، أو حتى لتحقيق مكاسب من هذه النزاعات.

وفي ظل هذا الوضع، تجد الدول العربية نفسها عند منعطف حرج، إذ أن التوترات التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، وهما عملاقان اقتصاديان عالميان، تلقي بظلالها على جميع دول المنطقة. حيث يؤدي هذا الاحتكاك التجاري إلى تعطيل أنماط التجارة الراسخة ويشكل تحديًا للدول العربية التي تعتمد بشكل كبير على علاقات تجارية تقليدية متينة مع كلتا القوتين. ومع ذلك، وفي ظل هذا المشهد المعقد قد تكمن عدة فرص لتعزيز التكامل الاقتصادي العربي، فمن خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية فيما بينها، يمكن للدول العربية إنشاء كتلة اقتصادية موحدة وأكثر مرونة، ومجهزة بشكل أفضل لمواجهة عواصف التوترات التجارية بين مختلف القوى العالمية.

الرابحون والخاسرون من تزايد التوترات التجارية بين الصين وأمريكا

شهد التعاون التجاري المتعدد الأطراف خلال الأعوام الماضية عدة تصدعات تحت التأثير المتزايد للسياسات أُحادية الطرف. وازدادت هذه التصدعات في النظام التجاري المتعدد الأطراف خطورة خاصة مع تصاعد التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، من خلال فرض تعريفات أحادية الجانب قد تكون غير متسقة مع ما تفرضه منظمة التجارة العالمية. والتوترات التجارية التي بدأت في عام 2017م، بين أكبر اقتصادين في العالم لم تستمر فحسب بل زادت حدة، على الرغم من الاتفاق المؤقت بينهما في ديسمبر 2019م، بالكف عن الإجراءات التبادلية لفرض تعريفات إضافية، إلا أنه أبقى التعريفات المفروضة على حالها، وهو ما يتنافى مع مبدأ الدولة الأكثر رعاية الذي يقوم عليه النظام التجاري المتعدد الأطراف. وتأثر نمو التجارة الدولية بهذه التوترات، مما أدى إلى معدلات نمو تقل عن معدلات الناتج المحلي الإجمالي. ويأتي هذا في وقت من المتوقع أن تلعب فيه التجارة، والنظام التجاري المتعدد الأطراف الذي يقع في صلبها، دورًا رئيسيًا في الجهود العالمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وأهم ما يلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية والصين اشتبكتا في خضم هذه التوترات المتصاعدة في إجراءات منفردة ومضادة، حيث فرضت الولايات المتحدة في عام 2018م، تعريفات بالتتابع على ثلاث "قوائم" من السلع القادمة من الصين، مستهدفة أولًا 34 مليار دولار من الواردات السنوية، ثم 16 مليار دولار أخرى، وأخيرًا 200 مليار دولار إضافية. ونتيجة لذلك، انخفضت واردات الولايات المتحدة من الصين بشكل حاد في جميع المجموعات الثلاث من السلع التي فُرضت عليها التعريفات الجمركية. ومع فرض الصين تعريفات انتقامية، انخفضت الصادرات الأمريكية إلى الصين أيضًا. وفي حين أن الآثار لم تكن واضحة، فإن نمو الصادرات الأمريكية إلى الصين كان أضعف بشكل عام منذ بدء التوترات التجارية.

 وكمحصلة لذلك، انخفضت قيمة التجارة بين البلدين بأكثر من 15 % في عام 2019م، مقارنة بالعام الذي سبقه. واعتبارًا من يونيو 2019م، بات حوالي 400 بليون دولار من التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة والصين يخضع لتعريفات جمركية إضافية.

