array(1) { [0]=> object(stdClass)#13142 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

العقبات ضد الصين تزيدها إصرارًا على التنمية السلمية لعزف مقطوعة موسيقية عالمية يدوي صداها في العالم

الأربعاء، 29 أيار 2024

في ورقة منشورة تحت عنوان "تحليل اقتصادي لآثار الصراع الصيني الأمريكي التجاري" تم تحليل آثار الحرب التجارية بين الصين وأمريكا على العالم، كما تم التطرق إلى حالة "عدم اليقين" التي تسيطر على الساحة الدولية والتي قد تكون أحد أسبابها هي آثار تلك الحرب. وهو ما يفاقم المشاكل التي تعاني منها معظم دول العالم، وذلك بعد تأثير حدثين مفصليين على الاقتصاد العالمي، الأول آثار جائحة كورنا التي بدأت عام 2019م، والتي لم تزل آثارها قائمة حتى اليوم على الرغم من ظهور بعض التعافي في بعض المناطق. والثاني هو الصراع الروسي / الأوكراني والذي زاد أيضًا من "عدم اليقين" وساهم في قطع سلاسل الإمداد. هذا بالإضافة إلى ما حصل مؤخرًا في الشرق الأوسط من توترات لا سيما في منطقة البحر الأحمر بعد 7 أكتوبر الماضي. ترافق كل ما سبق مع محاولات من قبل الإدارة الأمريكية لوضع عقبات في حركة العملية التجارية من خلال فرض قيود في وجه الصين والصناعات الصينية. ولعلّ ما حدث مؤخرًا فيما يتعلق بما يسمّى بـ"القدرة الإنتاجية الفائضة" هو أوضح مثال على ذلك. محاور مختلفة سيتم التطرق إليها خلال هذا المقال، منها: اختلاف النظرة إلى التجارة الدولية بين كل من الصين والولايات المتحدة، والعراقيل التي تضعها واشنطن في وجه الصين، وكذلك الاستراتيجيات الصينية للتصدي لتلك العقبات.

اختلاف النظرة إلى التجارة الدولية بين الصين والولايات المتحدة

قام النظام التجاري العالمي سابقًا على مبدأ يركّز على استخراج المواد الخام والثروات الباطنية من الدول النامية، ومن ثم تصنيعها في الدول المتقدمة على هيئة منتجات نهائية، ومن ثم إعادة تصديرها إلى دول العالم المتأخر بأسعار مرتفعة. وهو ما كان يساهم في نهب ثروات تلك الدول لأنّ موادها الأولية تُصدّر بأسعار منخفضة جدًا، أو مقابل مبادلات تجارية لا تصب في مصالحها الوطنية الاقتصادية، وبالتالي لا تساهم في تنميتها المحلية. وفي الوقت ذاته تبقى تلك الدول محرومة من عملية التصنيع أو توطين بعض الصناعات فيها لأنها يجب أن تبقى دولا متخلّفة من وجهة نظر الدول المهيمنة وتحافظ على تخلّفها بأدوات السيطرة التجارية تلك. وهو ما يُفضي في الوقت ذاته إلى استبعاد تلك الدول المتأخرة من حلقة المبادلات التجارية الحقيقية، على أن تصلها المواد المصنّعة الجاهزة بأسعار مرتفعة ولفئات معينة من ساكنيها، فئات تملك المال أو الثروات في تلك الدول. وأما اليوم وبعد ظهور الصين على الساحة الدولية كدولة مهمة ولا غنى عنها في معظم الحلقات التجارية، بدأت تنكسر حلقات الاحتكار العالمية تلك. وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى فكرة "توطين الصناعة" التي تعمل الصين عليها بالاتفاق مع بعض الدول، بما يفضي إلى تحقيق مكاسب مشتركة لجميع الأطراف، وبما يؤدي إلى توسيع الحلقات التجارية إلى أماكن أخرى من العالم

