array(1) { [0]=> object(stdClass)#13112 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

تشابك المصالح الصينية ــ الأمريكية يقود لـ "عقلنة" النزاع التجاري وتسوية ترضي القطبين الاقتصاديين

الأربعاء، 29 أيار 2024

أثرت الحرب التجارية الأمريكية ـ الصينية على الاقتصاد العالمي وأضرت بالأعمال التجارية في أنحاء العالم كافة، حيث أثرت هذه الحرب سلباً على هيكل وجغرافيا سلاسل القيمة العالمية، بتعطيل نموها وتحويل التجارة وإعادة توطين الأنشطة إلى دول أخرى، مما يؤدي إلى خلق سلاسل قيمة محلية وإقليمية، وزيادة التركيز الجغرافي للقيمة المضافة مع صعوبة نقل التكنولوجيا، وإن كان تحقق ذلك على المدى القصير مرهون بعدة تحديات. سنتناول في هذا المقال بيان خلفية عن الحرب التجارية الأمريكية ـ الصينية وتداعياتها على الاقتصاد العالمي بصفة عامة والاقتصادات الخليجية بصفة خاصة، علاوة على توضيح السياسات والخطط والبرامج التي يجب أن تنتهجها الدول الخليجية لتأمين مصالحها واحتياجاتها التجارية في ظل هذا الصراع، والمسار الذي تتبعه دول مجلس التعاون  لتنويع الشراكات والانخراط في عضوية التكتلات التجارية العالمية الكبرى، جراء الصراع على تشكيل النظام العالمي الجديد باعتبار أن النظام العالمي الجديد يرتكز على قوة الاقتصاد في المقام الأول وليس القوة العسكرية، لاسيما مع صعود تجمع البريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، وتجمع الآسيان، والاتحاد الأوروبي، وغيرها من التكتلات.

 أولاً-خلفية عن الحرب التجارية الأمريكية:

     فرضت إدارتا بوش الأبن وباراك أوباما رسومًا وتعريفات جمركية على المنسوجات الصينية في سبيل حماية المنتجين المحليين في الولايات المتحدة، واتهمتا الصين بتصدير هذه المنتجات بأسعار الإغراق التجاري. أثناء فترة رئاسة أوباما، أضافت الولايات المتحدة اتهامات أخرى إلى الصين بسبب تعزيزها إنتاج الألومنيوم والصلب، وبدأت مجموعة من التحقيقات في مكافحة الإغراق الذي تمارسه الصين. على الرغم من ذلك، استمرت التجارة بين الولايات المتحدة والصين في النمو خلال عهد هاتين الإدارتين. في ذلك الوقت ونما اقتصاد الصين ليصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

    وعد دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية الرئاسية عام 2016م، بخفض العجز التجاري الأمريكي مع الصين، والذي عزاه إلى الممارسات التجارية غير العادلة، كسرقة الملكية الفكرية وعدم وصول الشركات الأمريكية إلى السوق الصينية. تهدف سياسة تعريفات ترامب الجمركية إلى تشجيع المستهلكين على شراء السلع الأمريكية من خلال جعل السلع المستوردة أغلى ثمناً. وقدمت الولايات المتحدة ثلاث جولات من التعريفات عام 2018م، إذ فرضت رسوماً تصل إلى (25%) من قيمة السلع، على عدد من السلع الصينية، من الحقائب اليدوية إلى معدات السكك الحديدية. وردت الصين بتعريفات جمركية تتراوح بين (5و25%) على أكثر من (128) سلعة أمريكية أشهرها فول الصويا والمواد الكيميائية والفحم والمعدات الطبية. ورفعت الولايات المتحدة في 10 مايو 2019م، التعريفات الجمركية على سلع صينية تقدر قيمتها بمائتي مليار دولار أمريكي بنسبة تتجاوز الضعف، من 10% إلى 25%. وعبرت الحكومة الصينية عن أسفها لهذا الإجراء وقامت بخطوة مضادة، حيث فرضت في 1 يونيو 2019م، تعريفات جمركية بقيمة 60 مليار دولار بتعريفة 25%.