 إن النتيجة المباشرة للتعريفة الجمركية المفروضة بين البلدين هي تحويل بعض التجارة الثنائية إلى بلدان أخرى مع شركات منافسة بشدة للشركات في الصين أو الولايات المتحدة. حيث زادت التعريفات المرتفعة الأسعار المحلية، وأثرت سلبًا على الصناعات التحويلية التي تستخدم المواد المستوردة والسلع الوسيطة، وأضرت المستهلكين بشكل عام. وتحملت الشركات التي تعهد إلى الصين بأنشطة التجميع في الخارج التكاليف إلى حد كبير، حيث تمثل الشركات الأجنبية، وغالبًا الشركات التي تملكها الولايات المتحدة والتي تعمل في الصين نسبة كبيرة من الواردات الثنائية إلى الولايات المتحدة من الصين. وكما يشير ارتفاع نسبة استيراد الصادرات الصينية إلى أن البلدان النامية الأخرى المدمجة في سلسلة التوريد تأثرت سلبًا أيضا. علاوة على ذلك، كان تأثير التوترات التجارية محسوسًا من خلال الضغط النزولي على الأسعار الدولية للمنتجات التي يتمتع بها البلدان بقوة في السوق، مثل الصلب والألومنيوم والسلع الزراعية، ورافقها انعكاسات سلبية على الموردين من عدة بلدان خاصة النامية منها، الذين لم يزيدوا بشكل كبير حصتهم في السوق. وبصورة أعم، فإن فرض التعريفات الجمركية المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية قلل الطلب العالمي على الواردات وأضعف احتمالات النمو على المدى الطويل، بما في ذلك بالنسبة للبلدان النامية.

وإلى جانب البلدان المعنية مباشرة، ترتب على التوترات التجارية آثار على سلاسل الإمداد العالمية والإقليمية. حيث لا تعاقب التعريفات المفروضة الشركات التي تقوم بتجميع المنتجات أو تصنيعها في البلدين فحسب، بل والموردين أيضًا على امتداد سلسلة القيمة، أينما كانوا. وهو ما يوفر في النهاية حوافز قوية للشركات لإعادة هيكلة سلاسل التوريد الخاصة بها.

 ويقدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أن التعريفات الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة على الصين أثر بشكل كبير على موردي المنبع إلى الصين في بلدان شرق آسيا الأخرى.  وبالمثل، فإن التعريفات الجمركية التي فرضتها الصين على الواردات من الولايات المتحدة كان لها آثار سلبية على الموردين من أمريكا الشمالية (الشكل الموالي). ومرة أخرى، استفادت مناطق أخرى في العالم من إعادة الهيكلة هذه، وخاصة أوروبا. حيث يقدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أن الاتحاد الأوروبي كان المستفيد الأكبر، حيث حصل في نهاية المطاف على حوالي 70 بليون دولار من التجارة الثنائية التي تنازلت عنها الولايات المتحدة والصين، مع المستفيدين الرئيسيين الآخرين من اليابان والمكسيك وكندا، حيث استحوذ كل منها على أكثر من 20 بليون دولار. فعلى سبيل المثال، زادت واردات الولايات المتحدة من المكسيك بشكل كبير من بعض السلع التي فرضت عليها الولايات المتحدة تعريفات جمركية على الصين. وبعد تنفيذ قائمة الـ 16 مليار دولار في 2018م، تم تعويض الانخفاض الحاد الذي بلغ ما يقرب من 850 مليون دولار في الواردات من الصين بزيادة قدرها 850 مليون دولار من المكسيك، مما ترك إجمالي الواردات الأمريكية دون تغيير على نطاق واسع. وبالنسبة لبلدان أخرى مثل اليابان وكوريا وكندا، يمكن للمرء أن يلاحظ زيادات أصغر في واردات الولايات المتحدة مقارنة بالمستويات في سبتمبر / نوفمبر 2017م.

تأثير التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية على سلاسل التوريد من مناطق مختلفة

 

المصدر: مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (2019).