، بحيث أن الدول النامية والتي تملك إرادة داخلية ستصبح قادرة مستقبلا على تصنيع بعض المنتجات لزيادة وتنويع صادراتها.  ما سبق يعني أن تلك التجارة والتي تشمل الدول النامية ستكسر الحلقة التجارية العالمية المغلقة المحصورة بالدول التي تُصنّف على أنها دول صناعية كبرى وفقًا لمصطلحات النظام العالمي السابق، وهو مسؤولية صينية بالدرجة الأولى لأن الصين هي أكبر دولة نامية. ما يؤكد الفكرة السابقة هو ما أشار باحث بريطاني إلى أن العالم قد دخل العصر الرقمي، إذ أصبح عصر التكنولوجيا أكثر تقدما من أي مرحلة مضت من مراحل تطور المجتمع البشري ومع ذلك، فإنه خلال عملية التواجد والتنمية المشتركة بين مختلف دول العالم في القرية الأرضية، ظهرت مفارقة نموذجية في المجتمع الرأسمالي. المفارقة هي أن جمهورية الكونغو الديمقراطية، باعتبارها واحدة من أغنى البلدان في العالم من حيث الموارد الطبيعية، هي أفقر بلد في العالم. ومن بين الصناعات العالمية الأكثر تقدمًا في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تكاد لا توجد شركات إفريقية، في الوقت الذي لا يمكن فيه لشركات العالم الغربي الأكثر تطورًا من الناحية التكنولوجية أن تستمر بدون الموارد المعدنية لجمهورية الكونغو الديمقراطية.  وإذا أردنا تلخيص أسباب هذه المفارقة، فإنه وبغض النظر عن النتيجة، لا يمكن الحديث عن الأسباب دون التطرّق إلى حقيقة أن جمهورية الكونغو الديمقراطية، هي حلقة لا غنى عنها في سلسلة صناعة التكنولوجيا الرقمية العالمية، إذ أنها مكان تُستخرج منه المعادن، فهي المورد الأساسي لها قد يكون ما حدث مؤخرًا فيما يتعلق بمنتجات الطاقة الخضراء والطاقة المتجددة خير مثال على اختلاف النظرة إلى المبادلات التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية. ففي الوقت الذي مهّدت فيه الصين مرارًا لأهمية التوجه نحو منتجات الطاقة من جوانب متعددة من أهمّها التغير المناخي الذي بدأت آثاره تتّضح يومًا بعد يوم كانت الولايات المتحدة الأمريكية توقّع اتفاق الخروج من اتفاقية باريس للمناخ. فالصين لم تقم بالتصنيع لمنتجات الطاقة المتجددة بشكل عشوائي، بل سبق إطلاق هذا النوع من المنتجات إشارات عديدة حول ضرورة التوجه نحو نوع جديد من التعاطي مع المحيط البيئي. وهنا لا بدّ من ذكر عدة نقاط قد تعطي فكرة عن كيفية التفكير الصيني في مختلف المنتجات وليس فقط في منتجات الطاقة المتجددة. ولنتخذ تلك المنتجات (الطاقة المتجددة) كمثال:

  • معظم المبادرات التي أطلقتها الصين مؤخرًا مثل مبادرة الأمن العالمي ومبادرة التنمية العالمية، كانت تشير إلى أهمية التوجه نحو حماية البيئة فيما ظل ما يحدث اليوم من تغيرات مناخية. يعني مثلًا مبادرة الأمن العالمي كانت قد نصّت أن الأمن في عالم اليوم لم يعد أمنًا تقليديًا بل هو أمن بيئي أيضًا، ولهذا يمكننا القول إن الموضوع قد سبق وتم التحضير له بناء على قاعدة فكرية مشتركة تشمل الجميع وتصب في مصلحة المصير المشترك للبشرية.
  • مشاركة الدول النامية بهذا النوع من المنتجات هو أمر مهم، مثلا يوجد تقرير بأن الصين ستصدر طاقة الرياح والطاقة الكهروضوئية إلى أكثر من 200 دولة حول العالم، مما يساعد البلدان النامية في الحصول على طاقة نظيفة وموثوقة وبأسعار معقولة، وهو ما سيساعد الدول النامية على تخطي عقبة الطاقة والتغير المناخي، خاصة وأن تلك الدول هي دول غارقة في مشاكلها، لا تملك رفاهية التفكير في هكذا أمور ولذلك هكذا منتجات ستساعدها.
  • على الصعيد الداخلي، الصين تعهدت بتخفيض انبعاثات الكربون، وبأنهاستصل إلى ذروة الانبعاثات الكربونية قبل عام 2030م، وستحقق الحياد الكربوني بحلول عام 2060م، وقد بلغ مستوى توليد الطاقة المتجددة في الصين ما يعادل خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المحلية بنحو 2.26 مليار طن. 