جدول (1) تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين الشعبية

الزمن

التعريفات (الصين)

التعريفات (الولايات المتحدة)

6 يوليو 2018

34 مليار دولار أمريكي

34 مليار دولار أمريكي

23 أغسطس 2018

16 مليار دولار

16 مليار دولار

17 سبتمبر 2018

65 مليار دولار بتعريفة 10%

200 مليار دولار بتعريفة 10%

ديسمبر 2018 إلى مارس 2019

الولايات المتحدة والصين تتفقان على التفاوض ووقف العمل بالتعريفات الجديدة

1 يونيو 2019

60 مليار بتعريفة 25%

200 مليار بتعريفة 25%

13 ديسمبر 2019

توصل الطرفان إلى أتفاق (المرحلة الأولى) التجاري والاقتصادي الذي يتضمن الإلغاء التدريجي للرسوم وقيام الصين بإنفاق 50 مليار دولار لشراء سلع زراعية أمريكية.

سبتمبر 2019

رفعت الولايات المتحدة التعريفة الجمركية على قرابة 125 مليار دولار من السلع الصينية، وقامت الصين بفرض تعريفات جمركية إضافية تغطي واردات أمريكية بقيمة 75 مليار دولار

المصدر: من إعداد الباحث

    دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي الرئيس بايدن في 22 فبراير 2021م، إلى رفع القيود المتعددة التي فرضها دونالد ترامب. وحث إدارة بايدن على رفع العقوبات المفروضة على التجارة والاتصال بين الناس، بينما طالبها بوقف التدخل في الشؤون الداخلية للصين. وتظل المفاوضات بين الجانبين جارية لكنها لا تزال متقلبة. وتزداد شقة الخلاف بينهما بشأن قضايا، من بينها كيفية التراجع عن التعريفات الجديدة والتوصل إلى اتفاق.

   ومن الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة تستورد من الصين باستمرار أكثر مما تصدره إليها، مع ارتفاع العجز التجاري السلعي الأمريكي مع الصين خلال العشر سنوات المنصرمة والذي وصل إلى أعلى مستوى له عام 2017م، حيث بلغ 375.6 مليار دولار، ثم انخفض في عامي 2019 و2020م، ليعاود العجز بالارتفاع عامي 2021 و2022م، وذلك لبروز نية لدى الرئيس بايدن برفع الرسوم الجمركية التي فرضها سلفه ترامب على السلع الصينية.

جدول (2) التبادل التجاري السلعي للولايات المتحدة من جمهورية الصين الشعبية (2015-2023) مليار دولار

السنة

الصادرات

الواردات

إجمالي التبادل التجاري

العجز في الميزان التجاري

2014

123.7

468.5

592.2

-344.8

2015

115.9

483.2

599.1

-367.3

2016

115.6

462.4

578.0

-346.8

2017

130.0

505.2

635.2

-375.2

2018

120.3

528.5

648.8

-418.2

2019

106.5

449.1

675.9

-342.6

2020

124.6

432.5

557.1

-307.9

2021

151.4

504.9

656.3

-353.5

2022

154.0

536.8

690.8

-382.9

2023

147.8

427.3

575.1

-279.4

(يناير، فبراير، مارس) 2024

36.9

97.6

134.5

-60.8

https://www.census.gov/foreign-trade/balance/c5700.html

 

  ومن المتوقع استمرار العجز في الميزان التجاري السلعي الأمريكي مع الصين خلال العام الحالي، حيث بلغت قيمة العجز في الفصل الأول من عام 2024م، نحو (60.8) مليار دولار، حيث بلغت الصادرات الأمريكية (36.9) مليار دولار، بينما استوردت من الصين ما قيمته (97.6) مليار دولار.  

 

شكل (1) العجز في الميزان التجاري السلعي الأمريكي مع الصين (2015-2023م) مليار دولار

  المصدر: تم إعداد الشكل من الباحث بالاعتماد على:

https://www.census.gov/foreign-trade/balance/c5700.html#2023

  وغني عن البيان فإن الحرب التجارية الأمريكية ــ الصينية قد خلقت نوعًا من المنافسة السلبية تلحق الضرر بالاقتصادين الأمريكي والصيني، لأن الضرائب الجديدة تجعل الواردات أعلى سعراً، وبالتالي يضطر المستهلكون لسداد أسعار أعلى وشراء سلع أقل. ويترتب على ذلك تراجع في مجمل الحركة التجارية، ويتراجع معها النمو الاقتصادي في كلا البلدين.