 

الدول العربية بين مطرقة وسندان التوتر التجاري الصيني / الأمريكي

 

تجد الدول العربية، التي تشتهر تاريخيًا بموقعها الاستراتيجي على طريق التجارة العالمية، نفسها على نحو متزايد في مرمى نيران التنافس التجاري بين الولايات المتحدة والصين. وبينما ينخرط هؤلاء العمالقة الاقتصاديون في تصعيد التعريفات الجمركية، وتعطيل سلاسل التوريد، ومحاولة الاستبعاد التكنولوجي، فإن اقتصادات الدول العربية تظل عرضة للتأثيرات المتتابعة لهذه المواجهة. فمن التقلبات في أسعار السلع الأساسية (النفط أساسًا)، إلى الاضطرابات في تدفقات الاستثمار وديناميكيات السوق المتغيرة، تواجه المنطقة عددًا لا يحصى من التحديات التي تهدد بتقويض استقرارها الاقتصادي وتطلعاتها التنموية.

تقليديًا، تتمتع الدول العربية بعلاقات اقتصادية متينة مع كل من الولايات المتحدة والصين. إذ تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية شريكًا مهمًا لدول المنطقة خاصة لدول الخليج العربي، وتعتمد العلاقات التجارية الأمريكية / العربية على صادرات الطاقة والإمدادات العسكرية والتكنولوجيا. علاوة على ذلك، لا يمكن تجاهل النفوذ الاقتصادي والسياسي المتنامي للصين في المنطقة. حيث تتابع بكين بنشاط مبادرة الحزام والطريق (BRI)، وهو مشروع ضخم لتطوير البنية التحتية يهدف إلى ربط الصين ببقية العالم. ويمكن النظر لمبادرة الحزام والطريق الصينية من زاوية الفوائد المحتملة للدول العربية من حيث الاستثمار في البنية التحتية والوصول إلى الأسواق وتعزيز الروابط التجارية مع الصين وبقية العالم، حيث تشكل هذه الأخيرة مصدراً رئيسياً للاستثمار والسلع المصنعة.

تجاريًا، شهدت قيمة صادرات الدول العربية إلى الدولتين تناميًا ملموسًا خلال العقود الثالثة الأخيرة حيث ارتفعت من نحو 22 مليار دولار في المتوسط سنويًا خلال الفترة 2000-1995م، إلى 94 مليار دولار سنوياً خلال الفترة 2010-2001م، أي بما يفوق الأربع أضعاف. كما واصلت ارتفاعها في العقد الأخير لتصل إلى 185 مليار دولار في المتوسط سنوياً خلال الفترة 2011-2020م، (بزيادة تمثل نحو الضعفين مقارنة بمستويات الصادرات العربية إلى الدولتين خلال العقد الذي سبقه)، بما يشير إلى الأهمية الكبيرة لمستويات الطلب الخارجي لكل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية في هيكل صادرات الدول العربية، خاصة الصين التي تستقبل الجزء الأكبر من الصادرات العربية، حيث مثلت صادرات الدول العربية إلى الصين نحو 1.5 ضعف صادراتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة 2011-2020م. وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري للعديد من الدول العربية، متجاوزة الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. ففي عام 2022م، وصلت التجارة الثنائية بين الصين والدول العربية 328 مليار دولار أمريكي (منها 193 صادرات عربية نحو الصين، و135 مليار دولار واردات من الصين)، ومع ذلك، تظل الولايات المتحدة لاعباً مهماً. ولا تزال الدول العربية تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة في الحصول على المعدات والتكنولوجيا العسكرية، بحجم تجارة ثنائية بلغ 152 مليار دولار سنة 2022م.

وإذ تُعد الصين مصدرًا رئيسيًا للسلع المصنعة للدول العربية، تميل الولايات المتحدة إلى تصدير المزيد من الخدمات. وهذا يعكس نقاط القوة الاقتصادية المختلفة لكل قوة عظمى. وهذا يقودنا إلى بحث تأثير التوترات التجارية بين العملاقين على الدول العربية. حيث أحدثت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين هزات في الاقتصاد العالمي. وتشعر دول المنطقة، بالنظر لعلاقاتها التجارية المهمة مع كلتا القوتين، بالهزات بشكل حاد. إذ تواجه البلدان التي تعتمد بشكل كبير على تصدير النفط إلى الصين، أو على استيراد السلع المصنعة من الصين، اضطرابات محتملة وعدم يقين اقتصادي.