إذا أردنا النظر بشكل موضوعي وشامل، نرى بوضوح أن هذا العالم بالفعل بدأ يتغيّر، والتعدد القطبي في العالم بات مؤثرًا بدرجة كبيرة، فإن كان هناك من يريد القول إن الصين تغرق العالم بتجهيزات الطاقة النظيفة، فإن الدول الأخرى أغرقت العالم بالحروب وما نتج عن هذه الحروب من تلوث للبيئة، هذا بالإضافة إلا أن القدرة الإنتاجية المكثفة هي ليست إغراق، هناك خلط في المفاهيم. وهي فكرة بسيطة عن الممارسات التي تشكل الفارق بالنظرة إلى عموم مفهوم التجارة العالمية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.

وأيضًا فيما يتعلق بضرورة وضع ضوابط لوصول البضائع الصينية إلى الأسواق الأوروبية، يجب الإشارة إلى أنه وبعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001م، وهي المنظمة التي تسهّل العمليات التجارية بين مختلف الدول، فإنها أجرت الكثير من التغييرات في مؤسساتها، وهو ما أشار إليه النائب السابق للمثل الدائم لبعثة الصين لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف إذ قال: "جدّدت الصين قوانينها، من أجل جعل نظامها القانوني وقواعدها متوافقة مع قواعد منظمة التجارة العالمية، لقد نفّذت كل قرار صادر عن هيئة الاستئناف التابعة للمنظمة، بما في ذلك الأحكام غير المواتية التي تطلّبت منها إجراءات مؤلمة". هذا بالإضافة إلى أنه قد تم فتح الأسواق الصينية وذلك كجزء من الالتزام بانضمامها إلى المنظمة. وهو ما يعني أن الصين أصلاً قدمت الكثير من التسهيلات لوصول بضائعها من الدول الأخرى. ولكن قد تكون المعضلة أنه عندما تستورد الولايات المتحدة باستمرار من الصين أكثر مما صدرته إليها، وعندما يرتفع العجز التجاري الثنائي للولايات المتحدة في البضائع مع الصين إلى 375.6 مليار دولار كما حصل في عام 2017م. تعود الولايات المتحدة الأمريكية إلى التفكير في كيفية مقاطعة البضائع الصينية، علمًا أنه في الوقت الذي كانت تقوم فيه الصين بالعمل على تنمية صناعاتها كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتابع سلسلة حروبها في الشرق الأوسط وأماكن أخرى من العالم.

نقاط القوة والضعف لدى كل جانب

لعلّ التغير العالمي الذي يحصل اليوم هو من أهم نقاط القوة لدى الجانب الصيني، فعالم اليوم لم يعد عالمًا يحكمه قطب واحد، وقد تكون المرونة الصينية في التكيّف والتعامل والتعاطي مع الوقائع من أهم نقاط القوة. هذا بالإضافة إلى أن الصين وعبر كل ما تقوم به في الداخل وعلى الأراضي الصينية من مواظبة على تنمية الابتكار في المجالين الصناعي والتكنولوجي تجعل من الصعب على الدول الأخرى أن تعمل على فك الارتباط حتى ولو رغبت بذلك لأسباب سياسية، فمثلًا أشار مؤشر الابتكار العالمي لعام 2016م، الذي أصدرته المنظمة العالمية للملكية الفكرية، إلى أن القدرة الشاملة للابتكار الصيني احتلت المرتبة الخامسة والعشرين من بين 141 دولة، مسجلة المرتبة الأولى بين الدول المتوسطة والعالية الدخل ومتجاوزة بعض الدول العالية الدخل. ظهرت عبارة "فك الارتباط" عن الصين في عام 2020م، وتبعها عدد من الدراسات مثل ما نشره "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" في لندن والذي توصّل إلى نتيجة في ختام التقرير إلى أنّ فك الارتباط الكامل مع الصين غير مجد اقتصاديا و، لبعض الدول، سياسيًا. وذلك لأسباب متعددة منها السلع الصينية التي باتت تُنتج بجودة عالية وبأسعار متوازنة، فلم تعد النظرة العالمية إلى المنتج الصيني على أنه منتج رخيص بجودة سيئة، بل أصبح المنتج الصيني، منتجًا بأسعار متدرجة وبجودة تتناسب مع القيمة السعرية.