    وتستعد الولايات المتحدة الأمريكية لفصل جديد في الحرب التجارية مع الصين، ولكن من فوق منصات الطاقة، حيث تجري ترتيبات تهدف إلى حظر صادرات الغاز الطبيعي المسال إليها، بهدف جعل منتجاتها أكثر كلفة، بما يحد كثيراً من تنافسية سلعها عالمياً، حيث تتهم واشنطن بكين بإغراق أسواقها بالسلع.

ثانياً-أثر الحرب التجارية على الاقتصاد العالمي:

  إن الحرب التجارية الأمريكية ـ الصينية كان لها أثر على مختلف دول العالم وبصور متفاوتة حيث أحدثت انكماشاً على مستوى الاقتصاد العالمي وتراجعًا في معدلات النمو والتجارة العالميين. فطبقًا لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي شهد الاقتصاد العالمي تراجعاً في معدلات النمو من (3.8%) عام 2017م، إلى (2.8%) عام 2019م، ليسجل أبطأ وتيرة للنمو منذ الأزمة المالية العالمية، ويرجع هذا النمو الضعيف إلى تزايد الحواجز التجارية وتصاعد عدم اليقين المحيط بالتجارة.

 

شكل (2) معدل النمو الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي العالمي (2017-2020م) %

Source: International Monetary Fund(IMF), World Economic Outlook 2023, P.142

 

   وعلى صعيد التجارة العالمية تراجع معدل نموها من السلع والخدمات من (5.5%) عام 2017م، إلى (1%) عام م،2019م، مع تراجع معدل نمو التجارة السلعية من (3.7%) عام 2018م، إلى (0.9%) عام 2019م، نتيجة لزيـادة التوترات التجـاريـة بين الـدول الكبرى، الأمر الـذي أدى إلى تغيرات جـذريـة في خـارطـة التجـارة العـالميـة، والـذي انعكس على حركـة التجـارة وأدى إلى تقلبات غير مســـبوقة في سلاسل التوريد العالمية.

شكل (3) معدل نمو حجم التجارة العالمية للسلع والخدمات (2017-2020م) %

Source: International Monetary Fund(IMF), World Economic Outlook 2023, P.155

وتجدر الإشارة إلى أن الصراع الصيني الأمريكي له بعض التداعيات السلبية على الاقتصادات الأوروبية، يمكن إيجازها بالآتي:

1-تراجع حجم التجارة، لاسيما سلاسل التوريد المتكاملة وقدرات البلدان على استغلال وفورات الحجم، إذ أن فرض الرسوم الجمركية سيعيق قدرات شركات الاتحاد الأوروبي على الانخراط عالمياً وبالتالي ضعف وتراجع إنتاجها وهو ما سيكون له تأثير غير مسبوق في أعمالهم على المستوى المحلي، كما أن المستهلكين في النهاية سيواجهون أسعاراً مرتفعة للسلع. وهناك بعض الدول الأوروبية التي ستتأثر بشكل مباشر من هذا الصراع نظراً للمساهمة الكبيرة لصادراتها في سلسلة التوريد العالمية، خاصة أن أكثر الدول تضرراً هي تلك الدول التي تُورد المواد الخام لدول أخرى، التي تستخدمها في إنتاج السلع للتصدير. 

جدول (3) الدول الأوروبية الأكثر تضرراً من الصراع الأمريكي الصيني

الرقم

الدولة

حجم المساهمة عالميًا

القطاعات الاقتصادية لكل دولة

1

لوكسمبورج

70.8%

تعتمد لوكسمبورج على التجارة بشكل كبير، وتشمل الصناعات الرئيسية فيها الخدمات المصرفية، خدمات المعلومات، الفولاذ، وغيرها من المنتجات الصناعية الأخرى.