يمكن أن نلاحظ، أن صادرات الدول العربية إلى الصين سجلت زيادة كبيرة خلال عام 2018م، الذي شهد بداية التوترات التجارية، حيث نمت بنسبة 47 %، فيما ارتفعت صادرات الدول العربية إلى الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 20 % خلال نفس العام،  بل أن صادرات الدول العربية إلى الصين مثلت نحو 2.3 ضعف صادراتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2018م، على الأخص الذي شهد زيادة وتيرة التوترات التجارية بين البلدين، وهو ما قد يشير إلى أن جانبًا من التجارة الخارجية ما بين الدولتين قد توجه وفق أثر تحويل التجارة إلى الدول العربية نتيجة الارتفاع المتبادل للرسوم الجمركية ما بين الدولتين وهو ما حدث كذلك بشكل مماثل في كل من المكسيك والأرجنتين وعدد من الدول الأخرى مع تصاعد التوترات التجارية.

معدل نمو صادرات الدول العربية إلى الصين والواليات المتحدة الأمريكية (1995-2018(%)

المصدر: صندوق النقد العربي (2020).

 

كما أدت التوترات التجارية المتصاعدة ما بين الاقتصادين الأكبر عالميًا إلى تباطؤ مستويات الطلب على النفط خلال عامي 2018 و2019م، بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي نتيجة ارتفاع مستويات عدم اليقين التي أثرت على مستويات ثقة المستثمرين والمستهلكين وانعكست على أنشطة التجارة والتصنيع والاستثمار، وبالتالي تزايد الضغوط على مستويات الطلب العالمي على النفط وهو ما عكسته التقارير الصادرة عن منظمة الأوبك والتي أفادت بانخفاض مستويات الزيادة في الطلب على النفط إلى نحو 0.98 مليون برميل يوميًا عام 2019م، مقارنة بنحو 1.5 مليون برميل يوميًا في عام 2018م. وأدت هذه التطورات -إلى جانب عوامل أخرى-إلى تراجع الأسعار العالمية للنفط خاصة خلال عام 2019م، الذي سجل أعلى مستويات للحمائية التجارية على مستوى العالم وتزايد غير مسبوق للقيود التجارية أمام حركة التجارة الدولية وهو ما عمل على انخفاض الأسعار العالمية للنفط بنسبة تقارب 10 في المائة عام 2019 مقارنة بعام 2018م.

وتأسيساً على ذلك، فإن استمرار "الحرب التجارية" بين الولايات المتحدة والصين، قد تؤدي إلى تعميق تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي أو حتى الركود العالمي، ومن المؤكد أن يؤدي ذلك إلى التأثير سلبًا على اقتصادات الدول العربية أيضًا، كونها لا تزال تعتمد بشكل كبير على صادراتها من النفط، وسعر النفط غالباً ما يرتبط ارتباطاً مباشراً بآفاق الاقتصاد العالمي. وعندما تتراجع آفاق الاقتصاد العالمي، تميل أسعار النفط أيضًا إلى الانخفاض، مما يعني أن العديد من الدول العربية التي تعتمد على عائدات النفط ستتعرض لضربة مضاعفة. ربما يكون هذا الجانب هو النتيجة الأكثر أهمية بالنسبة للمنطقة من بين كل الآثار المتوقعة لزيادة التوتر في العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين.