وأيضًا فيما يتعلق بنقاط القوة، فإن التكتلات العالمية التي بدأت تنشط مجددًا بما لها من آثار جيوسياسية من الناحية التجارية ستكون نقاط قوة مهمة في يد الصين. ونذكر منها: التعاون بين دول الجنوب، منظمة شنغهاي للتعاون، مجموعة BRICS، ومجموعة الآسيان.

أما فيما يتعلق بنقاط الضعف لدى الولايات المتحدة الأمريكية قد تتمركز في ضعف مواءمتها للنظام العالمي الجديد. لا سيما وأن النظام العالمي الجديد والشكل الجديد للقوى العالمية يفرض متطلبات جديدة في مختلف المجالات لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على تلبيتها.  وهو ما يعني أنّ الاستمرار في النهج ذاته وعدم القدرة على التكيف مع التغيرات العالمية، ومواجهة مشاكل اليوم بأساليب وطرق الأمس، سيؤديان إلى المزيد من العقبات وتحديدًا في الجانب التجاري. وهو أيضًا في الوقت ذاته ما يمكن أن يشكّل عقبات في وجه الصين أيضًا، لا سيما وأن العالم اليوم هو ليس بدول منعزلة، فالمشاكل التي تحدث في مكان ما ستؤثّر بالطبع على المكان الآخر. ولذلك نادت الصين مرارًا ولم تزل بأهمية إقامة تعاون بين دول العالم بما يؤدي إلى مصلحة مشتركة للجميع. ولعلّ أكبر دليل على الأثر المتبادل بين الدول هو ما قالته مؤخرًا وزيرة التجارة الأمريكية "جينا رايموندو": "إن تجارتنا مع الصين تربو على 700 مليار دولار كل عام، وهو ما يدعم مئات الآلاف من الوظائف في الولايات المتحدة. لذا فإن أي شيء يمكننا القيام به في التجارة مع الصين يخلق فرص عمل في الولايات المتحدة أو يساعد على تحقيق ذلك، فنمو الشركات الأميركية والابتكار أمر جيد".

أخيرًا حول هذه النقطة: قد لا يكون من الجيد تصنيفها على أنها نقاط قوة، إلا أن ما تضعه الولايات المتحدة في وجه الصين من عقبات، قد يكون بالنسبة لأمريكا نقاط قوة. فمثلًا: صرّح عدد من المسؤولين في الاتحاد الأوروبي أنه على الرغم من رغبتهم في أن تكون التجارة مع الصين قائمة على نوع من التوازن، لا سيما وأن العجز التجاري لصالح الصين وصل إلى 400 مليار يورو، إلا أنهم يرغبون في الوقت ذاته في أن يكون التعامل التجاري مع الصين مختلفًا عما ترغب به الإدارة الأمريكية. وهو ما يعني أن الإدارة الأمريكية بالإضافة إلى ما تضعه من عقبات بشكل مباشر في التعامل التجاري مع الصين، فإنها تستخدم نفوذها السياسي من أجل دفع الدول إلى الحد من التعاون الاقتصادي والتجاري مع الصين.