2

سلوفاكيا

67.3%

تتميز سلوفاكيا بالخدمة القوية والصناعات الثقيلة والقطاعات الزراعية. وقد كانت تجارتها الخارجية تشهد نمواً سريعاً سنوياً، غير أن الحرب التجارية يمكن أن يكون لها تأثير شديد عليها.

3

هنغاريا

65.1%

لدى هنغاريا اقتصاد موجه نحو التصدير يعتمد بشكل كبير على التجارة الخارجية، الزراعة والسيارات وتكنولوجيا المعلومات والالكترونيات والكيمياويات، وجميعها صناعات رئيسة داخل الدولة.

4

التشيك

64.7

تركز التشيك بشكل أساسي على الهندسة فائقة التكنلوجيا وسيتأثر اقتصادها كثيراً بالحرب التجارية الأمريكية الصينية.

5

إيرلندا

59.2

تُعد إيرلندا موطنًا للمقر الرئيسي لشركة " جوجل" في أوروبا، ويهمين على اقتصادها الخدمات المصرفية والتكنولوجيا الفائقة ويمكنها أن تتأثر بسهولة بأي تقلبات في الاقتصاد العالمي.

 

المصدر: حليمة عطية وآخرون، دراسة تحليلية لأثر الحروب التجارية بين الاقتصاديات الكبرى على الاقتصاد العالمي – الصين والولايات المتحدة الأمريكية، مجلة الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية، المجلد، (16)، العدد (1)، 2024، ص 339

 

2-تهديد تفكيك التعددية العالمية: إن تحدي الولايات المتحدة من موقع القيادة القواعد المتفق عليها في منظمة التجارة العالمية، فإن ذلك سيُهدد صحة وشرعية وربما وجود منظمة التجارة العالمية، حيث دافع الاتحاد الأوروبي دائماً عن هذه التعددية كالسماح لجميع البلدان بالمشاركة على الصعيد العالمي. ثم تأتي تهديدات ترامب لتحطم كل ما تم بناؤه في العقود السابقة وهو ما يُخيف أوروبا.

  وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا قد عملتا سوياً على بناء نظام حكم ليبيرالي عالمي مازال قائما حتى اليوم، ولا تزال الاقتصادات الأوروبية الرئيسة تشارك الولايات المتحدة في منظمات اقتصادية مشابهة في التفكير كمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، ومجموعة العشرين ومجموعة السبع، كما أوروبا تُعد شريكًا تجاريًا كبيرًا للولايات المتحدة.

  وصفوة القول فإن من أهم تداعيات الحرب التجارية الأمريكية ــ الصينية هو ّتحول التجارة من هذين البلدين إلى بعض شركائهم، لكن هذا التحول ينطوي على تفاوت محسوس على صعيد الدول المستفيدة تبعا لعلاقاتها التجارية مع كلا البلدين، إضافة إلى إمكاناتها الإنتاجية والتصديرية.

ثالثا-تأثيرات الحرب التجارية الأمريكية ــ الصينية على الوطن العربي ومنطقة الخليج

     إن السياسات الحمائية التجارية المتخذة من قبل الإدارة الأمريكية والردود المقابلة عليها من المتوقع أن تؤدي إلى انخفاض حجم الصادرات من الدول العربية، وهذا بدوره يؤدي إلى تراكم العجز في الموازنات العامة لمعظم الدول العربية المُصدرة للنفط، ويمكن إيجاز أهم تأثيرات التوتر التجاري بالآتي:

1-تراجع معدلات التجارة الدولية قد يؤثر سلباً على حركة السفن التجارية المارة في مضيق باب المندب في الخليج العربي وعلى قناة السويس والتي تتمثل عوائدها أحد أهم موارد النقد الأجنبي، أما فيما يخص صادرات مصر من الحديد الصلب إلى الولايات المتحدة والتي تبلغ نحو100 مليون دولار فإنها ستخضع للرسوم التي فرضتها الولايات المتحدة على استيراد الحديد الأمر الذي يعرض صادرات مصر لأمريكا من الصلب إلى المزيد من المنافسة. ارتفاع معدل التضخم في الدول العربية ليصل إلى13.9 % عام 2017م، لكن تباطؤ النمو الاقتصادي خفف من حدة الضغوط التضخمية في بعض الدول.