وقد تكون للتأثيرات الأخرى أيضًا بعض الأهمية، حتى ولو بشكل غير مباشر. فقد تبدأ كل من الولايات المتحدة والصين في النظر إلى مكان آخر بدلاً من النظر إلى بعضهما البعض بحثاً عن الأسواق والمدخلات الاقتصادية وفرص الاستثمار. وإلى حد ما، يمكن أن يؤدي ذلك إلى إعادة توجيه بعض نشاطهم الاقتصادي الأجنبي نحو وجهات مختارة في الدول العربية. على سبيل المثال، قد تعمل الصين على زيادة مشاريع البناء الضخمة وغيرها من أشكال الاستثمار في دولة عربية ناشئة مثل المملكة العربية السعودية. وقد يكون رد فعل بعض الشركات الأمريكية بطرق مماثلة.

وفي هذا السياق، قد تحاول الولايات المتحدة والصين ممارسة نفوذهما السياسي من خلال الوسائل الاقتصادية، والضغط على دول المنطقة للانحياز إلى أحد الجانبين في تنافسهما. وهذا يمكن أن يخلق مسيرة دبلوماسية معقدة لدول المنطقة. إلا أن النقطة المهمة هنا هي أن الدول العربية لن تضطر، في أغلب الأحيان، إلى الاختيار بين علاقات اقتصادية أقوى مع الصين أو الولايات المتحدة. لذلك، قد يؤدي تعزيز الاهتمام الصيني والأمريكي بفرص الأعمال في الدول العربية إلى تخفيف الضرر الاقتصادي الأكبر الناجم عن "الحرب التجارية" بينهما. 

التكامل الاقتصادي العربي كمنطقة عازلة لمواجهة التوترات التجارية الأمريكية – الصينية

يبرز التكامل الاقتصادي العربي كضرورة استراتيجية في مواجهة التوترات التجارية المتصاعدة بين قوتين اقتصاديتين عالميتين، الولايات المتحدة والصين، مع تداعياتها المحتملة على الدول العربية. وعلى خلفية التحديات الجيوسياسية وعدم اليقين الاقتصادي، تجد المنطقة نفسها على مفترق طرق، مضطرة إلى الإبحار عبر الديناميكيات المعقدة للتوترات التجارية الدولية مع تعزيز التماسك والمرونة داخل إطارها الاقتصادي الخاص.

تاريخياً، أظهر العالم العربي مشهداً اقتصادياً مجزأً، فعلى الرغم من الروابط الثقافية والجغرافية المشتركة، اتبعت الدول العربية في كثير من الأحيان سياسات اقتصادية مستقلة. وقد أدى ذلك إلى الحد من قدرتها على المساومة في السوق العالمية وعرقلة إنشاء سلاسل توريد إقليمية قوية. ومع ذلك، فإن المناخ الجيوسياسي الحالي يمثل فرصة مقنعة لإحداث نقلة نوعية. حيث يمكن للتكامل الاقتصادي العربي أن يقدم حلاً مقنعاً للدول العربية لمواجهة الضغوط الخارجية، ومن خلال خفض الحواجز التجارية داخل المنطقة، تستطيع البلدان العربية إنشاء سوق أكبر وأكثر جاذبية لسلع وخدمات بعضها البعض. وهذا من شأنه أن يعزز التنويع الاقتصادي، ويقلل الاعتماد على القوى الخارجية، ويعزز موقف المنطقة التفاوضي في السوق العالمية. ويمكن للكتلة الاقتصادية العربية الموحدة، من خلال مبادرات مثل منطقة التجارة الحرة العربية (AFTA) والسوق الخليجية المشتركة، أن تتغلب على المناخ الحالي، من خلال:

تقليل التعرض للصدمات الخارجية: إن الاقتصاد العربي الأكثر تكاملاً سيكون أقل عرضة للصدمات وللتقلبات في التجارة العالمية الناجمة عن التوترات بين الولايات المتحدة والصين. ومن شأن ذلك أن يوفر استقرارًا اقتصاديًا أكبر في مواجهة الصدمات الخارجية مثل الحروب التجارية.

تعزيز القدرة على المساومة: من شأن السوق العربية الموحدة أن تمثل قوة اقتصادية كبيرة، مما يمنح المنطقة نفوذًا أكبر في المفاوضات التجارية مع كل من الولايات المتحدة والصين. وهذا يمكن أن يؤدي إلى صفقات تجارية أكثر ملاءمة وزيادة الوصول إلى الأسواق العالمية.