العراقيل التي تضعها أمريكا في وجه الصين والاستراتيجيات الصينية

من المفيد ذكر مثال بسيط حول الرؤية الصينية للتعامل مع مختلف العقبات، والتي يمكن القول إن تلك الرؤية تشكّل جوهر معظم الاستراتيجيات والتي هي القوة القائمة على الابتكار. فعلى سبيل المثال عندما يُصرّح بعض المسؤولين في الاتحاد الأوروبي أنهم يرغبون بحماية أنفسهم من الغزو الصيني للأسواق الأوروبية، يُمكن طرح السؤال التالي: كيف أصبحت المنتجات الصينية تمتلك قدرة الوصول تلك. ويمكن أن تكون الإجابة أبسط مما هو متوقع، والتي هي أنّ الصين قد عملت على حماية نفسها في السابق وحتى اليوم من خلال تطوير منتجاتها، تلك المنتجات التي أصبحت اليوم مصدرًا لا غنى عنه للكثير من الدول. وبالتالي يمكن القول إن قانون البقاء أصبح للأفضل وليس للأقوى، وبذلك فإن اليوم يتحول العالم تدريجيًا من عالم تحكمه شريعة الغاب والقوة إلى عالم لا بدّ من أن يعترف بطريقة أو بأخرى أن القوّة هي المعرفة والابتكار. 

الحزام والطريق مثال على الجدارة

في عام 2013 م، عندما أطلقت الصين مشروع الحزام والطريق كانت تعي تمامًا أهمية إقامة هذا النوع من المشاريع لدول العالم النامي من أجل إقامة الترابط والتواصل بين الدول. هذا بالإضافة إلى أن المجتمعات النامية في الدول المتأخرة تحتاج إلى تراكم في بناء البنى التحتية قبل القيام بالتوجه نحو الصناعة، لأنها رأس المال الأول للتنمية.  من جهة أخرى ومنذ إطلاق مشروع "الممر الهندي / الأوروبي" رأى بعض المحليين السياسيين والاقتصاديين أن هذا الممر هو تهديد للحزام والطريق لأنه سيشكل تنافسًا كبيرًا لا سيما من الناحية الجيوسياسية، على سبيل المثال رأى بعض الاقتصاديين أنه سيساهم في تقليل اعتماد الهند على الصين في مجالي التجارة والاستثمار مثلًا، هذا بالإضافة إلى أنّه غالبًا ما سيعزّز علاقة الهند مع الولايات المتحدة وأوروبا، ولكن ووفقًا للرؤية الصينية من حق جميع الدول أن تنوّع شراكاتها الاقتصادية والسياسية بما يخدم مصالحها شريطة ألا تهدد الدول الأخرى. واليوم انضمت معظم دول العالم إلى مبادرة الحزام والطريق بما فيها الدول العربية، وعلى سبيل الجدارة، فإن الأجدر بين المشاريع المطروحة هو الذي سيستمر ويبقى، هذا البقاء الذي أصبح مشروطًا بتقديم فائدة مشتركة لجميع الأطراف المنضمة، والأهم من الناحية التجارية هو تحقيق الترابط، من أجل تسهيل نقل البضائع والسلع، وكذلك إشراك الدول النامية بالعمليات التجارية. إذا الفكرة الأساسية التي يقوم عليها طريق الحرير، أن المناطق النائية البعيدة غالبًا ما تُحرم من التنمية الحقيقية، نتيجة لوجود طرق نقل غير ملائمة، ولذلك لا بد من تحقيق الربط أولا عبر إقامة بنى تحتية لتبدأ بعدها العمليات التجارية والاستثمارية. بناء على ما سبق فإن مختلف العراقيل التي تضعها الولايات المتحدة في وجه الصين سواء من خلال العقبات الجيوسياسية أو التجارية ستخضع لحوكمة الجدارة، وختامًا لهذه الفكرة لا بد من الإشارة إلى أن الجدارة في هذا السياق هي ليست جدارة الاستيطان والتوسّع بل هي جدارة انتشال الدول المتأخرة من فقرها.