2-انخفضت التدفقات الواردة من الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول العربية إلى 36 مليار دولار في المتوسط خلال (2011-2018م).

3- التراجع المستمر للواردات قبل الحرب التجارية بسبب السياسة الحمائية التجارية الصارمة المتبعة من طرف السلطات المحلية، إلا أن وتيرة الانخفاض برزت أكثر مع بداية الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، ومن جهة أخرى شهدت الصادرات العربية والخليجية ارتفاعًا قبل الحرب التجارية ومع اندلاع الحرب التجارية سنة 2017م، بدأت في الانخفاض، بسبب العلاقات التجارية الأمريكية ــ الصينية بوصفهما من أهم الشركاء التجاريين لدول المجلس ، وبما أن أكثر من ثلثي صادرات دول مجلس التعاون  عبارة عن نفط وغاز، فقد تراجعت مع زيادة حدة التوتر التجاري بين البلدين.

 

رابعاً-الخطط والسياسات والبرامج المطلوبة من دول المجلس للتقليل من أثر الحرب التجارية الأمريكية على اقتصادات الخليج:

من الأهداف الرئيسة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية تحقيق التنسيق والتكامل بين دوله في الميادين كافة، بما في ذلك تنسيق سياساتها وعلاقاتها التجارية تجاه الدول الأخرى، والتكتلات والتجمعات الاقتصادية الإقليمية والدولية، لتقوية مواقفها التفاوضية وقدرتها التنافسية في الأسواق العالمية كما جاء في الاتفاقية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون. وللوصول إلى هذا الهدف، حددت الاتفاقية عدداً من الوسائل من بينها عقد الاتفاقيات الاقتصادية الجماعية في الحالات التي تتحقق منها منافع مشتركة للدول الأعضاء، والعمل على خلق قوة تفاوضية جماعية لدعم مركز دول المجلس التفاوضي مع الأطراف الأجنبية في مجال استيراد وتصدير منتجاتها الرئيسة.

  وفي ظل الاتجاه العالمي نحو إقامة التكتلات الاقتصادية، وتزايد قوى العولمة وما تضمنته من تحرير للتجارة والاستثمار، وبات لزاماً على دول المجلس أن تتبنى استراتيجية موحدة لعلاقاتها مع الدول والمجموعات والمنظمات الاقتصادية والإقليمية والدولية، مبنية على التعامل مع هذه المستجدات بصورة جماعية. لذا، وافق المجلس الأعلى في دورته (21) في المنامة 2000م، على الاستراتيجية طويلة المدى لعلاقات ومفاوضات دول المجلس والتكتلات الإقليمية والمنظمات الدولية.

   ومن هذه المنطلقات بدأت الاتصالات بين دول المجلس وعدد من الدول والمجموعات الدولية بقصد خلق الوسائل لتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية معها، حيث سعت دول مجلس التعاون خلال العقدين المنصرمين لإقامة مناطق للتجارة الحرة بينها وبين الصين واليابان والهند ودول الاتحاد الأوروبي، كما عملت على تنويع شراكاتها مع العديد من التكتلات والتجمعات الاقتصادية كتجمع الممر الاقتصادي بين الهند والخليج و أوروبا الذي يهدف إلى إنشاء خطوط للسكك الحديدية، وربط الموانئ البحرية، لتعزيز التبادل التجاري وتسهيل مرور السلع. وكذلك مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، حيث شهدت العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والآسيان في السنوات الأخيرة طفرة كبيرة في مختلف المجالات، لا سيما في المجالين الاقتصادي والتجاري، ما جعل آسيان من أبرز الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون.وتكمن أوجه التقارب بين رابطة آسيان ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، في كونهما منطقتان جغرافيتان مؤثرتان، فموقع دول مجلس التعاون الخليجي يكتسب أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة، من حيث ممرات حركة التجارة الدولية، علاوة على امتلاك دول مجلس التعاون الخليجي أكبر احتياطي نفطي في العالم يقدر بـــ (ـ33%) من إجمالي الاحتياطي العالمي، فيما تصدر خمس دول من المجلس نحو (18%) من احتياجات العالم من النفط. أما رابطة آسيان فيبلغ عدد سكان دولها نحو 700 مليون نسمة، أي ما يعادل (8.8 %) من سكان العالم.