التنويع والمرونة: إن الاقتصاد العربي الأكثر تكاملاً سيكون أقل اعتمادًا على أي شريك تجاري واحد. ومن شأن هذا التنويع أن يسمح للدول العربية بتنويع شراكاتها التجارية وتطوير أسواقها الداخلية.

إطلاق العنان للإمكانات الإقليمية: من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية الوثيقة، يمكن للدول العربية إنشاء سلسلة توريد إقليمية أكثر قوة، مما يقلل الاعتماد على المصادر الخارجية ويعزز التجارة البينية. وهذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة النشاط الاقتصادي وخلق فرص العمل في العالم العربي.

تعزيز النمو الاقتصادي: يمكن أن يؤدي التكامل الأعمق إلى زيادة التجارة داخل المنطقة، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتعزيز نقل المعرفة والتقدم التكنولوجي. وهذا بدوره يمكن أن يحفز النمو الاقتصادي في جميع أنحاء المنطقة.

وبناءَ على ذلك، ولتخفيف الآثار المحتملة للتوترات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية يتعين على الدول العربية العمل على:

  • رصد تطورات التوتر التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين -وأية توترات تجارية تحدث بين دول كبرى دولية أو إقليمية-بصورة مستمرة وقياس آثارها على اقتصاداتها، وإشراك نتائج هذه الدراسات مع مراكز التخطيط وصناعة القرار الاقتصادي في الدول العربية.
  • الاهتمام بزيادة مستويات تنويع الاقتصادات العربية سواء على صعيد الهياكل الإنتاجية أو التصديرية. أو التنويع فيما يتعلق بالعلاقات التجارية والاستثمارية مع دول العالم المختلفة بهدف زيادة مستويات قدرة هذه الاقتصادات على مواجهة أية صدمات خارجية.
  • التركيز على زيادة مستويات التصنيع بما يُعزز صادرات الدول العربية من السلع ذات القيمة المضافة المرتفعة، مع ضرورة مواصلة الدول العربية السعي لزيادة مستويات إنتاجية وتنافسية القطاعات الاقتصادية العربية واندماجها في سلاسل القيمة العالمية بما يسمح لها بدور أكبر في التجارة الدولية.
  • التزام الدول العربية بمعالجة كافة المعوقات التي لا تزال تواجه التحرير الفعلي للتجارة بينها، من خلال تسريع الإزالة التامة للرسوم شبه الجمركية وحالات الاستثناء من الإعفاء الجمركي وكذا الحواجز غير الجمركية، لتحقيق تقدم ملموس باتجاه إنشاء منطقة تجارة حرة إقليمية فعلية.
  • إعطاء دفع قوي لجهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي العميق، بحيث يترتب عليه حوافز ودوافع جديدة تدعم جهد تكاملي عميق ومتقدم.

إن الطريق نحو التكامل الاقتصادي العربي لن يخلو من العقبات، مثلما أظهرته التجارب التاريخية. ويعد الانقسام السياسي، والمنافسات التاريخية، ومستويات التنمية الاقتصادية المختلفة داخل المنطقة، والمخاوف بشأن السيادة الوطنية ليست سوى بعض من العقبات التي تحتاج إلى معالجة على طريق السعي إلى التكامل الاقتصادي بين الدول العربية. بالإضافة إلى ذلك، قد تحتاج الاتفاقيات التجارية الحالية مع القوى الخارجية إلى إعادة التفاوض بشأنها. ومع ذلك، فإن الفوائد المحتملة لخلق تكتل اقتصادي عربي لا يمكن إنكارها. ومن خلال العمل معًا، يمكن للدول العربية أن تخلق مستقبلًا اقتصاديًا أكثر ازدهارًا ومرونة، وأقل عرضة لأهواء التوترات التجارية بين القوى العالمية.


 

مقالات لنفس الكاتب