القوة العالمية في النظام العالمي

كما ذُكر في السابق فإن مفهوم القوة عمومًا في الساحة الدولية اليوم، بدأ يتحول إلى مفهوم يتطلب الجدارة لا العنف، فما يعانيه العالم اليوم من تحديات يفرض وجود قوة غير عسكرية، أو بالأحرى إضافة إلى القوة العسكرية يفرض وجود قوى أخرى كالقوة الاقتصادية مثلًا. عمومًا تعددت التحليلات السياسية والعسكرية والاقتصادية بشأن ما يتعلق بنموذج القوة الذي سيكون عليه العالم في المرحلة القادمة. فقد رأى البعض أنه وبسبب التقدم التكنولوجي قد تكون الحرب القادمة بشكل أساسي هي حرب تكنولوجية طويلة الأمد وباردة لا سيما وأن الحرب النووية قد تؤدي إلى آثار كارثية ومدمّرة على الجميع. وبالتالي فإن التوجه نحو عسكرة التكنولوجيا من الممكن أن يكون بديلًا عن الحروب العسكرية المباشرة. كما رأى البعض الآخر أن الحرب القادمة من المحتمل أيضًا أن تكون حربًا اقتصادية وتجارية خاصة وأن الاقتصاد اليوم هو بمثابة قوة ناعمة، وبذلك تبقى القواعد العسكرية المنتشرة في مختلف دول العالم والتابعة لمختلف القوى بمثابة قوى ردع. عمومًا فإن النظرة الصينية إلى هذا الأمر تختلف عن نظيرتها الأمريكية، فالصين لا ترى أن الحروب مجدية، ولذلك غالبا ما تنادي بالمسؤولية والسلام. وتحديدًا فيما يتعلق بدول العالم العربي، إذ ترى الصين أن تلك الدول هي دول لها سيادتها، ويحقّ لها أن تحمي نفسها وفقًا لظروفها الوطنية، وهو ما يناهض ما قاله الرئيس الأمريكي في زيارته إلى جدة في يونيو 2022م، عندما صرّح "جو بايدن" قائلًا: “إننا لن نغادر ونترك فراغًا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران”.. بل على العكس ترى الصين أنه يجب على المناطق أن تزدهر بأهلها، وهو ما تم تأكيده مرارًا. كما ترى الصين دائمًا أنه لا يوجد فراغ في الشرق الأوسط، ولا تسعى أبدًا إلى تحقيق أي مصالح جيوسياسية، فشعوب الشرق الأوسط هي التي تملك مستقبلها ومصيرها. في اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس الصيني "شي جين بينغ" مع وزير الخارجية الأمريكي "انتوني بلينكن" أشار الرئيس الصيني إلى أن "الصين لا تخشى المنافسة، ولكن هذه المنافسة يجب أن تكون منفعة متبادلة بين الجانبين، بما يقود إلى تحقيق تنمية مشتركة، وهو ما يعكس وجهة النظر الصينية حول المنافسة والقوة.

عمومًا يمكن القول إن العالم واجه على مدى العقود الماضية تغيرات كمية أفضت وأنتجت تغيرًا نوعيًا ألا وهو تغير شكل النظام العالمي. فالتعدد القطبي فرض وسيفرض نماذج قوة مختلفة عن التي سادت في السابق، والتي قد تكون تلك الحرب التجارية والاقتصادية إحدى أشكالها.

خاتمة

مهما ازدادت حدة العقبات التي توضع في وجه الصين على مختلف الأصعدة، لا سيما التجارية منها، فإنّ الصين مصرّة على الاستمرار بالتحديث السلمي، وهنا لا بدّ من الإشارة أن التنمية السلمية ليست مقطوعة عزف منفردة للصين وحدها، بل مقطوعة موسيقية عالمية يدوي صداها في كل أنحاء العالم. فهي لم تبتكر نموذج التحديث وتثري الحضارة العالمية وتعزز النمو الاقتصادي والتجاري العالمي والتنمية المتوازنة فحسب، بل أظهرت أيضًا بشكل كامل مسؤولية الدولة الكبرى للصين وعززت دفع النظام العالمي في اتجاه أكثر عدالة.


 

مقالات لنفس الكاتب