  إن حجم استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في دول رابطة آسيان بلغ حوالي 13.4 مليار دولار في الفترة بين يناير 2016 وسبتمبر 2021م، كما أن سنغافورة، وهي أحد أعضاء آسيان لديها اتفاق للتجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي يعود إلى عام 2008م، ويغطي حوالي (99%) من السلع المحلية السنغافورية، وقد دخل حيز التنفيذ في عام 2013م، ولا يزال في طور الاقتراح اتفاقان منفصلان للتجارة الحرة بين ماليزيا وإندونيسيا مع دول مجلس التعاون الخليجي.

  وتسابق دول مجلس التعاون الزمن، نحو الاستثمار في دول آسيان، فقد توجهت شركة البترول الكويتية إلى قطاع الطاقة في جنوب شرقي آسيا من خلال مشروع مصفاة النفط المشتركة في فيتنام، وشراكة مع شركة بيرتامينا الإندونيسية، لتطوير مجمع مصافي للنفط في شرق جزيرة جاوا الإندونيسية. وأعلنت شركة أرامكو السعودية استثمارات تبلغ قيمتها 7 مليارات دولار مع بتروناس للبتروكيماويات في ماليزيا في عام 2017م، وهي تمثل أكبر استثمارات للشركة السعودية خارج المملكة. وعلى صعيد مقابل، تسعى دول رابطة جنوب شرق آسيا لزيادة وارداتها من دول مجلس التعاون الخليجي التي كانت تبلغ (6%) فقط خلال الفترة بين عامي 2016 و2020م، وحسب تقرير اقتصادي صادر في العام 2021م، مثلت الإلكترونيات 28% من واردات دول مجلس التعاون من الرابطة، تليها الآلات بنسبة (12%).

   وتسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى تأسيس شراكة استراتيجية مع دول آسيا الوسطى من خلال توسيع نطاق العلاقات التجارية والاقتصادية معها وزيادة حجم التبادل التجاري بين الجانبين وزيادة تدفق الاستثمارات وتبادل الخبرات. وقد انبثقت عن القمة الخليجية مع دول آسيا الوسطى التي عقدت في يوليو 2023م، خطة عمل مشتركة للفترة من (2023 ــ 2027م). وأكد البيان الختامي للقمة الخليجية في المجال الاقتصادي، على أهمية استمرار بذل الجهود لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي وتشجيع الاستثمار المشترك، من خلال تعزيز العلاقات بين المؤسسات المالية والاقتصادية، وقطاعات الأعمال لدى الجانبين لاستكشاف مجالات التعاون والفرص المتاحة. كما وأشار البيان الختامي إلى تحقيق التكامل بين الفرص المتاحة وتطوير مجالات الاستثمار، وبحث الأولويات التنموية وتبادل الخبرات في ضوء خطة العمل المشتركة وأهمية تطوير طرق النقل المتصلة بين المنطقتين، وبناء شبكات لوجستية وتجارية قوية، وتطوير أنظمة فعالة تسهم في تبادل المنتجات.

  وفي الختام نقول بأن تشابك المصالح الاقتصادية الصينية ــ الأمريكية والتقائها في بعض المصالح التجارية قد يؤدي إلى عقلنة النزاع التجاري العالمي الحالي والمساعدة في إيجاد تسويات ترضي وتلبي مصالح القطبين الاقتصاديين الصين والولايات المتحدة. وإذا ما اشتد النزاع التجاري وتصاعد فقد يقود إلى خسارة لجميع الشركات الدولية الكبرى، الولايات المتحدة، الصين. الاتحاد الأوروبي، معظم الاقتصادات النامية والأسواق الناشئة بضمنها الاقتصادات الخليجية، مع الأسف ليس هناك فائزون في النزاع التجاري العالمي.


 

مقالات لنفس الكاتب